محمد اصفيف
الحوار المتمدن-العدد: 3470 - 2011 / 8 / 28 - 10:11
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
شهد عمر الثورة الإيرانية خلال عقودها الثلاثة أحداثا كبيرة كرست في الأذهان صورة نموذجية عن الوضع المستقر في ظل الحكم الإسلامي كما أضفت على النظام الحاكم هيبة جسدت قوة تماسكه، فقد شرعت منظمة مجاهدي خلق في نشاطاتها المناوئة للنظام، واندلعت الحرب مع العراق التي توقفت بموجب القرار رقم 598، وتطورت تحولات العلاقة مع واشنطن، حيث تراجعت مع توقيع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لقانون حظر الاستثمارات الضخمة في إيران إثر ضلوعها في تفجير المركز الثقافي اليهودي وتفجير الخبر في الأرجنتين، وتصنيفها من خلفه جورج بوش عقب تفجيرات شتنبر/أيلول 2001 ضمن دول محور الشر، وفرض العقوبات الاقتصادية بفعل البرنامج النووي الإيراني، وتفعيل الحصار البارد بسبب التصريحات المتزايدة المتعلقة بمحرقة اليهود وإزالة إسرائيل، وتمددت هذه العلاقة من إجراء حوار بشأن العراق، والتهنئة المتبادلة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة في كلا البلدين.
ومنذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 توجه الناخبون الإيرانيون عشر مرات إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس الجمهورية، الذي يتمتع بتأثير معتبر على السياستين الداخلية والخارجية للجمهورية بموازاة السلطة المطلقة التي يتفرد بها مرشد الثورة أية الله علي خامنئي، هذه الثنائية في رأس هرم الدولة برمزيتها وقوتها، دخلت على خط المواجهة مع الشارع الإيراني الذي انطلق في موجة عارمة من الاحتجاجات عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في اختلاف حاد حول نتائجها التي أعلنت فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية، فهل ما وقع مجرد اختلاف طبيعي حول النتائج، أم أنه بالفعل أزمة متعددة الأبعاد ستؤثر على الوضع الداخلي لإيران، وتطال مكانتها الجيوستراتيجية على نحو يمس صورة الثورة في علاقتها بالمجتمع والجوار؟
اقتراع ينتهي بأزمة
الأزمة .. خلفيات وتجليات
الأزمة .. تفاعلات وتداعيات
اقتراع ينتهي بأزمة
تبوأ كرسي الرئاسة في الجمهورية الإيرانية ستة رؤساء، أولهم أبو الحسن بني صدر (سنة 1979) وأقيل بتهمة الخيانة ليخلفه رئيس الوزراء محمد علي رجائي (سنة 1981) الذي لم يستمر إلا أسابيع قليلة قبل أن تغتاله منظمة مجاهدي خلق، فانتخب الشعب الإيراني في نفس السنة آية الله على خامنئي وزير الداخلية وقتذاك ومرشد الجمهورية الإسلامية الحالي ومعه استقرت الأوضاع، وتتالت عملية انتخابات رئيس الجمهورية بسلاسة، فجدد للرئيس آنذاك علي خامنئي سنة 1985، ثم انتخب الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني سنة 1989 وجدد له سنة 1993، وجاء بعده الرئيس السابق محمد خاتمي سنة 1997 وجدد له سنة 2001، ثم جاء الرئيس محمود أحمدي نجاد سنة 2005 وجدد له سنة 2009. وطيلة المسار الانتخابي للرئاسيات الإيرانية أجريت للمرة الأولى منذ سنة 1979 جولة إعادة واحدة في انتخابات سنة 2005 الرئاسية.
