|
تأجيل الانتخابات أم تأصيل المغامرات
ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)
الحوار المتمدن-العدد: 1033 - 2004 / 11 / 30 - 11:23
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
عادة ما تقف الأمم متحيرة أمام الانعطافات الكبرى. وهي حيرة طبيعية عندما تصبح جزء من الاجتهاد الفكري والسياسي من اجل إيجاد الحلول الفعلية القادرة على نقلها إلى "شاطئ الأمان". ومن اجل ألا تتحول هذه الحيرة إلى جزء من نفسية الجبن والخوف، فإن ذلك يفترض تذليلها السريع من اجل تربية إرادتها. وبما أن العراق يعاني الآن من ضعف الإرادة التي سلبها زمن طويل من الدكتاتورية والاستبداد، من هنا تصبح إعادة الاعتبار لها من خلالها وضعها أمام "حرية الاختيار" في رؤية ما ترتئيه مناسبا لها، الخطوة الضرورية الأولى لتربية الإرادة. وشأن كل إرادة لا يمكن صنعها بين ليلة وضحاها. كما انه لا عاصم من وقوعها في أخطاء صغيرة وكبيرة. وهي حالة طبيعية أيضا، بل انها حالة ضرورية من اجل تكامل الشخصية الاجتماعية والوطنية للعراق. وبقدر ما ينطبق ذلك على الأفراد والجماعات والأمة ينطبق على الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والشخصيات المبدعة. فقد شكل انتقال العراق من حالة التوتاليتارية والإرهاب المنظم والشامل للسلطة إلى حالة الحكم الديمقراطي وحرية الاختيار السياسي الحر للمرة الأولى في تاريخه المعاصر خطوة هائلة في مسار الحرية والحق. وهي خطوة ظلت وما تزال تعاني من تعقيدات وصعوبات جمة هي بحصيلتها النتاج المتبقي من الخراب الشامل للتوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. وهو خراب اكثر ما يبرز في سحق حرية الإرادة وحقوق الإنسان وحق المواطنة ومسئولية الفرد والمجتمع في إدارة شئونه الذاتية. وهي حقوق وواجبات لا يمكن فصلها عن حق المجتمع في انتخاب حكومته. بل يمكن القول، بان حق المواطن في انتخاب الحكومة هو الشرط الضروري لكل الحقوق الأخرى. وفيه فقط يمكن اختبار النفس الفردية والاجتماعية ووضعها في الوقت ذاته أمام مسئولية تاريخية. وهي مسؤولية جرى تجريد الإنسان العراقي منها طيلة عقود طويلة. وجرى استعادتها الجزئية والمؤقتة بعد سقوط البعثية الصدامية عندما جرت للمرة الأولى محاولات البحث عن "مساومة" سياسية ترتقي إلى مصاف المساومة التاريخية بين القوى السياسية الكبرى في العراق من اجل إدارة شئون الدولة. وهي إدارة فوقية ومعزولة نسبيا عن طبيعة المجريات الفعلية في المجتمع. إلا أنها كانت المساومة المعقولة والضرورية في ظل "إدارة الاحتلال" من اجل ترتيب "البيت العراقي" الخرب. وكان طبيعيا ألا تكون النوايا موحدة بسبب اختلاف وتباين الغايات والرؤى السياسية للقوى المشتركة فيها. كما أنها إدارة كانت تعاني من ضعف تاريخي واجتماعي وسياسي هائل بسبب ضعف المجتمع العراقي وقواه السياسية. من هنا كان تشكيل "مجلس الحكم الانتقالي" و"المجلس الوطني المؤقت" و"الحكومة المؤقتة" حلقات في سلسلة إدارة الدولة المحكومة بصراع اجتماعي وسياسي خفي يقترن في الكثير من جوانبه بنفسية المؤامرة والمقامرة. وهو أيضا أمر طبيعي وذلك لطبيعة المرحلة ومستوى الرخوية لهائلة المميزة لمرحلة الانتقال ونفسية المؤقت فيها. فقد كانت اغلبية القوى السياسية المشتركة في إدارة الدولة والتي "اشتركت" في تقديم "القانون المؤقت" تحكمها نفسية المؤقت. وهي نفسية جرى "تهذيبها وتشذيبها" في الوسائل والأساليب الآخذة في التمرس في مجرى سنتين من "إدارة" شئون الدولة والمجتمع. وقد أدى ذلك بالضرورة إلى استفحال نفسية المغامرة والمؤامرة التي وجدت انعكاسها النموذجي في ظاهرة الفساد المالي والإداري والسياسي. وهي حالة يمكن فهمها بمعايير النفسية المؤقتة لكثير من الأحزاب والشخصيات، إلا أنه لا يمكن تبريرها أو قبولها بمعايير المصلحة الوطنية العليا والقانون. وبما انها جزء من معترك