محمود فنون
الحوار المتمدن-العدد: 3468 - 2011 / 8 / 26 - 09:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تدور الاحداث في ليبيا من اجل اسقاط القذافي وطرده او محاكمته. وقد بدات الحركة من مجموعات الفيس بوك كما علمنا جميعا .غير ان تغيرا مهما شق طريقه بدهاء حيث حصل انتقال لجزء مهم من رجالات النظام المطعون فيه من شباب الثورة . انتقال من صف القذافي الى صف الثورة .وعلى الفور .وبكل ترحيب احتل هؤلاء مركز الصدارة والزعامة بمعناها التقليدي .ثم الى مراكز القيادة كما يظهر ومراكز الناطقين باسم التغيير وباسم الثورة.ان هذا الانتقال ملفت للانتباه خاصة وانه ظهر في البداية كتعبير عن اتجاه تفسخ في النظام مرحب به .ثم كبرت الظاهرة واصبح الحال كما لو ان النظام انقسم على نفسه, واصبح قسم في مواجهة قسم. اي انه وفي لحظة انعطافة نتجت عن تفجر الثورة, اصبح جزء من رجالات النظام المطلوبة رؤوسهم ,في صدارة الحركة وناطقون باسمها وكانهم جزء منها ويتولون تحريك الراي العام المحلي والدولي. هنا حصل على ما يبدوا انه اختلاط الحابل بالنابل كما يقال وهذا الاختلاط ليس صحيا في العملية الثورية عادة .
فمهما كانت شعارات الثورة واهدافها فهناك فريق خاص في قيادتها ومفجريها ,هو الامين على مسارها ومآلها واهدافها والاكثر اخلاصا في المحافظة على وجهتها وحمايتها من الاختراق , ومنع الوصوليون من التسلق عليها والتاثير في مسارها وحرفها.
واذا علمنا ان الاحزاب التقليدية في مواقع المعارضة في البلاد العربية قد اصبحت اكثر ميلا للمهادنة , واقرب ما يكون الى معارضة تتحرك بين متوازيين, وبسقف هابط و,او بصوت هابط .واذا علمنا ان معظم الشباب لا ينتمون الى هذه الاحزاب او لا ينتمون الى نفسها القيادي وتيارها السائد, وفي ليبيا بالذات لا توجد احزاب , فانهم بالتالي يتلمسون طريقهم بانفسهم, مما سهل على الوصوليين من رجالات النظام الذين خرجوا عليه, الوصول الى مراكز الصدارة .واذا انطلقنا من افتراض انهم تذمروا من القذافي وخرجوا عليه وهذا امر مفهوم .فيتوجب ان يكون مفهوم ايضا ان عقلية ونفسية هؤلاء ليست عقلية ثورية .انها عقلية تربت في حضن النظام وامتيازاته, ولها نفس نسيجه وعلاقاته, ولا يتحلون بنفسية الثوريين لا ثقافيا ولابالمسلكية ولا يحملون بالضرورة التوجهات النهائية التي يحملها الثوريون بصورة عامة بل هم اكثر ميلا الى المحافظة ,واكثر استعدادا للانحراف ,و-او الوقوف في منتصف الطريق وقبل نهايته المظفرة .ولذلك كان يتوجب حصر دورهم في المؤازرة.
ان هذا ما يفسر ميلهم السريع للاستنجاد بالاجنبي في مواجهة القذافي . فهم اولا لايرون التدخل الاجنبي والاجنبي كما يراه الثوريون . وثانيا يخشون من تمكن القذافي منهم , فحبذوا الاطمئنان الى افضل امكانية لحسم المعركة ضد القذافي, مستفيدين من غباء القذافي ووحشيته في مواجهة شباب الثورة والجماهير المنتفضة في الشوارع .
ان الانتفاض على القذافي للخلاص من نظام حكمه ومنه شخصيا هو امر مشروع . وان ميل الجماهير عموما والشباب خصوصا للانعتاق من هذا الحكم الفردي المشخصن والمتسلط, هوميل مشروع , وان الرغبة في التغيير هي موقف ثوري حتى لو كان التغيير بهدف اقامة نظام ديموقراطي مستوحى من صورة الغرب وفي محاولة لتقليده
ان تجديد الانظمة مجرد تجديدها وتغيير الحاكم في بلادنا قد اصبح امرا عزيزا ويستحق التضحية .فقد ملت الجماهير من هؤلاء الحكام واسمائهم. هذا على العموم . وكل الثوريين يتفهمون هذا الحد الادنى للتغيير. فحكامنا يرون ان النساء لم يلدن مثلهم , ويعتقدون انهم حماة مصالح الجماهير ويفترضون ان الجماهير تؤمن بهم , وان مصلحتها الحقيقية معهم والا اصبحوا ايتاما بدونهم .لذلك يفترض ان يعتقد الناس كما يرغب الحكام ان تمسكهم بكراسيهم ما هو الا تضحية في سبيل الشعب.يسهرون على مصالحه ليل نهار , وبالتالي يفترضون ان الشعب سيقف في وجه كل من يطالب بتغييرهم او تغيير طريقة حكمهم .وتمكنت الانظمة من فرض هيمنتها على احزاب الجماهير بالحل و- او الملاحقة و- او الهيمنة و- الاختراق وصنعت حول نفسها ركودا آسنا كريها فما انتبهوا الا والانتفاضات تحيق بهم من تحتهم ومن فوقهم ومن كل مكان فتزلزلوا زلزالا عظيما.
