|
الشعب يطالب بالكرامة لا بصدقة
زكرياء الفاضل
الحوار المتمدن-العدد: 3477 - 2011 / 9 / 5 - 08:57
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تماديا في محاولته للالتفاف والاحتيال السياسي، على مطالب الجماهير الكادحة والمناضلة من أجل كرامتها، ابتكر النظام وحكومته، اللامسئولة عن أي شيء إلا عن الركوع والخنوع للعرش، حيلة جديدة تحت عنوان "ضريبة الثروة" التي سيدفعها ناهبي المال العام لصندوق دعم الفقراء. وهي فكرة ليست جديدة بل مستوحاة من الفكر الاشتراكي الإصلاحي المنادي بالتآخي بين الطبقات، ونجدها أيضا في الفكر الأصولي الذي تبناها في محاولة لمنافسة الفكر الاشتراكي العلمي. ماذا يعني أن يدفع الأغنياء ضريبة على ثرواتهم الفاحشة لدعم الفئات الشعبية التي تعيش تحت خط الفقر؟ لا شيء سوى أن يرمي "الأسياد" بفضلات مائداتهم إلى من دونهم حظا من الحياة، كما يرمون بالعظام للكلاب. مثل هذا القرار لا يملك إلا قراءة واحدة مفادها أن النظام المخزني لا رغبة له في التغيير وعاجز عن محاربة الفساد ومناهضة ناهبي أموال وخيرات الشعب. إذ هو بهذه الحيلة المكشوفة يسعى لحماية مستغلي الجماهير الكادحة وإعطائهم درع واقي تحت ذريعة "ضريبة الثروة". مما يعني منح النظام المخزني الضوء الأخضر للصوص ليتمادوا في نهب مال الشعب وخيراته، فالشعار المرفوع "ادفع الضريبة وانهب ما تشاء". كما أن هذه الخطة الخبيثة تعني إبعاد المواطن من استغلال الثروات الوطنية وتوسيع الهوة بينه وبين حقوقه كإنسان وكمواطن. فكإنسان قد حولته الدولة بهذه الضريبة الجديدة إلى شحاذ يعيش على صدقات "المحسنين"، وكمواطن فقد بات فاقدا لكرامته ونصيبه من الثروات الوطنية مع تكريس فكرة "المغرب للأسياد والشعب عبد يعيش برضا سيده ويموت بغضبه عليه". فأين هو مغرب العهد الجديد؟ وأين هو مغرب الدستور "الجديد"؟ وأين هي ثورية النظام التي يتبجح بها على لسان أبواقه الرسمية وشبه الرسمية؟ إن النظام المغربي بهذا التوجه السياسي اللاشعبي يكون قد عمل على تكريس مفهومه الطبقي لبنية المجتمع، وعبر عن ضعفه، تحت تأثير أطماعه السلطوية، في استعاب طموحات الجماهير المناضلة من أجل كرامتها والمطالبة بدولة القانون والديمقراطية. كان من المفروض، لو أن النظام فعلا يسعى لإصلاحات حقيقية، تشريع قانون:"من أين لك هذا؟"، حتى يتم القضاء على الفساد ونهب المال العام وبالتالي تمتلئ خزينة الدولة وتصبح قادرة على إنشاء مناصب شغل تقضي على البطالة المتفشية في صفوف الكادحين ورفع الأجور بشكل يتماشى وارتفاع الأسعار الذي استنزف القدرات الشرائية للجماهير الشعبية، لكنه لا يريد ولا يرغب، بل هو يراهن على ربح الوقت حتى يمر تسونامي الربيع الجماهيري وتهدأ الأوضاع. إذا كان النظام يعتقد بأنه قد انتصر على الربيع العربي، أو المغربي، فإنه باعتقاده هذا يكون قد برهن عن قصر نظرته السياسية حول ما يحصل في العالم. فالمغرب، يا سادة، ليس جزيرة في المحيط الكوني. فبلادنا جزء لا يتجزء من المجتمع الدولي، الذي بات يعاني من أزمة اقتصادية ومالية نتيجة للتضخم الانتاجي. والربيع العربي، الذي أدى إلى إسقاط أنظمة بالشمال الإفريقي، سينتقل عما قريب إلى أوروبا. فها هي إسرائيل، الدركي الأمريكي بالشرق الأوسط، قد وصلتها العدوى، وخرجت الجماهير مطالبة بإسقاط الحكومة. ففي تل أبيب (تل الربيع) وحدها خرجت ثلاثمائة ألف شخص في مظاهرة ربيعية. وهذه أول مرة يخرج مثل هذا العدد للتظاهر ضد الحكومة، والدافع غلاء المعيشة. فهل هذا من باب الصدفة؟ بالطبع لا. إذا هي أزمة عالمية تفجرت في الشمال الإفريقي، ثم انتقلت إلى الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية، ومن بعدها حلت بإسرائيل. وهناك مؤشرات تبيّن أن عدوى الربيع العربي ستنتقل عما قريب إلى أوروبا الغربية وربما قد تنطلق من إسبانيا أو اليونان. ففي حديث هاتفي مع رفيقي وصديقي عذري مازغ، وهو نقابي ناشط، عبر لي عن تدمر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بإسبانيا التي أدت إلى انتشار البطالة، ودفعت بالأحزاب البرجوازية إلى تبني خطاب عنصري ضد الأجانب للتملص من المسئولية أمام الشعب الإسباني. إذا نحن مقبلين على ربيع عالمي أو بلساننا نحن الرفاق "ربيع أممي"، فاتحدوا يا كادحوا العالم ضد الغول الرأسمالي البشع والجشع. كثيرا ما يتحدث الأصوليون، الإسلاميون أوالمسيحيون، عن علامات الساعة ونهاية العالم، لكنهم يخطئون دائما في تفسيراتهم،تحت دغمائية الأصولية، إذ يفهمون النهاية على الطريقة الهوليودية. في حين أن الفناء الذي سيحصل هو انهيار النظام العالمي القائم، أي أنه كان يجب عليهم شرح مفردات النصوص من حيث مفهومها المجازي لا اللغوي. فالأزمة العالمية التي حلت في سنة 2009 لم يقضى عليها كما يدعي القائمون على النظام الرأسمالي في العالم. فأسبابها لا تزال قائمة، ولن تزول إلا بإزالة النظام الاقتصادي المتبع بالعالم. هذا لا يعني، بالضرورة، ولادة جديدة للنظام الاشتراكي، إذ ذاك موضوع آخر يرتكز على عدة عوامل منها الموضوعي ومنها الذاتي، قد نعود لها في مقال آخر إن دعت الضرورة لذلك. خلاصة الحديث أن التغيير حاصل بالمغرب لا ريب فيه، إذ هو جزء من العالم وبالتالي فهو يتأثر بمناخه وطقسه. والأزمة قد حلت بالمغرب، رغم أن النظام يحاول استغفال الشعب بالتلاعب بالمفردات والمصطلحات، حيث صرح ببغاء النظام أن:"المغرب ليس به أزمة إقتصادية، بل ضائقة مالية". ولم يفسر معاليه لنا الفرق بين الحالتين. كما تظهر علامات الأزمة في عدم قدرة الحكومة على الوفاء بوعودها بخصوص تشغيل المجازين العاطلين وارتفاع الأسعار بما لا يتناسب وأجور المستخدمين. رجوعا إلى سياسة "ضريبة الثروة"، فإنها تعبير آخر صريح على عجز ميزانية الدولة، لذلك لجأ النظام إليها ليضرب عصفورين بحجر: أ) التظاهر بالإصلاح ورعاية مصالح الشعب، ب) التهرب من المسئولية تحت ذريعة تهرب البعض من أداء الضريبة في حالة فشل المشروع. وهذا ما سيحصل فعلا، والمقصود فشل المشروع شكلا ومضمونا. أيها السادة، إن شعبنا ليس شحّاذا ولا لاجئا حتى تمنحوه مساعدات من فضلات ناهبي المال العام، بل هو صاحب حق ونصيب في ثروات البلاد، بل هو السيد بالمغرب. فإما أن ينال حقه ونصيبه منها، وإما سيأخذ ما يحق له بيده، فأنتم أمام خيارين لا ثالث لهما. فلا تحاولوا حجب الشمس بالغربال أو وضع رأسكم بالرمل، كالنعام، فذاك لن يفيدكم في شيء. عليكم بالنزول عند مطالب الشعب وتحقيق طموحاته بالخوض في إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية لتجنيب البلاد هول الاضطرابات. فالمغرب حتما سيعرف نظام الملكية البرلمانية، لأن الأنظمة الشمولية مآلها الاندثار. إن الشعوب قد استيقظت من سباتها ووعت بحقوقها، وكل محاولاتكم لكسب الوقت قد تطيل من عمركم لشهور، لكنها لن تمنحكم ظهورا كما كان الشأن بالماضي.
#زكرياء_الفاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتصار الشعب الليبي سيعطي انطلاقة جديدة للربيع العربي
-
حرب إعلامية فاشلة
-
شعب أمس غير شعب اليوم
-
Madamme Font Du Picard
-
من ذكرياتي مع الاتحاد السوفياتي
-
الفيزازي من السلفية إلى الاشتراكية أو ما دمت في المغرب فلا ت
...
-
الدولة ليست فكرة مجردة ولا جهازا فوق المجتمع
-
رسالة عاشق
-
رسالة الشعب للقصر في يوم احتفاله
-
الفيزازي والاحتيال السياسي
-
البيعة في المغرب المعاصر تزوير لإرادة الشعب
-
ليس العيب في أن نخطأ بل العيب في أن نتمادى في خطئنا
-
إنما المنتصر من يفوز بالحرب لا من يربح معركة
-
النادل
-
لماذا نقاطع الاستفتاء أو يوم الجمعة يوم حاسم أم يوم انطلاقة
...
-
الشعبوية
-
شفق أم غروب؟
-
عادة حليمة إلى عادتها القديمة
-
اتحاد الملوك ضد الشعوب
-
حرية الصحافة بين الكر والفر والبلطجية تنشد ثورية القصر
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|