|
دردشة مع العامل طه سعد عثمان قبل الرحيل الكبير
عبدالوهاب خضر
الحوار المتمدن-العدد: 1035 - 2004 / 12 / 2 - 08:12
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
قال إن القوانين السيئة السمعة التي تصدرها حكومات الانفتاح الحالية مثل العنكبوت.
فقلت له كيف؟ قال : يقع فيه الضعفاء ويحطمه الأقوياء ، إنها دعوة من عامل بسيط لتوحد الشعب في مواجهة توحش النظام الحاكم "
كان الكل يسأل : كيف لعمال مصر أن يتحركوا هكذا هذه الايام ويتظاهروا ويضربوا وينجحوا ويفشلوا ويستمروا في ظل نقابات ضعيفة وحكومة غافلة نائمة، ورأسمالية تعبث بالطبقة العاملة وشعب مهمل ومستقبل مظلم ، ولكن هذا العامل البسيط كان يبتسم دائما ويقول : إنها وحدة وقوة العمال من حلوان حتي كفر الدوار مرورا بشبرا الخيمة والمحلة والتي نتج عنها أكثر من 172 تحركا عماليا في هذا العام فقط .
ورحل طه سعد عثمان فوضعوه في قبر صغير بينما ترك خلفه شعب مصر محشورا في قبر واسع مليء بالمخاطر والمطبات والعذابات المختلفة .
ومن أقواله ان العمال يواجهون محاصرة حكومية لا تعود إلي الوقت الراهن فقط بل إلي سنوات ماضية ربما تبلغ عقوداً، هذه المحاصرة التي جعلت هذه النقابات تبدو معزولة عن العمال ومعاملتهم ومطالبهم، فقد جاءت أغلب المطالب والتظاهرات والاحتجاجات العمالية في الأيام الأخيرة علي الأقل خارج هذه التنظيمات النقابية0 الأمر الذي يوضح ضعف وهشاشة هذه النقابات، مما يعكس أن هذه النقابات صارت أجهزة بيروقراطية أكثر منها تنظيمات مهنية ديمقراطية للعمال، ولم ينس أن يقول أن ثمة صورة أخري مغايرة تماما لواقع حركة النقابات العمالية المصرية هذه الصورة التي تزخر بالنضالات البطولية التي حققت لعمال مصر كثيرا من المكاسب المهنية والاجتماعية والسياسية.
هذه الصورة التي تركزت في أواخر عقد الثلاثينيات وكامل عقد الأربعينيات وما أحوجنا لاستعادتها الآن في الأزمة التي تمر بها الحركة العمالية المصرية والنقابية علي وجه الخصوص.
صورة رسمها نجوم في الحركة العمالية منهم اسماً كبيراً هو طه سعد عثمان الذي كان رئيس النقابة العامة لعمال النسيج بالقاهرة وضواحيها منذ عام 38 إلي عام 1943 ثم سكرتير اللجنة التحضيرية لمندوب نقابات مصر في مؤتمر النقابات العالمي بباريس عام 1945، وسكرتير مؤتمر نقابات عمال مصر عام 1946، وهو أيضا الذي خاض كل النضالات العمالية التي جرت خلال أكثر من نصف قرن من تاريخ عمال مصر ودفع ثمنا غاليا فقد تعرض طوال حياته للفصل التعسفي من عمله وواجه البطالة والتشريد وأحكام الحبس والاعتقال حيث قضي خمس سنوات في الاعتقال امتدت من عام 59 ـ 64 وهو أيضا يعد من كبار موثقي ومؤرخي تاريخ نضال الطبقة العاملة المصرية، فقد أرخ ووثق لتاريخ الطبقة العاملة المصرية فيما لا يقل عن خمسة وعشرين كتابا، طبع أغلبها علي نفقته الخاصة، وقد كان ويؤكد طه سعد عثمان دائما أن الكفاح الجماعي للعمال المصريين ضد الاستغلال البشع واللاإنساني لهم من جانب الرأسماليين تركز في مطلب تحسين ظروف العمل وزيادة الأجور، وتخفيض ساعات العمل وقد برزت من بين العمال المصريين قيادات عمالية قادت الكفاح ضد الرأسماليين وأعوانهم وقد استطاعت هذه القيادات العمالية أن تكون المنظمات النقابية العمالية كأداة لتنظيم وقيادة العمليات الكفاحية وتصعدها ضد الرأسماليين، مما جعل هذه المنظمات النقابية العمالية بمثابة مدرسة لتدريس كل ما يحتاجه النضال العمالي من زيادة الوعي الطبقي وتخريج القيادات الجديدة الأكثر وعيا وقدرة علي تحمل أعباء الكفاح، وتقديم التضحيات0 ويؤرخ طه سعد عثمان كفاح العمال في الثلاثينيات والأربعينيات ليوضح أن الطبقة العاملة المصرية قد تركزت في أربعة قطاعات رئيسية في ذلك الوقت: القطاع الأول وهو القطاع الإنتاجي المتمثل في مصانع الدخان والنسيج والأسمنت وصناعات القطن، هذا المجال كان له دور كبير في زيادة الوعي الطبقي وممارسة المعارك الكفاحية المطلبية نظرا لوجود آلاف العمال الذين يعملون معا تحت سقف واحد وفي ظروف عمل واحدة، ويقاسون نفس المظالم في آن واحد. وكان رأس المال المالك لهذا القطاع يتركز في الغالب في أيدي الأجانب وبجوارهم قلة من المتمصرين ولم يكن هناك رأس مال مصري في هذا القطاع سوي شركات بنك مصر في المحلة الكبري وكفر الدوار، أما القطاع الثاني فكان في التجارة الكبيرة والمتوسطة التي تركزت غالبيتها في يد الأجانب أيضا، وبخاصة اليهود أمثال صيدناوي وعمر أفندي وداود وعدس وشيكوريل وشملا وغيرهم، والقطاع الثالث كان في الخدمات والمواصلات وكانت تديره شركات أجنبية تعمل من خلال عقود امتياز لاستغلالها لفترة طويلة.
