|
فشلوا في الاختبار الأول، وتجاوزا على الدستور
حمزة الجواهري
الحوار المتمدن-العدد: 1036 - 2004 / 12 / 3 - 08:34
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
2004-12-01 أول الدروس التي يجب أن يتعلمها العراقي في العراق الجديد هو احترام الدستور والعمل على هدي منه، ومن لم يتعلم هذه الثابتة فلا مكان له تحت شمس الحرية والديمقراطية في العراق، فإنها القيمة الأثمن والأعظم والتي ترقى إلى حدود القدسية، وهذا لا يعني أن الدستور يجب أن يكون جامدا ولا يجب أن يتغير، ولكن هناك آلية يحددها الدستور نفسه، تبدأ بتقديم المبررات الموضوعية التي يتفق عليها الجميع أولا من أجل تغيير فقرة واحدة أو حتى كلمة واحدة في الدستور، ولكن ليس هذا الدستور، أو ما أسميناه بقانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية. هذه القيمة من قيم المجتمع الديمقراطي يجب أن يتعلمها الجميع الآن وليس بعد أن يتفتت العراق، لا سامح الله. إن قانون الدولة للمرحلة الانتقالية هو بمثابة الدستور المؤقت، وأريد أن أتوقف عند التسمية، فالجميع رفض أن يسميه بالدستور المؤقت لأنه سوف يكون كتلك الدساتير التي بقيت في العراق مجرد وريقات لم يعرف أحد أين وضعت ومن يقرأها أو من يطبقها، وهذا ما جعل الجميع يتطير من التسمية، وكي لا يكون كسابقاته، مؤقتا ولا يحترمه أحد، لذا تم تسميته بقانون الدولة للفترة الانتقالية. ولكن وبكل أسف نجد أحزابا وقوى سياسية وطنية كانت قد ساهمت بصياغته، وسهرت الليالي من أجل أن يصدر في وقته المحدد، ورعته وهللت له وحمدت الله على نجاحها بإصداره في الوقت المناسب، بكل أسف نجد هذه القوى تتجاوز على الدستور بدلا من التفكير بالسبل التي تجعل من عملها متوافقا معه، ففي أول تجربة مواجهة لها مع بنوده، ركلته بأرجلها بذرائع واهية بعيدة عن الموضوعية، وبعيدة حتى اللباقة والدبلوماسية، فأول ما قاله المتحدثين من هذه الأحزاب هو أن القانون غير مقدس ويمكن تغييره، وهذا السلوك يمكن اعتباره بعيد تمام البعد عن قيم المجتمع الديمقراطي. إن مجرد قراءة القانون لإدارة الدولة للفترة الانتقالية نجد الكثير من النصوص التي تمنع العبث بالقانون وأخرى تمنع تغيير موعد الانتخابات، أنتقي منها الفقرة أ من البند رقم 2 من المادة الثانية والتي تنص على الآتي: "إن هذا القانون يعد القانون الأعلى للبلاد ويكون ملزما في العراق كافة، وبدون استثناء. ولا يجوز تعديل هذا القانون إلا بأكثرية ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية الوطنية، وإجماع مجلس الرئاسة. كما لا يجوز إجراء أي تعديل عليه من شأنه أن ينتقص، بأي شكل من الأشكال، حقوق الشعب العراقي المذكورة في الباب الثاني أو أن يمدد أمد المرحلة الانتقالية إلى ما بعد المدد المذكورة في هذا القانون، أو يؤخر إجراء الانتخابات لجمعية جديدة أو يقلل من سلطات الأقاليم والمحافظات، أو من شأنه أن يؤثر على الإسلام أو غيره من الأديان والطوائف وشعائرها." هذا النص في القانون، أو الدستور، ليس الوحيد الذي يضمن عدم تغيير موعد الانتخابات أو إجراء أي تغيير في الدستور، كما أسلفنا، ولكن نجد جهابذة السياسة الجدد يوجهون نيرانهم للدستور في أول مواجهة حقيقية مع بنوده، ويقفون بلا خجل ويعلنوا رغبتهم ومبرراتهم المتهاوية بالتجاوز عليه وكأننا مازلنا في الأزمنة الغابرة التي لا قيمة لآدمي بها أو دستور أو قانون، تماما كما وقف صدام يوما ما وأعلن أنه هو القانون وما يريده يعتبر قانونا، ونسو أو تناسوا أن الدستور يحمي مصالح الشعب من عبث العابثين. إن من يريد تغيير موعد الانتخابات عليه أن يضع بحسابه الخطوات التالية، أولا تغيير