فريد حداد
الحوار المتمدن-العدد: 1036 - 2004 / 12 / 3 - 08:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
هل سورية مستعدة للسلام مع اسرائيل ؟
اذا كان السلام تعبيراً عن حالة من الوئام , والأنسجام , والتوافق مع الذات , وبين الذات والآخر . وفي ظلاله تتوفر اسباب النمو, والتقدم , والأزدهار . ومن خلاله تتوفر افضل الشروط , لممارسة الفرد لحريته , وسيادته , على جسده , وعقله , وممتلكاته . والدولة لممارسة سيادتها على أرضها , وضمان أمن حدودها , واستقلال قرارها . فان توفره مربوط بداية ونهاية , بالمناعة الذاتية , ان كانت للأفراد او للدول . تلك المناعة التي تردع الخصوم حتى من التفكير بتهديد أمن الآخرين .
كما ان السلام مع الخارج , لا يمكن ان يتحقق بشروط عادلة , ما لم يكن امتداداً لسلام داخلي حقيقي , مختلف كثيراً ومتميز عن حالات سكونية , تعيشها المجتمعات التي بُليت بفيروسة الأستبداد , و يُراد لهذا السكون ان يعتبره الآخرون سلاماً .
ففي سورية اليوم , تعيش سوريتان متباينتان ومتباعدتان . تحكم احداهما الأخرى وتفسد حياتها وتدمر بناها . الأولى هي سورية الناس المقهورة , والمُهَمَشة , و المتعددة الأنتماءات الدينية , والقومية , والسياسية , والثقافية . الموحدة بوطنيتها , وبالأستبداد الكاتم على انفاسها .
سورية هذه يعيش أكثر من 60% من ابنائها تحت خط الفقر . كما تبلغ نسبة العطالة عن العمل بين ابنائها , واحدة من أعلى النسب في العالم . كما وصل أقتصادها الى حافة الأنهيار , بسبب نهبه وتدميره الممنهج . سورية تلك , اصبحت تعيش حالة من التخلف العلمي والتكنولوجي منافس عالمياً على المراتب الأخيرة من سلم التطور العالمي , حتى في ذلك السلم الذي يشتمل على دول العالم الثالث فقط .
سورية تلك تعيش علاقات اجتماعية مفككة , ومتناحرة , كنتيجة طبيعية للأستبداد السائد , الذي عزز الأنقسامات الشاقولية في المجتمع , بهدف تأمين سلامته وديمومته , كما سبب الفقر, والخوف من كل ما هو قائم وآتٍ , خوف أصبح يشكل مع الزمن عنصر رئيسي من عناصر تكوين نفسية الأنسان السوري . في سورية تلك جيش مهزوم نفسياً كنتيجة لسياسة الترويع , والترهيب , الممارسة داخله , بهدف الحفاظ عليه كاداة من ادوات حكم الأستبداد , وكنتيجة للفساد المستشري في انسجة بناءه الداخلية , وسياسة التمييز والتفرقة التي تمارس بين عناصره , سلاحه يعلوه الصدأ بسبب قدمه وعدم استعماله , والسلاح الجديد الذي يدخل ترساناته , هو ذلك السلاح المرمي في سوق الخردة العالمية , والذي يؤمن شرائه سمسرة دسمة لرؤسائه . جيش منهوب طعامه , ليتحول الى موائد الأزلام والمتنفذين الفاسدين . جيش تغيرت أهدافه - بسبب" الحكمة " التي تمتاز به قيادته - من تحرير الأرض المحتلة , الى تشييد الفيلل والعمل في مزارع وبيوت الأزلام والجواسيس .
أما سورية الثانية , فهي سورية السلطة , وأجهزة قمعها , ولواحقها , فهذه السورية جاهلة لأنها لا تتعلم من تجارب التاريخ القديمة او الحديثة , القريبة او البعيدة . وغبية لأنها لا تدرك حتى مصلحتها , والطرق الأفضل لتحقيقها . وهي جائعة , فلا تشبع حتى لو أكلت لحوم ابنائها . وانانية لدرجة انها تستكثر على الآخرين اسباب عيشهم . ومجرمة لأنها تفعل الكبائر للحفاظ على امتيازاتها . وهي فاسدة لأنها بدون قيم , ولا تحترم قيم الآخرين . ومفسدة لأنها فرقت الأخ عن أخاه , وحرضت الأبن على اباه . هي كاذبة لأنها تقول ما لا تفعل , وتفعل ما لا تقول . ومخادعة لأنها تعد ولا تفي .. وهي أكثر من كل ذلك وأكثر بكثير الكثير .
