محمود فنون
الحوار المتمدن-العدد: 3470 - 2011 / 8 / 28 - 17:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل انتصرت الثوة في ليبيا ؟
هل تغير النظام في ليبيا؟
تدور الاحداث في ليبيا من اجل اسقاط القذافي وطرده او محاكمته. وقد بدات الحركة من مجموعات الفيس بوك كما علمنا جميعا .غير ان تغيرا مهما شق طريقه بدهاء حيث حصل انتقال لجزء مهم من رجالات النظام المطعون فيه من شباب الثورة . انتقال من صف القذافي الى صف الثورة .وعلى الفور .وبكل ترحيب احتل هؤلاء مركز الصدارة والزعامة بمعناها التقليدي .ثم الى مراكز القيادة كما يظهر ومراكز الناطقين باسم التغيير وباسم الثورة.ان هذا الانتقال ملفت للانتباه خاصة وانه ظهر في البداية كتعبير عن اتجاه تفسخ في النظام مرحب به .ثم كبرت الظاهرة واصبح الحال كما لو ان النظام انقسم على نفسه, واصبح قسم في مواجهة قسم. اي انه وفي لحظة انعطافة نتجت عن تفجر الثورة, اصبح جزء من رجالات النظام المطلوبة رؤوسهم ,في صدارة الحركة وناطقون باسمها وكانهم جزء منها ويتولون تحريك الراي العام المحلي والدولي. هنا حصل على ما يبدوا انه اختلاط الحابل بالنابل كما يقال وهذا الاختلاط ليس صحيا في العملية الثورية عادة .
فمهما كانت شعارات الثورة واهدافها فهناك فريق خاص في قيادتها ومفجريها ,هو الامين على مسارها ومآلها واهدافها والاكثر اخلاصا في المحافظة على وجهتها وحمايتها من الاختراق , ومنع الوصوليون من التسلق عليها والتاثير في مسارها وحرفها.
واذا علمنا ان الاحزاب التقليدية في مواقع المعارضة في البلاد العربية قد اصبحت اكثر ميلا للمهادنة , واقرب ما يكون الى معارضة تتحرك بين متوازيين, وبسقف هابط و,او بصوت هابط .واذا علمنا ان معظم الشباب لا ينتمون الى هذه الاحزاب او لا ينتمون الى نفسها القيادي وتيارها السائد, وفي ليبيا بالذات لا توجد احزاب , فانهم بالتالي يتلمسون طريقهم بانفسهم, مما سهل على الوصوليين من رجالات النظام الذين خرجوا عليه, الوصول الى مراكز الصدارة .واذا انطلقنا من افتراض انهم تذمروا من القذافي وخرجوا عليه وهذا امر مفهوم .فيتوجب ان يكون مفهوم ايضا ان عقلية ونفسية هؤلاء ليست عقلية ثورية .انها عقلية تربت في حضن النظام وامتيازاته, ولها نفس نسيجه وعلاقاته, ولا يتحلون بنفسية الثوريين لا ثقافيا ولابالمسلكية ولا يحملون بالضرورة التوجهات النهائية التي يحملها الثوريون بصورة عامة بل هم اكثر ميلا الى المحافظة ,واكثر استعدادا للانحراف ,و-او الوقوف في منتصف الطريق وقبل نهايته المظفرة .ولذلك كان يتوجب حصر دورهم في المؤازرة.
ان هذا ما يفسر ميلهم السريع للاستنجاد بالاجنبي في مواجهة القذافي . فهم اولا لايرون التدخل الاجنبي والاجنبي كما يراه الثوريون . وثانيا يخشون من تمكن القذافي منهم , فحبذوا الاطمئنان الى افضل امكانية لحسم المعركة ضد القذافي, مستفيدين من غباء القذافي ووحشيته في مواجهة شباب الثورة والجماهير المنتفضة في الشوارع .
