|
-الرافد العبري-
سعيدي المولودي
الحوار المتمدن-العدد: 3469 - 2011 / 8 / 27 - 14:21
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
كانت إشارة الدستور المغربي الجديد إلى أركان "الهوية" المغربية التي من ضمنها الرافد العبري، إشارة لا تخلو من دلالات، ومن غموض ومن سطحية أيضا، لأن تلك الأركان لم يطرحها الدستور، على ما يبدو، إلا من زاوية المزايدة على الأطروحات التي تسعى إلى تضييق الخناق على تلك الهوية ومحاصرتها في بعد أو لون واحد أو عنصر وحيد لا يأتيه الباطل من بين اليدين ولا من الخلف، يلغي احتمالات أي تفاعل أو أي تماس أو التقاء مع عناصر أخرى يمكن أن يكون لها دور في بناء أو تشكيل هذه الهوية. وليس مرامنا هنا مناقشة أمر هذه الهوية وأركانها وعناصرها وقضاياها المتشعبة، وإنما الإشارة فقط إلى شكل من أشكال حضور الرافد العبري في مغربنا ومن خلال " نص تشريعي" يعضد ويجسد الحضور القانوني والديني لهذا الرافد في صلب الممارسة التشريعية ببلادنا، ويتعلق الأمر هنا بالنظام الأساسي للأساتذة الباحثين في التعليم العالي الذي يحمل بعضا من معالم تأثيرات وأصداء هذا الرافد، ويتجلى ذلك من خلال المادة 6 من المرسوم رقم 2.97.793 بتاريخ 19 فبراير 1997 (بمثابة النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي ) التي تنص على ما يلي:" يستفيد الأساتذة الباحثون الذين زاولوا مهامهم لمدة سبع سنوات متتالية من إجازة لأجل البحث أو استكمال الخبرة أو إعادة التأهيل لمدة سنة جامعية..." والتي يحدد القرار المشترك لوزارة التعليم ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري رقم 1073.02 بتاريخ 15 يوليوز 2002 إجراءات تطبيقها وتنفيذها. والملفت للانتباه في نص المادة هو تحديد المدى الزمني في سبع سنوات، دون أن تتضمن أية مؤشرات أو مبررات تسوغ أو تستوجب هذا التحديد، وهو ما لم يعمد إليه القرار المشار إليه كذلك ، خاصة وأن هذا التحديد لا مرجعية له في ظل المنظومة التربوية لبلادنا، وهو ما يحملنا على التساؤل عن أبعاد فرض واختيار هذا الرقم دون سواه، ولماذا لم يتم مثلا اقتراح أربع أو خمس سنوات أو ما دونهما أو ما يفوق السبعة. الأمر الذي يرجح بقوة أن هذا الاختيار له خلفيات معينة انطلق منها واضع النص واهتدى بها بوعي أو بدونه، وكانت المصدر وعامل تثبيت الاختيار، ويبدو أن هذه الخلفيات كامنة وماثلة في المرجعيات الثقافية الدينية بالأساس. فمن المعروف أن الرقم 7 يحظى بالتقدير والتبجيل في كثير من الحضارات والثقافات والديانات ويجسد فيها العدد الأكثر قوة ومهابة والأكثر جلالا وكمالا، ومنذ القديم لعب دورا أساسيا في تفسير نظام الكون وطريقة خلقه، ولدى العبرانيين،كما هو الأمر بالنسبة للمسلمين، لهذا الرقم فعاليته ودوره المركزي في كثير من الطقوس والشعائر الدينية، ويمثل بالنسبة لليهود يوم الراحة والسكون لأنه يتوافق واليوم السابع السبت رمز الراحة بعد التعب لديهم، ودلالة السبت في العربية غير بعيدة عن هذا المجال فلسان العرب يشير إلى أن فعل "سبت" يعني استراح وسكن، والسبت : الراحة والسكون أو القطع وترك الأعمال، وواضح أن الدلالة لا تضيف شيئا إلى الدلالة العبرية الأصل. وقد اعتبر العبرانيون اليوم السابع مقدسا لأن الله خلد فيه إلى الراحة بعد خلق العالم الذي شرع فيه ابتداء من يوم الأحد إلى يوم الجمعة، حيث اكتمل خلق السموات والأرض وكل جندها(.. وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل. وبارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا..)[سفر التكوين. الإصحاح الثاني عشر]. فاليوم السابع هو يوم الله وهو يوم راحة الكائنات والمخلوقات كلها، وهو يوم الاستمتاع بالقدسي(... فتحفظون السبت لأنه مقدس لكم، من دنسه يقتل قتلا..)،(.. ستة أيام يصنع عمل، وأما اليوم السابع ففيه سبت عطلة مقدس للرب، كل من صنع عملا يوم السبت يقتل قتلا..)، ( لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض وفي اليوم السابع استراح وتنفس..) [ سفر الخروج. الإصحاح الواحد والثلاثون] ولا يتعلق الأمر باليوم السابع فقط فالشهر السابع أيضا يرتوي من ماء القداسة (.. ويكون لكم فريضة دهرية أنكم في الشهر السابع في عاشر الشهر تذللون نفوسكم وكل عمل لا تعملون..)[ سفر اللاويين.الإصحاح السادس عشر](.. في الشهر السابع في أول الشهر يكون لكم عطلة، تذكار هتاف البوق، محفل مقدس. عملا ما من الشغل لا تعملوا، لكن تقربون وقودا للرب..)[ سفر اللاويين.الإصحاح الثالث والعشرون] الراحة أو الإجازة "السبتية" فريضة دهرية، ويجب أن تتمتع بها الأرض كل سبع سنوات كذلك، باعتبارها خالقة ومانحة للحياة،ومنتجة للزرع والغلال، ففي كل سبع سنوات توضع الأرض قيد الراحة والاستراحة، وتستمتع بعطلتها وإجازتها (.. متى أتيتم الأرض التي أنا أعطيكم، تسبت الأرض سبتا للرب، ست سنين تزرع حقلك، وست سنين تقضب كرمك وتجمع غلتهما، وأما السنة السابعة ففيها يكون للأرض سبت عطلة. سبتا للرب لا تزرع حقلك ولا تقضب كرمك. زريع حصيدك لا تحصد، وعنب كرمك المحول لا تقطف.سنة عطلة تكون للأرض، ويكون سبت الأرض لكم طعاما..)[ سفر اللاويين. الإصحاح الخامس والعشرون] لا تتعطل الأرض وحدها في السنة السابعة، وإنما تتعطل حقوق وواجبات أخرى، فقد تعطل الديون أو تسقط أو تؤجل، فالسنة السابعة سنة الإبراء (.. في آخر سبع سنين تعمل إبراء. وهذا هو حكم الإبراء: يبريء كل صاحب دين يده مما أقرض صاحبه، لا يطالب صاحبه ولا أخاه، لأنه قد نودي بإبراء الرب..)[ سفر التثنية. الإصحاح الخامس عشر]، وفي السنة السابعة كذلك يتم عتق العبيد وتحريرهم ( ..إذا بيع لك أخوك العبراني أو أختك العبرانية وخدمك ست سنين ففي السنة السابعة تطلقه حرا من عندك. وحين تطلقه حرا من عندك لا تطلقه فارغا..) ..( وهكذا تفعل لأمتك أيضا..) [ سفر التثنية. الإصحاح الخامس عشر]. الأرض إذن تتمتع بإجازة أو عطلة كل سبع سنوات، وكذلك الأستاذ الباحث، وهذا هو الأصل في "السنة السبتية" ( l’année sabbatique ) التي تمنح لأساتذة الجامعات في كثير من البلدان وفي فرنسا بالذات التي يتكيء المشرع المغربي على نصوصها القانونية ليسلخها سلخا ويلقي عليها ظلالا مغربية مضللة بعد أن يجردها من إيجابياتها الفرنسية ويتولى تكييفها وتطويعها لتناسب العقلية المغربية والواقع المغربي. وهكذا فإن اختيار السبع سنوات للتمتع بسنة عطلة أو راحة أو تفرغ ووقف العمل والتدريس تعود بنا إلى هذه الأصول العبرية، وحين يحرص الدستور المغربي على ذكر هذه الأصول فإنه في الواقع إنما يسمي الأشياء بمسمياتها.!! سعيدي المولودي
#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتخابات برج القوس
-
الانتماء المغاربي لسعدي يوسف ( قراءة في نصوص الشمال الإفريقي
...
-
-الضحالة المغربية-
-
أحقاد -هيلاري-
-
السقوط المغربي
-
يوم فاتح يوليوز 2011: أنا غائب..
-
قراءة في دستور مغرب 2011.( 2) .باب الأحكام العامة
-
قراءة في دستور مغرب 2011 : المغرب والهويات السبع
-
-البقاء على قيد المخزن-
-
تنظيم -القاعدة-وتنظيم -الاستثناء- في بلاد المغرب
-
ابتهالات للدستور الجديد
-
زلات رئيس جامعة مولاي إسماعيل بمكناس
-
-قل ولا تقل... دون احتساب الرسوم-
-
الغربة في الشعر الأمازيغي بالأطلس المتوسط
-
في نقد استراتيجية التهييج
-
وزارة التعليم العالي: كفايات تصنيع الامتيازات
-
تعازيم الدخول السياسي
-
مدونة السيف على الطرقات
-
- أهل الكتاب-
-
- غابة عبد الناصر-
المزيد.....
-
الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
-
من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل
...
-
التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي
...
-
هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
-
مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
-
إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام
...
-
الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية
...
-
الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|