|
عبدالجباروهبي(أبوسعيد) قلم اليسارالعراقي اللاذع
فارس البصري
الحوار المتمدن-العدد: 1030 - 2004 / 11 / 27 - 08:55
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ذاكرة الدم عندما أستيقظ سكان مدينة بغداد صبيحة يوم الجمعة(14رمضان) 8 شباط3 6 19 لم يدربخلدهم أنهم سيشهدون مجزرة جديدة . لقد كان كل شئ يبدو أعتياديًا. ولم يكن هناك مايشيرإلى ذلك الوحش الذي كان يتهيأ للأنقضاض.وحتى عندما دوت إطلاقات الرصاص الأولى لم يدرك الكثيرون حينئذ المأساة التي كانت قد دبرت لشعب بكاملة. وانطلقت عصابات الحرس القومي ذوي الأشرطة الخضراء مسلحة بالرشاشات مهاجمة دور السكن وفق قوائم موضوعة سابقاً ، فأغتالت المئات من المواطنين في دورهم وأبادت عوائل بكاملها. وفي أثناء ذلك كان راديو بغداد الذي سيطر علية الأنقلابيون يذيع البيان رقم 13داعياً فية" روؤساء الوحدات العسكرية وقوات الشرطة والحرس القومي لإبادة كل شخص يعكر صفو الأمن وداعياً الناس للتعاون وإخبار السلطات عن مثل هؤلاء الأشخاص-الشيوعيين العملاء- والمشاركة في عملية إبادتهم" وهناك الكثير من الكتابات التي تحدثت عن تلك الأيام الدموية. فقد قارن البعض بين هذة المجزة البعثية وبين تلك الأوامر الصادرة من سراي بغداد 1831 والتي طالبت بأبادت وقتل جميع المماليك أينما وجدوا. وقدعلقت جريدة الصنداي تايمزالبريطانية على ذلك البيان بقولها:" إن هذا البيان يبدوكتحريض صريح لمجزرة تجعل من مجزرة سان بارتيليمو- مجزرة مروعة ضد الكاثوليك في فرنسا- وكأنها نزهة مدرسية.." . أما الفيلسوف الفرنسي جان بول سارترفقد أعلن قائلآ:" أن الحكم الجديد أظهر منذ الوهلة الأولى وجهه السافل الدموي. إن سياسته مبنية على اغتيال خصومه حتى القضاء على آخر واحد منهم، وبوسع هذا الحكم أن يتزين بصفات العروبة والقومية ولكنه ليس في الحقيقة إلا فاشستياً..". وقد قالت جريدة البرق اللبنانية والحكم الجديدلايزال في بدايته :"إن ذوي الشرائط الخضراء في بغداد يذكرون الناس بشكل رهيب بجماعة القمصان السوداء الموسولينية في ايطاليا، وبجماعة القمصان السمراء الهتلرية في ألمانياالنازية" أما مراسل الديلي ميل في بغداد فقد علق على ذلك بقوله:" إن الحكومة الجديدة قد طلبت من المدنيين المساعدة في إيجاد الشيوعيين وتسليمهم للشرطة.."،وقد قال أحد العراقيين وهويبتسم:"إننا نستطيع الآن أن نتخلص منهم جميعاً،فإذا وجدنا شيوعياً لاينصاع لنا ويرفض المجئ الى مركز الشرطة فلدينا تخويل بقتله.." وهكذا تحولت الجمعة الهادئة من رمضان الى أول يوم من أيام الجحيم البعثي،وكان شعار علي صالح السعدي " إذبحوهم حتى العظم " هو شعار الفاشست وكلابهم السائبة من جنوب العراق وحتى شماله.وبدأت المجزرة حيث تم اعتقال واعدام العديد من قادة الحزب الشيوعي العراقي والمئات من مناضليه وكوادره وفي مقدمتهم الشهيد سلام عادل السكرتيرالأول للحزب (تم الأعلان عن اعدامه في 7 آذار963 1 )، وقتلوا المئات من أبناء الشعب البسطاء والشرفاء وأشاعوا الحزن والموت أجواء العراق، قتلوا وعذبوا وشردوا الآلاف..