عدة بنود في قانون إدارة الدولة للفترة الانتقالية، وهذا أولا غير ممكن، وثانيا حتى لو كان ممكنا فإنه يتطلب موافقة لتغييره من المجلس الوطني والمجلس الرئاسي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أن الموعد لإجراء الانتخابات كان قد حدده مجلس الأمن، وبضغط من الجهات التي تقاتل اليوم من أجل تأجيله، ولكن يمكن أن يتم ذلك ولكن بقرار جديد من هذا المجلس به الموعد، آن ذاك يمكن لهذه الأحزاب والأطراف السياسية أن ترفع دعوتها الغير مشروعة هذه إلى المجلس الوطني والمجلس الرئاسي وليس الحكومة، إذ ليس للحكومة شأن بالتغيير، فلها فقط أن تنفذ ما جاء بقانون إدارة الدولة للفترة الانتقالية وحسب، ولكن بالرغم من هذا وذاك تم طرح تلك الرغبة أمام وسائل الإعلام بطريقة رخيصة ومسرحية لا تنم عن فهم لعواقب هذه الدعوة الخطيرة. الحكومة من جانبها تركت المجال مفتوح أمام تغيير موعد الانتخابات الذي ورد بقانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية غير مبالية بأحد، بالرغم من أنها الجهة الغير مؤهلة لذلك، وعلى عادتها منذ اليوم الأول الذي تسلمت به زمام الأمور في البلد، فإن أول ما وأدته هو قانون إجتثاث البعث الذي ورد بالدستور، وتمادت اليوم أكثر وراحت تتحاور مع البعثيين لتعيدهم إلى السلطة من دون تخويل من أحد، وبذات الوقت تريد وئد الدستور المؤقت بالكامل، كل هذه التجاوزات ولم يمضي على تشكيلها سوى خمسة أشهر، فما الذي ستفعله حكومة الدكتور علاوي لو استمرت خمسة سنوات في العراق؟؟؟ وهل سنثق بمثل هذه الحكومة يا ترى؟ أحد الأحزاب السياسة التي شاركت بهذه المجزرة الدستورية يقف على رأسهم أعرق سياسي عراقي، وربما أكبرهم عمرا ويحمل أعلى شهادة بالسياسة والقانون الدوليين، وعمره السياسي يزيد على خمسة وخمسون عاما تولى خلالها أرفع المناصب في الدولة العراقية وغيرها، وكان يوما ما واجهة للعراق أمام العالم أجمع، نجده يجمع في بيته الأحزاب والقوى التي تعارضت مصالحهم مع بنود الدستور وفي أول مواجهة من هذا النوع ليصدروا بيانهم الشهير، فما الذي يفعله هواة السياسة أو الأميين إذا مادام الدكتور الباججي يفعل ذلك؟ يجلس إلى جانبه سياسي لا يقل أهمية عن الأول وهو الدكتور مهدي الحافظ، السياسي الذي احترمه الجميع من خلال تاريخه السياسي وأدائه في الحكومتين السابقة والحالية، ومع ذلك نجده أحد الراعين لهذا التجاوز التاريخي الخطير على الدستور، وذلك من دون مبرر يمكن أن يحترمه الإنسان، فمن يحمل السلاح ويخل بالأمن لم يقدم بديلا حتى نتفاوض معه ولم نعرف له برنامجا ولا رجالا ولا واجهات سياسية ولا أيديولوجيا، فهم مجرد ملثمين نعرف تماما من يقف ورائهم وماذا يريدون، فهم لا يريدون للعراق أن يكون ديمقراطيا وحسب، والقضاء عليهم ربما يتطلب سنوات، لذا فالتأجيل سوف لن يخلق ظروف موضوعية جديدة لكي تكون مبررا لهذا التجاوز الخطير على أول دستور للدولة الديمقراطية الوليدة، وخلال أعقد مرحلة من مراحل بناء النظام الجديد. فالذي يخل بالأمن سوف يجد أن ما فعله قد أتى أكله، وها هو الدستور يتداعى تحت الأقدام، وها هي الانتخابات تتأجل وسوف تؤجل في المرات القادمة، بل وسوف تلغى تماما، فكيف لا يمضون بغيهم؟؟ فهم يروا رجال العراق الجديد تتخاذل أمام سياراتهم المفخخة وعبواتهم الناسفة ورصاصهم الغادر لرجالات العراق، وحتى الأبرياء من أبناء الشعب، فالذي حصل بلا أدنى شك يعد نصرا للجبناء على الشعب العراقي بالكامل، وقد قدمه لهم حركة الوفاق وحزب الباججي والحزب الإسلامي وشلة من الأحزاب والشخصيات الذين لا وزن لهم، وهكذا نرى سياسيين محترمين يقفون صفا واحدا مع حثالات في مواجهة مع أحد أهم المقدسات في العراق الجديد، ألا يعد هذا نصرا للإرهاب وحثالة البشر، وهزيمة نكراء للسياسيين المحترمين والمحترفين في العراق الجديد؟ إن من يدعوا لتأجيل الانتخابات والتجاوز على قانون إدارة الدولة للفترة الانتقالية غير جدير بقيادة الشعب العراقي وليس له مكان تحت الشمس الجديدة، كما نعتقد أيضا أنهم فقدوا الأهلية كي يرشحوا لخوض الانتخابات ولم يبقى لهم سوى حق التصويت، حيث أن الحق الأخير قد ضمنه الدستور لهم. إذا كانوا من أول مواجهة مع بنود الدستور يريدون التجاوز عليه، فلم إذا يلومون صدام والبعث الهمجي البهيمي؟ ولم يلومون الدول العربية التي تعمل بدون دساتير أو تعبث بها حسب رغبة دكتاتور أو أمير؟ لم نرفض الأنظمة الشمولية؟ أليس لأنها تحتقر الدستور وتتجاوز عليه وقتما تشاء؟ ألا يعتبر هذا التجاوز على الدستور العراقي الوليد جنحة سياسية؟ لم لا تعتبر بمثابة سابقة تسقط عنهم الأهلية بالعمل السياسي حاليا ومستقبلا؟ ومن سيثق بهم ويمنحهم صوتا فيما لو شاركوا بالانتخابات سوى فلول النظام البعثي المهزوم والملثمين الذين لا نعرف من هم؟ من سيسمع لهم رأيا بعد اليوم؟ أنا أدعوا القوى السياسية في العراق أن تحاكم هذه الأحزاب والشخصيات السياسية التي دعت إلى تأجيل الانتخابات وتقتص منهم ليكونوا عبرة لمن اعتبر، وأن يقطعوا دابر الاستهتار بالدستور، فبناء القيم الديمقراطية في العراق هو مسئولية جميع الأحزاب العراقية وعليها اليوم أن تلتفت إلى هذه السابقة الخطيرة وتطهر الفكر السياسي العراقي من تأصلها في العراق الجديد.
#حمزة_الجواهري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المصالحة بين أطياف الشعب وليس مع البعث
-
مناورة تأجيل الانتخابات دعاية انتخابية
-
القصة الحقيقية لانتصار العراق في شرم الشيخ
-
مثلث الموت محاولة جديدة لإثارة حرب طائفية 2-2
-
مثلث الموت محاولة جديدة لإثارة حرب طائفية 1-2
-
رسالة مفتوحة للدكتور علاوي رغم مشاغله
-
رسالة من سيدة سعودية أبلغ من الجاحظ
-
أنقذوا الموصل قبل أن تسقط بأيد الإرهابيين
-
طلع تحليلهم --بوش--
-
رسالة مفتوحة إلى رئيس أعضاء المفوضية العليا للانتخابات في ال
...
-
سياسة تأهيل البعث الفاشلة هي السبب وراء تصاعد العنف في العرا
...
-
هل ستعمل سقيفة شرم الشيخ على تأجيل الانتخابات؟
-
شهوة الموت للشيعة مازالت متأججة وتزداد سعيرا
-
ميلودراما مضحكة حد الاختناق فالموت
-
الأمن الاقتصادي العالمي مقابل أمن واستقرار العراق
-
أيلول الدامي في العراق هروب نحو الجحيم
-
المطلوب مسودة لقانون الاستثمار في صناعة النفط والغاز
-
رد تأخر بعض الوقت على علاء اللامي
-
القوائم المغلقة الأسلوب الأمثل للانتخابات في هذه المرحلة
-
محاولة خنق هيئة إجتثاث البعث بكيس بلاستك
المزيد.....
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف يمكن لواشنطن مساعدة إسرائيل
-
زيلينسكي يقرّر سحب الأوسمة الوطنية من داعمي روسيا ويكشف تفاص
...
-
إسبانيا: السيارات المكدسة في شوارع فالنسيا تهدد التعافي بعد
...
-
تقارير: طالبان تسحب سفيرها وقنصلها العام من ألمانيا
-
لبنانيون يفضلون العودة من سوريا رغم المخاطر - ما السبب؟
-
الدوري الألماني: ثلاثية كين تهدي بايرن الفوز على أوغسبورغ
-
لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى سكني وتدميره في الضاحية ال
...
-
سلسلة غارات جديدة على الضاحية الجنوبية في بيروت (فيديو)
-
مصدر مقرب من نبيه بري لـRT: هوكشتاين نقل أجواء إيجابية حول م
...
-
فريق ترامب الانتقالي: تعليق القضية المرفوعة ضد الرئيس المنتخ
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|