ان الانتفاض على القذافي للخلاص من نظام حكمه ومنه شخصيا هو امر مشروع . وان ميل الجماهير عموما والشباب خصوصا للانعتاق من هذا الحكم الفردي المشخصن والمتسلط, هوميل مشروع , وان الرغبة في التغيير هي موقف ثوري حتى لو كان التغيير بهدف اقامة نظام ديموقراطي مستوحى من صورة الغرب وفي محاولة لتقليده
ان تجديد الانظمة مجرد تجديدها وتغيير الحاكم في بلادنا قد اصبح امرا عزيزا ويستحق التضحية .فقد ملت الجماهير من هؤلاء الحكام واسمائهم. هذا على العموم . وكل الثوريين يتفهمون هذا الحد الادنى للتغيير. فحكامنا يرون ان النساء لم يلدن مثلهم , ويعتقدون انهم حماة مصالح الجماهير ويفترضون ان الجماهير تؤمن بهم , وان مصلحتها الحقيقية معهم والا اصبحوا ايتاما بدونهم .لذلك يفترض ان يعتقد الناس كما يرغب الحكام ان تمسكهم بكراسيهم ما هو الا تضحية في سبيل الشعب.يسهرون على مصالحه ليل نهار , وبالتالي يفترضون ان الشعب سيقف في وجه كل من يطالب بتغييرهم او تغيير طريقة حكمهم .وتمكنت الانظمة من فرض هيمنتها على احزاب الجماهير بالحل و- او الملاحقة و- او الهيمنة و- الاختراق وصنعت حول نفسها ركودا آسنا كريها فما انتبهوا الا والانتفاضات تحيق بهم من تحتهم ومن فوقهم ومن كل مكان فتزلزلوا زلزالا عظيما.
اما نتائج هذا الانتفاض فيخطط لها في اماكن مختلفة ومتناقضة وربما متصارعة . وكل يحاول الاستفادة من النتائج المرتقبة لصالحه ,وخاصة في ظل غياب قيادات ثورية متمرسة,قيادات ملمة بحركة التراكيب الاقتصادية الاجتماعية, ودور العامل الاقتصادي والثروة,وبالصراعات الاجتماعية محركة الثورات والحروب, قيادات تستطيع التمييز الدقيق بين معسكر الاعداء والأصدقاء والى أي حد تستمر التحالفات قبل ان تفترق , سواء على المستوى الداخلي او الخارجي. قيادة تمتلك رؤيا واضحة لحركة التاريخ ودور الثورات في صناعة المستقبل, ونوعية البنية الاقتصادية الاجتماعية المستهدفة من العملية الثورية وبما يحقق الحد الأدنى من الشعارات التي رفعتها حركة الشارع.
ان الحد الادنى الذي رفعته حركة الشارع في ليبيا هو "اسقاط النظام" وترجمته المتداولة هي رحيل القذافي واولاده واعوانه, وهذا الحد الادنى مقبول عند الاغلبية الساحقة من الجمهور الذين خرجوا الى الشوارع والساحات وعند اغلبية المعبرين عن رايهم من تيارات وفعاليات ليبية , ولكن ليبيا تفتقر الى نظام المأسسة المعبر عنه بالدستور ومجموعة القوانين والانظمة التي تعبر عن تداول السلطة , كما هو حال النظام الديمقراطي , مما يستتبع ضرورة التاسيس لشكل نظام الحكم ما بعد القذافي ومضمونه.
وعلى ما يبدو فان القوى المتفاعلة حول" ماذا بعد القذافي" . وبقدر ماهي مستقلة عن تاثير شباب التغيير ,تسعى لتاسيس حالة على مقاس ليبيا وضمن النادي الغربي, والنظام التقليدي العربي بثوب جديد تحتفل به الجماهير المنتفضة
لقد وضع القذافي ليبيا على حافة معينة اقتضت التغيير في ليبيا وكانت تقتضيه من زمان ,ولكنه بعقليته المتخلفة وبسبب من حمام الدم الذي استثار غضب الراي العام الشعبي والرسمي ساعد في خلق اتجاء لتسهيل مهمة طالبي معونة الغرب الاستعماري تحت عنوان الدفاع عن المدنيين, وبطلب من ليبيين وجامعة الدول العربية, التي سرعان ما تساوقت مع الرغبة الاجنبية في التدخل ,واستغلال الحالة.