اعتقلوا أكثر من مائة ألف مواطن في أيام معدودة. في هذه الأيام القاسية كان عبدالجبار وهبي ورفاقه( جمال الحيدري ومحمد صالح العبلي ) قد اختفوا في بغداد وعملوا على اعادة بناء الحزب الشيوعي، حيث أقاموا صلات مع الرفاق والرفيقات في قصرالنهاية وسجن النساء وفي بقية المعتقلات ،وكذلك أقاموا صلة مع رفاق الفرات الأوسط. وأستمروابتحريروإصدار جريدة الحزب السرية (طريق الشعب)التي وزعت في بغداد ووصلت نسخ منها الى خارج العراق. وتضمن العدد الأول منها( أواسط حزيران) بيان اللجنة المركزية للحزب والذي يعتبر وثيقة هامة تؤرخ لطبيعة تلك المرحلة. وعلى اثرذلك النشاط أصاب الفزع والرعب قادة الأنقلاب الذين كانوا يتصورون بأنهم أبادوا الحزب الشيوعي إبادة تامة، وبسبب أعترافات معينة تمكن الحرس القومي من محاصرة منطقة(كمب سارة) واغلقوا مداخلها و مخارجها وفتشوها بيتاً بيتاً حتى تمكنوا من إكتشاف المخبأ السري الذي كان يقيم فيه الرفاق الثلاثة. وفي يوم 17تموز أعلن البعثيون عن أعتقالهم، وكان هذا الحدث بمثابة انتصارا كبيرا لهم فقد ظل الحرس القومي يغنون ويرقصون طيلة ليلة ذلك اليوم فرحين بما حققوه. وقد أذيع بيان إعدامهم بعد استشهادهم تحت التعذيب من إذاعة بغداد بتاريخ 21 تموز1963.ومن المواقف البطوليةللشهيد عبدالجباروهبي ما ذكره بعض الرفاق وهوأن الخالد جمال الحيدري وبعد أن سيطرت عصابات الحرس القومي على البيت الحزبي قال لهم أنا والعبلي قادة الحزب أما هذا الشخص فهوصحفي جاءنا أمس لقضاء الليل فقط: قال ذلك للتخفيف من وضع أبا سعيد، ولكن أبا سعيد احتج على هذا القول ورد على جمال بقوله: كلا أنا كنت معكم أدافع عن حزبي أيضاً أدافع ضد العدو الفاشستي. سيرة مناضل ولد أبو سعيد في مدينة البصرة ،نشأ وترعرع فيها، درس في مدارسها ثم بعث الى بيروت وتخرج من الجامعة الأمريكية فيها، متخصصاً في الرياضيات وبنفس الوقت درس الفلسفة. بعد عودتة الى العراق مارس مهنة التدريس في المدارس الثانوية، وفي عام 1946 أنتسب و زوجتة المناضلة (نظيمة وهبي) الى حزب الشعب. وبعد اعدام فهد السكرتيرالعام للحزب الشيوعي العراقي والرفيقيين زكي بسيم وحسين محمد الشبيبي عضوي المكتب السياسي للحزب في شباط 1949، ترك حزب الشعب وأنتمى الى الحزب الشيوعي. وقد كتب عن ذلك مقالاً في جريدة اتحاد الشعب بعنوان (دماء أضاءت طريقي) .و منذ بداية حياتةالسياسية وهب ابوسعيد روحه ومستقبله للحزب من أجل قضية الشعب العراقي العادلة، فكافح وناضل داخل صفوف الحزب وعمل على تشكيل المنظمات الجماهرية الديمقراطية وساهم في قيادتها.بعد ثورة 14تموز1958 ساهم أبوسعيد بكل طاقاته مع المثقفين، مع الكتاب والأدباء والمعلمين وفي حركة أنصارالسلام. وبعد اجازت اتحاد الشعب اليومية(صدرالعددالأول في 25 كانون الثاني1959 ) أصبح عضواً في لجنة تحريرها وتخصص في ركن يومي فيها (كلمة اليوم) في الصفحة الأخيرة. وكان في هذا ناقداً سياسياً فريداً في اسلوبه البسيط العميق النافذ الى قلوب الجماهير يعالج قضايا الشعب الهامة والملحة باسلوبه الأنتقادي الساخر واللاذع .