|
الرجل هو من استعبد المرأة والرجل هو من حررها
نهرو عبد الصبور طنطاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3476 - 2011 / 9 / 4 - 22:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من الموضوعات الكثيرة التي نمر عليها في طرقات حياتنا دون أن ننتبه لتفحصها ووضعها تحت المجهر الفكري موضوع: (تحرير المرأة) أو (حقوق المرأة) أو (مساواة المرأة بالرجل)، فمن المعلوم بداهة ومن المسلمات لدينا جميعا وعلى مر عصور التاريخ منذ العصر البدائي الأول وحتى يومنا هذا أن المرأة تابع للرجل، والسلطان عليها للرجل، وأن الرجل هو من استعبد المرأة واحتقرها وسلبها حقوقها، لكن من المفارقات المدهشة ومن المسلمات والبداهة التي ربما لم ينتبه لها أحد أن من حرر المرأة ونادى بحقوقها في العصر الحديث في الغرب والشرق كان هو الرجل وليس المرأة، وهذا يعني أن المرأة وهي تحيى حياة الدونية والمذلة والتبعية تحت سلطان الرجل على مر التاريخ الإنساني كله لم يخطر لها يوما على بال أن لها حرية وحقوق واستقلال وشخصية فضلا عن أن تطالب أو تنادي بها، فكانت المفاجأة الكبرى أن الرجل هو أول من التفت وانتبه أن للمرأة حقوق، وأن المرأة يجب أن تحرر من سلطان الرجل، وأن المرأة يجب أن تتعلم وأن تعمل، وأن المرأة يجب أن تساوى بالرجل في كافة الحقوق والواجبات.
فأول من أسس للفكر النسائي في الغرب كان كتاب (مدينة السيدات) la Cité des Dames لـ (كرستين دو بيزان) Christine de Pizan، سنة 1403م. وبدأت على أثره أول حركة تنادي بإعطاء المرأة حقوقها في أوائل القرن الخامس الميلادي في فرنسا, وكان مضمون الكتاب الدفاع عن المرأة ضد ما كان يذيعه الرهبان في كتاباتهم عن المرأة واحتقارها وكان غالب ما يطالب به للنساء يومئذ من حقوق مشروعة هو حق الملكية الفردية وحق التصرف في ما تملك وحق التعليم.
وأول من ألف أهم كتاب في المساواة بين الجنسين De l’égalité des deux sexes، 1673، كان (بولان دو لبار) Poulain de la Barre، هذا الفيلسوف الديكارتي النسائي، حيث أكد في كتابه على أن اللامساواة التي تعاني منها النساء ليس لها مبرر طبيعي، بل مبرراتها ثقافية، ومن هنا دعا إلى تعليم النساء، وفتح في وجههن جميع الشعب بما فيها الشعب العلمية. وبما أنه كان أول من دافع عن مبدأ المساواة بين النساء والرجال، هذا المبدأ الذي يشكل أساس النسائية المعاصرة، فإن كتاباته قد شكلت قطيعة مع الأدبيات النسائية السابقة عنه. وهو صاحب الأطروحة القائلة بأن "لا جنس للعقل" مدافعًا عن قدرة النساء على المشاركة في عوالم الآداب وشؤون الدولة والحكم. تقول (ساليا أمروس) بأن عمل (بولان دو لابار) يشكل صياغة للعقل المضاد للأبوية الذي عرى السلطات العلمية والفلسفية الداعمة للمواقف اللامساواتية بين الجنسين.
و ذكر (كولان سميت) في كتابه عن (ستيوارت ميل) الفيلسوف الإنجليزي ورجل السياسة والقانون ،إلى أن هذا الأخير كان أول أوروبي استطاع أن يخرق الصمت المحيط بالمرأة، ويدافع عن المرأة في البرلمان الإنجليزي، و ذلك سنة 1867 بعد أن ألف كتابه (استعباد النساء).