اما نتائج هذا الانتفاض فيخطط لها في اماكن مختلفة ومتناقضة وربما متصارعة . وكل يحاول الاستفادة من النتائج المرتقبة لصالحه ,وخاصة في ظل غياب قيادات ثورية متمرسة,قيادات ملمة بحركة التراكيب الاقتصادية الاجتماعية, ودور العامل الاقتصادي والثروة,وبالصراعات الاجتماعية محركة الثورات والحروب, قيادات تستطيع التمييز الدقيق بين معسكر الاعداء والأصدقاء والى أي حد تستمر التحالفات قبل ان تفترق , سواء على المستوى الداخلي او الخارجي. قيادة تمتلك رؤيا واضحة لحركة التاريخ ودور الثورات في صناعة المستقبل, ونوعية البنية الاقتصادية الاجتماعية المستهدفة من العملية الثورية وبما يحقق الحد الأدنى من الشعارات التي رفعتها حركة الشارع.
ان الحد الادنى الذي رفعته حركة الشارع في ليبيا هو "اسقاط النظام" وترجمته المتداولة هي رحيل القذافي واولاده واعوانه, وهذا الحد الادنى مقبول عند الاغلبية الساحقة من الجمهور الذين خرجوا الى الشوارع والساحات وعند اغلبية المعبرين عن رايهم من تيارات وفعاليات ليبية , ولكن ليبيا تفتقر الى نظام المأسسة المعبر عنه بالدستور ومجموعة القوانين والانظمة التي تعبر عن تداول السلطة , كما هو حال النظام الديمقراطي , مما يستتبع ضرورة التاسيس لشكل نظام الحكم ما بعد القذافي ومضمونه.
وعلى ما يبدو فان القوى المتفاعلة حول" ماذا بعد القذافي" . وبقدر ماهي مستقلة عن تاثير شباب التغيير ,تسعى لتاسيس حالة على مقاس ليبيا وضمن النادي الغربي, والنظام التقليدي العربي بثوب جديد تحتفل به الجماهير المنتفضة
لقد وضع القذافي ليبيا على حافة معينة اقتضت التغيير في ليبيا وكانت تقتضيه من زمان ,ولكنه بعقليته المتخلفة وبسبب من حمام الدم الذي استثار غضب الراي العام الشعبي والرسمي ساعد في خلق اتجاء لتسهيل مهمة طالبي معونة الغرب الاستعماري تحت عنوان الدفاع عن المدنيين, وبطلب من ليبيين وجامعة الدول العربية, التي سرعان ما تساوقت مع الرغبة الاجنبية في التدخل ,واستغلال الحالة.
فاذا كانت ليبيا كما غيرها على حافة الثورة, فهناك طرفين منفصلين كانا مستعدين للعمل:_
الاول: الشباب.فقد استفادوا من وسيلة التواصل الاجتماعي الجديدة, والتي اصبحت اداة حقيقية للتواصل الجماهيري و يمكن الاعتماد عليها كاسلاك توصل مركزا معينا بالجماهير وتمكن هذا المركز من التواصل من وراء ظهر النظام , مع حالة شعبية واسعة وعريضة, يتمثل اغلبها بجيل الشباب. جيل الشباب الذي ابدى استعداده لخوض المعركة , فحضر نفسه لها وحشد حوله جماهير غفيرة من الراغبين في التغيير و حول شعارات الحد الادنى كما ذكرنا سابقا.
جيل الشباب الذي رغب في الانعتاق وعلى طريقته الخاصة. فهو لم يتلق التحريض والتعبئة من قوى ثورية كفاحية مناضلة في الميدان ,فقد كان الميدان خاليا تقريبا من قوى كهذه حيث غادرت الشارع العربي منذ عقود, كقوى تغييرية رافضة , وظلت بواقيها المدجنة كما ذكرنا سابقا.
قوى التغيير التي كانت ترفع الشعارات ضد الامبريالية والرجعية العربية والصهيونية وترفع شعارات الاشتراكية, والوحدة العربية, وتجابه بهذه المعاني, وتتحمل التضحيات ,قوى كهذه غابت عن الساحة العربية وتم تدجين فلولها كما ذكرنا سابقا.