كل الناس من مختلف الفئات والطبقات، شيوعيين وتقدمين وديمقراطيين وغيرحزبيين ينتظرون الفجرلتطلع عليهم جريدة اتحاد الشعب ويتجهون أولاً الى الصفحة الثامنة ،الى كلمة ابوسعيد يقرؤونها باهتمام وإمعان ، يقرأون السطور والكلمات ومابين السطور، فيفهمون ما أراده ابوسعيد وماألمح اليه إنه كان يعالج مشاكل الناس السياسية، الأجتماعية والمعاشية اليومية .أهل السياسة والدين الذين يدعون الى ذبح الشيوعيين كان لهم مكانهم في كتابات ابوسعيد، وكذلك البصل والطماطة وفقدانها من الأسواق ،وأعياد العراقيين وأفراحهم،كان يكتب باسلوب مشوق وقريب من قلوب الناس"اني ابحث عن الخبر، لافي الكواليس و ا لدهاليزالمعتمة الضيقة..بل في عرض البحر، وعند سطوع الشمس..انا اذهب الى الشعب..الى الجمهور الواسع من الناس فأندس بين صفوفهم..واستنطق آلامهم وآمالهم، واصطاد هناك..في الشارع والمقهى، والتاكسي، والسينما، والسوق والمعمل..اصطاد ما اشاء من الأخبار..والأفكار..".هذا هوأسلوب ابوسعيد الخاص ،فالحقيقة التى كان قلمه يتحدث عنها فرضت نفسها على فئات واسعة جداً، حتى على الذين كان يفضح مؤامراتهم ومواقفهم المعادية للتحولات الوطنية الجديدة في العراق. وبعد انتكاسة ثورة تموز، وبروزظاهرة معاداة القوى الوطنية الديمقراطية والشيوعية، وارتفاع صوت العناصر القومية والرجعية واستلامهم المراكز الحساسة في جهاز الدولة ، أُلقى القبض على ابو سعيد واودع السجن ،من دون تهمة قانونية ،أوقف في مديرية الأمن العامة في بغداد ، ثم في سجن رقم (1) في معسكر الرشيد بأمر من الحاكم العسكري ،لأن" ابوسعيد " يشكل.. "خطراً "على أمن الجمهورية..هذا ماهللت به الصحافة السوداء.. ،و تصوروا... جرى هذا في أيام وصل فيها توزيع صحيفة الحزب المركزية (اتحادالشعب) إلى 23 ألف نسخة يومياً ، مع أنه لم تكن هنالك في العراق صحيفة تبيع أكثر من ألفي نسخة يومياً..فأين الخطر. ؟؟.على كل حال فأن ابوسعيد قضى شهوراً طويلة،معتقلاً في بغداد والناس البسطاء الذين عبر عن آمالهم ،يطالبون بأطلاق سراحه، وخرج من السجن في أواخرعام1961 الى شعبه،الى مصدر قوته.ولكن بعد أن حرم النظام الجمهوري صدور(اتحادالشعب) في تشرين الأول 1960 ولم يكن أمام ابوسعيد ورفاقه إلا إعادة إصدار جريدة الحزب المركزية سراً تحت اسم (طريق الشعب) حيث صدر العدد الأول في أوائل تشرين الثاني1961 .ومن طرائف الأمورأن منع صدور(اتحادالشعب) جاء بناء على قانون صادر في أيام الملكية هو "قانون المطبوعات" رقم 24 للعام 1954. وكانت الصحيفة قد علقت على مقتل بائع متجول في الكاظمية يوم 5 آب 1960عندما كانت القضية مازالت تنظر أمام محكمة بغداد." ولكن مامن إنسان إلا وفهم أن الأرضية المشار إليها في هذه الحالة، كما في غيرها ،لم يكن إلا المبرر القانوني لعمل سياسي خطط له منذ زمن طويل." وهذا المنع حدث في فترة كانت فيه الصحافة السوداء تكتب ما تشاء،مثال ذلك صحيفة (الفجرالجديد) المعاديةللوطنيين، والتي كانت تدعوا الى تصفية شرفاء العراق ،وتنشرأكاذيب بعثية وقومية ضد الشيوعيين والديمقراطيين.