|
أزواج النبي
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 3470 - 2011 / 8 / 28 - 16:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تلك القضية التي تثير في العادة جدلاً عصبوياً مستفزاً أحياناً وغير ذي هدف في أحايين كثيرة ، والذي دعاني للكتابة فيه إنني سمعت من بعض جهلة الناس من يجرؤ على النيل من النبي محمد بسبب أزواجه ، نيلٌ لايستند على دليل ولاتعضده حجة غير التدافع السلبي وثقافة الفرق المهزومة ، ولأنني أحرص دائماً على الترويج لمبدأ الوسطية في الحياة و الذي اعتمده ، كان وجوباً عليّ من قراءة في النصوص وقراءة في التاريخ لبيان حقيقة ما يُتعارف عليه - بأزواج النبي - ، وأظن ويظن غيري إن الإثارة التي تروج في هذا المجال تكون في الغالب نتيجة لسيادة الرومانطيقية في ساحة الحوار والجدل الإسلامي ، وهذا الذي أعنيه يعتمده وللأسف أهل التفسير وأهل الفقه ، في فهم مفردات وألفاظ ومعاني الكتاب المجيد .
كما إن هناك ثمة تنويه أرآه مناسباً لكي تتجلى الصورة في ذهن القارئ العزيز من جهة ، ومن جهة ثانية تتجلى طبيعة الخلط بين اللفظ ومعناه وهو خلط معتمد ومباح وتجري على أساسه تقريرات وبحوث وإستنباطات ، ولقد كان المفسر الشهير – أبو مسلم الأصفاني - سباقاً في التنويه والتأكيد على خطورة ماذهب إليه الشافعي حينما قال - بالترادف - في معاني الكتاب المجيد ، وحجته في ذلك كانت تعتمد مقالة الشعراء والتي وظفها في فهم معاني الكتاب المجيد ومفاهيمه ، ونحن إذ نرفض تلك المقولة أرتاينا أن نضع بين يدي القارئ العزيز منهجنا الذي سنعتمده في شرحنا وتحليلنا لهذه القضية : وأقول : أولاً يجب ان نرفض فكرة - الترادف - فيما يتعلق بفهم معاني الكتاب المجيد ، لأن إعتماد الترادف في الفهم سيربكنا وسيقلل من عزيمتنا في تفكيك النص وتحليله وفهمه .
ولهذا نقول إن هناك فرق بين - معنى لفظ زوج ومعنى لفظ نكاح - ، فالزوج : في اللسان العربي لفظ دال على العدد وهو لفظ عام ومشترك ، ويستخدم في العرف للإشارة أو للتدليل على العدد فهو لفظ موضوعي وعرفي ، والكتاب المجيد أستخدم هذا اللفظ في الإشارة إلى العدد إيضاً ، سواء في الإشارة للكائن العاقل أو لغير العاقل ولايقصد به فيه غير ذلك إلاّ مع الضميمة ، يظهر ذلك في قوله : - ثمانية أزواج .. ثم يبدأ العد فيقول : من الضأن أثنين ، ومن البقر أثنين ... - ، وهذا الإستخدام في لسان النص هو عينه في لساننا فنقول للأثنين : - زوج - ونريد به التشابه في الجنس سواء للعاقل أو لغير العاقل ، ولايخرج ذلك الإستخدام في كتاب الله حتى في الإشارة للزواج بين الذكر والأنثى ، فالمراد به إرادة العدد ، وليس الكلام عن العلاقة الجنسية .
فالكتاب المجيد حين أستخدم هذا اللفظ أستخدمه في سياقه العرفي ، والذي يدل على العدد من جهة المعنى ، إذن فلفظ - زوج - لفظ عرفي ودلالته عرفية كذلك ، وحين يريد الكتاب المجيد الإشارة إلى العلاقة الجنسية يأتي بما يدل على ذلك تصريحاً أو تلميحاً ، كما في قوله - وقد أفضى بعضكم إلى بعض - .
