حمدان عليان
الحوار المتمدن-العدد: 3458 - 2011 / 8 / 16 - 20:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل أنا علماني؟
هل أنا علماني؟ سؤال لم بكن يخطر على ب الي منذ فترة قصيرة ، لأنني كنت متصورا نفسي علمانيا
بحكم احتكاكي بالمحيط الذي أبادله هموم التنوير الثقافي حيث تنكشف مختلف الأفكار المعبرة عن
مختلف التوجهات التي تؤول في معظمها الى- التوجه الاسلاموي بكل أطيافه ، و التوجه التوفيقي
أو الوطني و القومي ، و التوجه العلماني
و كنت دائما بيني و بين نفسي أكثر ميلا للعلمانية ، و كنت في نظر من يعرفني علمانيا ...
و بعد اطلاعي على ما يكتب في فضاءات الانترنت خصوصا ما يكتب في
" الحوار المتمدن" الذي أعجبني أسلوبه و انضباطه و غزارة انتاجه ، وجدت نفسي أمام
ألوان أخرى من المدافعين عن العلمانية ....بعض منها أشعرني بالبعد عن الفكر العلماني ،
اذ ارتأى بعضهم أن أساس الفكر العلماني هو الالحاد الذي يمارس الانسان بواسطته حياة طبيعية
مكتفية بالتفسير العقلاني لظراهر الوجود المادي من غير أي تاويل متجاوز لمقررات الخطاب العلمي ..
و أنا مع احترامي لوجاهة هذا التوجه فانني لا أجد في نفسي ميلا لقبوله كاختيار مقنع فيما أتصوره عن
الوجود المادي و غير المادي ..و ما يتجلى من قناعتي هو أني مسلم بالتقليد كغيري من المسلمين الذين
لم يجدوا أنفسهم في يوم من الأيام في وضعية اختيار بين الاسلام وبقية المعتقدات مثلهم مثل غيرهم
من أتباع الديانات الأخرى ..
و كل ما فكرت في مراجعة معتقدي ، أو حاولت اجراء مفاضلة بينه و بين الأديان الأخرى و جدت نفسي
تميل الى الاكتفاء بالموجود المكتسب بما لاأدري من مؤثرات نفسية تصعب معرفتها ،
و حتى اذا عرفت يصعب التجرد من آثارها .
اجمالا أنا مسلم هكذا مثلما يوجد أي مسلم يشبهني في نفس العوامل المؤثرة في الوجدان ، و مثل ما هو
لم يجدوا أنفسهم في يوم من الأيام في وضعية اختيار بين الاسلام وبقية المعتقدات مثلهم مثل غيرهم
من أتباع الديانات الأخرى ..
و كل ما فكرت في مراجعة معتقدي ، أو حاولت اجراء مفاضلة بينه و بين الأديان الأخرى و جدت نفسي
تميل الى الى الاكتفاء بالموجود المكتسب بما لاأدري من مؤثرات نفسية تصعب معرفتها ،
و حتى اذا عرفت يصعب التجرد من آثارها .
اجمالا أنا مسلم هكذا مثلما يوجد أي مسلم يشبهني في نفس العوامل المؤثرة في الوجدان و مثل ما هو
حال المسيحي و اليهودي الخ
و لما أقول أنا مسلم هكذا أقصد تأكيد حقيقة موجودة في أرض الواقع ( كما يقال ) ،
و الواقع حجة وجود قائم يصعب أو يستحيل انكاره .. و رفضه لا يلغي وجوده ،
و لا يبطل تداعيات و امتداد تاثيره .. و كل ما بقدرة الرافض له هو محاولة تغييره بما يتناسب
مع تجذره و صلابة مكوناته .