كما ان هذا الجيل لا يحمل في ذكرياته شيء يذكر عن بواقي قيم الحياة الفلاحية المحافظة , التي تم توارثها لقرون ,ثم ظلت قوية في حياتنا حتى بعد ان زال الاقطاع وزالت معظم مخلفاته وزالت نظمه .فنمط الحياة الفلاحية كان يسهل التواصل الاجتماعي ويحفظ اشكال عديدة من العلاقات الانسانية, والاجتماعية ,التي استفادت منها الاحزاب في التواصل مع جماهير غفيرة في مجتمع القرية وفي مجتمع المدينة الغاص بالقرويين. لقد تعمقت الفردية وزاد حجم التواصل الانساني من خلال الآلة بل ويكاد ان يصل الى مستوى اساسي للتواصل الاجتماعي في بلادنا كما في الغرب.وقد تمكن فريق من الشباب العربي من الانتباه الى امكانية استثماره كاسلاك موصلة لاوسع قطاعات الشباب, وتعبئتهم وحشدهم كما هو الحال في تونس ثم مصر والعديد من الدول العربية.
واذا كانت الاحزاب والمنتديات التقليدية قد تراجعت الى الوراء وتراجع معها بالتالي دورها الهام جدا في التعبئة والتثقيف والتحريض والتهييج, فان الفضائيات وهي وسيلة تواصل كذالك , قد لعبت دورا ملموسا في تعريف جمهرة الشباب كما غيرهم ,على انماط الحكم الموجود في العالم, وعلى وضع العرب ضمن اللوحة العامة التي رسمتها وسائل الاعلام . وان وسائل الاعلام المتحررة من النظام العربي قد قدمت صور الحياة للمشاهد العربي على غير ما تقدمه وسائل الاعلام الرسمية .وشيئا فشيئا تناقض المشاهد العربي مع "محلياته "فتعرف اكثر فاكثر على حقيقة واقعه المر واشمأز مما فيه من مرارة وتحول الى الرفض ورفع راية التغيير.ومعه قطاعات واسعة من الشعب الراغبة في التحرر والتي اعجبت بجرأة الشباب وقبلت السير ورائهم ومعهم
ان الخوض في غمار التغيير يحتاج الى سلاح المعرفة والبصيرة بالواقع المراد تغييره وبالمستقبل, المستقبل بمعظم عناصره الرئيسية وبما يكفي لمعرفة اين المسير. والا تقع الحركة في العفوية والتجريبية التي قد تكلف الجماهير اثمانا باهضة. ان الضبابية تفتح الباب على مصراعيه لفعل قوى اخرى ترغب في التدخل للسيطرة على مسار الثورة و- او توجيهها .
ثانيا:القوى المتضررة من التغيير وهي القوى المحافظة محليا والمستفيدة من النظام وكل من تستطيع حشده معها. والقوى التي تخشى من الثورة وتحولها الى المطالب الجذرية . والاخطر الخشية من تحولها الى ثورة مستمرة تتلمس الصيرورة التاريخية وتدرك سبب المأساة الوطنية والاجتماعية وتتحول الى ثورة يسارية ترفع شعارات التحرر السياسي والاجتماعي وتعيد الاعتبار لشعارات العروبة وتحرر الامة العربية ورغبتها في الوحدة .ولليبيا اهمية بالغة بثرواتها اذا التقت مع العمق المصري والدور التحرري الذي من الممكن ان تلعبه مصر. هنا تتظافر جهود الانظمة الرجعية العربية مع النظام الامبريالي . بل ان النظام الرجعي العربي ودفاعا عن وجوده , مستعد لارتكاب اية فاحشة كما فعل ضد النظام العراقي باستدعاء الاجانب.
ان قوى الامبريالية العالمية وهي مستمرة في سعيها لصياغة العالم الجديد ,ترى من مصلحتها سقف الثورة الليبية بتغيير القذافي .وهي ترى الاصطفاف القيادي الجديد الذي تشكل من أعوان القذافي وآخرين, استهلوا فترة عملهم بمناشدة العالم للتدخل لحمايتهم وحماية الجماهير من قمع القذافي للثورة, مما سهل على قوى الغرب الاستعماري مهمته, فاسرع في التدخل ليكون بالتالي ضابط الايقاع والموجه للمسيرة الثورية التي انطلقت صافية من البداية.
ان القذافي قد جلب لليبيا الوبال , وهو قد بدأ باطلاق شرارة الحرب الاهلية ضد الجماهير المنتفضة بشكل سلمي.ان الانظمة الرجعية عادة هي التي تطلق شرارة الحرب الاهلية معتقدة انها تملك كل التفوق وانها ستظل متماسكة. وهو بهذا قد ادخل ليبيا في حالة من سفك الدماء على ايدي قواته كما على ايدي قوات التدخل الغاشمة التي لن ترحم ليبيا ولا شعب ليبيا, مما يعقد الامر على قوى الثورة والتغيير وخاصة تلك القوى المعادية للتغلغل الاستعماري في ليبيا والوطن العربي عموما.
بقلم : محمود فنون
عضو مجلس وطني فلسطيني
التاريخ : 28/3/2011
#محمود_فنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