جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3473 - 2011 / 8 / 31 - 20:46
المحور:
سيرة ذاتية
يقال عنها بأن كل الذين رأوها أصابتهم أحزانها ولسعتهم نارها وتعذبوا لعذابها, كانت كاتبة وأديبة تتقن ست لغات وأهمهن الانكليزية والفرنسية والألمانية بالاضافة إلى لغتها الأم, تم التأمر عليها لقتلها معنويا وروحيا على عادة العرب الأشاوس فتم اغتيالها سياسيا ثم أدبيا ثم شخصيا...وكل من يقرأ عن مي زياده وخصوصا عن سيرتها الذاتية يكتشف أول ما يكتشف بأن سيرتها الذاتية أعظم من إبداعاتها الفردية فهي ككاتبة لا تعتبر كاتبة مهمة قياسا بالعقاد -الذي تكبره بثلاث سنوات- ومصطفى صادق الرافعي وجبران خليل جبران , وكانت إبداعاتها سواء أكانت إبداعا عاما شعرا ونثرا أو ترجمة للروايات لا تعتبر مهمة بقدر ما تعتبر شخصية مي زيادة أقوى من كل ما أنتجته من أدب, لذلك حين نتحدث عنها نعطيها على قوة الشخصية 8 علامات من عشرة أي 80% من كافة مكوناتها وكانت شهرتها كأديبة أقل نجاحا من شهرتها ككاتبة اجتماعية نقدية والذي أدى إلى شهرتها هو أولا: عشقها من طرفٍ واحد لجبران خليل جبران خلال عشرين عام من الحب واللامبالاة ,وثانيا أن غالبية أدباء وكتاب ومفكري مصر السياسيين كانوا يجتمعون في بيتها كل يوم ثلاثاء, ويكتشف القارئ بعد كل ذلك بأنها من الذين يولدون في حياتهم مرتين, فمي زيادة ولدت أول مرة محبوبة ومحظوظة من المعجبين والمعجبات وولدت ثانيا مقهورة ومكبوتة الأحزان, وأخيرا نستطيع أن نقول بحقها بأنها ولدت وحيدة وماتت وحيدة وعاشت وعانت الأمرين في السنين العشر الأخيرة من حياتها وحيدة بلا أب وبلا أم وبلا حبيب يعشش في مخيلتها بعد أن فُجعت بكل أحبابها واحدا تلوى الآخر, وولدت وحيدة الأبوين ليس لها أخٌ أو أخت وعاشت وحيدة الأبوين بعد أن ماتوا عنها وتركوها في الدنيا وحيدة فماتت وحيدة ضحية الأمراض النفسية بعد أن عاشت أخريات سنين عمرها بين مستشفى الأمراض العقلية وبيروت والقاهرة ,لقد عاشت مي زياده وحيدة بعد أن فُجعت بكافة أحبابها الذين أحبتهم وأحبوها بكل صدق ورحل عنها أبوها أولا وحبيب قلبها ثانيا جبران وأمها بعد عام على رحيل جبران سنة1932م, وكانت طفولتها وشبابها مختلفة كل الاختلاف عن النهاية التراجيدية المحزنة التي ألمّت بها جدا والتي من ناحية أخرى تبعث على الحزن وعلى البكاء حيث عاشت في صباها ممتلئة القلب وثملة الروح وحولها المعجبون والمعجبات من كل الطبقات الاجتماعية ومن كل الأصناف الإبداعية من الفلسفة إلى الأدب والسياسة ولم يشاهدها عظيم من عظماء عصرها إلا وانحنى أمامها برأسه وبظهره من كبار الكتاب والمفكرين وفي آخر أيامها أو في السنين الأخيرة من عمرها وتعرضت لموت كل أحبابها... وثانيا تعرضت لمؤامرة دنيئة وحقيرة تآمر بها عليها كل أقرباء أبيها حين حجروا عليها في بيروت..إلخ لولا أن هبّ المفكرون والأدباء هبة رجل واحد للدفاع عنها لماتت ضحية الطمع والجشع والخيانة السياسية, و لم يطرق بابها في السنين الأخيرة أي طارق لا في الليل ولا في النهار, كانت ساكنة مستسلمة لليأس وللقنوط بعد أن كانت ممتلئة بالحيوية وبالحياة وبالثرثرة وكل من يدرس طبيعة حالة مي زياده يستطيع أن يقول بأن الإنسان ضحية نجاحه كما يكون في أغلب الأحيان ضحية خسارته, وكان لها ذوق رفيع ترفعت بسببه عن كل العظماء الذين عاصروها فلم تقنع لا بالرافعي ولا بالعقاد وكانت ترى نفسها أكثر من اللازم وكانت وراءها روح تقول لها لا