السياسة والمصالح الاقتصادية والاجتماعية والقومية والطائفية المتداخلة، من هنا ضرورة حسمها بالشكل الذي يجعل من هذه الصراعات جزء من تاريخ بناء الدولة لا حلقة إضافية في سلسلة الزمن المؤقت، أي زمن السرقة الدائمة لحقوق المجتمع ومصالحه الكبرى. ولا بديل لهذه الحالة غير الانتخابات الشرعية. كما انه لا أسلوب واقعي وعقلاني لإنهاء هذه الحالة المؤقتة غير الانتخابات الشرعية. فهي الوحيدة القادرة على وضع قواعد ثابتة للحكم والعمل والعيش. إذ لا يعني الحكم المؤقت والإدارة المؤقتة والقانون المؤقت سوى الإمداد الدائم لنفسية المؤامرة والمغامرة من جانب السلطة و"المعارضة". إذ لا يعني الإبقاء على هذه الحالة من خلال المطالبة أو الدعوى بتأجيل الانتخابات سوى الدعوة الصريحة والمبطنة للإبقاء على حالة المؤقت في كل شئ، أي على إبقاء حالة الفساد والخراب والسرقة والعنف المنظم والإرهاب وانعدام القانون ونقص الشرعية والمحاسبة المسئولة للحكومة أمام المجتمع. وإذا كانت غرابة الدعوة لتأجيل الانتخابات التي جرى الموافقة عليها بقانون مجمع عليه قد انطلقت ممن كان أشد الدعاة لها والمساهمة في كتابة "قانونها" والمتبجح بممارسته إياها والمطالبة بالالتزام بها والزاميتها للجميع، فإنها تكشف في الوقت نفسه عن هشاشة هذه القوى "الديمقراطية" وجبنها السياسي. وليست هاتين الصفتين سوى النتيجة الطبيعية لما ادعوه بنفسية المؤامرة والمغامرة السائدة في هذه الأحزاب والحركات. إذ ليس هناك من معيار فعلي على مستوى الديمقراطية والرؤية الحقوقية والوطنية الصادقة في ظروف العراق الحالية أكثر وأكبر وأصدق وأدق من الدفاع الشرعي عن حق إجراء الانتخابات في موعدها المحدد. ومن ثم اعتبار كل دعوة للتأجيل والمقاطعة فعلا يصب في اتجاه تغييب إرادة الفرد والمجتمع، ومن ثم المساهمة في إحياء تقاليد الدكتاتورية والاستبداد. إذ لا معنى للمطالبة أو الدعوة لتأجيل الانتخابات تحت أية حجة كانت سوى المطالبة بالإبقاء على حالة وجود الأشياء كما هي الآن. بمعنى الإبقاء على حالة المؤقت والاحتلال والعنف. بعبارة أخرى إن الدعوة لتأجيل أو مقاطعة الانتخابات هي الدعوة لاستمرار الفساد المالي والإداري والعنف والجريمة وغياب الحقوق وسحق الديمقراطية وحق المجتمع في بناء أسسه المدنية ودولته الشرعية. وهي دعوات مميزة للقوى السياسية التي ترعرعت فيها نفسية المؤامرة والمغامرة. إن الانتخابات الحالية هي المحك الواقعي والمعيار النهائي لحقيقة توجه الأحزاب السياسة والقوى الاجتماعية في موقفها من فكرة النظام الديمقراطي والمجتمع لمدني والدولة الشرعية. فهي التي تضع الجميع أمام الامتحان التاريخي لتربية الإرادة السياسية عند العراقيين، كما انها تمتحن الجميع أمام الأسئلة الكبرى المتعلقة بأولوية المصلحة الوطنية العليا على المصالح الجزئية والعابرة، أي على مصالح الفئات والقوى المؤقتة. ***
#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)
Maythem_Al-janabi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به في طالع الشمس ما يغنيك عن زحل
-
أدب التصوف
-
اسلام الشرق و الشرق الاسلامي
المزيد.....
-
بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش
...
-
Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
-
-القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
-
-المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
-
إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا
...
-
ترامب يدرس تعيين ريتشارد غرينيل مبعوثا أمريكيا خاصا لأوكراني
...
-
مقتل مدير مستشفى و6 عاملين في غارة إسرائيلية على بعلبك
-
أوستن يتوقع انخراط قوات كورية شمالية في حرب أوكرانيا قريبا
-
بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
-
بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|