|
المشروع العربي النهضوي الاشتراكي.. من جديد
نجدت الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 3480 - 2011 / 9 / 8 - 20:06
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
كانت مرحلة الجمود التي استمرت أربعمئة عام في ظل الاحتلال العثماني للوطن العربي قد أخذت بالتخلخل والانتقال من الحالة السكونية إلى حالة الحركة والانتفاض ضد الظلم والطغيان، الأمر الذي يسَّر لحركة اليقظة العربية المرحلة الجنينية للمشروع العربي النهضوي أن تنشأ وأن يتصلب عودها في معارك التحرر من الحكم العثماني الجائر، وشكلت دماء السادس من أيار يوم الشهداء شعلة انبعاث للقومية العربية لم يهدأ أوارها حتى اليوم. ولم تتمكن خيبة الأمل من الوعود الأوربية بالاستقلال وقيام دولة عربية واحدة أن تثني عزيمة الشعوب العربية التي تابعت نضالها بضراوة ضد الاستعمار الغربي ونتائج إتفاقية سايكس بيكو حتى تحقق الاستقلال السياسي لمعظم الدول العربية. و في معمعان الصراع الدامي بين الشعوب العربية وجحافل الاحتلال الأوربي ولدت حركة التحرر الوطني العربية الوريث الشرعي لحركة اليقظة العربية بكل مكوناتها. لقد خرجت حركة التحرر الوطني العربية الحامل السياسي للمشروع العربي النهضوي من معاركها من أجل الاستقلال أكثر قوة وصلابة وتطلعاً للمستقبل من أجل صيانة الاستقلال السياسي وإنجاز الاستقلال الاقتصادي. تصدرت الطبقة البرجوازية والشرائح المتنورة من الطبقة الإقطاعية قيادة حركة اليقظة العربية، ومن ثم قيادة حركة التحرر الوطني، منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى أواخر خمسينيات القرن العشرين. وقد أدى انتقال السلطة من أيدي المستعمرين الأوربيين إلى أيدي الطبقة البرجوازية خاصة في مصر وسورية ولبنان إلى نمو سريع لنفوذها وهيمنتها على الحياة الاقتصادية السياسية. وفي ظل قيادة البرجوازية الوطنية توفرت أجواء من الديمقراطية قياساً على ما كان سائداً في أوربا ساعدت على ولادة ونشوء الأحزاب السياسية، التي ساعدت على تطور وصيرورة حركة التحرر الوطني العربية ومشروعها القومي النهضوي. إن الأحزاب السياسية التي ولدت ونشأت في تلك المرحلة حملت بشجاعة وجدارة شعارات تلك المرحلة وناضلت بقوة من أجل تحقيق أهدافها وأخذت تتعاون فيما بينها، الأمر الذي مكنها من تحقيق انتصارات وطنية كبرى تمثلت في طرد جيوش الاحتلال وإفشال المشاريع والأحلاف الاستعمارية، وأهمها إفشال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وحتى أواخر خمسينيات القرن الماضي بقيت المبادرة بيد الطبقة البرجوازية. إن أهم المنجزات التي حققها المشروع العربي النهضوي بقيادة الطبقة البرجوازية هي: 1- إنهاء دعوات العودة إلى المرحلة العثمانية التي استمرت حتى نهاية الانتداب الأوربي. 2- فشل كل الدعوات الوحدوية الإقليمية مثل وحدة وادي النيل أو سورية الكبرى والهلال الخصيب. 3- نمو الأفكار العلمانية ونجاحها في زحزحة الفكر الديني الذي كان جاثماً على صدر المجتمعات العربية خلال المرحلة العثمانية بكاملها. 4- وكان الإنجاز الأهم والأعظم هو تجذر فكرة القومية العربية ثقافياً وسياسياً وما رافقها من مناخات ديمقراطية فجرت طاقات الجماهير العربية وزجتها في معاركها المتواصلة مع الاستعمار والجهل والفقر والتخلف. لكن البرجوازية العربية رغم كل الظروف المواتية لنشاطها لم تتمكن من بسط نفوذها كاملاً على الأسواق الصناعية والتجارية وبناء قاعدة اقتصادية منافسة، لأن تقدمها كان على السطح وليس في العمق، نظراً لحداثة عهدها وضعف قدراتها الاقتصادية بالنسبة للرأسمال الأجنبي. وفي كل الأحوال إن عدم تمكن البرجوازية الوطنية العربية من متابعة السير على طريق بناء قاعدة اقتصادية متينة تؤهلها لمتابعة إنجاز المشروع العربي النهضوي على غرار البرجوازية الأوربية يعود إلى: - محاربة الرأسمالية العالمية الشديدة