فاذا كانت ليبيا كما غيرها على حافة الثورة, فهناك طرفين منفصلين كانا مستعدين للعمل:_
الاول: الشباب.فقد استفادوا من وسيلة التواصل الاجتماعي الجديدة, والتي اصبحت اداة حقيقية للتواصل الجماهيري و يمكن الاعتماد عليها كاسلاك توصل مركزا معينا بالجماهير وتمكن هذا المركز من التواصل من وراء ظهر النظام , مع حالة شعبية واسعة وعريضة, يتمثل اغلبها بجيل الشباب. جيل الشباب الذي ابدى استعداده لخوض المعركة , فحضر نفسه لها وحشد حوله جماهير غفيرة من الراغبين في التغيير و حول شعارات الحد الادنى كما ذكرنا سابقا.
جيل الشباب الذي رغب في الانعتاق وعلى طريقته الخاصة. فهو لم يتلق التحريض والتعبئة من قوى ثورية كفاحية مناضلة في الميدان ,فقد كان الميدان خاليا تقريبا من قوى كهذه حيث غادرت الشارع العربي منذ عقود, كقوى تغييرية رافضة , وظلت بواقيها المدجنة كما ذكرنا سابقا.
قوى التغيير التي كانت ترفع الشعارات ضد الامبريالية والرجعية العربية والصهيونية وترفع شعارات الاشتراكية, والوحدة العربية, وتجابه بهذه المعاني, وتتحمل التضحيات ,قوى كهذه غابت عن الساحة العربية وتم تدجين فلولها كما ذكرنا سابقا.
كما ان هذا الجيل لا يحمل في ذكرياته شيء يذكر عن بواقي قيم الحياة الفلاحية المحافظة , التي تم توارثها لقرون ,ثم ظلت قوية في حياتنا حتى بعد ان زال الاقطاع وزالت معظم مخلفاته وزالت نظمه .فنمط الحياة الفلاحية كان يسهل التواصل الاجتماعي ويحفظ اشكال عديدة من العلاقات الانسانية, والاجتماعية ,التي استفادت منها الاحزاب في التواصل مع جماهير غفيرة في مجتمع القرية وفي مجتمع المدينة الغاص بالقرويين. لقد تعمقت الفردية وزاد حجم التواصل الانساني من خلال الآلة بل ويكاد ان يصل الى مستوى اساسي للتواصل الاجتماعي في بلادنا كما في الغرب.وقد تمكن فريق من الشباب العربي من الانتباه الى امكانية استثماره كاسلاك موصلة لاوسع قطاعات الشباب, وتعبئتهم وحشدهم كما هو الحال في تونس ثم مصر والعديد من الدول العربية.
واذا كانت الاحزاب والمنتديات التقليدية قد تراجعت الى الوراء وتراجع معها بالتالي دورها الهام جدا في التعبئة والتثقيف والتحريض والتهييج, فان الفضائيات وهي وسيلة تواصل كذالك , قد لعبت دورا ملموسا في تعريف جمهرة الشباب كما غيرهم ,على انماط الحكم الموجود في العالم, وعلى وضع العرب ضمن اللوحة العامة التي رسمتها وسائل الاعلام . وان وسائل الاعلام المتحررة من النظام العربي قد قدمت صور الحياة للمشاهد العربي على غير ما تقدمه وسائل الاعلام الرسمية .وشيئا فشيئا تناقض المشاهد العربي مع "محلياته "فتعرف اكثر فاكثر على حقيقة واقعه المر واشمأز مما فيه من مرارة وتحول الى الرفض ورفع راية التغيير.ومعه قطاعات واسعة من الشعب الراغبة في التحرر والتي اعجبت بجرأة الشباب وقبلت السير ورائهم ومعهم
ان الخوض في غمار التغيير يحتاج الى سلاح المعرفة والبصيرة بالواقع المراد تغييره وبالمستقبل, المستقبل بمعظم عناصره الرئيسية وبما يكفي لمعرفة اين المسير. والا تقع الحركة في العفوية والتجريبية التي قد تكلف الجماهير اثمانا باهضة. ان الضبابية تفتح الباب على مصراعيه لفعل قوى اخرى ترغب في التدخل للسيطرة على مسار الثورة و- او توجيهها .