ولكن لفظ النكاح : هو لفظ خاص موضوع لمعنى خاص ، أي للإشارة للعلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى ، وهذا ما نرآه واضحاً في لغة الكتاب المجيد ، كما في قوله - فإنكحوا ماطاب لكم من النساء .. - ، فلفظ - إنكحوا - هو لفظ دال على خصوص الممارسة الجنسية بين الذكر والأنثى ، فهو في ذلك يريد هذا المعنى ويعنيه .
وحين نقول - كتاب النكاح - فنحن نعني به العلاقة الجنسية وماينتج عنها ومايترتب عليها ، وهذا القول هو الصحيح ، ولكن لا يصح القول على هذا المعنى - كتاب الزواج مثلاً - ، ومن هنا فنحن نرفض مايطلق عليه - بعقود الزواج - فالزواج لاعقود له إن أريد به المعنى العام ، وإن أريد به المعنى الخاص فيجب القول - بميثاق النكاح - لتحليل العلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى ، وهذا مايد ل عليه قوله - وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذنا منكم ميثاقاً غليظا - في الإشارة إلى ميثاق النكاح ، وليس على عقد الزواج كما يتوهم الكثير .
ولايجوز الخلط بين ذلك حتى نتمكن من معرفة كل لفظ ومعناه على حده ، فكل لفظ في كتاب الله له معنى محدد لايشترك فيه مع غيره ، وليس في الكتاب لفظ حمال أوجه كما كان يروج في السابق بناءاً على مقولة الشافعي بالترادف ، فاللفظ في كتاب الله له معنى واحد وله دلالة واحدة ، ولهذا حث الكتاب المجيد قرائه للتدبر فيه كي يصلوا إلى هذا المعنى الموجود باللوح المحفوظ ، وهي دعوة لتحريك العقل لكي يخرج من دائرة الخيال ليدخل في دائرة العلم .
وفي هذا الباب نأخذ مثالاً على ذلك في قوله : - فإنكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة أو ماملكت أيمانكم - فعل انكحوا فعل أمر ورد على سبيل الإرشاد لا على سبيل الوجوب ، ومعناه إن ممارسة الجنس ليست واجبة بل هي مباحة مندوبة وتخضع للحاجة إليها ، وجملة - ما طاب لكم - أي ماتقدرون عليه بالفعل ، والقدرة : هنا هي القدرة الجنسية حصراً ، فيكون ماتقدرون عليه أي الذي تقدرون عليه في هذا المجال فهو مباح لكم ، ومعنى الإباحة هنا بمعنى السعة ، لذلك أتبعها بالقول - مثنى وثلاث ورباع - ، اي إن ممارسة الجنس المباح تابع للقدرة عليه ، ولم يأت النص بذكر العدد الصحيح بل جاء بمسمى العدد ، وهذا يعني المضاعفة والكثرة ، إذ ليس لفظ - مثنى وثلاث ورباع - من الألفاظ الدالة على الأعداد الصحيحة ، من قبيل أثنين أو ثلاثة أو أربعة ، بل معناها كون العدد مضروباً بنفسه ، فمثنى يعنى أربعة ، وثلاث يعني تسعة ، ورباع يعني ستة عشر ، وفي ذلك يبين النص حدود ماهو مباح في النكاح وعدده بالفعل ، فيقول : هناك حد أعلى وهناك حد أدنى هذا بلحاظ القدرة عليه ، بدليل قوله - فإن خفتم فواحدة - وهذا هو الحد الأدنى ، أي إن الحد الأعلى للنكاح هو ستة عشر والحد الأدنى له هو واحدة .
ونفهم من ذلك إن النكاح مباح مع القدرة عليه ، ولكن النكاح المباح والمشروع لايتم من دون ميثاق ، وهذا الميثاق مهمته تحديد كل مايتم على اساسه إستحلال الفرج من شؤون الحياة والمواريث والنسب وماشابه .
