|
الأحزاب الكوردية في سورية وضرورة التغيير1
مسعود عكو
الحوار المتمدن-العدد: 1032 - 2004 / 11 / 29 - 07:33
المحور:
القضية الكردية
مما لا شك فيه إن العالم برمته دخل مرحلة جديدة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي الذي كان يتزعمه الإتحاد السوفيتي السابق وإثر انهياره في تسعينات القرن المنصرم وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى تتحكم بالعالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه هذه المرحلة التي أعادت ترتيب البيت العالمي الجديد ووزع أوراقه كبداية للعبة جديدة تفرز نوعاً أخر من التحالفات والإتحادات التي تختلف كلياً عن سابقاتها قبل نقطة انعطاف العالم فترى العلمانية تصادق الأصولية والسلام يحاور الإرهاب.
من خلال تلك التغيرات التي مرت كسيل جرفت معها كل ترسبات الحقب الماضية لا زال الأكراد في سورية وتحديداً المنطلي تحت تسمية أحزاب سياسية متخلفين عن ركب هذا التغيير الجذري لكل إيديولوجيات العالم الجديد ولا يمكنها تجاوز تلك المرحلة التي ولدت وترعرعت فيها فلازالت تحارب التطور الفكري والمنهجي وتتمسك بكل الأفكار التقليدية الكلاسيكية التي تركها كل سكان الأرض حتى تلك الأمم التي خلقت تلك الأفكار والإيديولوجيات فنراها تتمسك بماركسية الحركة والعمل السياسي على شاكلة الأحزاب الشيوعية في حين ترك الشيوعيون المؤسسون تلك الأفكار وتلك الرؤى ومازالت تتشبث بكل صغيرة وكبيرة من إرث من هجرها.
قد يأتي التغيير أحياناً ثانوياً في حياة البعض ولكن في الحالة الكوردية الحزبية بات التغيير ضرورة ملحة وحاجة ماسة إلى خلق نوع من العمل الجديد ما يلائم تطورات العصر وتغيراته المتتالية والآنية حيث بات التغيير في كل أرجاء الخليقة يحصر بالساعات بل أحياناً تكون الثواني أبطأ من قياس سرعة التغيير والذي كان في يوم من الأيام يحتاج إلى سنين عديدة لتقوم بإجراء تغيير بسيط على حالة معينة من الحياة البشرية.
الأحزاب الكوردية في سورية هي وليدة مرحلة زمنية قديمة كان فيها الصراع محتدماً بين تيارين مختلفين تماماً وكلياً ولكن انهار أحد القطبين الرئيسيين وصار العالم يشهد نوعاً واحداً من الصراع ألا وهو صراع الوجود فإما أن تكون أو لا فلا توسط بين هذين الأمرين أي لا حل ثالث للمسألة ولكي تحافظ هذه الأحزاب على استمراريتها عليها إجراء تغيير جذري ونوعي في كل مقوماتها وتنتهج سياسة جديدة مختلفة كلياً عن خطها التقليدي المرسوم حالياً وتبدأ بتغيير راديكالي أساسي وجوهري وإعادة النظر في أنظمتها الداخلية التي تعفنت من رطوبة الفكر المتخلف والتفكير الضيق الذي لا يتجاوز أرنبة أنف مفكرها.
تغيير المناهج الفكرية والثقافات التي استمدت من واقع مختلف عن الواقع الذي نعيش فيه يساعدنا على القضاء على نظم التأخر ومخلفاتها وقوانينها وإيديولوجياتها وفي بناء المجتمع الجديد الخالي من استثمار الإنسان للإنسان ونبدأ بخط الخطوط الأولية للسياسة الكوردية الجديدة التي تخدم أولاً وأخيراً المصلحة القومية الكوردية والتي هي كما أظن غاية كل تلك الأحزاب إن لم يكن هناك شيء أخر في بال البعض منها.
إذاً من أين البداية وأين نضع الخطوة الأولى في هذا التغيير الذي سيعم كل مكونات الحزب ابتداءً من نظامه الداخلي ومروراً بقيادته وانتهاء بقواعده والثقافة المتجذرة في عقول تلك القواعد والتي خلقتها قيادات تلك الأحزاب في نظمها الحيوية فلا تعجز عن معرفة الفرد المعين بأنه ينتمي إلى ذلك الحزب حيث لا يتطلب منك سوى جهد قليل ونوعاً من النقاش الذي غالباً يكون عقيماً بدون جدوى وبدون فائدة إذاً عملية التغيير تشمل الفكر الكوردي والثقافة الكوردية الحزبية التي أنشأت بسبب تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة كلياً عن الواقع الذي تعيش فيه هذه الكوادر في زمنها الحالي والماء الذي لا يتغير بطبيعة الحال يصاب بالعفن.