ثانيا:القوى المتضررة من التغيير وهي القوى المحافظة محليا والمستفيدة من النظام وكل من تستطيع حشده معها. والقوى التي تخشى من الثورة وتحولها الى المطالب الجذرية . والاخطر الخشية من تحولها الى ثورة مستمرة تتلمس الصيرورة التاريخية وتدرك سبب المأساة الوطنية والاجتماعية وتتحول الى ثورة يسارية ترفع شعارات التحرر السياسي والاجتماعي وتعيد الاعتبار لشعارات العروبة وتحرر الامة العربية ورغبتها في الوحدة .ولليبيا اهمية بالغة بثرواتها اذا التقت مع العمق المصري والدور التحرري الذي من الممكن ان تلعبه مصر. هنا تتظافر جهود الانظمة الرجعية العربية مع النظام الامبريالي . بل ان النظام الرجعي العربي ودفاعا عن وجوده , مستعد لارتكاب اية فاحشة كما فعل ضد النظام العراقي باستدعاء الاجانب.
ان قوى الامبريالية العالمية وهي مستمرة في سعيها لصياغة العالم الجديد ,ترى من مصلحتها سقف الثورة الليبية بتغيير القذافي .وهي ترى الاصطفاف القيادي الجديد الذي تشكل من أعوان القذافي وآخرين, استهلوا فترة عملهم بمناشدة العالم للتدخل لحمايتهم وحماية الجماهير من قمع القذافي للثورة, مما سهل على قوى الغرب الاستعماري مهمته, فاسرع في التدخل ليكون بالتالي ضابط الايقاع والموجه للمسيرة الثورية التي انطلقت صافية من البداية.
ان القذافي قد جلب لليبيا الوبال , وهو قد بدأ باطلاق شرارة الحرب الاهلية ضد الجماهير المنتفضة بشكل سلمي.ان الانظمة الرجعية عادة هي التي تطلق شرارة الحرب الاهلية معتقدة انها تملك كل التفوق وانها ستظل متماسكة. وهو بهذا قد ادخل ليبيا في حالة من سفك الدماء على ايدي قواته كما على ايدي قوات التدخل الغاشمة التي لن ترحم ليبيا ولا شعب ليبيا, مما يعقد الامر على قوى الثورة والتغيير وخاصة تلك القوى المعادية للتغلغل الاستعماري في ليبيا والوطن العربي عموما.
بقلم : محمود فنون
عضو مجلس وطني فلسطيني
التاريخ : 28/3/2011تتوالى الانباء عن تقدم الثوار في طرابلس ,وعن تضييق الخناق على القذافي واعوانه ,وقرب سقوط الحكم في ليبيا الآيل الى السقوط .
النظام آيل الى السقوط بفعل ضربات الثوار وبفعل تشقق النظام وعدم قدرته على التماسك امام الحالة الثورية التي تفعل فعلها في تراكيب النظام وتؤدي الى تفسخه وضعفه وبفعل ضربات النيتو والخسائر الجسيمة التي اوقعتها في قوى النظام واستعداداته العسكرية وفي الكثير من مكونات البنية التحتية الليبية.والاهم بفعل اصرار قوى الثورة على الاستمرار بالعملية الثورية مهما كلف الثمن.
الى هنا والصيرورة في ليبيا منسجمة مع قوانين العملية الثورية التي جسدتها التجربة البشرية عبر العصور .وخاصة في الاسابيع الاولى حيث تمكنت الثورة من تحرير عدد من المدن الليبية شرق ليبيا وتكونت مناطق محرة ,اخذ الراغبون في النجاة من بطش النظام,وبدأت الثورة تحصد النجاحات وبدأ النظام يتشقق وأخذ عدد متزايدا من رجالاته ينشقون عنه وينتقلون الى المناطق المحررة .
والمناطق المحررة أخذت تعد العدة للزحف على المناطق المجاورة عسكريا لنصرة الانتفاضات المشتعلة فيها والتي كانت تتعرض للقمع العنيف من قبل قوات القذافي.
ولكن هناك شيء مختلف وموجود في الصيرورة الليبية ومتناقض في ذات الوقت مع اهداف ومصالح الثورة ومصالح ومستقبل الشعب الليبي ,ذلك ان قوى الفعل الثوري متناقضة مع القيادة المتشكلة وعلى طرفي نقيض:
الفريق الاول وهو فريق الشباب وجماهير الشعب الليبي الذين فجروا الثورة على حين غرة من النظام لدرجة ان النظام لم يكد يصدق ان في ليبيا ثورة او ممكنات الثورة , وتمكن هذا الفريق من الصمود في الايام الاولى والتقدم وتحرير عدد من المدن والنواحي شرقي البلاد.