والنص تحدث عن العدل ، وهو يشير إلى الإستطاعة والقدرة الجنسية ، وليس العدل بمفهومه الإجتماعي ، فالعدل يعني القدرة الجنسية وممارستها مع الجميع من غير تفاوت ، ومن لايعدل في هذا المجال لا يحق له النكاح بأكثر من واحدة ، ويدخل في هذا الباب نكاح - المتعة - ، والتي هي عندي تعني ملك اليمين ، بدليل قوله - أو ماملكت أيمانكم – ، فملك اليمين معنى عام يشمل الذكر ويشمل الأنثى على حد سواء ، وملاكه هنا القدرة المالية والقدرة الجنسية ، فمن يحقق هذه القدرة لصاحبه يكون مالكاً له سواء اكان الذكر أم الأنثى ، إذ لادخل للملكية في هذا المجال بالذكر وحده كما يفسر ذلك في الغالب عند أهل التراث .
وعلى هذا الأساس يمكننا القول : ان لامانع للنبي محمد - ص - بإعتباره بشراً من إقامة العلاقة الجنسية مع الأناث طالما وقع ذلك الفعل منه وفقاً لشروط الميثاق ، أي إن له الحق بإقامة تلك العلاقة مع أكثر من واحدة إن أستطاع إلى ذلك سبيلا ، وشأنه في ذلك هو شأن أي واحد من الرجال ولا خصوصية له في ذلك عليهم ، كما لايجوز القول بان ذلك شأن نبوي ، إذ لم نجد لما يبيح هذا الأمر سوى هذا النص في كتاب الله ، وعليه تكون ممارسة النبي محمد لحقه هذا لا بإعتباره نبياً بل بإعتباره بشراً قادراً ، وكما قلنا : قبل قليل بان للنكاح حد أعلى فهو ملزم بان لا يتجاوز ذلك الحد ، وقولنا هذا يجري عليه وعلى غيره من البشر . أما تسمية مقالنا هذا - بأزواج النبي - فقد ورد من باب التسامح أو من باب الغلبة العرفية في الخطاب وليس من باب التجاوز ، ومعلوم إن شأنية النبي محمد – ص - هي شأنية عامة ، وقولنا - أزواج النبي - لا دخل لها بالنبي من جهة نبوته بل وردت من عموم بشريته ، إذ لا دخل للنبوة في النكاح من قريب أو بعيد ، كما يجب التذكير بان العلاقات الجنسية في الإسلام مباحة على النحو الذي عرضناه من جهة السعة ومن جهة المشروعية ، والهدف منها سد الأبواب كي لا يقع الناس فيما هو محرم والعياذ بالله . نعم يجب التفريق بين قولنا - ازواج النبي - وبين قولنا - نساء النبي - ، فالقول الأول لفظ عرفي ودلالته إجتماعية للتعريف بين الناس ، كي لايقع الخلط ومنه ورد النهي بل المنع من نكاح - أزواج النبي - من بعده ، والنهي في مقام التشريف إذ هن به صرن أمهات للمؤمنين ، فهو إذن مقام تشريف ليس إلاّ ، ولكن مفهوم نساء النبي هو مفهوم عام يشمل جميع نساء المؤمنين بالتبعية وبالولاية ، إذ النسبة في ذلك لكونه نبياً ، وقد ورد إن - النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم - ، فيكون على هذا الحال كل نساء المؤمنين هن نساء النبي بالتبعية الولائية وبالإيمان وبالتصديق به وليس بغير ذلك ...
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرية المرأة عند مفتي السعودية
-
ما يصح وما لا يصح
-
النقد الذاتي
-
رد على الشيخ ناصر العمر
-
الحكومة يجب أن تُحترم
-
الوجود الأمريكي في العراق
-
نهاية الإرهاب
-
البحرين لا تنقذها الدبابات السعودية بل ينقذها الحوار الوطني
...
-
الثورة الليبية في مواجهة الطغيان
-
أحذر الحكام العرب
-
الشعب يريد إسقاط النظام
-
هل أفاق العرب من سباتهم ؟
-
الثورة المصرية ... الحلم العربي
-
ثورة الشعب المصري
-
الحرية والثقافة
-
الثورة التونسية في مواجهة التحديات
-
لماذا الليبرالية الديمقراطية ؟
-
على أبواب عام جديد
-
أردوغان والوحدة
-
الخمر بين الحلال والحرام والإباحة
المزيد.....
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|