|
علماء السوء – التدين المفتعل والسياسة المغامرة
ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)
الحوار المتمدن-العدد: 1036 - 2004 / 12 / 3 - 08:36
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
عندما سئلوا الجنيد البغدادي يوما: - يا أبا القاسم يكون لسان بلا قلب؟ - كثير! - فيكون قلب بلا لسان؟ - نعم قد يكون! ولكن لسان بلا قلب بلاء، وقلب بلا لسان نعمة! وهي فكرة يمكن تطبيقها على حقيقة اللسان الناطق لمختلف تشكيلات وهيئات من دعتهم الثقافة الاسلامية بعلماء السوء. وهو الأمر الذي يجعل من حالهم الفعلي بوصفهم "لسان بلا قلب"، صوتا ناطقا بنفسية المؤامرة والمغامرة الملازمة للعبة "السياسة"، التي تميز العراق في ظروف الانتقال من الحالة التوتاليتارية والدكتاتورية إلى حال الدولة الشرعية والديمقراطية. وهي حالة ليست غريبة على "علماء المسلمين" منذ أن تحولوا إلى "فرقة" متميزة في خدمة السلطان، والتي أطلقت عليها الثقافة الإسلامية تسمية "علماء السوء". وإذا كان من السهل اعتبار "علماء السوء" أنصاف علماء أو كاملي السوء، فإنها تبقى مجرد تقييمات سرعان ما تفقد جزميتها في حال وضعها أمام المقارنة الحية بين العلم والعمل والفضيلة والرذيلة في ثقافات الأمم وتاريخها. وذلك لان "علماء السوء"، شأن كل وحدة متناقضة في تقييمها تستند إلى تراث متعدد الجوانب. وفي حالة الإسلام، فإن فضيلة العلم كانت منذ بداية الأمر وثيقة الارتباط بمنحاه الأخلاقي. إذ ليس العلم في حقيقته الإسلامية سوى علم الدين، أي فقهه. وقد افترض ذلك في أجنته غزل خيوط الوحدة الخفية بين العلم والعمل. حقيقة إن هذه الوحدة لم تكن ملزمة للجميع، أو بصورة أدق إنه ما كان بإمكانها أن تبتدع نفس العناصر الموحدة عند جميع "علماء المسلمين". ولعل تجربة حجة الإسلام الغزالي أحد أهم واعمق النماذج بهذا الصدد. وليس مصادفة أن تكون تجربته في انتقاد "علماء السوء" في تاريخ الإسلام إحدى أهم التجارب المعرفية والأخلاقية الراقية، التي لم تفقد قيمتها مع مرور الزمن. طبعا إن تجربة الغزالي كانت وثيقة الارتباط، من حيث نقدها لشخصية "علماء السوء المسلمين"، بمقدمات معرفية وأخلاقية وبأسباب اجتماعية وسياسية. وهي مقدمات رفعها التصوف إلى مصاف الحقيقة المجردة، الا انها بقت ضمن المسار الواقعي لتجارب الإسلام الثقافي والسياسي، أي أن انتقاده استند إلى ما جمّعته "ثقافة الإخلاص". لكن الغزالي استمد مادته من حيث مضمونها وغاياتها العملية المباشرة من واقع الحياة الإسلامية آنذاك، التي كانت تشير في مجملها إلى معالم الانهيار السياسي والروحي للخلافة. ووجه انتقاده اللاذع إلى هذا الواقع من خلال نقد من دعاهم "بالمترسمين بالعلم"، أي أولئك، الذين استحوذ "على أكثرهم الشيطان وأغواهم الطغيان وأصبح كل واحد يعاجل حظه مشغوفاً. فصار يرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً حتى ظل علم الدين منهم مندرساً. ولقد خيلوا إلى الخلق أن لا علم إلا فتوى حكومة تستعين به القضاة على فصل الخصام عند تهاوش الطغام، أو جدل يتدرع به طالب المباهاة إلى الغلبة والإفحام، أو سجع مزخرف". وهو موقف لم يكن معزولا عن تجربة الإمام الغزالي نفسه بدهاليز "العلم السيء"، الذي أعطى له إمكانية تحديد هوية الوجود الشخصي في حدّه وحقيقته. كما عمّق في الوقت نفسه حساسية الرؤية الانتقادية، التي لم تعد مجرد رد فعل أو مجرد تأمل عقلي بارد، بقدر ما كانت نتاجا لما يمكن دعوته بوهج التقييم الذوقي، الذي يرى كمال العالم في وجوده بما في ذلك نواقصه. لكن إذا كانت