وبخفة قرر النظام ان القضاء عليها وعلى مجموعة الشغب هذه, ممكن بضربة كف, واخذ في التنفيذ على الفور وخطب في الناس محرضا على الثورة معتقدا انه بهذا يلجمها وبدأ بالعنف وبالحرب الاهلية وبعنجهية وفحش ودون وازع .
لم يكن في ليبيا احزاب علنية ولم يكن الوضع القيادي مرتبا ليواجه نظام الحكم .بينما نظام الحكم كان يعتقد انه في مأمن: فهو يحظى بشعبية واسعة ويحيط نفسه بقوى الحماية مختلفة الاشكال والانواع ويغدق الملايين هنا وهناك .هذا على صعيد الداخل .وقد رتب اموره على صعيد الخارج مع الدول الغربية ويبدو انه اطمأن اليها .
هكذا فوجيء النظام بالثورة ويبدو ان الجميع فوجئوا بانطلاقتها وعنفوانها وزخمها والتفاف الجماهير من حولها وقدرتها على الاستمرار في وجه القمع.وفعلت النجاحات الاولى فعلها في سلوك ومواقف وذهنية الجماهير والقوى المتفاعلة.
الفريق الثاني الذي ظهر في سياق العملية الثورية هم آحاد من رجالات المعارضة التقليدية ومن اخذ بالانضمام لهم تباعا من المنشقين عن النظام والذين وجدوا لنفسهم ملجأ في الشرق الثائر والمناطق المحررة .
وهذا الفريق وجد نفسه في صدارة الاحداث وغطى على الفور على القيادة الشبابية المتكونة حديثا للثورة, وأخذ يلعب دور الناطق الاعلامي باسمها, وتهافتت وسائل الاعلام على هذا الفريق وتصدر الاحداث دون منازع , ثم استقرت له الامور وشكل المجلس المؤقت الذي تكون كما قيل حينها من واحد وثلاثين عضوا بينهم خمسة من شباب الثورة ,ولكن المواقع الاساسية احتلتها رموز الحكم وعلى رأسهم وزير عدل القذافي مصطفى عبد الجليل وجملة من رجالات القذافي بعد ان اعلنوا انشقاقهم عنه ,حيث توالت به الاعترافات.
وطالب بالتدخل الاجنبي واصبح يمثل الاتجاه الجديد في ليبيا في مواجهة نظام القذافي ,هذا مع ان مادة الثورة هي الجماهير الغاضبة التواقة الى التغيير.ورموز هذه القيادة المتكونة بالاساس ضمن المطلوبة رؤوسهم للثورة ولكنهم تمكنوا من التصدر لقيادتها.
في مقالات سابقة ذكرنا ان الثورات العربية محاطة بقوى تراقب الاحداث وتسعى للتدخل فيها وحرفها عن مسارها بكل الوسائل وبالاستناد الى قوى محلية وقوى الرجعية العربية واجهزتها , وان لزم بالتدخل العسكري وعبر الظهور بمظهر من يساند الثورة فعليا (راجع مقال ملاحظات على الثورة الليبية ,ومسار الربيع العربي,وغيرها المنشورة على الحوار المتمدن ).
وهكذا حصل بالنسبة الى ليبيا حيث تداعت القوى المضادة للثورات في محاولة للجم الثورة الليبية,وتساوقت القوى المحافظة وتوحدت مع قوى الثورة تحت شعار الشعب يريد اسقاط النظام وركبت الموجة
وهكذا اصبح مسار الثورة الليبية منذ البدايات الاولى محفوفا بالمخاطر وتحت رقابة قوى تغيير سقف مطالبها الانقلاب على القذافي ومن بقي معه واقامة حكم جديد متساوق مع الامبريالية والرجعيات العربية باسم الديموقراطية هو صورة مجددة وربما محسنة عن جماعة القذافي ,وما ان يعلن سقوط القذافي شخصيا حتى تكون الثورة من وجهة نظرهم قد اكتملت لتصبح مقدرات ليبيا في مهب الرياح الاجنبية وتقرر مصيرها مؤتمرات اعادة الاعمار بقيادة الغرب الاستعماري لتصبح الثروة الليبية بيدهم.
