|
الحلقة المفقودة في حلقة الاتجاه المعاكس
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1036 - 2004 / 12 / 3 - 08:28
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
بادىء ذي بدء, لاشك ان الاختلاف شيء صحي وهو من طبيعة الاشياء وان التنوع هو سمة من سمات الحياة الطبيعية ولا يعقل ان تكون الحياة ذات لون واحد وشكل واحد وطعم واحد. وبعيدا عن التشنج والمهاترات تابعت و كالعادة برنامج الاتجاه المعاكس ومقدمه المشاكس المباكس-من بوكس- يوم الثلاثاء الماضي وكان المؤشر الاعلاني لهذه الحلقة يوحي منذ البداية باننا امام حلقة مميزة من ناحية المضمون والضيوف. ومهما قيل و يقال عن البرنامج وبرغم التحفظات الني يطلقها البعض هناوهناك والذي وصل الى حد وصفه من قبل احد الشخصيات المحافظة المعروفة الذي وقع في مطب الالغاء والاستئصال والرؤى الاحادية كالعادة وهو يحتل مركزا مرموقا في مجلس ذي طابع ديني بوصفه للبرنامج" بصراع الديكة". فانه وبدون ادنى شك – وللحياد المطلق والمجرد- فقد القت هذه النوعية من البرامج وفي اكثر من فضائية حجرا كبيرا في مستنقع التفكير العربي الاسن والراكد منذ قرون عدة وبدأنا جميعا نحس ونستشعرارتداداته واصدائه المختلفة وهذه السجالات الفكرية الطاحنة والضروس التي نشهدا احيانا- وكانت للحق غائبة تماما- هي خير دليل على ذلك .الحلقة التي كان من المفترض ان تكون من الحلقات النارية اللاهبة التي اعتدنا على مشاهدتها من وقت لأخر والمليئة بكثير من الإثارة و التشويق ولكن لم ترتق الى المستوىالتشويقي والتحريضي المتوقع - برغم ارتفاع حرارتها احيانا- و كما هوالعادة في حواراتنا ولقاءاتنا وثقافتنا الموروثة كان هذا الكم الهائل من التشنج في المواقف وعدم المحاولة لايجاد نقاط اشتراك بين الفريقين المتحاورين وسيطرة ثقافة الألغاء والاقصاءبشكل عام وهذا هو لب المشكلة في هذه المجتمعات وفي طريقة تفكيرها وحياتها.أن برنامجا كهذا يقوم عليه ويستضيف أكاديميون واعلاميون وساسة واقتصاديون ومثقفين وغيرهم مشهود لهم في ميادين مختلفة يجب أن لا ينحدر احيانا الى ذاك المستوى من المهاترات والهجومات الشخصية والنيل من الضيوف والمتحاورين بشكل خاص ويكون الحوار عقلاني أكاديمي هدفه الحقيقة والوصول الى نقاط مشتركة بين الطرفين لا تعميق الخلاف وتجذيره وعدم القاء وكيل التهم جزافا على الهواء مباشرة ودون دليل وتقديم وجبة فكرية دسمة تغني وتسمن من جوع في هذا الزمن الخاوي . وبالنسبة لحلقة يوم الثلاثاء الماضي استضاف البرنامج فيها الدكتور عبد القادر الشيخ الذي كان يحتل منصب رئيس جامعة الأزهر سابقا ومن خلال منصبه سيحكم المشاهد عليه وعلى طروحاته وأفكارة سلفا. وللأسف في الوقت الذي يتمنى الجميع أن يتمتع هؤلاء- وهم يحتلون مناصب مرموقة- بافاق ارحب وثقافة اوسع و منفتحين على الاخر وذوي رؤى مميزة عن الناس العاديين وخلق مناخ خصب ورطب في هذه البيئة الجدباء المفرطة في القحط الفكري. وبرايي المتواضع جدا لو احضرنا اي انسان مسلم عادي من الشارع لقال كلاما ربما يزيد عما قاله الدكتور الجليل. لقد عرض بضاعته المعتادة المعهودة التي لا يريد أحد أن يطلع عليها لأنها ببساطة معروفة للجميع.ومع الاحترام والتقدير الكامل ورفع القبعات لهذا الضيف العزيز فقد كان كلاسيكيا ونمطيا جدا ولم يقدم شئ جديد ومرة أخرى للأسف فالكل يألف هذا الفكر ويعرفه ويعرف مداخله ومخارجه وأهدافه ومحاوره ولايزيد كثيرا عما تعلمناه في المدارس واخذناه من مجتمعنا المحافظ عموما في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع تجديدا للخطاب التقليدي الديني الذي يجب ان يكون مختلفا واكثر ذكاء في زمن العولمة والانترنت والسباق والتنافس الحضاري والثقافي مع الامم الاخرى. وإن الكلام عن الثوابت برأيي لاأحد يختلف عليه والجميع حتى غير المسلمين يتفقون على ثوابت الحياة العامة من الخلق والوجود وكتب الله ورسله والمبادئ الاخلاقية العامة الاخرى.ومن حقه في الوقت نفسه أن يتمسك برأيه ويدافع عنه وهذا الحق مصان ومحترم من قبل الجميع ولا اعتقد أن أي إنسان عاقل يتجرأ على على ازدراء وأهمال مشاعر الأخرين وعقائدهم وطريقة تفكيرهم لأنها محصلة حتمية وطبيعية لتربيتهم ونشأتهم وظروفهم ولايستطيع أحد أن يغير تفكير الأخر إذا لم تفعل التربية والظروف و الخبرة ذلك .