النواقص فنوناً وأصنافاً، فإن كسادها في العلم هو تعجرف علمائه، أي كل ما يعطي لجهلهم قوة الهجوم ولرذيلتهم طعم الانتقام. وليس مصادفة أن يقول في إحدى عباراته الحادة بهذا الصدد "كيف "تتجلى أسرار الملكوت لقوم إلههم هواهم، ومعبودهم سلاطينهم، وقبلتهم دراهمهم ودنانيرهم، وعبادتهم خدمة أغنيائهم، وذكرهم وساوسهم، وفكرهم استنباط الحيل لما تقتضيه حشمتهم. فهؤلاء من أين تتميز لهم ظلمة الكفر من نور الإيمان؟! بإلهام إلهي ولم يفرغوا القلوب عن كدورات الدنيا لقبولها؟ أم بكمال علمي وإنما بضاعتهم في العلم مسألة النجاسة وماء الزعفران؟" وسوف يدفع هذا الانتقاد إلى إحدى درجاته القصوى عندما شدد في كتاب "الإملاء" على أنه "لا برّ يجمعهم بل اجتمعوا على الكفر. وأن قلوبهم تصفو على الخديعة والمكر. فهم "الجهال في علمهم، البخلاء من الله بأنفسهم. لا يفلحون ولا ينجح تابعهم. لذلك لا تظهر عليهم مواريث الصدق، ولا تسطع حولهم أنوار الولاية، ولا تخفق لديهم أعلام المعرفة، ولا يستر عوراتهم لباس الخشية، لأنهم لم ينالوا أحوال النقباء ومراتب النجباء وخصوصية البدلاء وكرامة الأوتاد وفوائد الأقطاب". وهي فكرة استقاها من رؤيته الواقعية والأخلاقية تجاه من هو حوله، بعد أن قاسها بمقاييس بديله الإصلاحي الشامل في "إحياء علوم الدين". إذ لم يجد في اغلب من هو حوله من علماء عصره سوى "أهل سخافة ودعوى، وحماقة واجتراء، وعجب بغير فضيلة ورياء، يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا". وربط هذه النتائج المزرية لحالة "علماء المسلمين" المعاصرين له بالجهل بالنفس. فهو المبدأ الضروري والروحي للذات المفكرة. وذلك لأنه لا يمكن بلوغ حقيقة السعادة والحقيقة حسب نظره، خارج وعي الذات أو بمعزل عنها. فهي مقدمة إدراك حقيقة الحق. وآنذاك فقط سيكون بإمكانه معرفة علة أهل الباطل ودواء أهل الضعف وأهل القوة معاً. وإن غياب هذه المعرفة هو السر القائم وراء ما دعاه الغزالي باحتجاب "علماء السوء" بالجهل وسخافاته، والإصرار وتهاونه، ومحبة الدنيا وتطويل الغفلة، وإظهار الدعوى وكبرها ورياءها، أي كل ما يشير إلى حالة الزيف الديني الأخلاقي، التي أفرد لها مقاطع واسعة في كتاباته من أجل إماطة اللثام عنها في ظاهر "علماء السوء" وباطنهم. ولم يقف في انتقاداته الشاملة للزيف بشكل عام وزيف "علماء السوء" بشكل خاص، أي أولئك الذين همهم خدمة السلطان (السلطة) والمناصب، بل وتعداه إلى كافة ممثلي النخب المفكرة، بما في ذلك متصوفة زمانه. إنه أراد الكشف عن أن الوحدة الداخلية بين اطروحات ومبادئ الذات المفكرة وبين ممارساتها العملية هي معيار الحقيقة الأخلاقية. من هنا كان انتقاده لسلوك "علماء السوء" في مختلف الميادين والمستويات مرتبط بنظراته عن طبيعة العلاقة القائمة والواجبة بين العالم والعلم في تأثيرهما الفردي والاجتماعي، العلمي والأخلاقي. فالعالم إما مالك وإما هالك! ومن هنا لا يمكن تذليل التناقض بين الواقع والمثال، والعلم والعمل، إلا من خلال تثوير عالم الروح الأخلاقي وتنويره. بعبارة أخرى إن الغزالي يدرك إمكانية استعمال العلم كوسيلة للعلو الاجتماعي والسياسي في نظر العوام بما في ذلك من جانب العلماء الصالحين، الا أن العلم يتحول في هذه الحالة إلى ما يمكن مقارنته بالخبث الخفي المبطن. وعندما يطالب العلماء بضرورة العزلة وطلب الخمول ودفع الفتاوى فإنه لم يقصد بذلك سوى جبرهم على "امتحان النفس" من أجل امتلاك عنانها. فالحقيقة في نهاية المطاف هي الحق. والحق هو الحقيقة. وهي الفكرة التي وضعها في صلب انتقاده لكل