|
قراءة للنص المرجعي- للإسلامية المعرفة -
بن جبار محمد
الحوار المتمدن-العدد: 3467 - 2011 / 8 / 25 - 09:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يمكن ربط ظهور خطاب "إسلامية المعرفة" في فترة نهاية السبعينيات و بداية الثمانـينيات من تـاريخ الفكر العربي الإسلامي من القرن العشرين بظهور ما يسمى بالصحوة الإسلامية ..خطـاب إسلامية المعـرفة جاء بمضمون و هوية إسلامية لا غبار عليها و بإستراتيجية عقائدية ومرجعية دينية و سند اقتصادي و إعلامي و مالي و سياسي و مؤسساتي . مشـروع إسـلامية المعرفة تطرح إشكالية بناء و تأسـيس معرفة بناءا على الانتمـاء الديني أي على اعتبارات دينية. كتاب الوجـيز وهو الوثيـقة المرجعـية لمؤسسة المـعهد العالمي للفكر الإسلامي يقول أن إسلامية المعـرفة هو:( ثمرة من ثمار الصحوة الإسـلامية المعاصرة , كان الحديث عنها , و تناولها , و محاولة إعطائها المكان اللائق بها في مجال المعرفة وحقول العلوم الاجتماعية و الإنسانية يواجه بالعديد من العقبات في فترات سابقة من هذا القرن , حين كانت رموز الغزو الفكري و الثقافي تحاول الإبقاء على المواقع التي احتلتها في عقول و قلوب أبناء الأمة في فترة الغياب الفكري و الثقافي و الحضاري الإسلامي .) ما نستشفه من هذا الكلام أن هناك مشروع نظرية للمعرفة الإسلامية كبديل للمعرفة المكتسبة عن طريق الغزو الثقافي هذا البديل يستجيب لمتطلبات الحضارة و المجتمع و الإنسان و وحل كل الإشكالات الثقافية و المعرفية التي تؤرق المسلم الحديث ..و مشروع" الإسلامية "يتبنى نفس الأطروحات و المقولات السابقة منذ زمن النهضة العربية "لماذا تأخرت الأمة الإسلامية؟ و لماذا فقدنا الريادة ؟ و لماذا تخلفنا عن الركب الحضاري ؟ لكن لم تقترب من مساءلة النص و الواقع مثلا, ولم تتكبد جهد إعادة طرح أسئلة جوهرية تتعلق بالمنظور التي ترى به الأمور حيث أنها تعتقد إعتقادا راسخا أن الأزمة فــكرية بالدرجة الأولى و سائر الأزمات و الإشكالات هي مجرد انعكاسات و آثار مختلفة لتلك الأزمة ناتج عن" الأهواء و الإنحرافات " مما يعني أن لها صبغة شعورية و نفسية و غريزية و نفسية بمعنى آخر أنه بمعبأ بمفاهيم قيمية و أخلاقية يوحي أنه –الخطاب التعبئة أيديولوجية و سياسوية و ما يعتمد في ذلك على قاعدة البساطة و الفطرة و الإيمان وهي نفسها آليات التأويل في "الأسلمة" و يعتقدون إعتقادا جازما أن التعقيدات و المتاهات و الجدل تأتي من الفلسفة و هي أصل الشرور في شركها و كفرها و تأويلها و مفاهيمهــا وفسادهــا و أن الإشكال هو فلسفي بالدرجة الأولى . النص المرجعي لإسلامية المعرفة يقول : (أن الخلط في الماضي بين علم الكلام و الجدل , و بين إطار الشخصية الإسلامية و العقلية و منهجية المعرفة و الأداء الحياتي للإنسان المسلم , أدى الى تشويهات للشخصية الإسلامية و المنهجية الفكرية و العلمية الإسلامية و الى تدمير قوة الدفع لدى الشخصية الإسلامية ).. نلاحظ أن هناك محاكمة للتاريخ و إتهام الفلسفة التي أتت بالجدل و التشويش و الغموض و التعقيد و مست الشخصية الإسلامية في الصميم و شوهت نقاوته و حطمت قيمه الإسلامية النبيلة .سوء الفهم و الصفات السيئة التي ذكرناها كانت هي السبب في فقدان الريادة الحضارية و تخلف المسلمين . فمن خلال ما تقدم نرى أن تراث كامل من الفلسفة أصبح مسفها و محرما و محقرا ومعاديا كما سفهه و حرمه الأوائل مثل الغزالي و إبن تيمية ..نفس الخطاب يتم استحضراه و تبنيه و بعثه من جديد . ركزت إسلامية المعرفة على العلوم الإنسانية بوصــفها آتية من الغرب و بوصفها أجنبية و بوصفتها ذات مرجعية مسيحية_ يهودية و بوصفها "الجميلة التي يمكن نكاحها أو وضعها ملك اليمين وحقيقة الأمر أن العلوم الإنسانية و الاجتماعية تعيش في العالم الإسلامي و العربي تخلف نظري و إبستمولوجي ومعرفي كبير إذا عقدنا مقارنا بسيطة مع نظيرتها الأوربية و الأميركية هذا من جهة و مع العلوم الدقيقة من جهة أخرى هذه الأخيرة لا يمكن أسلمتها رغم أن لهم طموح في أسلمة جميع العلوم و المعارف , كما أن العلوم الإنسانية تعاني التهميش و عدم الرغبة فيها من طرف السلطات الحاكمة في هذه البلدان المتخلفة. وبما أن الإسلام دينا و شريعة هذا وحده كاف لقيام علوم إنسانية إسلامية بمبادئ مختلفة تقوم على القرآن و السنة و السلف الصالح .