جرت الانتخابات الرئاسية الإيرانية في سياق إقليمي حساس تزامن مع خسارة حلفاء طهران في الانتخابات المحلية العراقية والانتخابات البرلمانية في لبنان والكويت، مما يفسر التدخل القوى للمرشد العام لإنجاح احمدي نجاد، انطلاقا من أن فقدان التيار المحافظ للانتخابات بعد هزيمة حلفائه في لبنان يؤثر جيوبوليتيكيا في الجوار الجغرافي لإيران، كما جرت في سياق دولي هام في تاريخ الجمهورية الإيرانية تزامن وإطلاق مبادرات الانفتاح الأمريكي بموازاة التوتر القائم مع تل أبيب، مما يستوجب إيلاء العناية اللازمة بالسياق المحلي كأرضية مفصلية للسياستين الإقليمية والدولية، وعلى نحو يقتضي ترتيب البيت الداخلي بتكريس التوازنات بين أجنحة السياسة الإيرانية وتحديد مساحات الالتقاء وهوامش الاختلاف بينها.
عكست الدورة العاشرة للرئاسيات الإيرانية ليوم الجمعة 12 يونيو/حزيران 2009 الدوافع السياسية لقوة إيران الإقليمية التي ترهب الدول الكبرى، فالعملية الانتخابية تخضع بداية لفرز مجلس صيانة الدستور (يتكون من ستة من كبار رجال الدين وستة من رجال القانون) وفق معياري الانتماء الشيعي والإيمان الخميني، حيث رفض ترشيح 475 شخصا سجلوا أسماءهم بينهم 42 امرأة، ليحصر التنافس بين أربعة مرشحين، ثلاثة من الجيل الأول للثورة (مهدي كروبي، حسين موسوي، محسن رضائي) والرابع من الجيل الثاني للثورة وهو أحمدي نجاد، وأثناء الحملة الانتخابية تواجه المرشحون الأربعة للرئاسة على شاشات التلفاز مواجهة برامج وسياسات واتهامات لا مثيل لها إلا في الرئاسيات الأمريكية، وفي يوم الاقتراع شارك بشكل قياي وغير مسبوق حوالي 85% من أصل 46 مليون ناخب أغلبهم من الجيل الثالث للثورة في انضباط تام دون تسجيل أية مخالفة أو حادثة أمنية، وصوت الفقراء وسكان الأرياف لأحمدي نجاد الذي اكتسح محافظات الأطراف بين الكرد والعرب، في حين أن نسبة معتبرة من الأغنياء والمثقفين والشباب والنساء من سكان المدن الكبرى صوتت لصالح مير حسين موسوي، ولم يتفوق هذا الأخير إلا في مدينتين.
وجاءت النتائج العامة كما يلي:
المرشح الأصوات النسبة
محمود أحمدي نجاد 24,527,516 62.63%
مير حسين موسوي 13,216,411 33.75%
محسن رضائي 678,240 1.73%
مهدي كروبي 333,635 0.85%
عدد الأصوات الصحيحة 38,755,802 98.95%
عدد الأصوات الملغاة 409,389 1.05%
الإجمالي 39,165,191 100.00%
وتفصيل هذه النتائج حسب المقاطعات كما يلي:
المقاطعة أحمدي نجاد مهدي كروبي حسين موسوي محسن رضائي أصوات ملغاة إجمالي الأصوات
أردبيل 325,911 2,319 302,825 6,578 4,372 642,005
أذربيجان الشرقية 1,131,111 7,246 837,858 16,920 17,205 2,010,340
أذربيجان الغربية 623,946 21,609 656,508 12,199 20,094 1,334,356
بوشهر 299,357 3,563 177,268 7,607 6,193 493,989
جهارمحل وبختياري 359,578 4,127 106,099 22,689 2,953 495,446
فارس 1,758,026 16,277 706,764 23,871 18,359 2,523,300
غيلان 998,573 7,183 453,806 12,022 11,674 1,483,258
غاستان 515,211 10,097 325,806 5,987 14,266 869,453
همدان 765,723 12,032 218,481 13,117 9,816 1,019,169