وكذلك (أليس، هنري هافلوك) (1859 - 1939): عالم النفس البريطاني. الذي عني بدراسة السلوك الجنسي البشري. واعتبر بطل الدفاع عن حقوق المرأة وداعية الثقافة الجنسية الأول. أهم مصنفاته (دراسات في سيكولوجية الجنس) في سبعة مجلدات (1897 - 1928).
هذا عن تحرير المرأة في الغرب والمطالبة بحقوقها، أما في الشرق والعالم العربي فكان أول من نادى بتعليم المرأة المصرية (رفاعة الطهطاوي) بعد عودته من بعثته إلى (باريس).
وفي عام 1894م ظهر كتاب للكاتب الفرنسي (الكونت داركور)، حمل فيه على نساء مصر وهاجم الحجاب، وهاجم المثقفين على سكوتهم. وفي عام 1899م تبعه قاسم أمين حيث ألف كتابه (تحرير المرأة) أيد فيه آراء (داركور). ثم ألف (أمين) كتابه الثاني (المرأة الجديدة). ثم تبعه (مرقص فهمي المحامي) فألف كتابه (المرأة في الشرق). ثم تبعهم بعد ذلك (أحمد لطفي السيد) و(عبد العزيز فهمي) و(الشيخ محمد عبده) و(أحمد فتحي زغلول) و(الهلباوي) و(كامل مرسي) و(سلامة موسى) ووو.... إلخ).
ولا ذكر لامرأة واحدة لا غربية ولا شرقية كان لها السبق أو البدء في هذا الأمر، فالسبق والفضل كله كان للرجل دون المرأة، والمرأة بدأت في هذا النضال بعد الرجل بكثير من الوقت.
بالطبع أنا لا أنطلق في رصدي هذا من أرضية عنصرية ضد المرأة ولا أتخذ موقفا سلبيا ضدها لصالح محاباة الرجل، كلا، ولكن هذا أمر بدوره يثير الدهشة والاستغراب وكذلك يثير كثير من الأسئلة الضرورية والهامة حول الطبيعة التكوينية لشخصية المرأة وهذه الأسئلة تحتاج إلى مناقشة وتحليل وإجابات شافية كذلك:
السؤال الأول: لماذا حين استعبد الرجل المرأة وسلبها حقوقها طوال التاريخ البشري كله لم تجرؤ المرأة على التفكير طوال ذلك التاريخ كله في أن تثور أو تنتفض ضد الرجل أو تطالب بحقوقها المهدرة وتدافع عن كرامتها المسلوبة ولو لمرة واحدة يذكرها لها التاريخ؟؟.
السؤال الثاني: لماذا الرجل وليس المرأة هو أول من انتبه لدونية المرأة وظلمها ووضاعة شأنها فقام هو من نفسه وبادر برفعها من تلك الدونية وطالب برفع الظلم عنها وانتشالها من وضاعتها بينما المرأة لم تنتبه لهذا ولو لمرة واحدة طوال وجودها الإنساني كله؟؟.
السؤال الثالث: هل لو لم ينتبه الرجل أن المرأة مستضعفة ومقموعة ولها حقوق مسلوبة هل كانت ستظل المرأة إلى يومنا هذا ترزح تحت سلطان الرجل دون مخرج؟؟
السؤال الرابع: لو افترضنا أن ضعف المرأة _كما يمكن أن يدعي البعض_ كان هو المبرر الوحيد الذي جعل الرجل يفرض سلطانه عليها، ألا يمكن أن يكون ضعف المرأة هو بالفعل شيء أساسي وأصيل في البنية الشخصية للمرأة جعلها تبقى كل هذا الدهر الطويل راضية قابلة متعايشة في ظل سلطان الرجل؟، ولو كان هذا الضعف له وجود فعلي حقيقي أصيل لدى المرأة هل يا ترى قد زال هذا الضعف بحصول المرأة على إرادتها واستقلالها وحقوقها الآن أم ما زال موجودا لكنه مختبئ خلف تغاضي الرجل وسماحه لها ومنحه إياها تلك الحقوق؟؟.
