|
الجامعة ... هذا وصف للداء فهل من دواء ؟
العربي عقون
الحوار المتمدن-العدد: 3479 - 2011 / 9 / 7 - 19:49
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
يزداد السقوط الحر تسارعا وإذا لم تتدارك المبادرات الحسنة الوضع فإنّ ما حدث للدينار سيحدث للرتبة العلمية الأكاديمية إن لم يكن قد حدث فعلا. لقد بدأ مؤشر الانحدار في التسارع منذ أن جرى العمل بصيغة تحكّم الإداري في البيداغوجي – العلمي وأصبحت الإدارة الرقيب المستبدّ على سير العمل العلمي الذي لا يمكن أن ينطلق وأن يرقى في أجواء التسلّط والاستبداد والأدهى أن يكون الاستبداد من قبل المحدودين والأقل كفاءة من الذين استولوا بذهنية الزمر على الإدارة فاتخذوها أداة لخدمة مصالحهم الذاتية. ما يحدث في الوسط الجامعي في الجزائر يتجاوز الخيال فبعد أن أفرغت العشريات السوداء والحمراء والصفراء البلد من نخبه بنسب كبيرة ومع التوسع في إنشاء مراكز جامعية وترقية بعضها إلى جامعات وجدت زمر المصالح الذاتية نفسها في مواقع القرار وهي أبعد ما تكون عن تلك المواقع التي تتطلب كفاءات علمية عالية تسندها كفاءات أخلاقية لأنه دون الكفاءة الأخلاقية لا يمكن لأي عمل أن يصل هدفه المنشود - كما صوّرته أسطورة بروميثيوس وزيوس الإغريقية - وفي هذه الحالة عوض أن يكون العمل العلمي البيداغوجي الرصين هو جوهر وصلب كل نشاط لتحقيق الأهداف التي أقيمت هذه المؤسسات لأجلها - وهي في الدرجة الأولى تخريج نخب تحوز الحد الأدنى على الأقل من الكفاءة التي تسمح لها بالاندماج في حركية التنمية الاجتماعية الاقتصادية – تحولت الدراسات العليا إلى مصدر آخر من مصادر الريوع التي لا تختلف عن أيّ مجال آخر من المجالات التي يعشش فيها الفساد. تجتمع هذه الزمر وتعدّ المشروع وتنفذه مع حرصها الذي تعودت عليه وهو تهميش من هم خارج الزمرة، ويقع بعدها اقتسام الطلبة كما تقتسم الغنائم حتى تحوّل الإشراف إلى عمل إداري في أغلب الأحيان لا يتجاوز إمضاءات التسجيل وما يعقبها من تأشيرات ... ويذهب الطالب ليتيه في بحر موضوعه دون مرشد أو دليل ... وعليه فقط أن يأتي ببحث يتجاوز مئات الصفحات ...
من خلال تجربتنا ... وجدنا كوارث في حقّ البحث العلمي ... o الأخطاء المنهجية الفادحة ... o اللغة الركيكة التي لا ترقى إلى الحدّ الأدنى الذي ينبغي أن يحوز عليه طالب الماجستير والدكتوراه ... o الافتقار إلى وسائل التحليل والمعالجة العلمية ... الخ ولا نكاد نجد أيّ أثر للمشرف الذي هو في الواقع مدير البحث، وفي حال البحوث في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية كيف يمكن لمن لا يكاد يتحكم في اللغة العربية وهي لغته "الوحيدة" أن يشرف على بحوث مصادرها ومراجعها مكتوبة في لغات أخرى، لكن هذا لا يهمّ عند هؤلاء ... فالمهمّ هو الريع وهو التباهي أمام الذين يجهلون خفايا الأمور بقوائم الرسائل التي أشرف عليها هذا السيّد الريعي (Rentier) أو ذاك، لتتحول مناقشة (Soutenance) رسائل الماجستير والدكتوراه إلى شبه حفلات فلكلورية يغيب فيها التقييم الحقيقي للعمل، فهؤلاء يتعمدون إبعاد أيّ طرف يمكن أن يقيّم العمل التقييم العلمي الحقيقي لأن ذلك "سيطيح" بالعمل الذي لم يستوف شروط البحث العلمي فيفقد أولئك "الريعيون" ريوعهم.