هرمزكان 482,990 5,126 241,988 7,237 5,683 843,024
إيلام 199,654 7,471 96,826 5,221 3,495 312,667
أصفهان 1,799,255 14,579 746,697 51,788 25,162 2,637,482
كرمان 1,160,446 4,977 318,250 12,016 10,125 1,505,814
كرمان شاه 573,568 10,798 374,188 11,258 13,610 983,422
خراسان الشمالية 341,104 2,478 113,218 4,129 3,072 464,001
خراسان الرضوية 2,214,801 13,561 884,570 44,809 24,240 3,181,990
خراسان الجنوبية 285,983 928 90,363 3,962 1,920 383,157
خوزستان 1,303,129 15,934 552,636 139,124 28,022 2,038,845
كهكيلويه وبوير احمد 253,962 4,274 98,937 8,542 2,311 368,707
كردستان 315,689 13,862 261,772 7,140 12,293 610,757
لرستان لم يبلغ عن نتائجها
مركزي 572,988 4,675 190,349 10,057 7,889 785,961
مازندران 1,289,257 10,050 585,373 19,587 15,571 1,919,838
قزوين 498,061 2,690 177,542 7,978 6,084 692,355
قم 422,457 2,314 148,467 16,297 9,505 599,040
سمنان 295,177 2,147 77,754 4,440 3,790 383,308
سيستان وبلوجستان 450,269 12,504 507,946 6,616 5,585 982,920
طهران 3,819,945 67,334 3,371,523 147,487 115,701 7,521,540
يزد 337,178 2,565 255,799 8,406 5,908 609,856
زنجان 444,480 2,223 126,561 7,276 5,181 585,721
في سنة 2005 حصل أحمدي نجاد على 17 مليون صوت، بينما حصل في 2009 على 24.5 مليون صوت (63%)، مقارنة بـ13 مليون صوت (34%) حصل عليها منافسه مير حسين موسوي من جملة 46.2 مليون صوت. فمن أين جاءت كل تلك الأصوات الزائدة؟. في مفارقة عجيبة، معظم الأصوات التي حصل عليها محمود أحمدي نجاد أتت من القرى البعيدة والمناطق النائية، وأكثريتهم ينتمون إلى أقليات عرقية أثبتت في ما سبق أن هواها الانتخابي إما إصلاحي أو قبلي عرقي، بينما تشير نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2005 إلى أن غالبية أصوات نجاد قد أتت من سكان المدن والضواحي المحيطة بها، فهل تعبر أرقام 2009 عن تحول مفاجئ في الموقف السياسي للناخبين المؤيدين للإصلاحيين لصالح أحمدي نجاد؟ كان هذا أهم مدخل أثار شكوك منافسي الرئيس المنتخب ليطعنوا في نزاهة الاقتراع.
وكان حسين موسوي استبق النتائج الرسمية الجزئية بدعوته لمؤتمر صحفي، أعلن فيه حدوث مخالفات من بينها نقص بطاقات الاقتراع، وأعلن أنه الفائز المؤكد بهذه الانتخابات الرئاسية، وأنصاره أيضا أعلنوا فوزه قبل إغلاق صناديق الاقتراع، لأنهم يستبقون بذلك ما يعتقدون أنه محاولة للتزوير من طرف أنصار أحمدي نجاد، و مع توالي إعلان النتائج الرسمية، شهدت شوارع العاصمة توترا غير مسبوق، حيث انتشرت قوات مكافحة الشغب حول المباني الحكومية الحساسة وقرب مقر اللجنة الانتخابية و طوقت مبنى الداخلية، كما عززت إجراءاتها الأمنية بشتى أنحاء العاصمة وحظرت جميع التجمعات، تحت ذريعة الحيلولة دون وقوع أعمال شغب لحين إعلان النتائج النهائية، وقبل وقت قصير من إغلاق أبواب اللجان الانتخابية أشار سكان بطهران إلى أنهم لم يتمكنوا من إجراء مكالمات هاتفية دولية كما انقطعت بعض خدمات الإنترنت.
