|
أوسلو وكابول مع الفارق
ساطع راجي
الحوار المتمدن-العدد: 3462 - 2011 / 8 / 20 - 08:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الثاني والعشرين من تموز الماضي إرتكب السفاح النرويجي، أندرس بيرينج برييفيك جريمة مزدوجة بتنفيذ هجومين أوديا بحياة العشرات في عاصمة بلاده اوسلو بتأثير من أفكار يمينية متطرفة، ومنذ ذلك الوقت انطلق سيل من التحليلات والمقالات في الدول العربية بخاصة والاسلامية بعامة تقول بأن الارهاب ليس حكرا على دين او منطقة او ثقافة او عرق واحد، وذهب سيل التحليلات الى التأكيد على إن الارهاب ظاهرة عالمية، وكل هذا الكلام صحيح في عموميته لكنه يمثل خطأ كارثيا حين يراد منه عقد مطابقة بين ما يحدث من هجمات ارهابية ينفذها غربيون واخرى ينفذها أبناء جلدتنا. العنف ميل إنساني قديم قد تساهم ظروف مرحلية في تعميمه إجتماعيا بلا حد جغرافي او ديني او عرقي أو ثقافي، والارهاب كفعل سياسي ليس رديفا لاتجاه سياسي معين بل إنه ارتبط بشتى انواع التوجهات والتنظيمات السياسية، وكان في مرحلة ما يوصف بإنه عنف سياسي مشروع أو جريمة سياسية قبل أن يتطور الى حالته المعاصرة تحت مسمى الارهاب. لكن هذه المقولات الاولية لا تمنع الفرز بين تنوعات الارهاب وحالاته بل إن التعامل الميداني مع الممارسات الارهابية يدفع الى الكشف عن خصائص الارهاب في كل مجتمع لذلك تبدو التشبيهات المبسطة حد التطابق بين الاعمال الارهابية التي ترتكب في المجتمع الغربي وتلك التي ترتكب في المجتمعات الشرق أوسطية مجرد عملية ساذجة تحاول تبرئة الذات او التملص من حالة جلد الذات التي تعيشها النخب المثقفة في الشرق الاوسط وهي تسعى جاهدة منذ سنوات لوضع حد يفصلها عن الارهاب وثقافته لكي لا تبدو شريكة في تلك الاعمال الوحشية وحتى لا يقال إن هناك جذور ثقافية للارهاب في المجتمع وهكذا تم اختراع مقولة "الظاهرة الطارئة" وظهرت الخارطة السهلة التي تريد إثبات حالة الجوار الوهمي بين أوسلو وكابول. هناك إختلاف جوهري بين الممارسات الارهابية التي تحدث في المجتمع الغربي وتلك التي تحدث في الشرق الاوسط، ففي الغرب هناك حالات من الارهاب تظهر على فترات وفي اماكن متباعدة اما في الشرق الاوسط فهناك ظاهرة عامة تسيطر على الحياة سياسيا واجتماعيا وامنيا وفكريا منذ عقود وتسببت في تشويه السياسة والحياة الاجتماعية في الشرق الاوسط حيث تفرض دول عدة حالة الطوارئ او تعيشها فعليا بدون اطار قانوني منذ عقود. أما الاختلاف الجوهري القاتل في حالتي الارهاب فتتمثل في توفر الحاضنة الاجتماعية التي تجعل من الارهاب في الشرق الاوسط ظاهرة يشارك فيها عدد كبير من الافراد من خلال تنظيمات يمكنها الفوز بأي انتخابات تخوضها في أي دولة من دول المنطقة بينما الامر في الغرب يتعلق بأفراد أو جماعات مرفوضة ترتبط عن بعد بأحزاب لا تكاد تحصل على مقعد برلماني الا بشق الانفس وتحت ضغط التهديد بالازمات الاقتصادية والاجتماعية التي يسببها المهاجرون او تحت ضغط الاسلاموفوبيا. لقد تأرجح وصف أندرس بيرينج برييفيك سفاح أوسلو بين المجرم والمجنون رغم انه قدم لمحيطه الاجتماعي السياق الفكري الذي دفعه لارتكاب جريمته ولم يجازف أحد بمنح لقب المجاهد او البطل للسفاح، وتبرأت أحزاب اليمين الاوربي من السفاح وفعلته، ولكن في الشرق الاوسط هناك أغطية فكرية ووطنية وقومية ودينية وطائفية تمنح مجانا للتغطية على بشاعة الفعل الارهابي وتتسابق المنظمات لإعلان مسؤوليتها عن الاعمال الارهابية وتقام صلوات جماعية على ارواح منفذي الاعمال الارهابية ويتم تناسي الضحايا وأحيانا الشماتة بهم، واذا لم يكن هناك اجماع على بطولة الارهابي في الشرق الاوسط فعلى الاقل هناك خلاف حول مدى ضرورة عمله وهل أضراره تفوق فوائده أم العكس، بمعنى آخر يتم التعامل مع الارهابي على انه ناشط سياسي يقاس فعله بميزان السياسة او يتم التعامل معه على إنه مؤمن صالح يجتهد فيصيب أو يخطئ لكنه يتمتع بالاحترام الدنيوي والاجر والثواب الاخرويين. الاوربيون لم يتهموا دولا أخرى بتحريض سفاح اوسلو ولم يطرحوا نظرية مؤامرة تقف وراء جريمته ولم يتذرعوا بخطر المهاجرين والتهديد الثقافي والاجتماعي ولم يقولوا ان الدعوة للاسلام هي التي حرضت على نمو اليمين المتطرف، بإختصار أخذ الاوربيون المسؤولية على عاتقهم وتحملوا قسطهم من الكارثة وهو عكس ما يحدث في الشرق الاوسط. شهدت النرويج بخاصة واوربا بعامة ادانة واسعة لجريمة أوسلو ولم تتحول الجريمة الى موضوع للخلاف والمقايضة والمساومة والصفقات المخابراتية بين الدول كما هو حاصل منذ عقود بين دول الشرق الاوسط. الاوربيون ليسوا ملائكة والارهاب موجود في اوربا منذ قرون والناس في الشرق الاوسط ليسوا شياطين وغالبيتهم الساحقة من المسالمين الذين غالبا ما تتعرض مصالحهم وحياتهم للخطر بسبب الاعمال الارهابية، ومع ذلك فأن المسافة الفاصلة بين اوسلو وكابول وما فيها من تنوع واختلاف أكبر من الالغاء بذريعة جريمة ارهابية هي حالة إستثنائية في أوسلو وحدث مألوف في معظم دول الشرق الاوسط.
#ساطع_راجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحسم العسكري
-
تصفية الأزمات..العراق بين ايران والكويت
-
عن الاستقرار الجميل
-
برلمان يفوق الخيال
-
مخاطر ليست افتراضية
-
مسؤولية قرار الانسحاب
-
الغرق في ميناء مبارك
-
اللعب بالدماء
-
التصعيد حل في العراق
-
بدائل مرعبة
-
نوبات المصالحة
-
النظريات ممنوعة
-
إفعلها إن إستطعت!!
-
الى أين نذهب؟
-
الرحيل الامريكي والمعركة العراقية
-
ظاهرة التشرذم
-
جاءوا جميعا وغاب الامن!!
-
أسرار الولاءات
-
تقاليد الفساد العراقية
-
بيئة بن لادن
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|