وكذلك الحال مع جريدة (الحرية) و(الفيحاء)، فأهل الحلال والحرام كانت لهم صولاتهم وجولاتهم على صفحات هاتين الجريدتين في محاربة الشيوعيين وتكفيرهم. وفي مقالة "حكاية قانو ن" يروي لنا ابوسعيد بأسلوبه الساخرالبسيط حكاية من تلك الفترة : "..فوجئ رجل واقف عند باب بيته.. بجماعة معلومة اللون والعضل.. تحمل ادوات الكفاح في سبيل ما الله ينهي عنه من الفحشاء والمنكر والبغي.. وفي الأدوات ..ادوات تخيل الرجل منها ان الجماعة المجاهدة في سبيل ماذكرت.. جأت لتقتحم الدار عنوة واقتدار، كما تقتحم الأسوار، وتهدم ، وتحرق.. في حروب الفرسان في سالف الزمان. فوجئ الرجل بهم ،وهم يحدقون بالبيت .. في نشوة الأقتدار والإيمان والظفر .. فأرتعب صاحبنا واطلق حذائيه للريح ..قاصداً اللجوء ..غير السياسي - طبعاً- الى بيت الجيران .. يعلم الرجل ان فيه جهاز للتلفون.. وربة البيت امرأة عجوز ، صالحة، تقية تخاف الله وتقترب اليه بالمعروف ،ويعلم انها لاتمنع جاراً من استعمال التلفون في بيتها.. خاله .. عمه.. داد ، اختي.. انا جاركم.. فلان ارجوا استعمال التلفون ..للشرطة ..داد..! رقم المركز.. الرقم..؟ ان جماعة مسلحة .. تهاجم البيت .. تريد حرق البيت..وراح الرجل يبحث في الدليل عن تلفون المركز القريب.. . قالت المرأة العجوز: وماذا ستقول للشرطة ؟ قال الرجل : اقول..اقول، تعالوا! انقذوا البيت والعائلة والأطفال من الهجوم، والحرق! قالت: ربما لايحضرون ،او ربما يحضرون بعد خراب البصرة.. الأفضل ان تكذب عليهم .. قل ان جماعة من الشيوعيين يتجمهرون على البيت ..يريدون حرقه. قال: هؤلاء ليسوا شيوعيين.. هؤلاء اعرفهم.. قالت: اكذب ! .. فأنت في تهلكه.. والكذب واجب. فاتصل الرجل بمركز الشرطة..وقال ما اوصت به الداهية..العجوز. وبدا على المركز بعض الشك.. في الخبرالغريب.. فسألوه .. كيف عرفتهم..شيوعيين ؟ قال: من الهتاف..تعيش الجمهورية..تعيش الجبهة الوطنية...عاش الديمقراطي.. للأمام ..للأمام ... هكذا يهتفون. فاقتنع المركز ، وخفت القوة.. الى المكان بأسرع من خبر كاذب في التلفون.. لتخوض معركة باسلة ضد الشيوعيين، وحضرت كذلك سيارة اطفاء بايعاز من مركز الشرطة. ودارت معركة ناجحة أكل منها اولئك الشيوعيين ضرباً مخلصاً ناصعاً لا شائبة فيه من ميول واتجاهات ضيقة. كانت أوامر المفوض واضحة.. اضربوهم ! لذلك لم تنفع توسلات سيادة القانون ... ياأخوان.. نحن عرب.. ومسلمون.. مو كفار! كان أحد افراد الشرطة يضرب برهاوة ويشتم..ولك ! أنتو عرب؟ يعني أحنه معدان..؟ وتفرقت الزمرة.. وترك بعضهم أدوات الكفاح.. على الأرض..وهي في التعريف القانوني.. مبرزات جرمية..