جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3464 - 2011 / 8 / 22 - 13:14
المحور:
حقوق الانسان
لماذا لا نقول الحقيقة؟إلا إذا كنا مثل(مأمون).. أو لماذا حين نقول الحقيقة نقولها ونحن متأكدون بأن الناس ستعاملنا على أننا غير أصحاء عقليا مثل شخصية(بهلول) من العصر العباسي؟ حتى المدعوم من الدولة لا يستطيع أن يقول في بعض الأحيان الحقيقة التي يقولها مأمون والباقون يقولونها ونحن معترفون لهم بالجنون! وهذا هو الشرط الأساسي لأي انسان الذي يجب أن يتوافر فيه حين يريد قول الحقيقة.. كل قرية أو ضاحية سكنية في هذا العالم يوجد فيها شخص شخصيته مثل شخصية (مأمون) والبهلول,كل تلك الشخصيات تقول الحقيقة ولا تخاف منها لدرجة أن مأمون يستطيع أن يسمي بالإسم الصريح كل العاهرات دون أن يعترض عليه أحد, لذلك أغلب الناس تحترم شخصية مأمون لأنه يقول الذي يريدون قوله,وبالتالي تصبح هذه الشخصية ظاهرة اجتماعية بحاجة إلى تفسير, ولا يمكن أن نجد قرية أو مدينة إلا وفيها شخص مثل مأمون يفعل كل شيء دون أن يحاسبه أحد, حتى أن المهرجين الذين يظهرون لنا على شاشات التلفزيون كلهم مثل مأمون, وهذه الشخصية ضرورية جدا ليكتمل أمامنا المشهد السياسي المعتم جدا, وكلنا كما ستلاحظون بعد قليل معجبون بهذه الشخصية, ولكن لماذا؟ من الممكن أننا لا نملك الشجاعة أو شهادة رسمية من مستشفى المجانين.
وبصراحه؟..أحلى عيشه شفتها في حياتي هي عيشة (مأمون) وصدقوني أنني في بعض الأحيان أحسد مأمون على العيشة أو الحياة التي كان يحياها, وستلاحظون بعد قليل بأن مأمون من الممكن أن لا تميزه عن الذي يحمل حصانة دبلوماسية أو هيئة سياسية فكل تصرفاته تشير إلى أنه مجنون أو بيده حصانة دبلوماسية من الدرجة الأولى, وطبعا مين مأمون وشو بشتغل مأمون وشو دارس مأمون وشو منصبه مأمون ما حدى بعرف على الإطلاق إلا إذا تحدثت عنه أنا ووصفته في محل بيع الخبز الذي كان يزدحم فيه الناس ازدحاما شديداً فتقدم مأمون من بين الجميع وتناول رغيف خبز ساخن دون أن يطلب من الجميع السماح له ولم يعترض أحد على تجاوزه وابتسم له صاحب المحل ابتسامة كلها ود وحب ورضا ولم يدفع له مأمون ثمن رغيف الخبز ولم يطالبه صاحب المحل بأي ثمن ولم يقل له إلا كلمة واحدة وهي(نيالك), ولو كنت أنت يا عزيزي القارئ تقف من ساعة على الدور لاستغربت من هذا التصرف ولاعتقدت جازما بأنه من الممكن أن يكون مأمون هو صاحب المخبز أو ابن صاحب الدكان لأنه وبصراحة من الممكن أن نعتبر تصرفه تصرفا غريبا أو مشكوكا في كل مسلكياته ولكن إذا كنت من أهل البلدة المقيم فيها مأمون لن تفكر طويلا في تحليل شخصيته لأن اسمه فقط أو مجرد لفظ اسمه يبعث على الخوف منه أو الاحترام الشديد له باعتباره مسكينا وليس دبلوماسيا مع أنني لا أميز هنا بين المسكين وبين المحصن دبلوماسيا, والمهم أن مأمون أخذ رغيف الخبز الساخن وخرج من الدكان ولم يعترض أي منتظر وهو واقف على الدور على هذا التجاوز الذي تجاوزه (مأمون) وبعد أن خرج من المحل اتجه مأمون إلى محل آخر لبيع الألبان الطازجة ودفع بيديه إلى صاحب الدكان مع رغيف الخبز وسأله صاحب المحل قائلا: شو بدك يا أستاذ مأمون؟ زبده؟ شنينه؟ لبن..؟ أطلب فقال :لا بدي اتحطلي على هذا الرغيف وقية(أوُقية200غرام) لبن جامد, فابتسم له صاحب المحل وخرج مأمون فرحا مبتسما ورغيف الخبز بيده ولم يدفع لصاحب المحل أو الدكان ولا حتى قرش واحد أو (هلله) وودعه صاحب الدكان قائلا(يا ريتني مثلك).