السؤال الخامس: هل لطبيعة (الممارسة الجنسية) وكون المرأة هي (المفعول فيها) والرجل هو (الفاعل) وما يترتب على تلك العلاقة من حمل وولادة ورضاعة علاقة بنيوية عضوية في شخصية الأنثى وطبيعة تكوينها الأنثوي والنفسي جعلتها تستمرئ وتتعايش وترضي بسلطان الرجل عليها وقهره إياها وسلبه حقوقها وإرادتها، بحيث أصبح السلطان عليها والاستضعاف لها جزء من تكوينها النفسي وجعلها لم تفكر يوما طوال التاريخ البشري كله أن تنتفض ضد الرجل الذي يتسلط عليها ويستضعفها ومن ثم يسلبها حقوقها؟؟.
السؤال السادس: هل كون الرجل هو أول من انتبه قبل المرأة لحقوق المرأة وكونه هو أول من نادى وطالب ومنح هذه الحقوق هل كان فعله ذلك عن وازع إنساني وضميري نابع من داخل الرجل ذاته أم كان أمرا مدبرا من قبله بقصد التخفف من أعباء تبعيتها له وإغراق السوق بها ومن ثم إعادة استغلالها والاستفادة منها بقدر أكبر وأكثر ولكن في ثوب حضاري زائف؟؟.
السؤال السابع: هل كون الرجل هو أول من فكر وقرر أن للمرأة حقوق وطالب بها لها، ستظل المرأة مدينة للرجل بنيل حريتها وحقوقها وإرادتها كونه هو من انتبه قبلها وأطلق سراحها وسمح لها بالخروج من سلطانه؟؟.
السؤال الثامن: هل بعد أن تحررت المرأة وتعلمت وحصلت على حقوقها وإرادتها وأصبح لها كينونة مساوية للرجل هل تشعر المرأة الآن بالفعل ومن داخلها أنها تحررت حقيقة من سلطان الرجل عليها ولم تعد بحاجة للوقوف في ظلال ذلك السلطان مرة أخرى؟ أسئلة كثيرة تحتاج لمناقشة وتحليل ومحاولة للإجابة عليها.
نهرو طنطاوي كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر موبايل : 0164355385 _ 002 إيميل: [email protected]
#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علاقة الغرب العلماني المتحضر بالحاكم العربي
-
هل الإجماع مصدر من مصادر التشريع في الإسلام؟
-
الحرية كذبة كبرى
-
هل الاجتهاد مصدر من مصادر التشريع في الإسلام؟؟
-
وماذا بعد سقوط حسني مبارك ومحاكمته؟
-
المواقيت الصحيحة للإفطار والسحور
-
لا دية لأسر شهداء 25 يناير
-
النظام المديني وزوال الديمقراطية – الجزء الثاني
-
النظام المديني وزوال الديمقراطية – الجزء الأول
-
من أجل إنقاذ مصر
-
الدعاء في سجن (مزرعة طرة) مستجاب
-
ويل لمن تنكروا لفضل الرئيس مبارك عليهم
-
ثورة 25 يناير ثورة إسلامية بلا خوميني
-
حقيقة حياد الجيش وقراءة أخرى في المشهد المصري
-
العلاقة المشبوه بين البابا شنودة والرئيس مبارك
-
ثورة مصر: ثورة طاهرة في بيت دعارة
-
احذروا أيها المصريون: هؤلاء يتآمرون عليكم
-
شعوب تستلهم خلاصها من المنتحرين والمحروقين والغائبين
-
البطولة الزائفة للمنتحر التونسي (محمد بوعزيزي)
-
الطائفية الريفية والإجحاف بالمسيحيين
المزيد.....
-
الرئاسة المصرية تكشف تفاصيل لقاء السيسي ورئيس الكونغرس اليهو
...
-
السيسي يؤكد لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي على عدم تهجير غزة
...
-
السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة-
...
-
الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد
...
-
تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي
...
-
باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
-
-أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما
...
-
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
-
مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد
-
“خلي ولادك يبسطوا” شغّل المحتوي الخاص بالأطفال علي تردد قناة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|