اشور اشور
الحوار المتمدن-العدد: 1030 - 2004 / 11 / 27 - 08:44
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تلاميذ ابن تيميه يرفعون عقيرتهم من جديد في بغداد
قبل بضعة ايام تلقى الصابئة المندائيون والنصارى في بغداد تهديدات جدية عبر رسائل ومنشورات وزعت في محلة السيدية في بغداد وكان اخرها بيان موقع باسم جماعة المجاهدين في سبيل الأسلام.نقتطف منه بعض الفقرات لتسليط الضوء على الطبيعة الهمجية لمصدري هذا البيان.
(وحاربوا الكفرة والمشركين بما استطعتم من قوة). لقد قام أناس من المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله والاسلام الى اجتثاث الديانات التي تشرك بالله الواحد الاحد الذي لا شريك له, القوم الذين ظلوا على الضلالة عهود طويلة يساندهم كفرهم وغيهم اناس يدعون الاسلام ولكن الاسلام براء منهم. لقد جاء اليوم الذي سوف لا يكون فيه أي مشرك او كافر يعيش بين المسلمين, هؤلاء القوم الكفرة يتحدّون تعاليم الاسلام والمسلمين حيث يقوم البعض ببيع المشروبات الكحولية وخروج نسائهم متبرجات في الطرقات والبعض يمارس السحر والشعوذة هؤلاء هم (الصابئة والنصارى) واليكم الآتي: اما الاسلام فتسلمون وتتعايشون معنا وبيننا أو خروجكم عن ارضنا وعدم العبث بمبادئنا وألاّ فسوف يكون السيف هو الفاصل بين الايمان والكفر اللهم اني بلغت وقد اعذر من انذر. ).
في البدء لابد وان اشير الى أنني وكثيرون من امثالي يرفضون رائحة العنف والأرهاب التي تفوح من هكذا بيانات, وأننا نختلف كثيرا في تفسير وشرح هذه الاية الكريمة. فنص الاية يشتمل على مفردتي الكفرة والمشركين, ولا اعتقد بأن الصابئة والنصارى هم من بين الاقوام التي تشير اليهم هذه الاية, لأن كلاهما يؤمن بالاله الواحد.
فالنصارى وخاصة المؤمنون منهم يلتزمون وبصرامة بوصايا الله العشرة (وهي الوصايا التي نزلت على النبي موسى عليه السلام في جبل سيناء), وجاء في الوصية الاولى : أنا الربّ ألهك, لا يكن لك آلهة سواي. كما يجري التأكيد على مسألة الأله الواحد في انجيل مرقس الاية 28 : ( فسأل واحد من الكتبة المسيح (أية وصية هي أولى الوصايا جميعا ؟) فأجابه يسوع : (أولى الوصايا جميعا هي/ اسمع يا اسرائيل, الرب الهنا ربّ واحد ـ فأحب الرب الهك بكل قلبك وبكل نفسك وبكل فكرك وبكل قوتك. هذه هي الوصية الاولى. وهناك ثانية مثلها. وهي أن تحب قريبك كنفسك. فما من وصية أخرى اعظم من هاتين.)
