|
القاموس القرآنى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) البلوغ والتكليف
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 3461 - 2011 / 8 / 19 - 21:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أولا : البلوغ هو مرحلة من مراحل حياة الانسان. يقول جل وعلا :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ )( الحج 5 ) فهنا الحديث عن مراحل خلق الجنين ، فمن التراب كان خلق آدم . وبعد آدم يبدأ التناسل بالتغذية من الطعام وهو من تراب الأرض ، ويتحول الطعام الى اجهزة الجسد ومنها اجهزته التناسلية عند البلوغ ، ومنها تكوين الحيوانات المنوية فى الخصيتين و تكوين البويضات فى الرحم . وباللقاء الجنسى يتكون الزيجوت اول خلية للجنين وتتكاثر لتصبح نطفة تتكاثر خلاياها وتتعلق بجدار الرحم فتكون علقة ثم تتكاثر لتصبح قطعة لحم قدر ما يمضغه الانسان أى مضغة ، ثم تنقسم الى مشيمة وجنين تمده المشيمة بالطعام . و من اللحم تتكون العظام والغضاريف الى أن يخرج الجنين طفلا ، لتبدأ مراحل حياته من الطفولة الى البلوغ حيث يبلغ أشده. ويقول جل وعلا أيضا : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )( غافر 67 ) فهنا ذكر لمراحل الانسان بعد البلوغ الى مرحلة الخريف فى الشيخوخة ، وهناك من يموت قبلها .
ثانيا : مرحلة البلوغ . و(أبلغ ) تعبير عن مرحلة (البلوغ ) هو التعبير القرآنى ( بَلَغَ أَشُدَّهُ ). أى يتحول الطفل الضعيف الى إنسان قوى ، وتحدث تغييرات فسيولوجية ونفسية وعقلية يتفتح فيها العقل والاحساس بالتوازى مع نمو الجسد وعضلاته ووظائفه الجنسية فى الذكر وتهيئة جسد الانثى لتكون صالحة للانجاب ، مع انفتاح الرغبة و الطاقة الجنسية بحيث تبدأ عمليا القدرة على الانجاب لدى الذكر والانثى . هنا يكون قد بلغ أشده ، وأصبح مؤهلا لتحمل تكاليف الحياة و تكاليف الدين من عبادات واخلاقيات ، ويكون مسئولا عن أعماله أمام القانون البشرى فى الدنيا وفى يوم الحساب أمام الله جل وعلا يوم القيامة . يقول جل وعلا عن يوسف عليه السلام بعد ان قصّ ملامح من طفولته : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )( يوسف 22 )، ويقول أيضا عن موسى عليه السلام :( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )(القصص 14 ). فهنا أوتى أولئك النبيان المرسلان من الله جل وعلا ما يؤهلهما لمهمة النبوة والرسالة ، وهذا قدر زائد يمتاز به النبى المرسل عند البلوغ عن بقية البشر. ويقول جل وعلا : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ )( الكهف 82 ). فهنا يتيمان فى مرحلة الطفولة ، وبعد انتهائها سيكونان قادران على استخراج الكنز المخبأ لهما ، وقادران أيضا على تحمل مسئولية التصرف فيه .