والقطاع الرابع الذي ضم الطبقة العاملة كان متمثلا في عمال الحكومة في المواقع الإنتاجية المختلفة مثل ورش السكك الحديدية والمطبعة الأميرية والترسانة البحرية وغيرها. وكان لكل قطاع من هذه القطاعات الأربعة خصائصه وظروف عمله التي تنعكس علي نوعية المطالب العمالية فيه، والوسائل الكفاحية التي يستخدمونها للحصول علي هذه المطالب، وإن كانت تجمع الطبقة العاملة قضايا رئيسية في كفاحها علي رأسها تحرير مصر من الاستعمار وإلغاء الاستغلال الرأسمالي للعمال.
كان من أهم هذه الأسلحة التي استخدمها العمال المصريون في إطار نضالهم في الثلاثينيات والأربعينيات من هذا القرن الإضراب والاعتصام، فقد استخدم العمال هذا السلاح بشكل واسع ناجح في زمن الأربعينيات وهو يعني إيقاف العمال لدولاب العمل والإنتاج، وقد كان العمال يقومون بالإضراب عن العمل لدفع مظالم أوقعها الرأسمالي عليهم أو المطالبة بحقوق يرون ضرورة الحصول عليها لتحسين ظروف عملهم ومستوي معيشتهم وقد استخدم عمال النسيج بالقاهرة وضواحيها هذا السلاح حتي قاموا بـ ( 50) إضرابا في المدة الواقعة فقط ما بين يناير إلي أبريل لسنة 1945 مما جعل الحكومة تقوم بحل النقابة العامة للنسيج لأنها رأت أنها وراء تحريض الإضراب والاعتصام، وكانت الدولة تحرم الاضراب والتحريض عليه ولديها قانون ينص علي عقاب كل من يقوم بالإضراب بالحبس والغرامة. ومن أمثلة الإضرابات العامة الكبري الإضراب العام الذي قام به عمال جميع المهن في القاهرة احتجاجا علي تأخير صدور القوانين العمالية وعلي رأسها قانون الاعتراف بالنقابات العمالية.
ومن أنواع الاضرابات العمالية اضراب التضامن الذي يقوم به عمال مصنع أو منطقة عمل في فترة محددة تضامنا مع عمال موقع آخر مضربين من أجل مطالبهم. والإضراب الجزئي وهو الإضراب الذي يقوم فيه العمال بتخفيض الإنتاج لا إيقافه كليا0 ويوضح طه عثمان أن العمال لجأوا لهذا النوع من الإضراب ليتفادوا عقوبة الاضراب والتحريض عليه. ومن الأسلحة التي استخدمها عمال الأربعينيات في معاركهم النضالية مع أصحاب المصانع المستغلين الاعتصام وهو احتلال المصنع من قبل العمال وعدم مغادرته وقد يصحب ذلك إيقاف الإنتاج أو تخفيضه ويقول طه عثمان أذكر أنني عاصرت العديد من الاعتصامات في مصانع النسيج الميكانيكي بشبرا الخيمة حيث كان مدير المصنع ورجال الشرطة يقومون بحصار المصنع ومنع وصول الكهرباء والماء إلي العمال المعتصمين لإجبار العمال علي فض الاعتصام، ولكن عمال المصانع الأخري وأهالي العزب والقري المجاورة كانوا يتعاونون في إلقاء المأكولات ومياه الشرب من فوق أسوار المصنع للعمال المعتصمين.