بعد يومين من إعلان النتائج بدأت تتجمهر الانتفاضة الخضراء المؤيدة للسيد مير حسين موسوي والرافضة للنتائج المعلنة للانتخابات بفوز السيد محمود نجاد بغالبية كاسحة لرئاسة الجمهورية لدور ثان، مسيرة على غرار يحاكي الثورة البرتقالية أفصحت عن وجود يشير إلى الغالبية في الشارع المنظور إعلاميا، مع أن السلطات اعترفت له بثلاثة عشر مليون صوت فقط، وآلت الأمور إلى سيطرة خط المرشد على الأوضاع، فخطبته الشهيرة أغلقت كل المساحات المشتركة لاحتضان الأطراف المتصارعة مع التيار المحافظ، وحملت الحركة الإصلاحية مستقبل الأحداث والدماء التي أهرقت في شوارع طهران، لكن رسالة حركة الخضر كانت أوضح، الثورة التي أسقطت ظُلم الشاه مستعدة لإسقاط ظُلم الوالي الفقيه، الذي لا يريد أن يُعطي فرصة لتجديد النظام، والمد الشعبي الثائر يرفض الاستبداد الديني باسم الفقيه بعد الثورة بديلا عن الاستبداد العلماني الأميركي في عهد الشاه.
لقد جمعت انتفاضة الخضر عددا من التيارات والشرائح لطالما انتظرت للتعبير عن ذاتها، فقد خرج إلى الشارع تحت يافطة الاختلاف حول نتائج الانتخابات جزء من الناخبين صوتوا لموسوي واعتقدوا أن النتائج قد زيفت لصالح نجاد وضمنهم أنصار القوى الإصلاحية، وخرج جزء آخر من أبناء الطبقة الوسطى التي عارضت الجمهورية الإسلامية منذ بدايتها، وخرج أيضا عدد من الطلبة الجامعيين بدوافع التغيير السياسي والحريات، كما نزل جزء من النشطاء الإيرانيين السنة أو العرب الطامحين إلى عدالة الأقليات، وفي الأخير العناصر التحريضية ذات الارتباط الخارجي.
هذه الأعداد والأفواج من الغاضبين والمحتجين تضاءلت مع مرور أيام أسبوعي الانتفاضة، لاقتناعها بخطورة تفاقم الأزمة على النظام الإيراني من جهة، ومن جهة أخرى لأنها تأكدت من خلو أجندة الأزمة من الإطاحة بالنظام، خصوصا وأن الرهان على انقسام المؤسسة الأمنية خاب لما التفت حول القيادة ونزلت بكامل قمعها على المتظاهرين، زيادة على دخول الإعلام الغربي على الخط الذي أوحى لها بالاستهداف الخارجي للاستقرار الداخلي.
الأزمة .. خلفيات وتجليات
تكمن خصوصية النظام السياسي الإيراني في مزاوجته بين المرجعية الدينية الأساسية والشرعية الديمقراطية التكميلية دون أن تلغي إحداهما الأخرى، لكن الديمقراطية الإيرانية توجه من لدن المرشد الأعلى للجمهورية، شأنها شأن عديد من الأنظمة حديثة العهد بالديمقراطية كتركيا والجزائر التي يوجهها الجيش، والمغرب والأردن والكويت التي يوجهها الملك، وهذا هو الخلل الاستراتيجي في الديمقراطيات الموجهة التي تحتكم لشرعية أعلى من شرعية إرادة الشعب، والديمقراطية الغربية بدورها أيضا محكومة بمرجعيات لا يجوز تجاوزها كالعلمانية والرأسمالية، لكن الاختلاف يبقى في أسس التنمية السياسية لكل نظام.