مرت مئات ألوف السنين كان الإنسان فيها يعيش حياة بدائية جداً ولم يكن يوجد متسع من الوقت زيادة عما تتطلبه أمور تأمين غذائه إلا أنه أخذ بعد ذلك – بالطبع - يفكر ويتساءل عما يحيط به وأخذ على عاتقه مسألة هامة جداً بالنسبة لحياته ألا وهو التغيير التكويني لذاته فأخذ يرتدي اللباس بدلاً من كونه كان عارياً وصار يطبخ الأكل بدلاً من أكله نيئاً ... الخ من تلك التغيرات الجذرية فالتغيير هي ثقافة إنسانية قديمة قدم وجود الإنسان كأذكى مخلوقات الطبيعة وعليه انتهاج سياسة التغيير في حياته لكي يستطيع الاستمرار في التطور الذي نشهد نوعاً من ذلك التطور في زمننا هذا والتغيير صار مودة في هذا العصر المتقلب الأجواء فأين هي الأحزاب الكوردية في سورية من هذا التطور الذي نراها تبتعد يوماً بيوم عن كل ما يمت إليه بصلة بل وتطالب غيرها بتغيير مناهجها الفكرية وهي التي تحتفظ بأفكارها المتخلفة عن ركب هذا التطور العالمي السريع. في الآونة الأخيرة يتلمس المتابع لواقع الأحزاب الكوردية في سورية نموذجين قرارا التغيير في كل حيثيات أحزابهم وكافة منطلقاته وحتى ابتداع شيء يشهد له بجدية التغيير وهو التغيير الكامل بما فيه اسم الحزب وقيادته والنموذجين هما حزب الاتحاد الشعبي الكوردي في سورية وحزب الاتحاد الديمقراطي ولنبدأ بالنموذج الأول وهو الاتحاد الشعبي الذي قدم قبل فترة ليست ببعيدة ورقة عمل جديدة بعنوان " نحو مراجعة نقدية لحزب الاتحاد الشعبي الكوردي في سورية " هذه الورقة التي قدمت من قبل الحزب كخطوة بداية لإدخال آليات التغيير في هيكل الأحزاب الكوردية في سورية ولم تضع الفيتو على أي نقطة من نقاط ارتكاز الحزب الذي ولد منذ عشرات السنين بهذه التسمية. إنها محاولة جادة للوقوف على ملامح المستقبل السياسي من خلال مراجعة نقدية شاملة – من وجهة نظر الحزب – لمجمل الآليات والسلوكيات المتبعة، ودعوتهم الشرائح والفئات الغيورة الداعية إلى تصحيح ركائز ومقومات الفعل النضالي، المشاركة في توجيههم نحو تبني ما يخدم مستقبل القضية الكوردية في سورية إن هذه المحاولة لنوع من الاعتراف الضمني من قبل الحزب وأن التغيير صار ضرورة ملحة بل واجبة على الحزب لكي يستمر كمؤسسة سياسية كوردية هدفها خدمة القضية الكوردية وتصحيح مسار الحركة الحزبية الكوردية الذي انحرف كثيراً عن الصراط السياسي الكوردي الحقيقي فهذه البادرة هي خطوة ضرورية للتحاور الكوردي في سبيل بلورة القضايا الكوردية من وجهة نظر الحزب. إن مجرد الاعتراف بوجود شرخ بين القيادة الحزبية وقاعدته الشعبية لنوع من الاعتراف أن سياسية الحزب كانت بعيدة عن جماهيره تلك الجماهير التي لم تبخل في لحظة من لحظات العمل في صفوف الحزب بكل ما كانت تملك فحان الوقت لردم تلك الحفرة بين من يقود الحزب ومن يسير وراءه من جماهير منقادة له. وضرورة إحداث تغيرات في البنية التنظيمية للحزب هذا التغيير الذي يحتاج بالضرورة إلى فكر نقدي، ووسائل عملية، والتي ما تزال خاضعة إلى جملة من المكونات والعراقيل في البنى التنظيمية، والتي تتحدد في ما يسمى بالدستور وقوانين الضبط، والذي يتجسد في حالة الأطر بالنظام الداخلي حيث تكون المهمة الأساسية، أو المدخل الصحيح- كما تصف ورقة العمل - نحو البناء يكمن في هدم الحلقة القوية والضعيفة في آن معاً في النظام الداخلي، والتي تتجسد في مفهوم المركزية الديمقراطية في البناء الحزبي . تلك الحلقة القوية في تسلط القيادة على كل الحزب واحتكارها لكل الحزب، والضعيفة في تواصل الحزب مع الشارع والسياسة معاً. كون أن الفكرة تجسد مبدأ التبعية وولاية الفقيه، لا المساهمة والإحساس بمسؤولية بناء الموقف ونشره وتعميمه وعدم وجود فيتو بيد أي شخص ما مهما كانت صفته الحزبية وإبداع فكر جديد هو أن للقائد والقيادة ضابط زمني وهم يتعرضون للخطأ والصواب ولا معصوم عن الخطأ وفتح المجال أمام الكفاءات وأصحابي الخبرة والانفتاح على الأخر والتخلي عن المكتسبات الحزبية والتنظيمية