والأمر لا يختلف كثيرا عند الصابئة المندائيين في ذكر الله بأنه الرب الأزلي الواحد ففي أفتتاحية كتابهم المقدس الكنز العظيم (كنزا ربا) والمكتوب بالارامية القديمة يرد النص التالي ( سبحانك ربي العظيم اسبحك ربي بقلب طاهر, رب العوالم كلها مسبح ومبارك ومعظم ذو الوقار والجلال, الله الرب العلى سبحانه ملك النور السامي ذو الحول الشامل الذي لا حدود لقدرته النور البهي والضياء الساطع الذي لا ينضب الرؤوف التواب الغفور الرحيم مخلص كل المؤمنين وناصر كل الطيبين العزيز الحكيم العليم البصير العارف الذي على كل شيء قدير رب عوالم النور جميعها, العليا والوسطى والسفلى ذو السيماء العظيم الموقر الذي لا يرى ولا يحد, لا شريك له بملكه ولا كفء له بسلطانه, من يتكل عليه لا يخذل ومن يسبح أسمه بالحق لا يخيب ومن يتوكل عليه لا يذل رب الملائكة جميعا لا وجود بدونه وما من شيء لولاه, أزلي ليس له بداية وأبدي ليس له نهاية. ). كما أنني لا أستبعد أبدا أن فكرة التوحيد هي من الانتاج الفكري لحضارة وادي الرافدين الجنوبية وبصفة خاصة المدن الكلدانية اور وأوروك وكيش وهي المناطق التي يتمركز فيها الصابئة المندائيون. وفي هذه البقاع ولد وترعرع أبو الأنبياء سيدنا ابراهيم الخليل والذي ارتحل من أور الكلدانية الى ارض كنعان حاملا معه رسالة التوحيد.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فأن الآية الكريمة تبتدأ بمفردة (حاربوا) وهي لا تعني بالضرورة القتل او الأجتثاث كما ورد في البيان المذكور أعلاه, فالحرب يمكن ان تدار بأشكال ووسائل أخرى وليس بالضرورة ان تفضي الى القتل. فقد شاهدنا على سبيل المثال حربا دامت أكثر من خمسة وأربعون عاما بين خصمين عنيدين هما المعسكرين الأشتراكي والرأسمالي وانتهت بانتصار معسكر الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية من دون اطلاق صاروخ نووي أو قصف جوي بالطيران أوقطع رقبة الخصم بالسيف وسميت بالحرب الباردة. أضف الى ذلك الحرب الاقتصادية والحرب النفسية والحرب الاعلامية وغيرها وهي حروب تدار من دون أن تسيل فيها قطرة دم بشرية واحدة.
واذا ما حسمنا مسألة عدم اعتبار الصابئة والنصارى كفارا ومشركين وبحثنا عن الأقوام التي تندرج في مقاصد الآية , سنجد (وهذاحسب اجتهادي) أن الوثنيين والملحدين والبوذيين والهندوس والسيخ وغيرهم هم المقصودون هنا, وهي عقائد وديانات منتشرة في البلدان الآسيوية الكبيرة كالصين والهند واليابان وكوريا وروسيا وغيرها وهي دول نمت وتقدمت بوتائر سريعة جدا بسبب أنفتاحها على الحضارات الأخرى, ولها جميعها فضل كبير عليك من دون أن يكون لك اي فضل عليها. فلو فكرت مليا في الامر ستجد أن دشداشتك البيضاء منسوجة في الهند وأن شفرة الحلاقة التي تحلق بها شاربك والمقص الذي تسوي به لحيتك هما صينيان وأن القلم والحبر الذي كتبت به بيانك هو تايواني وأن جهاز الكمبيوتر والموقع الذي تنشر عليه بياناتك مصمم في هونغ كونغ وأن السيارة التي تقلها كل يوم أو تلك التي تفخخها هي أما كورية أو يابانية الصنع وأن محطة الكهرباء التي تضوي بيتك هي روسية الصنع. أضف الى ذلك أن غالبية هذه الدول تكّن احتراما كبيرا لمشاعر المسلمين ووقفت الى جانب قضاياهم العادلة سواء في مجلس الامن أم في المحافل الدولية الاخرى. فعلام تنوي محاربة كل هؤلاء القوم؟؟ أليس الأجدر بك أن تفكر أو تعمل على هديهم؟؟ أني أقول هذا ليس استخفافا بهويتنا العراقية والاسلامية ولا بسبب عقدة نقص حضارية, بل لشدة تألمي وحسرتي على ضياع الفرص التاريخية الثمينة لنهضة بلادنا, التي غرقت في دوامة العنف والارهاب وحالة عدم الاستقرار بسبب تفشي الافكار المتطرفة, السياسية والقومية والدينية والتي تفضي بالنهاية الى الصراعات المسلحة, وخاصة في غياب دولة القانون والمؤسسات, وليس هذا البيان سوى محاولة جديدة لترسيخ ظاهرة الارهاب في المجتمع.