التنافس بين المرشحين الأربعة جسد اختلافا في وجهات النظر بين تيارات سياسية محكومة بمسلمات النظام الديني وليس بين أحزاب أو أقطاب سياسية ذات توجهات إيديولوجية، تيارات تنتظم في أطروحتي المحافظين والإصلاحيين وتميز بينها روابط انتخابية، لكن المرجعية الشيعية للجميع تحصر التداول على السلطة ضمن زمرة تدين بالولاء التام لولاية الفقيه؛
الانتفاضة الخضراء بلافتات التلاعب بالانتخابات وانتقاد انحياز مرشد الجمهورية لأحمدي نجاد عبرت عن حراك سياسي يرغب في التغيير على مستوى السياسات الداخلية، من قبيل الفقر والبطالة والحريات الشخصية، وهي ملفات كانت محور السجالات المتلفزة أثناء الحملة الانتخابية التي غاب عنها الجدل حول السياسة الخارجية؛
في خلفيات صورة الاحتجاج يتبادر للذهن أن ما جرى هو مقدمات ثورة مخملية على غرار ما حدث في بعض دول أوروبا الشرقية، فما بدا صراعا بين أجنحة مشروع الثورة الإسلامية حول النفوذ والصلاحيات، انتهى على نحو شوه صورة التماسك التقليدي للجمهورية الإسلامية؛
احتجاج الإصلاحيين لم يطل النظام، بل صلاحيات المرشد وسقف الحريات المتاح، فالتعديلات الدستورية لسنة 1989 ألغت منصب رئيس الوزراء ومنحت صلاحياته إلى الرئيس وحوّلت صلاحيات هذا الأخير إلى المرشد العام الذي جمعها كسلطة زمنية بسلطته الروحية في إطار تجديد مفهوم ولاية الفقيه، لكن الضغوط الخارجية صورت الاحتجاج كأنه صراع ضد النظام وليس خلافا بين أجنحته، وإذا استمر توتير الموقف وتحريض الاحتجاج فقد يؤدي ذلك إلى عسكرة النظام وتمديد قوة حرس الثورة وقوات التعبئة، خصوصا وأن الانقسام انتقل من الشارع والمجتمع إلى النخبة والسلطة صاحبة القرار من خلال انقسام تأييد المراجع الدينية بين نجاد وموسوي.
صمدت ببريق مشروعها السياسي إيران الدولة للهجوم الإعلامي الذي تعرضت له، فالكثير ممن تعاطفوا مع الاحتجاج كانوا قد دعوا لقصف إيران، وعلى رأسهم نتنياهو الذي أعجب بشجاعة المتظاهرين، ولا مانع لديهم من قصف لن يميز بين الإصلاحي والمحافظ، تأثروا لصورة فتاة سقطت برصاص قمع المظاهرات، لكنهم قتلوا الملايين في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان، ولا زالوا يدعون لقصف إيران، وأفردت مجلة تايم صفحات لتوصيف الجوانب الإنسانية في حسين موسوي، وهو رئيس حكومة سابق اتهم أمريكيا وبالوقوف وراء الإرهاب في لبنان في الثمانينيات.
شهدت إيران انتخابات حقيقية وليست تمثيلية انتخابية، ليس مقارنة مع الدول الغربية، لكن قياسا بالوطن العربي، فبداية العملية الانتخابية قد يشوبها عيب إجازة المرشحين من مجلس صيانة الدستور لكن في باقي مراحلها فتتسم بالنزاهة والمنافسة الموضوعية وحياد السلطة المشهود، لكن الأزمة أبرزت الحاجة الملحة إلى تقنين الأحزاب السياسية، لأن الأوراق اختلطت وتداخلت بحيث لم يعد يعرف من هم الإصلاحيون ومن هم المحافظون.
الخيار المطروح للملمة تداعيات الأزمة يكمن من جهة في حضور المرشد حضورا أكثر تأثيرا في السياسة الخارجية وأكثر نشاطا في العراق وأفغانستان وأكثر دعما لفلسطين وقوى الممانعة وأكثر تشددا في الملف النووي، ومن جهة أخرى في دعوة موسوي لعصيان مدني غير مأمون العواقب أو الفوز ببلدية طهران في الانتخابات المحلية المقبلة عبر تشكيل حزب "الكلمة الخضراء" وهذا صعب بالنظر لقوة التجمعات الخاصة لحلفائه (خاتمي زعيم حزب المشاركة، كروبي زعيم إرادة الأمة، رفسنجاني زعيم كوادر البناء)؛
