|
العدالة الأجتماعية وتحسين المعيشة
امال رياض
الحوار المتمدن-العدد: 3468 - 2011 / 8 / 26 - 22:16
المحور:
حقوق الانسان
وفي معالجتنا للمشاكل الاقتصادية التي تواجه عالم اليوم، حري بنا أن ننظر إليها من منظور رفع مستوى القدرات بالتوسع في تحصيل العلم والمعرفة على كافة المستويات. فمن تجاربنا في العقود الأخيرة الماضية، لا يمكن ان نعتبر المكاسب المادية غايات بحد ذاتها. فالهدف منها لا ينحصر في تأمين الاحتياجات الأساسية للانسان مثل المسكن والمأكل والرعاية الصحية وامثالها فحسب، بل في تحسين القدرة الانسانية في المهارات والتجارب ايضا. ان اهم دور للجهود الاقتصادية ان تلعبه في عملية التطوير يكمن في اعداد الافراد والمؤسسات وتوفير الوسائل التي بواسطتها يستطيعون انجاز الهدف الحقيقي من التطوير. وهذا معناه وضع الاسس لنظام اجتماعي جديد قادر على بعث وتنمية قدرات لا محدودة كامنة في أعماق الانسان.
وليس امام الفكر الاقتصادي سوى ان يسلم بهذا الهدف من التطوير عن قناعة تامة ودون اي تحفظ، ويؤمن بدوره الفاعل في خلق وسائل تحقيقه. وبهذا الاسلوب دون غيره يمكن لعلم الاقتصاد وما يدور في فلكه من علوم ان يحرر نفسه من تيار التسابق وحب التملك الذي يجرفنا اليوم، فيسخر كل ما لديه لرخاء البشرية بكل ما في الكلمة من معنى. وهنا تدعونا الحاجة بكل وضوح إلى حوار ٍ دقيق ٍ وجازم ٍ بين ما يفعله العلم وما يراه الدين بنظره الثاقب.
ومعضلة الفقر هي الان تتصدر المقدمة، والحلول المطروحة لمواجهتها تقوم على القناعة بأن الموارد المادية متوفرة او يمكن توفيرها بفضل العلم والتكنولوجيا، وبذلك يمكن التخفيف من وطأتها ثم القضاء على هذه المشكلة المزمنة التي قضت مضجع البشرية واصبحت من مظاهر حياتها. والسبب الرئيس في بقاء هذا الاشكال قائمًا يكمن في سلم الاولويات في برامج العمل العلمي والتكنولوجي الذي يصيب فقط سطح الاحتياجات الفعلية للسواد الأعظم للجنس البشري لا عمقها. وعليه، فإننا بحاجة إلى إعادة تقييم جذري للأولويات إذا ما أردنا ان نرفع عن كاهل البشرية نهائيا أعباء الفقر ومعاناته بأسلوب جاد. وإنجاز كهذا يستدعي تركيز البحث وتكثيف الجهود في وضع قيم لائقة محددة وهو ما يعد امتحانا للموارد الروحية والعلمية للجنس البشري. وسيظل الدين عاجزا عن أداء دوره في هذا الميدان ما دام حبيس الاعتبارات الطائفية ومفاهيم لا تستطيع التمييز بين القناعة والسلبية وتعتبر ان الفقر هو سمة الحياة الدنيا ولا سبيل للخلاص منه إلا في العالم الآخر غافلين عن جوهر الدين الذي يدعو إلى رخاء البشرية وسعادتها. ومن روح الرسالة السماوية التي تستلهم تعاليمها من فيض الحق سنجد مفاهيم روحية جديدة ومبادئ تنير لنا عصرنا الحاضر الذي بات يلهث وراء الوحدة والاتحاد ثم العدالة والانصاف في كافة الشؤون الإنسانية. وآفة البطالة على هذه الشاكلة ايضا. ففي الفكر المعاصر نجد أن مفهوم الهدف من العمل لدى الغالبية قد انحدر لينحصر في البحث عن وظيفة مجزية ماديا تتيح لهم الحصول على المواد المتوفرة، وعليه فأن النظام الحالي يدور في حلقة
متصلة: استهلاك وتكسب يؤديان إلى دوام التوسع في الانتاج الذي يترتب عليه دفع الرواتب والأجور. فلو اخذنا هذه العملية بالمستوى الفردي نجد ان كافة هذه النشاطات ضرورية لرخاء المجتمع، إلا ان الوضع بما هو عليه غير سليم ولا يوحي بالرضا. يشهد بذلك ما نقرأه بين سطور المعلقين الاجتماعيين من مشاعر الفتور واللامبالاة في كل مكان إلى جانب ازدياد أرتال العاطلين عن العمل.