اما المحاور الأخر الأستاذ عبد الرحيم علي الذي كان مندفعا كثيرا وتعرض لهجوم شخصي لاذع غير مرغوب فيه في هكذا لقاءات فقد كان -برأيي أيضا- رغم انه يتفق في الثوابت مع الدكتور الشيخ فالاثنان مسلمان مؤمنان بالله ورسوله ولا شك ومشتركان في ثوابت الأمة الأساسية وهذه نقطة مهمة. الا انه كان أكثر حرفنة واكاديمية في هذا اللقاء والمحور الذي كان يعمل عليه مهم جدا ولكن للاسف مرة اخرى لم يلق الاذن الصاغية ولم يعط المجال لتوضيح فكرته ولذلك ظهر موقفه ناقصا ومبتورا الى حد ما. وكان اهم ما طرحه الدكتور عبد الرحيم من ذكره لبعض المراجع التاريخية والتراثية الهامة المالوفة لدى عامة المسلمين واستشهاده بمقاطع منها تؤكد حسب ماجاء به على وجود نوع من النقد والعتاب والحوار حول مسائل خلافية هامة وشخصيات إسلامية كبيرة وفاعلة واحداث وقعت وهذا دليل صحة وعافية ثقافية إسلامية كانت موجودة في ذلك الزمن من تاريخنا فلماذا لا تكون موجودة الأن ولماذا يحاول البعض حجبها والغائها من حياتنا الان. وهذه النقطة من الإيجابية والأهمية بحيث كان يجب التركيز عليها والانطلاق منها في الحوار ككل وان تكون المحور الذي كان يجب ان تدور حوله الحلقة طالما ان مقدمتها اشارت بوضوح الى موضوع المقدسات والرموز الاسلامية.فاذا كان المسلمون الأوئل يتحاورون ويتنافسون ويخطؤون ويصيبون فهذا شئ ايجابي وجيد ومبارك ومقبول ومطلوب الان اكثر من اي وقت مضى لما فيه من التوتر والشحن العاطفي السلبي. ولماذا الان- وبعد الف وخمسمائة سنة- لايقبل احد أي نوع من النقد واللوم والتقييم والتوجيه فيما لو اخطا ومعروف للجميع ان الخليفة عمر بن الخطاب قال وعلى الملأ جهارا نهارا "اخطأ عمر واصابت امرأة " ولم يعتبر نفسه معصوما أومقدسا ولا يخطىء رغم ان البعض يشكك في هذه القصة ونتمتى ان تكون صحيحة فعلا لما تحمله من دلالات على وجود نوع من حرية التعبير وقتذاك . ولا ننسى بالطبع جميعا الاية الكريمة " عبس وتولى...." وقصتها المعروفة. ان الهدف من هكذا حوارات هو في النهاية التوصل الى نقاط التقاء وتقارب لا نقاط اختلاف وتنافر وايجاد أرضيات مشتركة بين فكرين متناقضتين أو شخصين مختلفين. وان نكرس فكر التعايش المطلوب بين مختلف الافكار والاتجاهات والتيارات المتباينة الملامح والالوان لما فيه مصلحة الجميع. . لاسبيل الا بتعايش الجميع والغاء واقصاءواستئصال فكر الاقصاء والالغاء والاستئصال الذي فعل بنا ما فعل. انه التعايش بين مختلف الافكار والاتجاهات فالكل موجود على الارض ومن الحماقة انكار اي كان وان كل شكل من اشكال التعصب والتحزب والانغلاق والتزمت مرفوض ومدان. الاهم من ذلك كله ان هذا البرنامج الذي يتصدى لقضايا حساسة وتلامس احاسيس ووجدان شرائح واسعة من المشاهدين يجب ان يعطى وقتا اطول وربما اكثر من حلقة واني لارأف بحال مقدم البرنامج وهو يبدو متوترا في صراعه الدائم مع زمن البرنامج المحدود ويردد لازمة "اسف لضيق الوقت". ويخرج لذلك للاسف جميع المشاهدين من الحلقة دون حل للاشكاليات الموجودة او الاجابة على معظم التساؤلات التي طرحها البرنامج ويجد نفسه دائما يراوح حيث بدأ. المشكلة دائما والحلقة المفقودة ابدا ان لا احد يريد ان يستمع للاخر ولا يتقبل الاخر وهذا جزء من ازمة العقل العربي المزمنة .هذه جولة سريعة وخاطفة قد تبدو غير كافية ولكنها شخصية في نهاية المطاف والكمال لله وحده.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفرق الضالة..............سياسيا
-
2-2العلمانية والجهل
-
شموليات القهر الجاهلية في الالفية الثالثة
-
مثلثات الموت القادمة
-
اوهام الاصلاح المستحيلة
-
العلمانية والجهل
-
مجتمعات الاقصاء الشامل
-
وعاظ السلاطين وبيان الليبراليين
المزيد.....
-
بعد سنوات من الانتظار: النمو السكاني يصل إلى 45.4 مليون نس
...
-
مؤتمر الريف في الجزائر يغضب المغاربة لاستضافته ناشطين يدعون
...
-
مقاطعة صحيفة هآرتس: صراع الإعلام المستقل مع الحكومة الإسرائي
...
-
تقارير: وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله بات وشيكا
-
ليبيا.. مجلس النواب يقر لرئيسه رسميا صفة القائد الأعلى للجيش
...
-
الولايات المتحدة في ورطة بعد -أوريشنيك-
-
القناة 14 الإسرائيلية حول اتفاق محتمل لوقف النار في لبنان: إ
...
-
-سكاي نيوز-: بريطانيا قلقة على مصير مرتزقها الذي تم القبض عل
...
-
أردوغان: الحلقة تضيق حول نتنياهو وعصابته
-
القائد العام للقوات الأوكرانية يبلغ عن الوضع الصعب لقواته في
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|