ان مطالب الثورة كما وردت في الشعارات وفي الايام الاولى وما قبل تسلط التيار المحافظ عليها كانت اسقاط النظام واتاحة الحريات وتمكين الشعب الليبي من ثروته واحداث التنمية الاقتصادية والبشرية المطلوبة .وكان القذافي وعائلته ومن معه حاجزا وحائلا دون ذلك مما اقتضى الثورة .
لقد كانت ليبيا حبلى بالثورة ولا يوجد في هبة الجماهير الليبية اية افتعال ,ولكن عفويةالانطلاقة الشعبية القوية ,قد جعلتها مطمعا سهلا لقوى الاصلاح بالحدود الدنيا .
ان شباب الفيس بوك الذين تحركوا وتحركت معهم الجماهير الغفيرة لم يكونوا قد نضجوا الى مستوى الفعل القيادي الواعي ,وتصميمهم على الثورة مهما كان عاليا لا يعوض ضرورة العمل القيادي القادر على ادارة الدفة والتحكم بمسار الثورة ومبناها القيادي ,لقد تمكن رجال النظام القديم من التسلل بسهولة كما ذكرنا في مقالات سابقة منشورة في آذار في الندوة الثقافية التقدمية على فيس بوك والحوار المتمدن على جوجل.
لقد مثل هذا التسلل انتكاسة قيادية منذ اللحظة الاولى تمثل بطلب التدخل الاجنبي بناء على طلب الامريكان والفرنسيين,كما تمثل بحسم الصراع داخل قيادة قوى التغيير ضد شباب الثورة مع اعطائهم هامشا شكليا مع بقائهم مادة للثورة حطبها ومؤججيها وفاعليها في الميدان (أي استغلالهم الى الحد الاقصى)
ان الصراع الاجتماعي السياسي والاقتصادي في ليبيا وفي غيرها من المناطق العربية هو نتاج التركيب الطبقي والاجتماعي القائم ,وهو صراع داخلي واساسي وموضوعي .ولكنه لا يدور في جزيرة منعزلة .واذا كانت وجهة الصراع قد تبدت في المواجهة الجماهيرية العميقة بين النظام المستند على تراكيبه من الاجهزة وقوى الامن المختلفة وبين الطيف الواسع من الجماهير فانه مع ذلك من الضروري تصنيف طرفي الصراع وملاحظة الحراك الداخلي فيهما وملاحظة التحالفات الداخلية والتحالفات الخارجية ,ذلك ان لوحة الصراع قد تشكلت وتفاعلت بين الطرفين على ارض الواقع ومعهما تحالفاتهما المنظورة كما سنرى.
لقد تبلوت مجموعة من القوى السياسية المعارضة للنظام بدرجات متفاوتة خارج ليبيا اساسا مع امتدادات صغيرة في الداخل , وكان لبعضها جذور في الداخل مثل حركة القوميين العرب والبعث والاخوان المسلمين وحزب التحرير الاسلامي ,وكانت ثمانينات القرن الماضي وما تلاها قد شهدت ولادة اكثر من عشرين تنظيما صغيرا كلها تستهدف الاطاحة بالقذافي وجماعته,واقامة نظام ديموقراطي دستوري مكانه كما تدل وثائقها, او طرح شعار الاسلام هو الحل كما طرح انصار الاخوان المسلمين ,وحصلت عدة محاولات للاطاحة بالقذافي ومنها محاولات انقلاب عسكري كلها قمعها نظام القذافي بعنف وقسوة.
ان ما يجمع هذه التراكيب هو شعار اسقاط القذافي كحد ادنى ,ثم تتفاوت مطاليب هذه التيارات ويعلو سقفها شيئا فشيئاالى اقامة نظام ديموقراطي دستوري يعتمد المأسسة.
ثم وفي سياق التحولات الجارية في الوطن العربي انتعشت الحالة الجماهيرية في ليبيا وظهرت مجموعات الفيس بوك حيث اطلق حسام الحجمي صفحته في 28 كانون الثاني الذكرى الخامسة لاحداث بني غازي وتواصل مع غيره وتواصلت كرة الثلج.
وطرح في صفحته شعار التخلص من الفقر والتعبير عن حقوق الشعب الطبيعية ثم رفعوا شعار الشعب يريد اسقاط النظام .
واثر مجموعة من الاحداث انطلقت الاحتجاجات والثورة في السابع عشر من شباط بقيادة الشباب ,أي كان الشباب مادتها ومحركها وقيادتها .