وأخذتها الى جانب بعض المعتقلين- الشيوعيين- ". الحكاية- كما يقول ابو سعيد- تنتهي عند هذا الحد، وهي نموذج طريف من حكايات القانون او نوادرعشاقه ،والنماذج كثيرة وذوات مواسم وادوار وموديلات .ويخاطب ابو سعيد القارئ العراقي قائلاً: " وللقارئ ان يضيف اليها أية خاتمة من واقع الحكايات الشائعة الأخرى.. مثلا أن شرطة المركز.. بعدالتأكد من هويات الموقوفين..تفتح لهم باب الموقف ،وتضع مكانهم ضعف العدد.. او اكثر.. من شيوعيين، ونقابيين، واعضاء شبيبة- وماشاكل-.. يلقي عليهم القبض بطريقة ما.. ثم يترك الأمرللتحقيق..ويصح ان تضيف ان صاحب البيت قد يقبض عليه بتهمة- اخبار كاذب- .. وقد تفرق قضيته عن الزمرة .. ثم تضاف الى قضية.. عشرين ، ثلاثين ، قضية – ركاعية- او – موصلية- .. مناسبة ثم ينام شهورا في الموقف .. تلك حكاية.. قانون طريفة.. وانصح اصدقائي بالمناسبة ، الا يكرروا كذبة العجوز في التلفون . ان مصلحة الوطن ، ومفهوم القانون والعدل ،والحضارة ..ان يقال لمركز الشرطة في التلفون ..يامركز الشرطة..وياسيادة القانون والنظام، ان جماعة من الشقاوة والأوباش تعتدي على الأمن.. فتعالوا الى الواجب...ولسوف ينتصر القانون في النهاية ..ولسوف تزدهر الحرية والديمقراطية وكرامة الانسان..في وطن اشترى كل ذلك.. بالدم العزيز ، والوعي . ". ابوسعيد - كتابات يحتوي الكراس الذي نشره الحزب الشيوعي العراقي في عام 1966 ، بعنوان: ( ابوسعيد.. مقالات مختارة ) ،على مقدمة وأثنين وثلاثين عنواناً تعود الى عامي1959 - 1960 وهي على التوالي: شائعات وأشياء أخرى، معاميل، الصحافة السوداء،أخي الفلاح، تراب الوطن، يا أعداء الشيوعية اتحدوا، اليمين واليسار، جدي فيروز، القانون، فولاذ وحديد وقوة،المومى إليه..صاحب القلم، الفوضوية يا أهل المريخ، قائمة وجبهة ، منطق ومنطق، حزب فلان،الحزب الشيوعي..المقرالعام تأسس 1934 ، بديهيات، تدور وياليتها تدورعلى غصن زيتون، الصياد والعصافيرالعشرة، نحن نسترحم ياسيادة الأصلاح، كنت في البصرة، سارق الأكفان، صاروخ روسي،أبوشوارب، شهيد آخر، قصرعجيل، ابرة سم، أقطاب وأذناب، امتحان كبير، حكاية قانون، الشيوعية.. تاتسقط، واحد من رجالها. هذه العناوين - كما أعتقد- ذات معاني ودلالات كثيره فهي تشيرلحدما الى طبيعة تلك المرحلة وأحداثها،وربما تقود بعض القراءالى نبش في الذاكرة،ومهما كانت صعوبة الحاضر العراقي ،لابد من تذكرالماضي فالعيش في الحاضروالتفكير بالمستقبل،لايمكن ان يكون واقعياً بدون استحضار الماضي. وقارئ مقالات ابوسعيد هذه لابد وان يجد نفسه في أجواء المقولة الشهيرة " التاريخ يعيد نفسه " فالكثير من أحداث تلك الأيام تعيد نفسها الآن،ولكن بشكل أكثر شراسة ودموية ،وذلك بسبب الأحتلال الأجنبي وتعدد أطراف الصراع على الساحة السياسية في العراق.في مقالة " المومى إليه..