|
البطالة في العراق ... صمت البركان
حافظ آل بشارة
الحوار المتمدن-العدد: 3466 - 2011 / 8 / 24 - 13:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اطلالة عيد الفطر المبارك بعد اختتام شهر رمضان بقدر ماتكون عنوانا للفرح والمتعة فهي ايضا مناسبة غير مرحب بها في اوساط المجتمع الخلفي الفقير البائس المنسي ، عيد الفطر وبقية الاعياد مناسبة لالقاء الضوء على مجاهيل مجتمع لا يعرف العيد ولا يعترف به ، انه مجتمع الفقر والبطالة والعزلة والاحباط ، هذا المجتمع الذي تزداد رقعة انتشاره في العراق مع تصاعد معدلات النمو السكاني العشوائي غير المنضبط ، وتراجع تدابير القطاعين العام والخاص في معالجة مشكلة البطالة المستشرية . صحيح ان البطالة ظاهرة عالمية ، ولكن مقارنة العراق بغيره من دول المنطقة تكشف عن نسب مرتفعة يتفرد بها ، ففي الاردن بلغت نسبة البطالة من الايدي العاملة القادرة على العمل الى 15% وفي إيران 14% وفي مصر 9.2% وفي الكويت 1.1% أما في العراق فالرقم اكبر والظاهرة اكثر خطورة ومع عدم توفر احصائيات موحدة فان اقل احصائية انجزتها مكاتب متخصصة تشير الى ان نسبة البطالة في العراق وصلت الى 30% فيما تشير احصائية أخرى الى 40% وثالثة 50% ويعود سبب الارتباك في هذه الاحصائيات الى عدم وجود تعداد سكاني ولا تقسيم دقيق للفئات العمرية ، البيانات المتوفرة اغلبها تقديرية الا ان الارقام الرسمية تشير الى ان عدد سكان العراق وصل في سنة 2010 الى ما يقارب 26 مليون نسمة ، والفئة العمرية التي تعد ضمن قوة العمل منحصرة بين سن 15 و 65 سنة وتشكل هذه الشريحة نسبة 2ر56% من سكان العراق بينما بلغت نسبة القوة العاملة فعلا 3ر27% وهذا يعني ان البطالة تصل الى نسبة 30% من السكان . وتعد مشكلة البطالة من المشاكل الموروثة من النظام السابق . تغيرت الحكومات والمشكلة باقية وتحاول الدراسات المتوفرة حاليا في اروقة الحكومة العراقية دراسة اسباب ارتفاع نسبة البطالة في العراق مقارنة مع دول المنطقة ، ويشير الخبراء الى جملة اسباب يعدونها مفاتيح ضرورية لمعالجة المشكلة في مقدمتها تراكم المشكلة كميا ونوعيا بسبب عجز النظام السابق عن ايجاد فرص عمل ، وقد ورثت الدولة بعد سقوط النظام السابق جيشا من العاطلين فعجزت عن ايجاد فرص عمل هي الأخرى في القطاع الحكومي بسبب ابتلاء هذا القطاع بالبطالة المقنعة والترهل وفقدان الدوائر حيويتها وقدرتها على التطور والنمو ، فيما خسرت الدولة دور القطاع الخاص في الاستثمار والانتاج وبالتالي القدرة على استقطاب الايدي العاملة ، ويعود مخطط تقزيم القطاع الخاص وتقييده الى سياسات النظام السابق الذي كان يريد ربط الحياة المدنية بكل مظاهرها الى السلطة ودوائرها الحكومية والحزبية وجعل سبل العيش بيد الدولة كجزء من اجراءات تطويق اي معارضة متوقعة ، وهو ينظر الى نمو القطاع الخاص في الزراعة والصناعة والتجارة كأحد مظاهر الديمقراطية في جانبها الاقتصادي والتي تشكل خطرا على استمرار النظام ، وفي اجواء التغيير في العراق لم تكن الظروف الامنية والسياسية مناسبة لاحداث نمو مناسب في القطاعات الاقتصادية المختلفة ، فشيوع الارهاب والفوضى السياسية وغموض الحراك الاقتصادي وفقدان الثقة بالمستقبل جعل حركة التطور الاقتصادي ضعيفة وعشوائية وقد ظهرت مؤشرات على ضعف النمو الاقتصادي الى حدود خطيرة ، في وقت بدأ سوق العمل يستقبل المزيد من الباحثين عن عمل بسبب النمو السكاني السنوي ، الاخطر في البطالة انها ترتفع في اوساط خريجي الجامعات ، الامر الذي يعني اصابة القطاع الاكثر حيوية واهمية من السكان بالشلل خاصة وان التعليم الجامعي في العراق يعد من انشطة الدولة وتنفق عليه اموالا من الموازنة العامة لذا فالخسارة فيه تعتبر مضاعفة وخطيرة .