وهنا نسجل ملاحظة هامة:
فالشباب الذين انطلقوا بالحالة الاحتجاجية الثورية ,مستفيدين من تجربتي تونس ومصر,واجهوا قمع القذافي ببسالة وصمود ,فتحفزت حشود اخرى واخرى للانضمام للفعل الثوري والمشاركة الفعلية في مختلف المدن والمواقع ,وتمكنوا من الايام الاولى من تطهير بني غازي وعدة مواقع شرقية اخرى .
هنا اصبحت الثورة حقيقة واقعة ,فالتفت حولها الحالة الشعبية في كل مكان وحصل شيء جديد:
انشقاقات وتفسخ في الجيش وجهاز الدولة ثم تفسخ في راس الهرم الحاكم ,مصطفى عبد الجليل وزير عدل القذافي عدد آخر من كبار رجال الدولة والسفراء وضباط في الجيش .لقد اخذ النظام يتخلخل و يتهاوى .وقد زاد القذافي من وحشيته وكانه غير مصدق وكانه يعاقب الجماهير التي يتوجب ان تكون حسب اعتقاده موالية له.
قلنا ان الثورة محاطة بقوى اخرى مؤثرة القوى المتضررة من الثورة والتي تدرك خطورة استمرارها ونجاحها وارتفاع سقف مطالبها الى ثورة ديموقراطية وطنية واقامة دولة مؤسسات مستقلة سياسيا واقتصاديا والتخلص من الفقر.ان هذه القوى لا تقف مكتوفة الايدي وخاصة بعد ان تحقق قيام الثورة وبداية تفسخ النظام الفردي العائلي .فاستغلت العنف الوحشي للقذافي .
في السابق في النصف الثاني من القرن العشرين كانت منظومة الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي نصيرا كبيرا ونزيها للثورات على اعتبار ان الثورات في صف التناقض مع الامبريالية والاستعمار ,ولكن هذا الزمن قد ولى بسقوط الاتحاد السوفييتي مما جعل امريكا اكثر حرية في التصرف بالعالم كله ومع الثورات وخاصة ان الثورات تشكل خطرا على النفوذ الامريكي وتشكل نماذج لشعوب اخرى لتنطلق بثورات تحررية وديموقراطية.
ان انفضاض رجالات النظام من حوله وهم يتحملون وزره بالقمع والفساد وحجز التطور يؤدي الى تخلصهم من المحاكمة والملاحقة بتاييدهم للثورة وانضمامهم لها وهكذا كان مستفيدين من قلة تجربة الشباب وزهدهم كما زملائهم المصريين في مواقع القيادة .
ويبدوا انهم عقدوا تحالفاتهم مع الرجعيات العربية التي سارعت لتسهيل مهمتهم عند الدول الغربية .وعلى الفور بدأوا بالمطالبة بحماية شعبية وتدخل اجنبي لتصبح الثورة مسقوفة كتحصيل حاصل بهذا التحالف الجديد وباطماع الغرب الاستعماري بالثروة الليبية ثمنا لمناصرة هؤلاء وتمكينهم من الحكم لتنجوا رؤوسهم من بطش القذافي ومن ملاحقة الجماهير الثائرة .
هنا نجح الخصوم المتنفذون في القيادة في الهيمنة على الشباب وحصر مطالب التغيير بنظام انتخابي وحريات ديموقراطية تحت هيمنة الغرب والتضحية بالاستقلال السياسي والاستقلال الاقتصادي.
هل هذا نهاية المطاف ؟الجواب لا قطعا فقد تعلمت الجماهير الثورة وتعلمت الانتصار وهناك احتمالين :اما الاكتفاء مرحليا بالنتائج التي سوف تتحقق باسقاط القذافي واقامة نظام فيه ديموقراطية واحزاب وانتابات ولكن تابع ومبدد للثروة ,او يستمر الشباب بالثورة ويرفضون الانتصار الناقص والمشبع برائحة النهب والسلب الاستعماري ,ويستمر النضال من اجل اقامة ليبيا الحرة العروبية التوجه الساعية للتطور اقتصاديا واجتماعيا ومستقلة تنعم بالحريات التي جنتها بدماء الشهداء .
#محمود_فنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