صاحب القلم"- اتحاد الشعب- 22 كانون الثاني 1960- يكتب ابوسعيد قائلاً: " اللسان مابي عظم، مثل شائع.. معناه ان اللسان يطاوع صاحبه فيما يقول: حقاً او باطلاً .. فاللسان اداة يحركها الضميرالفاسد او السليم . ومثل اللسان في خلوه من العظم، كمثل القلم وان كان القلم كله عظم او خشب ، فالقلم اداة ايضاً يكذب كما يكذب اللسان ، بل كما لا يكذب اللسان فهو اطوع واخبث واكثر ايذاءا وضرراً. والكذب باللسان ربما تفضحه حمرة الخجل على وجه الكذوب ، وربما تفضحه النظرة اوالارتباكة ...لكن القلم وهو في يد الكاتب، في غرفة- تسويد- جريدة سوداء...مغلوقة دونه الأبواب فلا يرى وجوه الناس تكشر او تعبس، اوتبتسم ، ليشعربوطأة الأنفعال، فيخجل اويضطرب. القلم اعمى حين يكذب، حين يشتم، وحين يفاخر بما ليس في صاحبه ، ويعرف الناس بلية الأعمى اذا ركب ضميره الشيطان، ومثلها بلية القلم اذ يسخره الشيطان .". وفي تفاصيل هذه المقالة الساخرة واللاذعة تحدث ابوسعيد عن الصحف السوداء والصفراء وأصحابها الذين كان هدفهم ليس محاربة الحزب الشيوعي ومنظماته الديمقراطية فقط ، بل اشاعة الفوضى السياسية و ادخال العراق في حرب اهلية. ومن المضك المبكي ان العناصرالبعثية والقومية ،وبعد تنفيذ مؤامرة رأس القرية ومحاولة اغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم ( في 7 تشرين الأول 1959 ) مباشرة ، بادرت فوراً بمعاونة اجهزة الأمن في محاولة الى تغيير مجرى التحقيق بأطلاق شائعات مفادها أن الشيوعيين هم الذين أطلقوا النار على قاسم،وبالفعل جرى تحري عدد من مقرات المنظمات الديمقراطية ،كما ان عدداً من المتآمرين وانصارهم بعثوا برقية الى عبدالكريم قاسم- يستنكرون- فيها العدوان علية، ومن بين الموقعين كان عبدالرزاق شبيب وفيصل حبيب الخيزران واسعد فريح وغيرهم. واليوم ونحن في عصرالفضائيات ومواقع الأنترنيت الميسرة، فأن أصحاب الأ لسن والأقلام الفاسدة والسوداء كثيرين، وصارت ثقافة الشتم والسب جزء من مكونات شخصية سماسرة السياسة وادعياء الوطنية...وقد يصدق عليهم قول ابوسعيد وهو يتحدث عن تراب الوطن :" ان هولاء الصائحين من وراء النوافذ ، الذين تعودوا استغلال تربة الوطن، يستغلون اليوم شعار – تربة الوطن- في مجال الخصومة.. وتوسيعاً لشقة الخلاف بين القوى الوطنية الذائدة عن- ارض العراق- فيحسن بهؤلاء أن يتدبروا الوقائع ،لا في الحاضر وحده، بل في الماضي القريب والبعيد...." .وبودي اخيرا ان أنقل لكم ما ذكرته عميدة مصري عن لقائها الأخير بالخالد ابوسعيد:"..عند دخولي الغرفة وجدته با نتظاري فسألته الإسراع بالحديث ، لتوقعي مهاجمة البيت من قبل الحرس القومي فطلب مني أسماء من يتمكن أن يتدبرالمال منهم وبيوتاً يستطيع قياديو الحزب الاختفاء فيها فأطلعته على كل ما أعرف عن ذينك الطلبين فغادر البيت مسرعاً بعد أن صافحني مردداً في تلك الظروف الصعبة ( ذوله إحنه) للشاعر الكبير مظفر النواب." ، وفعلاً .. ذوله إحنه . المصادر: - ثمينة ناجي يوسف: سلام عادل سيرة مناضل 2 /001 2 - ابوسعيد : مقالات مختارة / الحزب الشيوعي العراقي / 1966 - حنا بطاطو: العراق....الكتاب الثالث /1992
#فارس_البصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|