من سورية تلك .. التي لايمكن ان يكون ما فيها نتائج سلام داخلي تعيشه , والتي لا يأخذ أحد من حكامها برأي شعبها , ولا يُستشار حتى أحداً من حكمائها بأي أمرٍ يمس حاضرها أو مستقبلها , خرج علينا السيد تيري رود لارسن , مبعوث الأمم المتحدة الى الشرق الأوسط , بخبرٍ مفاده , ان الرئيس السوري بشار الأسد , قد أعلمه بأنه " يمد يده الى نظرائه الأسرائيليين للعودة الى طاولة المفاوضات بدون شروط مسبقة ." وقد أُدلج هذا التصريح بأنه للتعبير عن صدق نوايا " سورية " تجاه السلام , ولفضح التعنت الأسرائيلي امام المجتمع الدولي . ( نصف قرن مضى وما زال النظام يعمل على فضح نوايا اسرائيل , ومازالت اسرائيل تكتسب قوة جديدة كل يوم ) .
هذا الخبر يثير عند الكثيرين من ابناء شعبنا تساؤل كبير لا بد من الأجابة عليه قبل الذهاب الى طاولة المفاوضات , لا بل كان لا بد من الأجابة عليه قبل تقديم تلك العروض " السخية " . وهو :
ماذا فعلت سورية ؟ او ماذا فُعل بها ؟ خلال الأربعين عاماً الماضية , لبناء وتوفير عناصر قوتها اللازمة للذهاب الى طاولة المفاوضات , وطرح شروطها للسلام ؟ كيف ستُقنع سورية الأسرائيليين بضرورة ان يُعيدوا لنا حقوقنا ؟ وان رفضوا , فكيف ستجبرهم على ذلك ؟
ولنبدأ من البداية يا سيادة الرئيس بشار الأسد . فماذا ستقول لهم على طاولة المفاوضات ؟ هل ستقول لهم انه لا يجوز احتلال أراضي الغير بالقوة وانتم خرقتم القوانين الدولية و فعلتم ذلك في الجولان وعليكم اعادتها لنا ؟ . فسيقولون لك انتم دولة معادية ونحن أخذناه منكم بالحرب ! بينما دخلتم انتم الى بيت اشقاؤكم بحجة مساعدتهم في حل مشاكلهم واستوليتم عليه , فمن خالف القوانين الدولية أكثر؟ فعليكم انتم اولاً ان تخرجوا من لبنان لتثبتوا انكم طّلاب سلام .
هل ستطالبهم بالأفراج عن المناضلين السوريين والفلسطينيين من سجونهم ؟ سيقولون لكم هؤلاء حملوا السلاح وقتلوا اناس من الجيش والمدنيين الأسرائيليين . نحن على الأقل لم نعدمهم , بل احتجزناهم في السجون فقط , بينما انتم ابّدتم حتى عائلات من حمل السلاح ضد نظامكم , والقيتم بمن انتقدكم بالكلام لسنوات طويلة في سجون مرعبة وما زال كثيرين منهم في السجون حتى بعد انتهاء احكامهم , فبأي وقاحة تطلبون منّا ان نفرج عن سجنائنا الذين هم اعدائنا بالوقت الذي تفعلون أكثر منّا بكثيربمواطنيكم . فهل تتصور سيادة الرئيس كم سيكون موقعك مهزوزاً على كرسي المفاوضات ؟ .
هل ستطالبهم بحق الفلسطينيين في بناء دولتهم المستقلة ؟ سيقولون لكم بأي حق تطالبون بدولة للفلسطينيين بالوقت الذي تحرمون فيه 300.000 نسمة من ابناء بلدكم من الجنسية التي هي من ابسط حقوق الأنسان .