يوجد رجل يستحقك يا (مي) أنت عظيمة ورائعة والإنسان يقع المرض النفسي به ويبدأ بالسيطرة عليه سواء أكان خاسرا أو ناجحا, والغريب أن الإنسان الحساس إذا فشل أو إذا نجح يتعرض في أغلب الأحيان إلى نفس الأعراض التي يشكو منها الفاشل أو الناجح جدا فالاثنين يسيطر عليهما المرض النفسي, وكل امرأة تسلك مسلك مي زيادة لا يكون مستبعدا عنها أن تقضي بقية حياتها في مستشفى للأمراض العقلية أو أن تقع ضحية للأورام النفسية مثل حب الظهور والغرور وتعاظم الأنا الأعلى والنرجسية والشوفينية والاكتئاب والقلق النفسي والاضطراب العاطفي وخصوصا عندما تبدأ الدورة الشهرية بالانقطاع التدريجي عنها فغالبية الإناث يشعرن بالخوف ويكتئبن كثيرا...الخ ,وتشترك مي زياده بهذه الصفات مع كثير من العمالقة الذين انتهت حياتهم بمصحات الأمراض العقلية, وأغلب الكتاب والنجوم يقعون ضحية نجاحهم حين يتحول النجاح من قصة طموح وذوق رفيع إلى قصة غرور بالنفس وثقة بالنفس زائدة عن اللزوم عندها فقط تصبح الشخصية منفوخة ومنتفخة جدا كالبالون وكبيرة جدا أكثر من حجمها الطبيعي حيث لا يستطيع المغرور أن يرى حجمه الطبيعي ويسيطر عليه الوهم والغرور, وبعدها أيضا من السهل وخز المغرور حتى يتطاير ويفقع من الداخل أمام الأعين مثل البالون الذي يفقع من وخزة دبوس, ومن السهل أن يقع الكاتب المرهف الحس ضحية للأمراض النفسية ذلك أن عواطفه ومشاعره الكبيرة تجعل من مستويات تأثره أعلى بكثير من الآخرين لذلك يقع في الأمراض النفسية وتزداد رغبته بالانتحار أو بالسقوط الاجتماعي حيث يذل نفسه لأتفه الناس خسة ونذالة خصوصا حين تكون طبيعة الحالة يائسة جدا مدمعة العينين كل الأوقات ويستسلم للحزن كل إنسان على شاكلة مي زياده أو سعاد حسني أو (داليدا) التي انتحر كل عشاقها وكل من تزوج من داليدا مات منتحرا وفي النهاية استسلمت للحزن حتى ماتت هي الأخرى انتحارا .
ماري الياس زياده أو مي زيادة ولدت لأم فلسطينية بالناصرة في أكتوبر سنة (1886)من أب لبناني صاحب مطبعة أو مالك مطبعة وماتت مصرية في القاهرة سنة 1941م بعد معاناة شديدة مع الأمراض النفسية التي ألمت بها في أخريات حياتها, نشأت ابنة وحيدة مدللة.....والكاتبة الرائعة (مي زياده) أول كاتبة عربية تتحدث وتؤلف كتابا عن المساواة!!! قبل أن تسمع المثقفات العربيات بشيء اسمه المساواة بين الجنسين بخمسين عام وأكثر, وكانت عقليا أكبر من عقلها وكان نموها العاطفي أكبر بكثير من نمو الوطن العربي بأكمله وإذا ما قسناها بالزمن الذي عاشت به نستطيع أن نقول عنها بأنها كانت من أعظم أهل زمانها وإذا قارنا رسائل عشقها التي أرسلتها لجبران نستطيع أن نقول عنها بأنها امرأة حبيبة من الصنف الأول وأجرأ امرأة عربية من أب لبناني وأم أرثوذكسية فلسطينية, أحبت جبران من طرفٍ واحد وعاشت معه بخيالها تعاني من عشقها ومن حبها له, وكانت تقضي معظم الوقت مع خيالها سارحة في هوى جبران الذي كان طيفه يسعدها ورسائله تفرحها ولا ينقضي يوم أو يومين إلا ويخطر على بالها جبران خليل جبران, كانت تتعشق جبران من خلال كلماته وكتاباته وهي امرأة لم تهرب من جمال الشكل إلى جمال المعنى والجوهر لأنها قبيحة الوجه أو لأنها كانت تعاني من نقص في الطفولة, فكل هذا لا توجد له أي مؤشرات لأنها كانت جميلة المظهر الداخلي والخارجي ولكن ذوقها الرفيع في اختيارها لشريك حياتها كان سببا في انهيارها العصبي وكان قد رماها على أوراق جبران الذي أحب (سلمى) وليس مي زياده.