ومع انجلاء غبار انتفاضة الخضر عن شوارع إيران المنهكة، يبدو أن رجال السلطة كسبوا الجولة الأولى ضد منافسيهم الإصلاحيين، إلا أنهم خسروا الكثير من مشروعيتهم السياسية والأخلاقية في عيون شعبهم، لقد انقلب ميزان القوى الاجتماعية على الخطاب الثوري،
الأزمة .. تفاعلات وتداعيات
تكمن أهمية التجربة الإيرانية ومواقفها الشجاعة في مواجهة الهيمنة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي، حيث صار الإيرانيون يعتقدون أن بلدهم حقق جل أولويات سياسته الخارجية, فبعد ثلاثة عقود من العداء والمعارضة الأميركية اضطرت واشنطن أخيرا إلى الاعتراف بشرعية الجمهورية الإسلامية وبدورها كدولة محورية في المنطقة، وتمكنت إيران من جني ثمار حرب بوش العالمية على الإرهاب, بعد أن أطاحت هذه الحرب بعدو طهران اللدود نظام حركة طالبان أفغانستان، وبمنافس إيران التاريخي في المنطقة نظام صدام حسين، فحولت بذلك إدارة بوش بسرعة كبيرة، إيران إلى قوة عظمى لا ند لها في الخليج العربي، وامتد النفوذ السياسي الإيراني إلى أبعد بكثير من العراق، فغدت طهران اليوم تحمل راية الممانعة للتحالف الأميركي الإسرائيلي في الشرق الأوسط، فتحول الهدف الأميركي والأوروبي إلى وقف برنامج إيران النووي، وتحقيق التعاون الإيراني الكامل في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان، الأمر الذي يقتضي من دول المنطقة البحث عن مصالحها المشتركة مع إيران وتقويتها لأنها عنصر مهم جدا في الميزان الإستراتيجي بالمنطقة، والاهتمام بإيران هو اهتمام بالأمن القومي في المنطقة بحكم موقعها الإستراتيجي.
لقد أعرب الاتحاد الأوروبي في بيان رسمي عن قلقه من وقوع تجاوزات في انتخابات الرئاسة الإيرانية وخلال اعتراض أجهزة الأمن لمظاهرات المحتجين عقب الإعلان عن النتائج رسميا، كما دعا وزراء خارجيته وعلى الأخص فرنسا وألمانيا وإيطاليا لاتخاذ كافة الخطوات الكفيلة بضمان نزاهة نتائج الانتخابات وعلى نحو يعكس رغبة وإرادة الشعب الإيراني، وعلى الضفة الأخرى من الأطلسي، تجنبت أمريكا الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية مشككة بصحة نتائجها، انطلاقا من اعتقادها أن 70% من الأصوات المؤيدة للرئيس أحمدي نجاد جاءت من مواقع لا يتمتع فيها نجاد بمراكز قوة شعبية، كما أكدت أن النتائج لن تقف حائلا بين واشنطن ورغبتها في فتح حوار مباشر مع طهران.
إذن أجمعت مجموعة من العواصم الغربية على دعم وتأييد احتجاجات ومظاهرات الإصلاحيين، ووظفتها آلتها الإعلامية لتأجيج نيران الغضب في طهران، وشددت على حرية الإيرانيين في اختيار رئيسهم، في مفارقة جديدة للحكومات الغربية عندما أنكرت على الفلسطينيين اختيارهم في 1997 وعاقبتهم بحصار قطاع غزة، فالغرب لم يكتف بمراقبة الأحداث، بل شارك في تحريكها من باب مصالحه الاستراتيجية وليس لاهتمامه بالمواطن الإيراني، فجل اهتمامه هو مدى تأثير الانتخابات على قدرة إيران في إدارة مفاوضاتها المرتقبة حول دائرة نفوذها الاستراتيجي، خصوصا وأن الإدارة الأمريكية تسعى لرسم التوازنات الاستراتيجية في أهم بؤر الصراع الدولي وهي منطقة خزان نفط العالم الممتدة من باكستان إلى اليمن.