أنا أعتبر نفسي مسلما علمانيا و تصوري لوجودي بهذه الصفة مرفوض من من عدة جهات
و كل جهة تسعى الى تغييري ليصير وجودي مطابقا لوجود مغاير فالاسلامويون يريدونني
مسلما بطريقة تصورهم للاسلام و التوفيقيون يريدونني توفيقيا و الملحدون يريدونني ملحدا.
و اذا كان رفضي لأطروحات خصوم العلمانية مؤسسا على رفضي لربط السياسة بالمقدسات
فان خلافي هذه الأيام تحول من نقد خصوم العلمانية الى نقد بعض أنصا رها الجادين في الدفاع عنها ..
و اخص منهم من يؤكد زيف علمانيتي بحجج توجهين بارزين في بعض مقالات "الحوار المتمدن" ...
التوجه الأول يربط بين العلمانية و الالحاد حيث يعتبر الالحاد شرطا أساسيا في الفكر العلماني
و قد ناقشت بعضا من الرافضين لفكرة وجود " علماني مسلم " التي تضعني أمام خيارين ؛
" اما علماني و اما مسلم " و لا وسط ..
و هذا بالضبط الخيار الذي بواجهني به الاسلامويون ؛ " اما مسلم و اما علماني" و لا وسط..
و حجتي التي كررتها مرارا و للجميع هي أني أجد نفسي على هذا المنوال المركب
أنا مسلم لا أدري ( لماذا ؟ وكيف ؟) دراية كافية ، و كذلك و أنا علماني لأني اقتنعت بأفكار
تتعلق بحياتي مع الغير في المجتمع .
أما التوجه الثاني فيستبعد علمانيتي لأني منحدر من أصول عروبية بدوية مشهورة بمواصفات التوحش
فلا يمكن أن أكون علمانيا في نظر هدا التوجه لأنني حامل ل"مورثات " الاندفاع الانفعالي التخريبي .. الخ
مما يتعارض مع الفكر العلماني النير..
و لأصحاب هذا التوجه أقول ؛ ماذا أفعل بوجودي الذي أريده علمانيا حسب تصوري للعلمانية
السائدة لدى المجتمعات المتحضرة . .؟.
هذا وجودي الذي أجده في نفسي مثل ما هو موجود لدى غيري ممن اصطبغ وجودهم بصبغة
العروبة و الاسلام و تبلور بشكل من أشكال الوجود الواقعي الذي لا يمكن مسحه من على وجه الأرض
بسبب العيوب و النقائص المعروفة عن خصوصيات هذا الانتماء العرقي و اللغوي .
صحيح أن واقع العرب و المسلمين يدفع للمفاضلة القيمية على المستوى الحضاري ،
فيستحق وصفه بالكثير من صفات التخلف ...
لكن هذا لا يبرر صدق الخطاب العرقي .. فالناس متقاربون في قدرات التفكير و التقييم
في كثير من مجالات التحضر الانساني و لا يجوز الحكم على فرد أو جماعة حكما قيميا في هذا المجال بالاستناد
الى أصول هذا الفرد أو هذه الجماعة ..
اذن فباي حق يرفض انتمائي للتوجه العلماني لمجرد كوني عربيا مسلما ؟ .
في الأخير اعيد التساؤل على المهتمين بالموضوع ؛ هل أنا علماني كما أتصور نفسي ؟
أم أنا واهم في تصور العلمانية ؟ و بالتالي أنا غير علماني .. و حينئذ اتساءل عن المصطلح المناسب
للتوجه الفكري الذي أنتمي اليه مع أمثالي ممن يزعمون ضرورة حصر مفهوم العلمانية في
فصل الخصوصيات عن الشأن المشترك الذي ينحصر في عقلنة وعلمنة التعاطي مع كل
ما يحقق توافقا بين الناس في سعيهم لتحقيق أكبر قدر من المنافع بأنجع الطرق المشروعة أخلاقيا
و الاحتكام في مواطن الخلاف بينهم لا يكون الا للعقل و الضمير الانساني..
#حمدان_عليان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