تراسلت مي وجبران من سنة 1911وحتى وفاته في نيويورك سنة 1931م أي أن قصة الحب بقيت صامدة مدة عشرين سنة لم يزعزعها الزمانُ ولا تقلباته وهذا كان بالنسبة لها أكبر حدث له تأثير على صحتها العقلية والنفسية بعد وفاة والدها من ناحية العواطف حيث تعرضت لنكسة عاطفية شديدة ابتدأت بفقدان أغلى الأحبة على قلبها ,وهم على التوالي: والدها عام 1928م وبعد ذلك جبران خليل جبران 1931م وأخيرا والدتها سنة1932م واستمرت مأساتها بالأحزان وخصوصا ملاحقة أقربائها لها والإيقاع بها في بيروت وإيداعها رغما عنها مستشفى الأمراض العقلية والحجر عليها من أجل أن يستحوذوا على ما تركته لها مطبعة والدها في القاهرة تلك المطبعة التي كانت سببا في معرفة مي زياده للأدب وللأدباء وللكتاب وللصحفيين وأهمهم (شبلي شميل) أول متحدث عن النشوء والارتقاء عربيا, والسياسي أحمد لطفي السيد والاشتراكي الفابي سلامه موسى, والغريب بأن الملحد عشقها والمسيحي عشقها والمسلم عشقها والاشتراكي والماركسي والروحي والمادي كل أولئك عشقوا مي زيادة لحلاوة لسانها ولذوقها الرائع ولجرأتها في الخطابة حتى وافتها المنية في القاهرة مستسلمة للأمراض والعلاجات النفسية, كانت رائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى,وكانت درة أهل زمانها وكانت عاشقة بكل ما تحمله الرومانسية العاطفية من معنى, كتبت بالانكليزية وبالفرنسية وبالعربية ووقعت أو سقطت في نهاية حياتها فريسة للأمراض النفسية التي التهمت قلبها وعقلها بسبب تضخم الأنا الأعلى عندها, كانت صاحبة ذوق رفيع لم يترك لها ذوقها رجلا إلا وتعجرفت وتكبرت عليه, وكانت في الحب فارسة لا يشقُ لها غبار صريحة تتحدث عن رجل تحبه كما يتحدث الرجل الشرقي عن اسم محبوبته, ولا يستطيع أهل الترجمة إلا وأن ينسبوها للترجمة, ولا يستطيع الأدباء إلا أن يحسبوها على الأدباء, كانت مبدعة متعددة الجوانب والاهتمامات وهذه الصفة لا تتكرر إلا كل ألف عام مرة أو مرتين ولا يستطيع أهل الهوى إلا أن يعترفوا بأن الهوى غلب على قلبها وعلى أعصابها وعلى شخصيتها وأرداها فريسة لفقدان المشاعر العاطفية بعد وفاة جبران خليل جبران الذي أحبته دون أن تشاهده على أرض الواقع وكان أغلب أدباء مصر يغارون من جبران لمدى معرفتهم بحب ومي زياده له وأغلبهم فرح فرحا كبيرا ليوم وفاة جبران خليل جبران.
كتبت بالفرنسية وباسم مستعار(إيزيس كوبيا) ديوان(أزاهير حلم) سنة1911 وبسبب هذا الديوان بدأت قصة الحب بجبران خليل جبران, ولولا وقوف (أمين الريحاني) إلى جانبها في آخر حياتها لوقعت مي مذبوحة ومهانة من قبل أقربائها ولكن كان أمين الريحاني أول وآخر وأقوى شخص يدافع عنها بشراسة حتى أخرجها من المصحة العقلية وأبقاها في منزله مدة نصف عام تقريبا اختارت في النهاية العودة للقاهرة لتموت وتدفن فيها سنة 1941م, وأكثر رجل أحبها ومات فيها هياما كان(عباس محمود العقاد) الذي كتب من أجلها رواية(سارة) وقال مرة(كنت أظلم اسماعيل صدقي والوفد وجماعة النحاس على شان تتصل بي مي زياده وتترجاني أسيبهم في حالهم) قال مرة أخرى:كنت أفعل كل ذلك لعلمي بأنها كانت تخاف عليّ كثيرا مع أنها لم تعشقنِ, وآخر شيء كتبته هو هذه الجملة(أتمنى أن يأتي من بعدي من يفهمني وينصفني).
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