الموقف العربي من الحدث الإيراني تجسد عبر إعلامه حيث انتقد الوضع الإيراني مرددا دفوعات الإصلاحيين حول الأوضاع الداخلية، وراح يغذي مواقف تتراوح بين الشماتة والتحريض على النظام الإيراني، وهو موقف مستغرب إذ لا يمكن تفسيره بالغيرة على الديمقراطية بقدر ما يمكن فهمه على أنه محاولة لتصفية الحسابات السياسية "النفوذ الفارسي" والمذهبية "التمدد الشيعي"، ومما يلفت الانتباه أن الإعلام العربي لم يسلط عدساته على مواقف الإصلاحيين من القضايا العربية، خصوصا وأنها تتطابق مع موقف دول الاعتدال من الصراع العربي الإسرائيلي، ففي الوقت الذي انتقدوا فيه أحمدي نجاد في سياسته الاقتصادية وفي تعامله مع الغرب بصورة أسهمت في عزلة إيران، واتهموه بتبديد المال العام من خلال دعم حزب الله وحركة حماس، انتقدوا لينه مع العرب مؤاخذين عليه أنه أول رئيس إيراني يزور دولة الإمارات العربية، ويحضر مجلس التعاون الخليجي في الدوحة، وحجتهم في ذلك أن إيران ليست دولة عربية ولا ينبغي لها أن تزايد على جيرانها بحيث تصبح عربية أكثر من العرب.
وسط هذا الخضم من التفاعلات، فإيران تعيش على إيقاع أزمتين حساستين، أولاهما انتخابية، حيث تلقى أركان الحكم الإيراني فيها سلسلة ضربات سياسية موجعة ومؤثرة، بدءا من رئيس الجمهورية أحمدي نجاد الذي سيحكم لفترة رئاسية وشريحة واسعة من الناخبين تطعن في شرعيته، ومرورا برئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني الذي اتهم بالفساد، وانتهاء بالمرشد الأعلى الذي تعرضت سلطته لتحد غير مسبوق من المرشح الخاسر، وثانيهما أمنية، فقد اندلعت سلسلة تفجيرات إرهابية في محافظة سيستان بلوشستان في الجنوب الشرقي لإيران، حيث يتقاطع الصراع المذهبى والعرقى بين سكان الإقليم السنة البلوش ونخبة الحكم الشيعية الفارسية، مع الصراع الأمني لمثلث الإرهاب وتهريب المخدرات الأشهر في العالم (يقع إقليم سيستان بلوشستان فى نقطة تماس حدود إيران مع كل من أفغانستان وباكستان)، والصراع الدولى حيث يمكن اعتبار هذه المنطقة خط تماس أمريكي إيراني ملتهب بعكس خط التماس الآخر الهادئ نسبيا بين الدولتين فى العراق.
وتتزامن هاتين الأزمتين قبل المفاوضات المرتقبة قبل نهاية العام الجاري مع الإدارة الأمريكية حول رزنامة ملفاتية من درة التاج في المشروع القومي الإيراني "الملف النووي" إلى النفوذ الإيراني الممتد على طول الخط الجغرافي أفغانستان-العراق- اليمن-الخليج والمشرق العربيين، وفي قلبه لبنان وفلسطين، وهو نفوذ تمدد بفعل سياسة إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش التي أزاحت خصومه شرقا (طالبان) وغربا (صدام حسين)، لكنه يبقى نفوذا صعبا ومهددا لكونه يفوق إمكانيات النظام الإيراني، مما دفع بالقيادة الإيرانية إلى وقت قريب أن تبدي استعدادها للاعتراف بحل الدولتين في فلسطين، وإبداء مرونة كافية في اجتماع بطهران مع حليفي واشنطن الأسيويين، الرئيس الباكستاني آصف زرداري والأفغاني حميد قرضاي، مما يفهم منه أنه انفتاح لتهدئة خط التماس الثاني مع أمريكا بعد الهدوء النسبي لخط التماس الأول في العراق.
لا شك أنها أزمات تضغط على النظام الإيراني وهو يدرك حدود مشروعه الإقليمي، وقد تقلص من قدرته التفاوضية في الصفقة الإيرانية الأمريكية المرتقبة لترتيب المستقبل الجيوسياسي للمنطقة بين لاعب إقليمي بازغ ولاعب دولي مهيمن، وتجدر الإشارة إلى أن كلا الطرفين يعتبر المنطقة –خصوصا الشق العربي منها- مجرد كتلة جغرافية استراتيجية مليئة بالموارد الحيوية وفارغة من مراكز الإرادة والقرار.
-----------------------
المصادر:
الجزيرة نت
بي بي سي الفارسية
Interior Ministry reported by PressTV
#محمد_اصفيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