ولهذا، فإنه ليس مدعاة للدهشة ان نلحظ ادراكا متزايدا إلى حاجة ماسة للعالم لمفهوم جديد ﻟ "أخلاقيات العمل" . فنعود ونقول: لا أقل من البصيرة النافذة المتولدة من التفاعل الخلاق بين المعارف العلمية والدينية يمكنها أن تضع أساسا متينا لاعادة تكييف ما اصطبغت به حياتنا من عادات ومواقف. فالانسان على نقيض تام مع الحيوان الذي يعتمد في بقائه على ما تجود به بيئته، أما النوع الإنساني فهو مفطور على التعبير عن طاقاته الهائلة الكامنة فيه بالعمل المبرمج المنتج الذي يلبي احتياجاته والاخرين، وفي هذا فان الافراد جميعهم هم شركاء في عمليات تقدم الحضارة الانسانية مهما كان المستوى متواضعا ويحققون بذلك أهدافا توحدهم مع الاخرين. والعمل المجبول بالضمير الذي يؤدى بروح الخدمة الإنسانية هو الذي وصفه حضرة بهاء الله بأنه نوع من أنواع الصلاة والعبادة لله الحق. وكل فرد في المجتمع - إذا ما استنار فكره بهذا المفهوم - لديه القدرة والارادة ان يرى نفسه في ذلك العمل محققا ذاته. والى طبيعة الخطط والمشاريع ومهما بلغت مكافأتها المادية. بهذا المفهوم البسيط والدقيق ندعو سكان الأرض إلى حشد الطاقات الهائلة وتسخير إرادة الالتزام لديهم لخدمة ما تتطلبه الواجبات والاقتصادية.
وتحدٍّ آخر مشابه في طبيعته يبرز أمام الفكر الاقتصادي نتيجة الأزمات البيئية فما خدعنا في السابق من نظريات قالت بأن الطبيعة بإمكاناتها ومواردها لا حدود لها في تلبية حاجات الانسان، اصبح يلقى الفتور. فالمفهوم الذي يبيح منح أهمية قصوى للتوسع والتملك وتلبية ما يتطلبه الإنسان يحتم علينا ان ندرك ان مثل هذه الأهداف بحد ذاتها ليست مرشدا حقيقيا لنا في وضع السياسة
العامة، وليس كافيا - في الوقت نفسه - ان نأخذ هذا المفهوم مدخلا لبحث المشاكل الاقتصادية ونضعه امام صانعي القرار الذين لا يتعاملون مع الحقيقة بأن التحديات في معظمها عالمية التأثر. والتأثير اكثر منها محدودة في مداها.
إن الامل المعقود على امكانية مواجهة الأزمات الاخلاقية بتأليه الطبيعة نفسها لهو مظهر من مظاهر الإفلاس الروحي والفكري الذي ولدته الأزمات نفسها. فالإقرار بأن الخلق بأجمله هو كيان عضوي ككل، وأن الإنسانية مسؤولة عن رعاية هذا الكيان وتقبله كما هو عليه لا يحمل في طياته تأثيرًا يستطيع وحده أن يغرس في ضمائر الشعوب نظاما جديدا للقيم. فليس أمامنا سوى قلب المفاهيم ليصبح إيماننا الراسخ بأن الطاقات العلمية والقوى الروحية بكل ما فيها من قدرات هي العنصر المساعد والوصي المؤتمن الذي يدفع مصالح البشرية في الاتجاه الذي يريده التاريخ. وستستعيد شعوب الأرض، إن عاجلا ام آجلا، إيمانها وثقتها بكامل طاقاتها، وترحب بالنظم الأخلاقية، وبالتفاني والإخلاص في العمل وأداء الواجب الذي اعتبرته حتى وقت قريب نسبيا من المظاهر الأساسية الدالة على انسانية الإنسان. وعلى مر التاريخ سيكون باستطاعة تعاليم مؤسسي الاديان الإلهية العظماء أن ترسخ في جموع معتنقيها هذه القيم والفضائل التي نحن في أمس الحاجة اليها في عصرنا الحاضر. إلا ان التعبير عنها يجب ان يأخذ شكلا يتناسب وعصر النضج والبلوغ الذي نعيشه. وهنا نعود إلى القول بأن التحدي الذي يواجه الدين يكمن في تحريره مما علق به في الماضي من الأوهام والتّرهات. فالقناعة والرضا لا يعنيان السلبية، والخلق يقف مشلولا في حياة يخرس فيها صوت التقديس والتنزيه الذي يتكلم باسمه، والإخلاص للعمل ليس لتحقيق مكاسب خاصة بقدر ما يشعر صاحبه بقيمته وقدره.
(من وثيقة "ازدهار الجنس البشري ورخاؤه" الصادرة عن مكتب المعلومات العامة التابع للجامعة البهائية العالمية في عام 199
#امال_رياض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حق الحياة للجميع
-
موازين الإدراك
-
أرضنا الكبيرة
-
هل هناك دواعى للتجديد ؟
-
رمضان جانا بالمحبة
-
أنا الشهيد
-
يازينة يا بلدى يا حبيبة
-
المشورة هى احدى مقومات العائلة السليمة
-
البنية الأولى لمجتمع سليم هى العائلة
-
لماذا كل هذا !!!
-
العنف والأطفال
-
زمن الحب الجميل
-
البشرية ومصيرها المحتوم
-
راح يطلع النهار
-
سراب إنسان
-
ما الأرض إلا وطن واحد
المزيد.....
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ
...
-
كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا
...
-
بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
-
تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المنازل وارتكاب جرائم
...
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|