هل ستطالبون بالتعويض على من ضاعت ممتلكاتهم في الجولان ؟ سيسأ لونكم ان كنتم على استعداد لتعويض 35.000 مواطن سوري يعيشون في الخارج محرومون حتى من وثائقهم الشخصية .
ماذا يوجد في جعبتكم لتردوا عليهم سيادة الرئيس ؟
ولنفترض انكم على ثقة بعدالة ما تفعلوه بشعبكم , ولم تأبهوا لملاحظات الأسرائيليين ومأخذهم عليكم , وقررتم ان تفرضوا ما تريدوه منهم بالقوة , بعد ان رفضوا ان يقدموا لكم اي تنازل , او يُعطوكم اي حق تطالبون به , فكيف ستُجبرهم على فعل ذلك ؟
هل ستهددهم بوقف تصدير القمح والبطاطا السورية الى امريكا , ليعود شعبها الى أكل اعشاب البرية ؟
أم بتوقف الشركات السورية عن استخراج النفط من اراضيهم ليعودوا الى التدفئة على حرارة المواقد ؟أم بتوقف شركاتنا عن تصدير التكنولوجية المتطورة الى بلدانهم , لتتحول معاملهم الى خراب ؟
هل سنهددهم بان علمائنا وتكنولوجيتنا ستحول ارض بحيرة طبريا الى ملعب للأطفال الصغار, كما فعلوا هم بنهر بردى منذ وقت طويل ؟
هل سنهددهم بمصادرة أموالهم المسروقة من عرق شعبهم والموّدعة في المصارف السورية ؟
هل سنهددهم بان جيشنا الذي يعزل الثلج عناصره في مرتفعات لبنان , مما يضطرهم للأعتماد على السكان المحليين في طعامهم وشرابهم , وذاك في زمن السلم , سيحّول ارض الجولان الى نار ملتهبة تحت اقدام المحتلين , بدلاً من ان تكون مصدر اسرائيل من الخضار والفواكه صيفاً , والتزلق على الثلج شتاءً .
هل ستهددهم بالتضامن العربي ؟ تضامن اولئك الذين بدأوا بتوجيه النصح لكم بالأنصياع للقرار 1559 قبل ان يجف حبره , ام بتضامن أولئك الذين فتحوا اراضيهم واجوائهم ومياههم في السر والعلن امام الجيش الأمريكي " لمساعدة " العراق.
أم انك ستخيفهم بأولئك ال60% من شعبنا الذين يعيشون تحت خط الفقر مع ال25% من العاطلين عن العمل والذين يقفون " صفاً متراصا ًواحداً خلف قيادتكم الحكيمة "
نحن لا نطلب من السلطة السورية ان تفتح جبهة الجولان لحرب ضروس مع الأعداء , لأننا ندرك ان حرباً من هذا النوع حالياً ستكون وبالاً على الأمة , بل نطالب بتوفير بعض عناصر القوة المتاحة , قبل الجلوس الى طاولة المفاوضات , عراة حتى من ورقة التين .عسى ان تتمكن سيادتكم من تخفيض قيمة فاتورة هزائمكم التي حان وقت ان يدفعها شعبنا للمحتلين
لنقلها صراحة يا سيادة الرئيس , كان من الأجدى بك , أن تتلقف ايادي المعارضة الوطنية الديمقراطية الممدودة لك منذ بداية عهدك , تقّوي بها يديّك قبل ان تمدهما الى نظرائك الأسرائيليين . لأن الذهاب الى المفاوضات مع الأمريكان والأسرائيليين بيديك الواهنتين تلك , ليس له الا معنى واحد وهو التوقيع على ما هو مُعد مسبقاً مما يريده الأعداء مقابل الحصول على مكافئة شخصية . وما رد الأسرائيليين على اقتراحك , المتضمن مطالبتك بالتوقف عن دعّم رافضي الأستسلام , قبل مجيئك الى طاولة المفاوضات , الا احد المهام الواجب تنفيذها , لأكمال صياغة الوثائق الواجب توقيعها في جلسة المفاوضات. لتستحق الجائزة الشخصية . ان حصل هذا , فهل سنقول بان السلام اصبح واقعاً بين سورية واسرائيل ؟
فريد حداد 29112004
#فريد_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