التقاليد والثقافة الاقتصادية الخاطئة ولكن الظروف السياسية والامنية ليست وحدها المسؤولة عن تصاعد نسبة البطالة بل هناك حقائق اجتماعية تسهم في تعقيد المشكلة منها نظرة الناس باستهجان واحتقار الى بعض المهن انطلاقا من تقديرات تتعلق بنمط ثقافي تربوي معين في العراق الامر الذي يترك كثيرا من المهن شاغرة لا يقبلها احد وهي مجال جيد لامتصاص نسبة كبيرة من البطالة ، كما ان نمطا من مستوى الرفاه التأريخي قد جعل العراقيين غير متحمسين للقيام بمبادرات عمل مثمرة ، فالعراق ليس من الدول التي مرت ذات يوم بمجاعة خطيرة تخلق لدى سكانه عقدة الخوف من الموت جوعا ، بلد ثري بماءه وارضه يعيش فيه السكان مرفهين بأقل جهد ويشعرون بالاستقرار النفسي من الناحية الاقتصادية مما ادى الى اشاعة روح الكسل وعدم الابالية وفقدان روح الابتكار في مجال الاستثمار والانتاج وايجاد مهن جديدة ولم تعد قيمة العمل ملحة جدا في هذا المجتمع ، وقد عزز هذا الخلل سعي الحكومات المتعاقبة الى توظيف الشعب في القطاعين المدني والعسكري مما جعل الناس معتمدين في عيشهم على رواتب الدولة في مجتمع مجند عسكريا او مدنيا يستهلك حياته في حركة يومية روتينية خالية من الابتكار والابداع ، كما ان الانظمة السياسية المتعاقبة عززت انغلاق العراق على محيطه الاقليمي والعالمي فلم يطلع العراقيون على تجارب اقتصادية مبدعة من العالم ليتأثروا بها . هذه الامراض المتراكمة بدأت تعطي نتائجها الخطيرة الآن بعد ان اصبح العراق بلدا يعاني من الجفاف وتراجع الانتاج الزراعي ومواجهة شبح متوقع لازمة غذاء وازمة ماء مزدوجة ، واصبح كذلك يعاني من انفجار سكاني هائل بالقياس الى تعداده في الثمانينات من القرن الماضي .
الحل في التنمية الشاملة هذه المتغيرات تجعل من البطالة ليست ظاهرة عابرة قابلة للزوال بل ظاهرة دائمة وخطيرة وقابلة للتصعيد وصعبة العلاج الا عندما توضع استراتيجية وطنية لهذا الغرض ، الاستراتيجية المقصودة تتحقق عندما تتشكل حكومة موحدة الرؤية والهم والهدف وتعتمد عنصر التخطيط السليم والاستراتيجي في مواجهة المشاكل الكبرى للبلد ، ولن تحل المشكلة الا بوضع خطة التنمية الشاملة للعراق وخطة التنمية ليست عملا سهلا فهي تحتاج الى ارضية سياسية وامنية واجتماعية وحد ادنى من الوفاق بين القوى الوطنية ، كما تحتاج الى تضامن سياسي اجتماعي بمستوى عال لتحمل اعباء اعادة تعمير البنى التحتية المفقودة في جميع القطاعات والتي لاغنى عنها للتنمية الشاملة ، كما ان الحكومة مسؤولة عن تنظيم تنمية ثقافية لاقناع الناس بالاستغناء عن دعم الدولة وتنمية القطاع الخاص وتشجيع المشاريع الاقتصادية الفردية ودعمها وتوسيع دائرة التكافل الاجتماعي المنظم واحتضان الدولة للعاطلين بصرف رواتب اعانة بالحد الادنى مع تبني عملية تأهيل القوى العاطلة وتهيئتها للعمل في القطاع الخاص ، وقد تسفر خطة التنمية الشاملة عن مفاجأة عندما يكتشف العراقيون ان قواهم العاملة غير كافية وعليهم استيراد عمالة اضافية لتغطية الحاجة . اصبحت مكافحة البطالة مهمة ملحة لانها تنطوي على ظواهر ومخلفات خطيرة فالبطالة هي التي تفكك البنية الاجتماعية وتزرع الاحقاد داخل المجتمع وتشيع الحسد والعدوانية والتوتر النفسي والشعور بالاحباط ، ومع قلة عدد العاطلين في الدول الكبرى المتطورة ومع انفاق الدولة عليهم من اموال الضرائب الا ان اوساط العاطلين مهيئة دائما للتمرد الاخلاقي والسياسي ومزاولة الجريمة وتعاطي المخدرات والجرائم الاخلاقية والشذوذ وتهديد الامن الاجتماعي ، وفي ذلك ما يكفي مبررا للسير في طريق معالجة البطالة بسرعة .
#حافظ_آل_بشارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق واشكالية علاقاته الدولية
-
صهيل الحرب الدرامية
-
مذابح الردة والتركيع
-
آخر الاساطير ... سلطة السلطات ورئيس الرؤساء
-
الاسعار بين الحكومة والتجار
-
من يحمل مفاتيح السماء ؟
-
الترشيق انقاذ لابد من
-
الصوم في الربع الخالي
-
جمهورية الارامل والايتام
-
القطاع الزراعي الى اين ؟
-
الخريجون (مضروبين بوري)
-
اعدام السلطة القضائية
-
النخبة والشعب ... لكل معركته
-
اساطير الاعمار والتنمية
-
ارشيف الحرائق الذكية
-
اعادة تعريف الانسحاب الأمريكي
-
لكي يستعيد المواطن سلطته
-
ملاعين ... ينتظرون التقرير
-
كيفية ابتكار ازمة
-
حقائق خطيرة في الازمة الاخيرة
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|