نبراس دلول
الحوار المتمدن-العدد: 3467 - 2011 / 8 / 25 - 14:35
المحور:
الصحافة والاعلام
من المحزن للمرء أن يشاهد ويسمع الاعلام العربي هذه الايام. اقول هذه الايام ليس تبرئةً لماضي هذا الاعلام, بل كاشارة لوصول لحظة الامتحان لهذا الاعلام الذي لطالما وصفناه بأقسى العبارات , وها هو اليوم يؤكد لنا صحة ماقلناه وقاله الكثيرون في الماضي.
ان لحظة الربيع العربي هي محك امتحان للاعلام العربي وللمجتمعات العربية بهيكليتها وبنيتها, ولا نسخر عندما نقول بأن المكان المناسب لهذا الاعلام هو برنامج ( لحظة الحقيقة). صحيح أن لا اعلام محايد مئة بالمئة في كل العالم, ولكن مصيبة مصيبة الاعلام العربي انه لاحياديته لطالما ساهمت بالقتل وسفك الدماء وتعذيب الناس, فهو قائم على فكرة اظهار الحق باطل والباطل حق.
منذ فترة ظهرت علينا قناة العربية بخطاب وصفته (بالتاريخي) للملك عبدالله بن عبد العزيز وجهه الى سوريا (حكومةً وشعباً) , المصيبة الاولى فيما بثته وروجت له قناة العربية وباقي الصحف السعودية هو أنه صادر عن شخص قيَم على نظام ملكي استبدادي ديني هو الاشد دكتاتورية والاكثر استلاباً للانسان في العصر الحديث. وأنا كمعارض سوري لا يمكنني أن اتجاهل ذلك وأنا اتابع التهليل للخطاب ولصاحب الخطاب عبر هذه القناة (العربية). ان التاريخية التي وصفت بها كلمة ابو متعب من قبل جوقة الاعلام السعودي من تلفزة وصحف , لا ادري من اين اتت, فالشعب السوري لم يكن بحاجة لكلمة ابو متعب كييتظاهر ضد النظام , لانه بطبيعة الحال كان قد سفك الدماء طيلة خمسة اشهر لم يحتاج خلالها لتلك الخطب (التاريخية) التي بات من المعروف هدفها , فهي محاولة ( قد تكون نجحت) لتحويل الصراع في سوريا من صراع شعب وسلطة الى صراع مذهبي –طائفي يظهر من خلاله الملك عبد الله ونظامه السعودي كحماة لاهل المسلمين السنة, ولكن خسئوا.
المصيبة الثانية , هي ان تصدر كلمة (التاريخي) عن قناة لطالما جلبت الصداع لرؤوسنا بغمزاتها ولمزاتها لوسائل الاعلام الرسمية في الدول العربية. لم يعلم القائمون على قناة العربية وعلى الصحف اللندنية السعودية بأن وصفهم خطاب الملك عبد الله بالتاريخي قد قربهم اكثر فأكثر من وزارات الاعلام البعثية في سوريا والعراق , او الناصرية في مصر.
بعد الخطاب, وعلى مدى أكثر من اسبوع, قامت قناة العربية بتخصيص برامجها ونشراتها الاخبارية وموقعها الالكتروني ,للتطبيل والتزمير له بحيث أصبح هو الحدث , بينما تراجعت الدماء السورية الى الوراء لانها ببساطة , وبحسب اعتقاد القائمين على العربية وغيرها, دماء رخيصة في مزاودات السياسة.
ليست قناة العربية وحدها في هذه المشكلة, بل هي مشكلة جميع وسائل الاعلام التي تملك وتدار من قبل دول وأنظمة لاتؤمن هي ذاتها بالديمقراطية وبالتالي فلا تمارسها. فالى جانب قناة العربية , هناك قناة الجزيرة التي تدين في نشراتها الاخبارية التعتيم الذي يمارسه النظام السوري على المظاهرات , وهنا ايضاً لايمكنني الا ان اسأل السيد وضاح خنفر عن عدم ادانة قناته للتعتيم الاعلامي الذي مارسه النظام القطري مرتين, الاولى منهما عندما زار امير قطر اسرائيل ولقاءه هناك بتسيبي ليفني ( اكثر من عشرة مقاطع فيديو على اليوتيوب توثق الزيارة), والثانية ,عندما قام النظام القطري بطرد احدى القبائل الى داخل الاراضي السعودية بطريقةٍ أين منها تهجير الفلسطينيين من اراضيهم.
ان ماذكرته اعلاه ليس سوى نقطة في بحر القضية الكبرى وهي (انتفاضة البحرين), وهي القضية التي ,الى جانب القضية السورية, تكشف بوضوح زيف هذا الاعلام ونفاق الدول التي ترعاه.
فقناة العربية التي جيشت الجيوش العظام من رجال دين وصحفيين ومراقبين للحديث عن الخطاب (التاريخي) لآبومتعب وأهميته في الدفع نحو وقف سفك الدماء في سوريا والى وقوفه الى جانب المتظاهرين,هي نفسها من واكبت وهللت لدخول الجيش السعودي الى البحرين ليسفك دماء البحرينيين الابرياء الذين , وكما السوريون, لم يفعلوا شيئاً سوى المطالبة بالحرية.