الوهمية والتخلص من شخصنة الحزب وتأليه القائد من خلال الولاء للقائد الأبدي الذي لا بديل له إضافة إلى عوامل أخرى التي هي سبب مجمل السلبيات في الحزب من وجهة نظر الورقة النقدية المقدمة من الحزب. إن هذه الخطوة الجادة من حزب الاتحاد الشعبي إذا ما استثمرت بشكل علمي ودقيق ستؤدي بالنتيجة إلى خلق تنظيم جديد بكل معنى الكلمة من خلال الأفكار الجديدة التي طرحها الحزب في سبيل تصحيح مسارها الذي انحرفت عنه مثلها كمثل كل الأحزاب الكوردية في سورية ومساعدة الحزب في اجتياز هذا الامتحان الحقيقي من خلال ترك كل ما يمت إلى التخلف بصلة وابتداع ما هو جديد يليق بالمرحلة الراهنة لمواكبة التمدن والعصر الجديد حيث لازالت الأحزاب الكوردية تتخبط في أوحال تخلفها التقليدي والذي صار جزء من حياة الحزب اليومية من خلال تأليه القائد وعدم المساس بكرسيه وممنوع تسميته إلا بسبق اسمه بكلمات الإطراء والتبجيل التي صارت عبادة للكثير من الحزبيين وخصوصاً أولئك المقربين من القيادة حيث نقد القياديين عندهم كبيرة من الكبائر التي يحاسبك الحزب بكل أعضائه عليها دون أن يتفكروا قليلاً بأن قد يكون ذلك النقد صحيحاً ويكون في محله وليس هو انتقاص لشخصية الأمين العام أو أحد القياديين فلماذا توجد خطوط حمراء لهؤلاء الحزبيين وهم ليسوا إلا بشر يخطئون ويصيبون بل قد تكون أخطاء الكثير منهم أكثر بكثير من ما يقومون به من الصواب وتمجيد زعيم الحزب هذه المودة القديمة والبالية يجب تركها لأن عفونتها النتنة هي التي أبعدت الكثير من الناس عن الانخراط في صفوف الحزب وخاصة من الفئة الشبابية التي تسعى لأن تجد ذاتها في الحزب وترى مكاناً لها تستطيع من خلال موقعها العمل بكل طاقتها التي تفوق بحكم الطبيعة طاقة الزعيم العجوز والذي صار بحكم الطبيعة الإلهية شخصاً لا يستطيع الحراك بالقوة المطلوبة كما يستطيع الشباب القيام بها ولأن الأحزاب الكوردية حالياً تفتقر إلى العنصر الشاب فهي أحزاب عجائز وحان الوقت لكل الفرسان أن يترجلوا متمنين لهم من كل قلوبنا الشكر والامتنان لما قدموا للحركة الكوردية من خدمات وتضحيات.
#مسعود_عكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لا نرجمك أنت يا حسن الطائي؟
-
الظلم القانوني للمرأة في الدول العربية
-
طابا تواجد إسرائيلي أم كوردي
-
أطماع تركية في كركوك الكوردستانية
-
همسة عتاب إلى: -الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سورية-
-
إلى متى ... الإحصاء الاستثنائي؟
-
-حيك بابا حيك- إلى جهاد نصرة ونبيل فياض
-
حجب المواقع حجب للحرية
-
-الوحل- لــ دليار ديركي -رؤية شعرية دونكيشوتية للهم الوطني-
...
-
-الوحل- لــ دليار ديركي -رؤية شعرية دونكيشوتية للهم الوطني-
...
-
- الوحل لدليار ديركي - رؤية شعرية دونكيشوتية للهم الوطني 1 م
...
-
فتاوى دينية أم فتاوى سياسية
-
رهائن العراق بين الإيمان والنفاق
-
القضية الكوردية بين مصطلح اللغة والمواقف السياسية
-
من قال أن الرجال لا يبكون ؟؟!!
-
كفاكم زيفاً للحقائق إلى منذر الموصلي
-
للحب رائحة الخبز رؤية مغايرة للحب
-
الكورد بين الوطنية السورية والقومية الكوردستانية
-
القضية الكوردية بين مطرقة الحكومة وسندان المعارضة
-
ممنوع المغادرة
المزيد.....
-
الحرب بيومها الـ413: قتلى وجرحى في غزة وتل أبيب تبحث خطةً لت
...
-
الجامعة العربية ترحب بمذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت
-
اعتقال حارس أمن السفارة الأميركية بالنرويج بتهمة التجسس
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دمر تماما
-
عاصفة انتقادات إسرائيلية أمريكية للجنائية الدولية بعد مذكرتي
...
-
غوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
سلامي: قرار المحكمة الجنائية اعتبار قادة الاحتلال مجرمي حرب
...
-
أزمة المياه تعمق معاناة النازحين بمدينة خان يونس
-
جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|