أما اذا كنت يا صاحب البيان متشبثا بفكرة المحاربة فأن افضل وسيلة لمحاربة هؤلاء (الكفرة والمشركين) هي في اقامة الحجة والدليل وتقديم النموذج الامثل من خلال الايمان الصادق والصحيح وفي السلوك الانساني الرفيع والمتمثل في تقديس الانسان كونه أرفع المخلوقات ويحمل أجمل المشاعر والاحاسيس وكذلك في احترام ارادة الخالق في ظاهرة التنوع والتبابن في جميع جوانب الخلق.فان فعلت ذلك فانك سوف تكسب رقابا جديدة تحمل رؤوسا ملئها الايمان الصادق بالله الواحد الاوحد الذي تؤمن به وتسعى الى نشر تعاليمه بدلا من أن تقطعها بسيفك فينفر الاخرون منك ومن هكذا ممارسات شاذة لاتقرها الشرائع السماوية ولا القوانين الوضعية.
كما ان البيان يفتري على الصابئة والنصارى بأدعائه أنهم يتحدّون تعاليم الاسلام والمسلمين, بينما في حقيقة الامر لا توجد لديهم أية نية أو مصلحة بالأساءة ألى أخوتهم من المسلمين بل بالعكس أنهم يتوقون الى تعزيز الروابط الأخوية القائمة بينهم وبين المسلمين بكل طوائفهم على أرضية التسامح والتآخي والمحبة والسلام, وأن ما ورد في البيان من ممارسات للصابئة والنصارى يعتبرها أصحاب البيان مشينة ليس سوى حق طبيعي كفله لهم دينهم.
أما مسألة خروج الصابئة والنصارى من أرض العراق والتي سميتها أرضك فهي مسألة مضحكة ولا يتقبلها العقل والمنطق لأن الصابئة والنصارى هم جزء حيوي من نسيج المجتمع العراقي وهم مرتبطون بهذه الأرض قبل أن تلدك أمك بخمسة ألاف سنة على الأقل وهم ملح أرض العراق وجذر حضارة وادي الرافدين وربما أنت أيضا واحد من أحفادهم ولكن من دون أن تدري. ولهذه الاسباب كلها يتلمس المرء درجة غيرتهم وحرصهم على وطنهم وأبناء شعبهم العراقي.من خلال مساهماتهم النشيطة والفعالة في القضايا الوطنية الكبرى مثل النضال ضد الاستعمار والاحتلال الاجنبي والصهيونية ومن أجل الوحدة العربية على أسس ديمقراطية سليمة وفي تعزيز الوحدة الوطنية ودعم التحولات الاقتصادية والاجتماعية الجارية في المجتمع.
أن خطورة هذا البيان لا تكمن في تعرضه للصابئة والنصارى في العراق, حيث يشكلون أقليات صغيرة, بل في فكرة تكفير الاخرين.وأباحة دمهم فأذا نجح أصحاب البيان في أجتثاث الصابئة والنصارى وهذا أمر مستحيل فسيجدون أنفسهم أمام غريم آخر لا يستسيغون عقيدته بالمرة وهم اليزيديون وياتي من بعدهم الشيعة وينتهي بهم الامر بتصفية بقية المذاهب السنية.
وهنا لا يسعني ألا وأن أشير الى أن جميع المراجع الدينية في العراق بمختلف طوائفه وعلماء الدين الأسلامي الكبار والأئمة العظام مطالبون بأصدار فتاوى تبطل مثل هذه الدعوات التي تكفر الآخرين وتبيح سفك دمائهم كما يتوجب ادانة مثل هذه الممارسات الشنيعة التي تستهدف زرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد في وقت يتطلّب من العراقيين جميعا ابداء روح التسامح والتـآخي والتآزر للتخفيف من آلام شعبنا المنكوب الذي عانى الكثير من ظلم الدكتاتورية والحصار الأقتصادي والأحتلال الأجنبي لبلادنا.
لنعمل سوية من أجل تهدئة الأوضاع وأتاحة مناخ سياسي يدفع بالعملية السياسية الجارية بخطوات الى الأمام كي نشرع في عملية أعادة الأعمار وبوتائر سريعة للخروج من الأزمات والكوارث التي حلت بشعبنا ووطننا.
أبو سرجون ـ الدانمارك
23 نوفمبر.2004
#اشور_اشور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