على موقع العربية نستطيع ان نجد عشرات خطابات الشكر الموجهة للملك على دعمه للديمقراطية ولحق الشعب السوري بالحرية والكرامة . نعم , الملك عبدالله أرسل للمتظاهرين في سوريا دعمه (المتأخر) , بينما ارسل لاشقائهم البحرينيين الدبابات ومئاتٍ من الجنود الذين عبئوا نفسياً وعقلياً لخوض معركة ضد ما اسمته الميديا السعودية بأعداء الدين وأعداء العرب.
ايضاً, ومن المحراب البحريني نفسه نستطيع الحديث عن وقاحة قناة المنار اللبنانية, التي كادت ان تلغي كافة برامجها في سبيل تغطية ودعم انتفاضة اهل البحرين, بينما اليوم نجدها لاتكترث بالدماء السورية الا اذا كانت عائدة لقوى الامن والجيش , في محاولة للبرهنة على ما يدعيه النظام السوري من ان مؤامرةً تستهدف دوره المقاوم?
منذ اسبوعين نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً اخبارياً يتناول سخط النظام البحؤيني على نظيره القطري على خلفية بث قناة الجزيرة-الانكليزية لوثائقي يتناول انتفاضة أهل البحرين ,بطريقةٍ يبدو أنها لم تعجب النظام البحريني,وقد سألت الصحيفة, ونسأل نحن معها ايضاً: لماذا لم يتم بث هكذا وثائقي على الجزيرة الناطقة بالعربية ؟.
نعم, لماذا لم يتم بث هكذا وثائقي على قناة الجزيرة العربية كونها موجهة للعرب وتغطي مايهمهم من أحداث, في حين أن الجزيرة الانكليزية موجهة أساساً الى غير العرب وتحديداً الغرب؟.
الصحيفة البريطانية لم تجب عن السؤال الذي سألته , ولكن نحن بامكاننا أن نجيبها ونقول: ان النظام القطري لم يسمح ببث ذلك الوثائقي على الجزيرة العربية لآنه ببساطة مع سفك دماء أهل البحرين الابرياء, وهو مقتنع بأن أهل البحرين لايستحقون الحرية ,فهم برأيه عملاء لايران . ففي حال سمح ببث ذلك الوثائقي لكان أخذ عليه ذلك كموقف سياسي, كون قناة الجزيرة هي اساساً تقوم بمهمة الناطق الاعلامي باسم النظام القطري, أي أن موقعها تماماً مثل جاي كارني في البيت الآبيض.
يبقى أن نوجه لومنا الى السوريين الذين رحبوا بخطاب الملك عبدالله وبدور قطر وشقيقاتها , وهو لوم نابع من كوننا نريد لانتفاضة الشعب السوري أن لاتكون مطيةً لآحد وخصوصاً اولئك الذين لايختلفون عن النظام السوري في شئ, لابل أنه في بعض الاحيان يبدو النظام السوري واحةً للديمقراطية بالنسبة لتلك الدول, التي من (مأثرها) منع المرأة من قيادة السيارة وسحق الاقليات الدينية ومنع الاحزاب والتجمعات .
على المعارضة السورية التي رحبت بخطاب ابو متعب وبمواقف شركائه في قطر ولبنان والبحرين والاردن , ان تعلم بأن حلفاءنا كشعب سوري يطمح للحرية والديمقراطية ,هم الشعب السعودي والبحريني والقطري واللبناني والاردني , هؤلاء هم حلفاءنا كمجتمعات مدنية راغبة مثلنا في الحياة الكريمة. ان الانظمة التي تمارس التنكيل بحق شعوبها وتستخدمهم كما تستخدمنا في مزادات الدم والسلطة يستحيل أن تكون حليفتنا.
ان من يؤيد خطاب الملك عبدالله ,هو ببساطة شديدة, شريك ويداه ملوثتان بدماء أهل البحرين الطاهرة والتي سفكتها دبابات النظام السعودي ذات نهارات وليالٍ من شهر أذار الفائت .
أخيراً, لابد لي أن أشير الى أنني لم أتناول تغطية قناتي العالم والبي بي سي كونهما غير عربيتين , الا انه لاضير في القول سريعاً , ان قناة العالم الايرانية ينطبق عليها ماقلناه عن المنار , فهي قناة منافقة وشريكة بدماء السوريين, فهذه القناة مازالت الى اليوم تسترخص ان يطالب الشعب السوري بحريته, بينما أقامت الدنيا ولم تقعدها على اضطهاد البحرانيين او (اتباع أهل البيت) بحسب تعبيرها.
وبالنسبة للبي بي سي, فهي ومنذ ثورة تونس, أشرف وأنقى وأطهر من أن نقارنها بالجزيرة او العربية او المنار او غير ذلك.
[email protected]
#نبراس_دلول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