عبد الجبار منديل
الحوار المتمدن-العدد: 3469 - 2011 / 8 / 27 - 17:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الثورة ليست هدفا في حد ذاتها بل هي وسيلة الى هدف . وقد اضفيت على الثورة قدسية لا تستحقها كما نسبت لها انتصارات وهمية . فالثورة دماء وتضحيات . والثورة فيها تدمير وفيها قتل وفيها تشريد وفيها انتهاك لحرمات . بالطبع تكون احيانا اداة لابد منها ولا سيما في حالة حدوث طغيان او فساد في الحكم او جمود في الوضع السياسي او ركود في الحكم ولكن استمرار الثورة او استمرار ادواتها كارثة خطيرة على البلد وعلى الشعب وعلى الحضارة وعلى مستقبل الوطن .
خلال فترات الثورات تستيقظ كل الغرائز البدائية للبشر مما يصعب ضبطها او السيطرة عليها . ان تجربة كل الثورات الكبرى في التاريخ العالمي المعاصر تثبت بان التضحيات الجسام التي تتكبدها الشعوب خلال الثورات لا توازي المكاسب التي تحصل عليها . كما انه لا يمكن المقارنة باي حال بين المكاسب التي يحققها الاستقرار للشعوب وما يمكن ان يحققه الهيجان والانفلات الامني اذا كان ممكن ان يحقق شيئا .
ولعل مقارنة بسيطة بين ما عاناه الشعب الفرنسي وما تكبده من تضحيات منذ نهاية القرن الثامن عشر بداية الثورة الفرنسية وحتى نهاية القرن التاسع عشر بعد هزيمة نابليون الثالث امام المانيا وما حققه الاستقرار لانكلترا طيلة تلك السنين يمكن ان يعطينا فكرة واضحة عما يمكن ان تشكله الثورات من خطورة على حياة ومستقبل الشعوب . كما ان اجراء مقارنة اخرى بين تطور الولايات المتحدة الامريكية خلال القرن العشرين وبين تطور روسيا خلال تلك الفترة والتضحيات الكارثية التي تكبدها الشعب الروسي وروسيا بشكل عام في مقابل المكاسب الاقتصادية الكبرى التي حققتها الولايات المتحدة يعطينا صورة اخرى عن ذلك .
ان الثورة هي بمثابة العملية الجراحية المؤلمة اذا ما فشلت كل الاساليب الاخرى في المعالجة . اما اذا امكن المعالجة بدون تلك العملية الجراحية المكلفة فان ذلك يكون افضل بما لا يقاس .
لقد اطاحت ثورة 25 يناير في مصر بالدكتاتورية ولكنها اطاحت ايضا بهيبة الدولة والاطاحة بهيبة الدولة يعني الاطاحة بهيبة القانون لذلك حدثت الفوضى والانفلات الامني وتنامت سيطرة العصابات واللصوص على الشارع المصري فقد خلطت الجماهير بين الدكتاتورية وبين هيبة الدولة فاطاحت بهيبة القانون من خلال اطاحتها بهيبة الدولة .
ان الدكتاتورية قد تستخدم قوى الامن في تركيز سلطاتها او محاربة اعدائها او البطش بالجماهير ولكن الاطاحة بها تستلزم ان يتم الفرز الدقيق بينها وبين الادوات التي استخدمتها . فقوى الضبط الامني مطلوبة دائما وفي كل الدول المتحضرة ومن دونها تتحول الدولة الى غابة من الوحوش التي يفتك بعضها بالبعض الاخر . وكذلك من دون ضبط الجماهير والسيطرة على غرائزها البدائية يتحول البلد الى فوضى .
ان بناء بلد متقدم من دون بناء دولة حكم القانون امر غير ممكن . والاطاحة بالحكم الاستبدادي وحده يعد امرا ناقصا اذا لم يتم تحديث القوانين ومراعاة تطبيقها والحرص عليها لاقامة دولة مستقرة ومتحضرة
#عبد_الجبار_منديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