|
ليبيا.. انتهاءُ عامِ الرَمادة
ليث العبدويس
الحوار المتمدن-العدد: 3463 - 2011 / 8 / 21 - 18:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أكره القذافي بِعُمقٍ، وأمقُتُهُ بِشدّة، وليسَ مَردُّ ذلِكَ لانطباع الوهلةِ الأولى الذي عادةً ما يلتَصِقُ ببعضنا دونَ فكاك ويترُكُنا أسرى تكوينٍ مُشوّهٍ طارئ، وَرُغمَ أني أرى، كما يرى غيري، أنَّ القذافي، بتجاعيده العَميقة وتسريحَتِهِ السبعينية التي عفا عليها الزمان وتَصَنُعِهِ الممجوج وتَكَلُّفِهِ المُبالَغِ فيه، لَمْ يَكُنْ أكثرَ مِنْ "ظاهِرةٍ صوتيّة" وفقاقيعُ كاريزما مُصطَنَعة اسبَغتْ عليهِ ثروة النِفط الهاطِلِ على صحراء ليبيا بُعداً مُزيفاً من العَظَمةِ والتبجيل، ومَكَنتهُ من التَمدُّدِ خارِجَ إطار الزَمَنِ والجُغرافيا الليبية، فأنَّ ذَلِكَ ليس كافياً لأستجمعَ في داخلي كل شُحنة النُفورِ ضِده، كما أنَّ سَبَبَ ذَلِكَ ليسَ خلافاً شخصياً، فلم يَسبُقْ ليَ التَشَرّفُ بِلِقاء زَعيم الجماهيرية التي فرضَ قائِدُ ثورة الفاتِحِ عليها إسماً مُغرِقاً في الطولِ والغرابة حتى أضحتْ مُحاولةُ اختصارهِ تُسببُ حرجاً دُبلوماسياً مُتكرراً، الجماهيرية الديمقراطية الليبية الاشتراكية العُظمى، كَما وَلستُ احتَمِلُهُ لموقِفٍ ذاتي، فمنْ بابِ "خرطِ القَتاد" مُحاولةُ الخُروج بِتحليلٍ نَفسيٍ سليم لشخصيّة القذافي، فالرجلُ عبارةٌ عن متناقِضاتٍ مكتظّة في روحٍ قَلِقةٍ، فَفِصامُ شخصيتهِ واضِح، ونرجسيَّتِهِ بيّنة، وساديَّتِهِ لا يَختَلِفُ عليها "ليبيّان"، جُنونُهُ الجامِحُ الخارِجُ عن السيطرة دَحرَج ليبيا الجميلة الثريّة الأبيّة نحوَ مهاوي الردَى وَمُنزَلقاتِ الضَياع، محنِطاً اياها في تابوتِهِ الأخضَرِ البرّاق، مُغذَياً نَزَعاتٍ قَبليّةً مُتخلّفة، ناشِراً فِكرهُ الشاذ وَسُمومَهُ في كُلّ أفريقيا الجائِعة، أقامَ القذافي جماهيرية الرُعبِ على أشلاء الإسلاميين الذينَ ذَبَحَهُم مرتين، في زَنازينِ مُعتَقَلِ "أبو سليم" الشهير يومَ أبادَهُم في رابعة النهار غَدراً، مُتنكّراً لِتَبَجُحاتِهِ بالأرومةِ العربية والخِصالِ السَماويّة المُلقاةِ لَهُ من لَدُن جِبريلِهِ الطيّع المَزعوم في خيمَتِهِ النَبويّة، وذَبَحَهُم في الجَبَلِ الأخضر مَعقَلِ ثورةِ المُختار عندما رَفضوا أنْ يُعطوهُ الدنيّة أو البيعة، وهل تُعطى لِشيطانٍ رَجيم؟ فأضمروها لهُ في أنفُسِهِم، وَهُمُ اليومَ وَقودُ الثورةِ وعمودُها الفقري، ثُمَّ جَرّبَ استعداء المُحيطِ الإقليمي فورّطَ جيشهُ بحربٍ خاسِرةٍ مع تشاد المُجاوِرة، واقَحمَ بَلَدَهُ باعتداء لوكِربي وقَضيّة مشروعِ التسلّح النووي الذي نَزَفتْ بِسَببهِ ليبيا من ثرواتِها الملياراتْ دونَ طائِل، واستمرتْ شَطَحاتُهُ المأزومة موصِلة ايّاهُ إلى ما هو عليهِ اليوم، محاصرٌ في مربعهِ الأمني وَسَطَ طرابُلس، والمُنتَفِضونَ على حُكمِهِ المؤبّدِ يَتقاطَرونَ لاقتلاعِ رأسِهِ ونظِامِهِ الَرَجعي من كُلّ حَدْبٍ وَصوب، لكنَّ منبَعَ بُغضيَ الاستثنائي لِهذا المَخلوق حادِثَةٌ لا تَزالُ تَلافيفُ الذاكِرة تَحتَفِظُ بِها بينَ طيّاتِها رُغمَ تَقادُمِ العُقودِ على وُقوعِها، وَمِثلُها لا يُنسى، ولأجلها خُصوصاً اكتَنَزتْ عُروقي كُرهاً للقذافي، ففي13/10/1987وخِلالَ تَراشُقِ الصواريخِ الشهير – او حَربُ المُدُن – كما سُميتْ في حينِها بين العراقِ وأيران، دَكَّ صاروخٌ ايرانيٌّ مَدرَسَةً ابتدائيةً جُنوبَ بَغداد، خلّفَ الهُجومُ مَجزَرةً مُروّعة، ثَمانيةٌ وَثلاثونَ طِفلاً قَضوا وَعَشراتٌ جُرِحوا، كُنتُ فتاً يافِعاً يومذاك، لكنَّهُ سِنٌّ كافٍ لِتَفَهُمِ مِقدارِ اللوعة وَحَجمَ الغَضب الذي تركه الحَدَث، أنْ تستَهدِف الطُفولة عَمَلٌ غايةٌ في الهمجية والحيوانية، لَمْ يَكُنْ مِنَ المُفتَرَضِ حُصولُ ايرانَ على هذا النوعِ فائِق التدمير من الصواريخ، تَعقّبتْ المُخابراتُ العراقية أثر الصاروخ "سكود" المُستَخدمِ في الاعتداء، قادتها الخُيوطُ الى المصدر، لمْ يَكُنْ سوى كوريا الشمالية التي خالفتْ الإجماع الدولي حينها ووقفتْ بِجانِبِ النِظام الإيراني، امّا المُستورِدُ فَلمْ يَكُنْ غيرَ العقيدِ المخبولِ الذي قَدّمَ حُزمةً من الآتِ الإبادة الشامِلة لِنظامٍ عُدواني، هَديّة مُعفاةً من الضرائِبْ، فَهَل بعدَ ذَلِكَ التهورُ من شيء؟ واليومَ وَقَدْ دَنَتْ نِهايَتُهُ واقتربتْ قيامَتُه واوشَكَ ألدُّ أعدائِهِ على دَقَّ عُنُقِهِ، أراني أُشفِقُ على هذا المعتوه البائِس الذي تمخضتْ صُدَفُ الزَمان العجيبة عن تسنُّمِهِ سَدّة القيادة المُفردَة المُطلَقَة فَلمْ تحتَمِل مَدارِكُهُ صَعقةَ الواقِعِ الجديد، فراحَ يتخبّطُ يُمنةً ويُسرةً دونما هدف، دونما غاية، وانتفختْ لديهِ عُقدَةُ "الأنا" المُصطَبِغة بِمُسحةٍ من عبادة الذاتِ وجُنونُ العَظمةِ وهواجِسُ المؤامرة، حتى أنكرَ ذاتَهُ، وأنكرهُ شعبهُ، وانكرتهُ الايام، فلا يلومنني أحدٌ في كُرهي المُزمِن لِفخامَتِهِ، ولا اخفي سعادتي الغامِرة اليومَ وأنا أرقُبُ انتصارَ الشعبِ على قرُونِ القذافي الوسطى وانبلاجَ فجرِ ليبيا الجديدة، نَصُوعاً، طَموحاً، حافِلاً بالحياة. ليث العبدويس – بغداد – [email protected]
#ليث_العبدويس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وحشٌ طليقٌ في الشام
-
-جمهورية- انكلترا المُتَحِدة
-
فينيقُ لُبنان..ورمادُ الطائِفيّة
-
هوامش على دفتر الثورة
-
الصومال.. محنةُ الضمير.. محنةُ الإنسان
-
الإرهاب الإسلامي ..تهافت النظرية
-
هل شارف عصر الطغاة على الانتهاء؟
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|