ثالثا : تشريعات خاصة بمرحلة البلوغ وفى مرحلة الطفولة يكون اليتيم صاحب المال محتاجا لوصى من البالغين الأمناء ليرعى ثروة اليتيم فى طفولته . وقد تكرر التحذير من أكل مال اليتيم الطفل بالباطل ،: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) ( النساء 10) ، والمفهوم أن هناك من يأكل مال اليتيم بالعدل وليس بالظلم ، أى حين يكون الوصى فقيرا فله أن يأخذ أجرا مقابل رعايته لمال اليتيم ، يقول جل وعلا : (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا )(النساء 6 )
تشريعات موجهة لأولى الأمر يقول جل وعلا ( وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) (الاسراء 34 )(وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ )(الانعام 152 )، فإذا بلغ أشده لم يصبح يتيما بل رجلا بالغا يمكنه تحمل مسئوليته. ولكن قد تنتفى عنه صفة اليتيم بالبلوغ ولكن يكون غير مؤهل لادارة ماله ، أى قد يكتسب صفة اخرى ماكان صفة الليتم وهى الحمق والسفاهة ، لذلك يوجب شرع الله جل وعلا اختبار ذلك البلغ الذى كان يتيما لنتبين صلاحيته لادارة ماله ، فإن تبين رشده تسلم تركته ، وإن نبين سفهه فالوصاية تعود للاشراف عليه ورعايته . وهذا معنى قوله جل وعلا "(وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا )(النساء 6 ). ويلاحظ هنا أن التشريع ليس موجها للطفل اليتيم بل للبالغين وأولى الأمر . وهذا يعنى أن الطفل ليس عليه تكليف لأن التكليف أو المسئولية مرتبطة بالبلوغ . وحتى فيما يخص الطفل من تشريعات فإن هذه التشريعات لا يتم توجيهها للطفل ولكن للبالغين من أولياء أمره ، ينطبق هذا على الطفل اليتيم كما سبق ، كما ينطبق على كل طفل فى قوله جل وعلا فى آداب الاستئذان فى البيوت : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) .
تشريعات لمن يصل مرحلة البلوغ بعدها حين يصل الطفل الى مرحلة البلوغ يتوجه اليه التشريع مباشرة ، تقول الآية التالية : ( وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )(النور 58 : 59 ) اخيرا ومن الآيات الكريمة السابقة يتضح ارتباط البلوغ فى الانسان بمسئوليته أو بالتكليف وتأهله لتطبيق القانون والتشريعات الالهية عليه . كما يتضح أن ملامح البلوغ هى الوصول لما يعرف بمرحلة المراهقة ، أى ببلوغ الأشد أى بلوغ الحلم والقدرة على النكاح أو الصلاحية للزواج : (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ ) (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ ) (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ )..
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خاتمة كتاب ( الزكاة فى الاسلام )
-
المجلس العسكرى و أسماء محفوظ
-
رسالة الى الأحبة الذين لا يروقهم منهجنا
-
بيان المركز العالمى للقرآن الكريم عن معاناة سكان ( أشرف )
-
الفصل الختامى فى موضوع الزكاة : (8) الحكم الشرعى فى دفع الضر
...
-
الفصل الختامى فى موضوع الزكاة ( 7) الحكم الشرعى فى دفع الزكا
...
-
الفصل الختامى فى موضوع الزكاة : (6 ) مجتمع بلا زكاة مصيره ال
...
-
الفصل الختامى فى موضوع الزكاة : ( 5 ) أنصبة المستحقين فى إطا
...
-
الفصل الختامى فى موضوع الزكاة ( 4 ) أثر حق أولى القربى فى ال
...
-
لمحة عن ثورات الحرافيش ضد العسكرالمملوكى : هدية لثوار مصر فى
...
-
أم سلمة زوجة الخليفة السفاح العباسى
-
الفصل الختامى فى موضوع الزكاة : ( 3 ) بين الزكاة و الجهاد با
...
-
الفصل الختامى فى موضوع الزكاة : (2 ) تأكيد على الاطار الأخلا
...
-
الفصل الختامى فى موضوع الزكاة : (1 ) تذكير بأهم تشريعات الاس
...
-
أئمة السلفيين هم سبب تاخر المسلمين
-
حقائق أساسية فى فهم السّلفية
-
الفاتنة المجهولة ( فتينة ) نموذج الحرية و الشجاعة ..
-
الأميرة العباسيةالتى تزوجت من خادمها
-
لماذا قتلت -الخيزران- ابنها الخليفة الهادي العباسى ؟!
-
أنساب العرب
المزيد.....
-
الرئاسة المصرية تكشف تفاصيل لقاء السيسي ورئيس الكونغرس اليهو
...
-
السيسي يؤكد لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي على عدم تهجير غزة
...
-
السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة-
...
-
الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد
...
-
تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي
...
-
باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
-
-أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما
...
-
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
-
مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد
-
“خلي ولادك يبسطوا” شغّل المحتوي الخاص بالأطفال علي تردد قناة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|