يبلغ التواطؤ مداه عندما تتحول الوظيفة الإدارية بحكم امتلاكها لسلطة التنفيذ إلى أداة للحصول على الرتب العلمية واستقطاب الطلبة، ويتقاطع ذلك مع ظهور صنف من الطلبة لا يهمّه التكوين بقدر ما يهمّه الحصول على الشهادة ... وهذا النوع سيقع في شرّ اختياره لان السنين ستمر ليجد أنّ عمله لا يجلب له الاحترام فهل يعود إلى بذل جهد جديد لتنقيحه إن هبّت عليه صحوة ضمير أم يتجاهل الأمر وينضمّ إلى زمرة الريعيين البيروقراطيين.
أبعد هذا كله نتساءل عن تدهور المستوى الجامعي لدى الخريجين سنة بعد أخرى؟
لقد استلمنا بعد الاستقلال جامعة الجزائر وهي الجامعة الوحيدة ، لقد كانت محل افتخار خريجيها وكان يكفي أن تكون شهادة الخريج ممهورة بختم جامعة الجزائر ليجد المكانة والحظوة أينما حلّ أو ارتحل، ولكن بعد طوفان سنوات "التعاون التقني" والمعالجة الشعبوية لملفّ لغة التدريس و"الزج" بمريدي الزوايا في كليات العلوم الإنسانية، من أولئك الذين دافعوا عن "جهلهم اللغات الحية" بشعار أحسنوا استخدامه وهو "اللغات الحية لغات استعمار" ! ها نحن نجني "أشواك" مرحلة لم نحسن تسييرها بحكمة ويا حبذا لو اتعظ من بيدهم القرار فنحن البلد الوحيد الذي تتعايش فيها صيغتان للدكتوراه :
- دكتوراه الدولة وهي دكتوراه الطبقة المتنفذة التي يفترض أنها منتهية الصلاحية منذ 1990 على الأقل . - دكتوراه العلوم التي نزِّل مستواها إلى مستوى الماجستير (نظام قديم) وهي دكتوراه غير المتنفذين الذين ينتظرهم التأهيل الجامعي ....
فهل يعقَل أن يكافأ المهمل والمتكاسل والفاشل الذي لم ينه بحثه على امتداد أكثر من 20 سنة ويجدد له التسجيل كل سنة وبمجرد المناقشة المصطنعة يصبح في درجة أستاذ محاضر –أ- آليا دون أن يثبت أيّ كفاءة سوى تلك المناقشة التي أصبحت محلّ تندّر المتندّرين في أغلب الأحيان. ومع استمرار القلّة القليلة من الهيئة الجامعية الجديرة بهذا اللقب في الصراع مع هذا الطوفان من الرداءة الخانقة إلاّ أنّ هذه القلّة على وشك الانقراض، لتصبح الجامعة جامعة لكل شيء إلا العلم.
#العربي_عقون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الملك ماسينيسا والحضارة النوميدية
-
تصحيح بشأن الاسم الإثني (Ethnonyme) للشعوب الأمازيغية
-
منطقة القبائل الشرقية (الجزائر) في عصور ما قبل التاريخ
-
جوانب من تاريخ العرب قبل الإسلام : نظرة موجزة على ممالك الحي
...
-
النحت الروماني : نظرة موجزة
-
نظرة موجزة في خصائص فن النحت في بلاد الرافدين
-
البحرية القرطاجية : بين التفوُّق التجاري والتقني من جهة والض
...
-
الأمازيغ عبر التاريخ : نظرة موجزة في الأصول والهوية
-
الملاحة والتجارة بين الشرق والغرب في القديم : أهمّية البحر ا
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|