وبالإضافة إلي الإضرابات والاعتصامات كانت هناك وسائل أخري كفاحية لنضال الطبقة العاملة في الأربعينيات كما يقول عثمان منها حماية المكافحين التي تمثلت في إنشاء صندوق الخدمة الاجتماعية الذي يتولي إعانة المكافحين من القيادات العمالية بجوار مساعدته للعمال المضربين عن العمل أثناء فترات إضرابهم حتي لا يضطر هؤلاء العمال تحت ضغط جوعهم وجوع أسرهم إلي إفشال الإضراب بالعودة إلي العمل منهزمين قبل تحقيق أية مطالب.وقد كان لهذا الصندوق اشتراك مساو لاشتراك النقابة ويواصل طه عثمان فيقول أن من الأسلحة التي استخدمها العمال المصريون في كفاحهم أيضا في هذا الوقت المظاهرات والمسيرات السلمية، وقد كانوا يقومون بها لأجل اعلان مطالبهم وحقوقهم، ومن أشهر المظاهرات العمالية كثيفة العدد قوية التنظيم تلك المظاهرة التي قام بها عمال نقابات القاهرة في عام 1938 للمطالبة بإصدار القوانين العمالية والتي كان يسير فيها أعضاء النقابات وقد بلغ من ضخامة تلك المظاهرة أن كان أولها عند رئاسة مجلس الوزراء في لاظوغلي وآخرها عند دار إتحاد نقابات المملكة أمام جامع عنان «ميدان رمسيس حاليا». وقد أطل رئيس الوزراء علي المظاهرة من شرفة مبني مجلس الوزارء وخطب في العمال واعدا بإصدار قانون الاعتراف بالنقابات في الوقت القريب.
وقد استخدم العمال المصريون الصحافة في الأربعينيات لجمهرة معاركهم مع الرأسماليين وجذب الرأي العام إلي تأييدهم، وذلك بأسلوبين الأول: استئجار رخص بعض المجلات الاسبوعية في القاهرة، أما الأسلوب الثاني فكان استخدام الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية لنشر أخبار العمال وشكاواهم ومطالبهم.
وكان سعد عثمان يدعو عمال مصر دائما للنضال والتوحد لانتزاع حقوقهم المنهوبة من حفنة من ذوي المصالح الخاصة الذين كانوا وراء تشريع قانون العمل الموحد الجديد الذي يعطي كل الصلاحيات في يد صاحب العمال علي حساب العمال، إنها رسالة من عامل وطني فاستوعبها العمال في كل المواقع الآن ويتحركون من أجل استمرارالتاريخ المشرف لنضال الحركة العمالية المصرية .
عبدالوهاب خضر
#عبدالوهاب_خضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مؤتمر شرم الشيخ الدولى يخدم المصالح الامريكية .
-
عمال مصر يواصلون الانتصار على الأمن والادارة والحكومة
-
المناخ العام لاحتجاجات عمال مصر : الجو الاجتماعى ملوث والقوا
...
-
حوار مع أفقر رجل فى مصر .
-
نص حوار محافظ القاهرة مع جريدة - الاهالى - المصرية .
-
المعارضة المصرية تقرر اللجوء إلي الشعب
-
الحزب العاكم
-
مرحبا حتى بجمال مبارك رئيسا لمصر .
-
نص حوار الشاعر العراقى سعدى يوسف مع جريدة - الاهالى - فى مصر
-
الحزب الحاكم
-
مظاهرة تطالب بإنقاذ الأسري الفلسطينيين في سجون الاحتلال
-
حكايات مثيرة عن المعونة الامريكة لمصر .
-
كيف تتخلص مصر من الفساد ؟
-
النص الكامل لوثيقة المعارضة المصرية الممنوعة من النشر
-
هل مصر مقبلة على ثورة ؟
-
باب وزير الاسكان المصرى مخلع
-
مظاهرة عمالية تطلب انقاذ المال العام فى مصر
-
اللعب على المكشوف
-
لاءات جمال مبارك الثلاثة
-
قضايا عمال مصر سقطت من أولويات حكومة الدكتور أحمد نظيف
المزيد.....
-
وزارة المالية العراقية تحدد موعد صرف رواتب الموظفين لشهر ديس
...
-
حصيلة بقتلى العاملين في المجال الإنساني خلال 2024
-
4th World Working Youth Congress
-
وزارة المالية العراقية تُعلن.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر
...
-
بيسكوف: روسيا بحاجة للعمالة الأجنبية وترحب بالمهاجرين
-
النسخة الألكترونية من العدد 1824 من جريدة الشعب ليوم الخميس
...
-
تاريخ صرف رواتب المتقاعدين في العراق لشهر ديسمبر 2024 .. ما
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
يوم دراسي لفريق الاتحاد المغربي للشغل حول: تجارة القرب الإكر
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|