للبرجوازية العربية، وخاصة الصناعية، والسعي لتحويلها إلى برجوازية كمبرادورية وربوية عميلة. - كما شكلت طغمة ملاك الأراضي من الطبقة الإقطاعية عقبة أمام تطور البرجوازية الوطنية في البلدان العربية، نظراً لمعارضة الإقطاعيين للتطور الصناعي ولارتباط معظم رموزهم بالاستعمار العثماني والأوربي. - محاربة القوى التقدمية للبرجوازية تحت راية طموح القوى التقدمية للانتقال بالبلدان العربية إلى الاشتراكية في ظل ظهور المنظومة الاشتراكية وانتشار الحركة الشيوعية وبروز نظرية التطور اللارأسمالي. في هذا الواقع لم تتمكن البرجوازية العربية من متابعة السير قدماً على طريق إنجاز مشروعها القومي النهضوي، بل مالت بعض أجنحتها للتلاقي مع مصالحها الإقليمية ومع المشاريع الرأسمالية العالمية التي كانت مطروحة في حينه لمنطقة الشرق الأوسط. وفي هذه الحالة كان لا بد من صعود قوى طبقية أكثر راديكالية لتولي هذه المهمة، فاندفعت شرائح من أبناء الطبقة الوسطى والفلاحين والطبقة العاملة وانتزعت زمام المبادرة من الطبقة البرجوازية، واستولت على السلطة عبر الانقلابات العسكرية في مصر وسورية والعراق واليمن وليبيا والسودان وغيرها. وكانت ظاهرة وجود نفوذ للأحزاب السياسية داخل القوات المسلحة أمراً مسلماً به. وبادرت السلطات الجديدة إلى إضافة المشروع الاشتراكي إلى المشروع القومي النهضوي الذي كانت الطبقة البرجوازية قد طرحته، ووضعت السلطات الجديدة نظرية تلازم النضالين القومي والاشتراكي في صدارة شعاراتها. لذلك قامت باتخاذ إجراءات وتدابير أدت إلى تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة ذات سمات تقدمية واشتراكية بسطت هيمنة الدولة على الاقتصاد الوطني في الصناعة والزراعة والتجارتين الداخلية والخارجية. وهنا بدأت مرحلة جديدة من تطور حركة التحرر الوطني العربي بقيادة البرجوازية الصغيرة من المثقفين والعسكريين المنحدرين بشكل عام من الريف، والذين لا يملكون من الخبرة والإدارة سوى حماستهم الشديدة للثورة واندفاعهم غير المحدود لإنجاز المشروع القومي النهضوي الاشتراكي الذي تجسد في شعارات الوحدة العربية والاشتراكية. و انقسم العرب إلى معسكرين، معسكر تقدمي وحدوي اشتراكي ضم مصر وسورية والعراق واليمن وليبيا والسودان والجزائر، ومعسكر الرجعية العربية في السعودية والأردن ودول الخليج وبعض دول المغرب العربي. ومرت مرحلة تاريخية طويلة قاربت النصف قرن والصراع بين المعسكرين يزداد حدة أحياناً، ويميل إلى الاعتدال أحياناً أخرى. وبينما توجهت الرجعية العربية إلى صرف أموالها على البذخ ومشاريع الأبهة والإيداع في البنوك الأجنبية بعيدة عن بناء القاعدة الاقتصادية والبنى التحتية، شهدت البلدان التقدمية حاملة لواء المشروع العربي النهضوي الاشتراكي صراعات حادة ودامية على السلطة بين أجنحتها المتمايزة، وخاصة بين أوّلية الوحدة على الاشتراكية أو العكس. وتعززت فكرة الحزب الواحد والانفراد بالسلطة واحتكار قيادة الحركة الوطنية، وأخذت تعيش في حالة انعزالية عن الجماهير الشعبية بما حملته شعاراتها من ديموغاجية كرست الانفصال المتدرج بين الشعار والتطبيق. وقد أدى ذلك إلى هيمنة وسيطرة القوى العسكرية وتنامي النزعات الإقليمية والعشائرية والطائفية وظهور البرجوازية البيروقراطية كطبقة لها فلسفتها الخاصة وسياستها المبنية على نشر وإشاعة الفساد في أجهزة الدولة، من الموظف الصغير إلى الفساد الحكومي الكبير، متعاونة مع البرجوازيتين الطفيلية والكومبرادورية. فاستشرت هذه الأمراض في جسد وأحشاء المجتمعات العربية بحيث أخذت تتآكل وتنهار من داخلها مؤسسات اقتصادية واجتماعية وقيم روحية وأخلاقية. وساهم في هذا الانهيار الانهيار الموازي والسريع الذي حدث في البلدان الاشتراكية، انطلاقاً من نفس الأسباب تقريباً الأمر الذي أدى بمجمله إلى انكفاء وفشل المشروع العربي النهضوي بشقيه القومي