وبعد أن أنهى ما يقرب من نصف الرغيف مع اللبن ذهب إلى محل لبيع الخضروات والفواكه وقبل أن يدخل المحل نادى عليه صاحب المحل وعاتبه قائلا(من يومين ما شفتك شو وين كاين) فرد مأمون مبتسما: مش فاضي مشغول جدا ,ووضع له صاحب الدكان عنبا وتفاحا في صحن كبير وقال له(أقعد أكلهن هنا بالصحة وبالعافية) ولكن مأمون تدلل كثيرا وانتقد العنب فقام صاحب المحل باستبدال العنب بقطف عنب آخر من الصنف الأول والممتاز وهو يقول(نيالك على هالعيشه يا ريتني مثلك), وبعد أن أنهى كل شيء وامتلأت معدته وقف في وسط السوق على حجر مرتفع عن الأرض وألقى خطابا سياسيا انتقد فيه كل تصرفات الملوك في العالم وعلى رأس تلك التصرفات تصرفات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وأعلن نفسه ملكا على ملوك العالم, والغريب في الموضوع بأن الناس وقفوا واستمعوا إلى خطبته العصماء ولم يشعر أي مستمع بالخوف أو بالخجل, ولو كنتُ أنا أقف بمكانه وأقول ما يقوله مأمون لهرب الناسُ مني ولتنصل أقربائي مني ولاعتقلت ولعذبوني بأشد أنواع العذاب, وكانت سيارة الشرطة تمر من أمامه وهم يريدون القبض عليه,فقالوا لهم الناس (اتركوه هذا مأمون) فسألوا: ومين بسلامته مأمون؟ فشرحوا لهم شرحا وافيا ومفصلا عنه من أيام ما كان يدرس في الأزهر...إلخ,فقالت الشرطة أو الحكومة:هذا بحكي كلام خطير بقول إنها فلانه شرموطة وفلانه عاهرة وفلانه رآها مع فلان في سيارته على الطريق الصحراوي, فرد الناس على الشرطة وقالوا لهم(ما حداش برد عليه كل الناس تعتبره مجنون).. فضحكوا عليه وقالوا له(والله إنك صادق وأعقل واحد...وكل اللي ابتحكيه صحيح يا ريتنا نقدر نحكي مثلك), وبعد أن أنهى خطبته نزل عن الحجر الذي كان يقف عليه متخذا منه منبرا للخطابة ومشى ما يقرب من 100متر فوجد رجلا وبيده سيجارة فطلب منه سيجارة وحين أعطاه الرجل السيجارة نظر إليها مأمون قائلا:( لا ما بديش منك هذا النوع أنا بدي سيجارة مارلبورو) فنادى عليه صاحب محل سوبر ماركت قائلا(تعال خذ أحسن باكيت دخان مارلبورو) فذهب مأمون وتناول الباكيت وفوق الباكيت (قداحة) نوعها من أفضل الأنواع ولونها مناسب للون البنطلون الذي يرتديه ودون أن يمد مأمون يده إلى جيبه ليدفع ثمن باكيت الدخان وخرج من المحل وصاحب المحل يقول له(أنت الوحيد اللي بتفش غلي نفسي أكون مثلك بس مش عارف) وليس من المستغرب أو المستهجن الآن أن نحتار في تفسير وتحليل شخصية مأمون فكل شيء يأخذه دون أن يدفع ثمنه والغريب بأن كل أصحاب المحلات والناس العاديين يتمنون أن يصبحوا مثله ...فمأمون يعطونه دون أن ينتظروا ثمنا منه سواء أكان نقدا أو بالتقسيط, ومشى مأمون بخطوات هادئة وكأنه ملك يجر أثوابه بكل كبرياء وخيلاء ومر من جانب محل مجمدات وقال لصاحب المحل أنا جوعان فقال له روح على الثلاجة وخذ منها ما تريد لحما أو سمكا أو دجاجا أو سنيوره, فأخذ ثلاثة قطع من السمك الأرجنتيني من الصنف الأول ولم يدفع لصاحب المحل ولا حتى أي قرش أو فلس أحمر وابتسم له صاحب المحل وقال له (صحتين على قلبك..والله إني بحسدك على عيشتك يا ريتني أقدر أصير مثلك).