فرق الإسلام، أو ما اسماه بأصناف المغرورين منهم. وهو انتقاد استند إلى تدقيق ومحاسبة تاريخية وروحية وفكرية كبرى للإمام الغزالي رسم الكثير من ملامحها في أغلب كتبه المتأخرة، وبالأخص في "المنقذ من الضلال"، عندما صورها على مثال تجربته الخاصة بهذا الصدد. إذ نعثر فيه على تصوير دقيق لمعاناته النفسية والروحية والفكرية، المترتبة على أزمته الفكرية والأخلاقية. حيث كتب بهذا الصدد يقول: "كنت أجاهد نفسي أن أدرّس يوماً واحداً تطييباً لقلوب المختلفة إليّ، فكان لا ينطق لساني بكلمة واحدة ولا أستطيعها البتة. حتى أورثت هذه العقلة في اللسان حزناً في القلب بطلت معه قوة الهضم ومراءة الطعام والشراب. فكان لا ينساغ لي ثريد ولا تنهضم لي لقمة. وتعدى إلى ضعف القوى، حتى قطع الأطباء طمعهم في العلاج وقالوا: هذا أمر نزل بالقلب. ومنه سرى إلى المزاج. فلا سبيل إليه بالعلاج. إلا بأن يتروّح السر عن الهمّ الملّم". لقد أراد الغزالي القول، بان "عالم الدين" الحقيقي هو من تتكامل فيه وحدة العلم والعمل، أي الحق والحقيقة. فهو الأسلوب الوحيد للتحرر مما دعته المتصوفة برقّ الاغيار، أي التحرر من العبودية لكل ما هو غير الحق. حينذاك فقط يمكن للعلاج أن يأخذ طريقه إلى روحه وجسده. وهو علاج نابع من الذات أولا وقبل كل شئ. بينما لا نرى عند "علماء المسلمين" المعاصرين عقلة في ألسنتهم ولا حزنا في قلوبهم ولا انقطاع شهية في أكلهم وشرابهم! بل على العكس من ذلك، نرى انسياغ الثريد وهضم اللقمة وعدّ الدينار والدرهم (أو بصورة أدق الدولار) على افضل حال. وهو الأمر الذي يشير إلى انهم لم يرتقوا إلى إدراك الحقيقة القائلة، بان الحق هو الحقيقة، والحقيقة هي الحق. أي انهم لم يرتقوا إلى مقام التوبة التي تفترض التحرر كليا من رق الاغيار بالارتقاء إلى مصاف الإخلاص الشامل، أي إلى مصاف الدفاع عن الحق. فالجوهري في الإسلام هو الحق، أي كل ما يفترض وجود النسبة الواقعية والعقلانية للعدل والاعتدال في المواقف تجاه الإشكاليات الفعلية التي تواجهها الأمة. بينما لم يكن "تاريخ" اغلب هيئات "علماء المسلمين" سوى زمن جاهلي في حقيقته! فقد كان الهمّ الشاغل لمكوناتها خدمة السلطان، أي التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. والقضية هنا ليست فقط في أننا لا نعثر بينهم على شهداء على امتداد زمن السلطة البائدة، بل وعلى اعتداد فاضح في "قيادة" المظاهرات للدفاع عن نظام الطاغية، بما في ذلك في حمل السلاح والتلويح به أمام عدسات الكاميرات ووسائل الصحافة والإعلام! وهو الأمر الذي يشير إلى طبيعة وحجم الارتباط المادي والمعنوي بينها وبين التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. بل يمكننا القول، بأنه ارتباط شبه عضوي مبني على الجهوية والطائفية، التي تتغطى الآن بألواح متكسرة مما يسمى بالصراع ضد الاحتلال! وهي كلمة حق يراد بها باطل. فالهم الحقيقي لها ليس سوى "استعادة" الهيبة المزيفة ومصادر الثروة المنهوبة والقرب المتملق من السلطة، التي تعرضت إلى تدمير شبه شامل بعد سقوط التوتاليتارية والدكتاتورية. وليس مصادفة أن نرى هذه الاستماتة العنيدة في "إثبات النفس" على كل مائدة يمكن أن تعطي "أكلها"، سواء كان بأداء "عمل الوسيط" بين مجرم وضحية، و"مقاوم" و"محتل" وسجين وسجان، وخاطف يبحث عن "فتوى" ومستعد للإفتاء وما شابه ذلك. وهو سلوك يدلل على أن هذه الهيئات مازالت تدور في نفس الفلك العام لتقاليد "علماء السوء" العراقية القديمة التي صورها وأدانها الإمام الغزالي قبل حوالي تسعمائة سنة!! فهل هناك من ضرورة للانتظار قرن من الزمن من اجل أن "يظهر لهذه الأمة من يجدد لها هذا الدين"؟ أي هل هناك من ضرورة للانتظار مائة سنة أخرى من اجل أن تكتمل ألفية تامة لكي تتضح معالم الانحراف الشامل عن الحق والحقيقة فيما تمثله مختلف هيئات "علماء المسلمين"؟ أي هل هناك من ضرورة لبراهين وأدلة جديدة لكي يصبح من الضروري بالنسبة لمختلف هيئات "علماء المسلمين" أن تدرك بأنها "هيئات" علماء السوء من اجل إعادة النظر بحقيقة علمها وعملها بما يخدم فكرة الشرعية كما هي في الدولة والمجتمع العراقيين؟! إن المهمة الكبرى التي تقف أمام العراق حاليا تقوم في كيفية الانتقال من العراق التوتاليتارية والدكتاتورية إلى عراق الشرعية والديمقراطية. وهي مهمة الجميع بدون استثناء. لكنها تفترض بالضرورة إعادة النظر بالعلم والعمل من اجل حل إشكالياتها الفعلية. وفي حالة مختلف هيئات "علماء المسلمين" فإن ذلك يفترض التوبة الفعلية من خلال عرض علمها وعملها على نار الإخلاص للحق والحقيقة. وهي مهمة ممكنة التحقيق فقط من خلال حل إشكالية الدين والدنيا بما يخدم بناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي السياسي والمجتمع المدني في العراق. فقد مر العراق الحديث ويمر الآن بنفس الحالة التي تميز بأقدار مختلفة ظاهرة ما ادعوه بالمركزية الإسلامية، أي الظهور والنمو المتزايد "للعامل الإسلامي" في مجمل الحياة الاجتماعية والسياسية والروحية والفكرية للمجتمع. وإذا كانت الحركات السياسية والاجتماعية والفكرية الإسلامية تتمتع بقدر كبير من الاستقلال عن تأثير السلطة المباشر قبل استحكام التوتاليتارية البعثية، فإن الأمر تغير تدريجيا إلى أن اتخذ صيغة نوعية جديدة في ظل الدكتاتورية الصدامية. إذ اصبح "الدين" و"علماء الدين" و"المؤسسة الدينية" أجزاء تابعة للدكتاتورية. وجرى توظيفهم بصورة فجة في مجرى الحرب العراقية الإيرانية وبعدها. بحيث تحول الدين و"الصحوة الإيمانية" إلى أسلوب الابتزاز الشامل ضد الروح والجسد السياسي للفرد والمجتمع والدولة والثقافة. بحيث لم يبق شيئا في الوجود متحررا أو مستقلا أو حتى منزويا أو مختبئا عن حكم واستحكام "ولاية الدكتاتورية". وهو الأمر الذي أعطى لظاهرة "المركزية الإسلامية" في ظروف التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية أبعادا أخرى ونتائج لم تتضح معالمها وحدودها السياسية والاجتماعية بعد، بسبب الدمار الهائل الذي تعرض له المجتمع المدني. فقد كانت إحدى نتائج الخراب الشامل للتوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية تقوم في أن "العلمنة" البعثية و"الصحوة الإيمانية" الصدامية أدتا إلى صنع "كنيستين"،الأولى "كنيسة سنية" حكومية مثلت وتمثلت ما يمكنه دعوته بالتيوقراطية الذليلة. وليست"هيئة علماء المسلمين" الحالية في الواقع سوى التجسيد التنظيمي والفكري والسياسي المعاصر لتاريخ التوتاليتارية والدكتاتورية، التي كان شعارها الفعلي هو "الصلاة وراء الإمام برا كان أو فاجرا". مما جعل من تاريخها الفعلي تاريخ الفجور وتبجيل الطغيان والاستبداد والقهر ومختلف أصناف الرذيلة. والثانية "كنيسة" شيعية شعبية، مثلت وتمثلت ما يمكنه دعوته بالديمقراطية المتمردة، التي تجسدت تنظيميا وفكريا وسياسيا في "الحوزة الدينية"، التي كان شعارها الفعلي الدفاع عن حقوق المظلومين والمستضعفين. وفي هاتين الظاهرتين كانت وما تزال تكمن نقاط القوة والضعف فيهما. بمعنى إفلاس الصيغة التوتاليتارية في بناء المجتمع المدني سواء من خلال "العلمنة" الفاشلة أو التدين الكاذب. وهما كلاهما وجهان