والاشتراكي، وخلق أجواء من اليأس والإحباط ساعدت على تقدم المشاريع الاستعمارية مثل المشروع الأمريكي الصهيوني مشروع الشرق الأوسط الكبير، وظهور المشاريع المحلية والإقليمية، كالمشروع الإسلامي والمشروع الإيراني، وتأتي في هذا السياق التوجهات الأوربية والتركية الطامحة لإيجاد موطئ قدم لها اقتصادي أو سياسي في البلدان العربية. إن فشل المشروع القومي النهضوي الذي تبنته البرجوازية الوطنية منذ حركة اليقظة العربية حتى أواخر خمسينات القرن الماضي. وكذلك فشل المشروع القومي الاشتراكي الذي تبنته البرجوازية الصغيرة وأحزابها القومية واليسارية لا يعني أن هذا المشروع قد مات وانتهى، بل إن عوامل نهوضه ما زالت قائمة وحية في أعماق الجماهير العربية وتتمثل في: - أن الحركة الثقافية وأعلام الثقافة العربية الحامل الحيوي للمشروع العربي النهضوي ما زالت تحمل هذا المشروع وتناضل من أجل إعادته إلى أذهان الناس والعمل عليه. - أن قواعد الأحزاب الوطنية والديمقراطية والتقدمية وجماهيرها ما زالت تحمل هذه الأهداف وتعقد عليها أحلامها وآمالها. - إضافة إلى ذلك فقد دخلت الآن عوامل جديدة عربية وعالمية: - الأزمة الرأسمالية العالمية التي هزت أركان النظام الرأسمالي العالمي وألقت بظلها القاتم على المجتمعات البشرية. لقد تلقت الرأسمالية العربية ضربات موجعة وخسائر فادحة دولاً وأفراداً، ومن المفروض أن تكون قد تركت دروساً وعبراً تصب نتائجها في إنهاض المشروع العربي التحرري. - ثقافة الممانعة ومقاومة الاحتلال والاستبداد والفساد، التي أزكت شعلتها المقاومة الوطنية العربية في لبنان والعراق وفلسطين منذ حرب 2006 في لبنان حتى حرب 2009 في غزة. - النهوض اليساري العالمي الذي أعاد الاعتبار للفكر الاشتراكي، وخاصة في دول أمريكا اللاتينية ممثلاً في اللقاءات المتتالية للأحزاب الشيوعية في السنوات العشر الأخيرة. وكان اللقاء التضامني للأحزاب الشيوعية مع غزة المنعقد في دمشق أحد مؤشرات هذا النهوض. وإن مؤتمر الأحزاب الشيوعية العالمية الذي سوف ينعقد في دمشق في أيلول القادم سيشكل أحد العوامل الهامة لهذا النهوض أيضاً. إن هذه العوامل العربية والدولية مجتمعة يمكن أن تشكل رافعة قوية لإحياء المشروع العربي النهضوي إذا ما تضامنت جهود جميع القوى المعنية بهذا الأمر. إن الظروف الآن مهيأة لإدارة نقاش وحوار جدي وديمقراطي بين مختلف الفعاليات السياسية العربية، بعيداً عن القوى الرأسمالية الطفيلية والكمبرادورية والفئات البيروقراطية الفاسدة التي تمنعها مصلحتها الطبقية الأنانية من المساهمة في مشروع النهوض العربي التحرري. إن تكاتف جميع القوى الطبقية والاجتماعية والرأسمالية الوطنية التي ترتبط مصالحها بالعمل والإنتاج والمصلحة الوطنية ومن القوى القومية والاشتراكية والإسلامية المتنورة ومن جميع القوى السليمة في المجتمع العربي وكل القوى المتلمسة للأخطار الخارجية الداهمة كفيلة بإعادة تبني المشروع العربي النهضوي الاشتراكي والعمل عليه من جديد. نجدت الخطيب
#نجدت_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-حلم بعد كابوس-.. أمريكية من أصل سوري تروي لـCNN شعور عودتها
...
-
بوتين يتوعد العدو بالندم والدمار!
-
لغز الفرعون: هل رمسيس الثاني هو فرعون موسى الذي تحدث عنه الك
...
-
كاتس من جنوب لبنان: باقون هنا للدفاع عن الجليل ولقد قلعنا أس
...
-
بين حماية الدروز وتطبيع العلاقات.. ماذا يخفي لقاء جنبلاط بال
...
-
الشرع يطمئن أقليات سوريا ويبحث مع جنبلاط تعزيز الحوار
-
الشرع: تركيا وقفت مع الشعب السوري وسنبني علاقات استراتيجية م
...
-
أمير الكويت ورئيس الوزراء الهندي يبحثان آخر المستجدات الإقلي
...
-
قديروف يتنشر لقطات لتدمير معدات الجيش الأوكراني في خاركوف
-
لوكاشينكو يدعو الشيخ محمد بن زايد لزيارة بيلاروس
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|