يرى الدكتور زكي إسماعيل أن التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية يقتضي عرض قضايا و نظريات هذه الأصول على الشريعة الإسلامية باعتبارها المعيار التي تستمد منه هذه العلوم من خصوصيتها و منطلقاتها على أساس أن الشريعة وضعت المبادئ العامة للعلاقات (...) التأصيل الإسلامي للعلوم الإنسانية و الإجتماعية انما هو بذل جهد لخدمة إتجاه أخلاقي و هو نقيض ما يهدف اليه الإنسان الغربي.. نلاحظ كقراء أن قاعدة البساطة أرتكزت في إسلامية المعرفة على شكل التضاد أو قلب الشكل و ليس على شكل مبدأ أو كما قال أحد أساتذة الفلسفة "أن خطاب إسلامية المعرفة هو خطاب مناضل موجه الى عامة الجمهور..فالتبسيط هو الغرض الإستراتيجي منه . مؤلف كتاب "إصلاح الفكـر الإسلامي " و هو أحد منظريها يقول :( الفكر إسم لعملية تردد للقوى العاقلة في الإنسان , سواء كان قلبا أو روحا أو ذهنا بالنظر و التدبر لطلب المعاني المجهولة من الأمور المعلومة أو الوصول الى الأحكام أو النسب بين الأشياء .) نلاحظ أن في هذا التعريف لا يميز و لا يفرق و لا يحدد ما هو الفكر و القوى العاقلة و القلب و الروح . إذا كان الأمر كذلك لماذا ذكرها مادام يكن حذفها و الاستغناء عنها و إذا كانت مختلفة فهو مطالب بتحديدها و توضيحها و إذا كان يقصد الاستدلال و السير من مقدمات معلومة الى نتائج مجهولة فانه يتبنى الإستدلال الأرسطي و لكن بطريقة فجة . التعريف جاء في شكل أقرب الى منشور تحريضي أو سياسي أو حزبي يقدم الإجابة و دون إلزامه بالمنهج المتبع . نحن نعلم جيدا أن العلوم و المعارف تظهر بناءا على حاجات و ضرورات و ممارسات و بحوث و تجارب و نظريات تثبت قدرتها و ليس بقرار سياسي مثلما هو الحال في "أسلامية المعرفة" و إن كانت العلوم و المعارف حتى و أن أرتبطت بالسياسي و الإيديولوجي و الديني فلها تاريخيتها الخاصة , الذي يصدر بقرار في التاريخ هي العقائد و الإيديولوجيات و ليس المعارف .مناهضة الحركات الإسلامية للعلوم الإنسانية تحتاج الى كثير من الشرح والتفصيل و ذلك يعود الى الحساسية المفرطة تجاهها و الحرج الشديد من التاريخ و الأفكار و العلوم و محدودية إسلامية المعرفة و مثلها كمثل النظرية الثالثة و الإشتراكية العربية و اليسار الإسلامي...إسلامية المعرفة تنتمي الى الجانب الإرادي من الحركة الإسلامية و الخطاب إسلامية المعرفة مرتبط إرتباطا وثيقا بالحركات التي عرفنا مصيرها في الجزائر و أفغانستان و السودان و الآن في مصر. موقف إسلامية المعرفة من التراث و العلوم الإنسانية و الفلسفة مرده الى الخلفية المرجعية المستمدة من إبن تيمية و قد يكون أبرز مرجع لهذا الخطاب , و ليس صدفة أن طه جابر العلواني أكبر منظر لإسلامية المعرفة و هو مؤسس المعهد العالمي للفكر الإسلامي له مؤلف عنوانه : ابن تيمية و إسلامية المعرفة (1995) كما أننا نلاحظ تبني مصطلح تيمي بشكل واسع في أدبيات "أسلمة المعرفة " كما أن قراءتهم للتراث لا تخلو من انتقائية و فرز و التلاعب و التهميش و الإقصاء , فالتراث عندهم هو التراث السني عامة و السلفي خاصة . و يمكن في الختام أن نتكهن بأن أسلامية المعرفة لا تؤدي سوى الى نتائج عكسية و نقيضه عكس ما أعلنته و هو إصلاح الأمة و الريادة الحضارية كما أن أفكارها بصفة عامة تؤدي في الواقع العملي الى تخلف معرفي بل عدم الاستطاعة في التصور السليم للمشكلات .
النص المرجعي : الوجيز :كتاب المعهد العالمي للفكر الإسلامي –سلسلة اسلامية المعرفة –فرجينيا- الولايات المتحدة الأمريكية-1987
#بن_جبار_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في النموذج الأندلسي
-
النجاح : السير في دروب الفساد
-
الشعب مهتم , الشعب غير مهتم
-
لخبطة حقوقية
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|