لدكتاتورية فجة كشفت الأحداث التاريخية عن رخاوتها الفاضحة. مما يجعل من محاولة تطويعها للدين كما هو واضح في "هيئة علماء المسلمين" درسا للحركة الإسلامية السياسية و"علماء المسلمين" في ضرورة التحرر الفعلي من هيمنة السلطة أيا كان شكلها ومضمونها من اجل الانخراط الفعال في النشاط الاجتماعي الحر بما يستجيب لحقيقة المبادئ الإسلامية الكبرى الداعية للحق والعدالة. كما كشفت الأحداث التاريخية نفسها عما في الظاهرة الشيعية العراقية من عراقة وأصالة في تمثل وتمثيل الفكرة الإسلامية المناهضة للاستبداد والظلم. وهو الأمر الذي جعل من "الحوزة الدينية" خلية سياسية وثقافية هائلة للتماسك الاجتماعي في العراق. مما كان يولد فيها بصورة واعية وغير واعية عناصر تقليدية ونقدية أيضا، للاستمرار الفعلي المتمثل لقيم المجتمع المدني، باعتباره مجتمع الحركة الذاتية الحرة والمقيدة بمعايير الشرعية والقانون. وهي حركة ومعايير كانت تستجيب لنفسية وعقلية العراقيين بمختلف قومياتهم. وفي هذا كانت وما تزل توجد قيمة أخلاقية وسياسية هائلة بالنسبة لبناء مقومات المجتمع المدني البديل في العراق. بمعنى إمكانية العثور على ما يمكن دعوته بالمرجعية الروحية للألفة الاجتماعية وتماسك عروتها الوطنية على أسس الشرعية والحق. وهو الأمر الذي يمكن أن يجعل من التشيع في العراق رافدا هائلا من روافد تمثيل الاستعراق الثقافي، كما أن التشيع في إيران، على سبيل المقارنة، هو التمثل الثقافي للنزعة الإيرانية. وهي صيغة تبرهن على أن التشيع في العراق هو الأكثر تمثيلا للمصالح القومية العليا التي لا تتعارض مع المبادئ الكبرى للإسلام. والقضية هنا ليست في كونه تشيعا، بقدر ما انه مذهب الأغلبية. وهو السبب الذي يذلل فيه نفسية المذهبية الضيقة ويجعل منه بالضرورة كيانا ثقافيا. وذلك لان مذهب الأغلبية عقل، بينما مذهب الأقلية نفس. الا أن التشيع المعاصر، في حال وضعه ضمن معايير الرؤية السياسية والأيديولوجية، فإنه ما زال يعاني من نقص جوهري في قدرته على تأسيس الرؤية الإستراتيجية الواقعية والعقلانية عن المجتمع المدني البديل في العراق. وهو نقص يكمن في بنيته التقليدية الفكرية والاجتماعية والاقتصادية. الا أن من الممكن تذليل هذا النقص في ظروف العراق الحالية والمستقبلية في حال العمل على تحقيق البرنامج الوطني المؤسس، من حيث مقدماته ووسائله وغاياته، على أرضية النقيض التام والشامل للجهوية والطائفية. وهو تحقيق ممكن فقط من خلال المساهمة الحرة والعقلانية في حل إشكالية الدين والدنيا والديني والدنيوي بالطريقة التي تكفل بناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي السياسي والمجتمع المدني في العراق. آنذاك يمكن سحب البساط من تقاليد التدين المفتعل ونفسية المؤامرة ولمغامرة المميزة لعلماء السوء. ومن ثم توجيه نابض الحركة الإسلامية السياسية صوب الأبعاد الواقعية والعقلانية للمركزية الإسلامية بوصفها جزءا من معترك الصيرورة الثقافية الجديدة للعراق وبناء هويته الوطنية. ***
#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)
Maythem_Al-janabi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأجيل الانتخابات ونفسية المصلحة السياسية
-
معارك المدن العراقية - الأبعاد الوطنية والاجتماعية
-
تأجيل الانتخابات أم تأصيل المغامرات
-
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به في طالع الشمس ما يغنيك عن زحل
-
أدب التصوف
-
اسلام الشرق و الشرق الاسلامي
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|