وفي ساعات المساء كان مأمون يقف أمام باب الدار فمر من جانبه رجل عليه الهيبة والقيمة ونزل من سيارته وأعطى مأمون (خمسة دنانير) فأخذ مأمون الخمسة دنانير والرجل يقول(أنت أعقل واحد فينا يا ريت أكون مثلك) ولم يشكر الذي أعطاه ولا بأي كلمة بل ذهب إلى صالون للحلاقة وجلس على الكرسي متجاوزا بذلك كل الزبائن الذين ينتظرون أن يأت دورهم وأراد أحد الزبائن الاعتراض ولكن (الكوافير) أسكت المعترض قائلا(شو مالك يا زلمه هذا مأمون) فسكت المعترض وقال(آسف ما انتبهتش فكرته مواطن عادي), وبعد أن خرج من الصالون خرج وهو يحاول أن يدفع للحلاق الكوافير ثمن الحلاقه فقال له الحلاق(روح يا مأمون اصرفهن على حالك..ياه نيالك لا هم دنيا ولا هم آخره..ولو كان عندك هم دنيا وآخره كان زمانك متت بالسكته أو بالسكري) ودخل إلى محل لبيع الملابس وانتقى قميصا وبنطلونا وحين أراد أن يدفع الثمن نهره صاحب المحل وقال(يا عيب الشوم عليك يا مأمون ترى هيك زعلتني منك, معقول آخذ منك ثمن البنطلون والقميص, وخرج مأمون حتى دون أن يشكر صاحب المحل على الكسوة التي اكنساها من عنده بالمجان,وعندما وكان صاحب المحل يقول له وهو خارج من محله(نيالك لا عليك فاتورة كهربه ولا عليك شكات ومصاري دين) وحين وصل باب البيت نادته جارته وهي امرأة من أجمل أو من أبدع ما أبدعه الفنان وسألته عن الذي في يده فقال(سمك) فأخذت منه السمك بعد أن أدخلته الدار وزوجها غائب وفجأة حضر زوج المرأة وقال:شامم رائحة سجائر شو عندك في الدار ضيوف؟ فقالت لا يا زلمه هذا مأمون يا حرام معاه سمك وبدي أطبخه على شان يتغداه, فابتسم الزوج وقال: والله راح عقلي ما يطير مني فكرت في عندك رجل غريب كنت بدي أقتلك, وتخيلوا معي لو كنت أنا اللي في الدار شو راح يتصرف معي أو كيف راح يكون شكل صاحب الدار, وعندما أنهت له طبخ السمك دخلت على مأمون وبيدها السمك متبرجة في ملابسها الشفافة تبرج الجاهلية الأولى ولم يعترض الزوج على ملابسها أمام مأمون بل قال(نيالك يا مأمون أي أنا من النادر أن أشوف زوجتي بهذه الملابس الجميلة.
مأمون شخصية صدقوني غريبة,إنها تحيرني...هل مأمون مواطن عادي؟...مواطن غني جدا وصاحب ثراء وجاه كبير!!....؟؟.مواطن وسط..مواطن مجنون؟...مواطن أزعر وشبيح وبلطجي؟...مواطن عاقل أعقل مني وأعقل منك ومن 100 شخص مثلي ومثلك؟..هل مأمون مواطن لديه حصانة دبلوماسية وجواز سفر أحمر؟..كل تلك الشخصيات تنطبق على مأمون ليس لأنه مجنون أو معتوه ولكن لأننا في الدول العربية نعامل الأغنياء بنفس الطريقة التي نعامل فيها المجنون أو الدبلوماسي المحصن...مش عارف أوصف مأمون!.... أو مش عارف شو أوصف مأمون...فالأغنياء ومصاصي الدماء والحيتان الكبيرة في اربد وعمان كلهم يأكلون أموالنا ولا أحد يحاسبهم طبعا ومأمون واحد منهم والعيشة التي يعيشها مأمون لا تختلف عن معيشة كبار مصاصي الدماء فكلهم يأخذون منا علنا وسرا,دون أن يقولوا ولا حتى كلمة شكرا,من هو مأمون؟ , وهل تعلموا بأن مأمون يوم وفاته وجدنا داخل وسادته ثلاثة آلاف دينار أردني, ولم يوفرهن مأمون عن قصد منه ليومه الأسود,لا, بل لأن كل الناس يعطونه دون أن يأخذوا منه وبالتالي لم يكُ يعتد طوال حياته على دفع الثمن...لماذا لا نستطيع أن نقول الحقيقة إلا إذا كنا مجانين باعتراف رسمي من المجتمع المحلي والحكومة؟
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