النهج الديمقراطي والأمازيغية: منطلقات.مداخل. وقضايا

حبيب عزيزي الخميسات

الحوار المتمدن-العدد: 3458 - 2011 / 8 / 16 - 17:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

النهج اليمقراطي والأمازيغية
ـ منطلقات ، مداخل وقضايا للنقاش.

تنطلق الحركة الثقافية الأمازيغية من أساس فكري مفاده أ ن المغرب ليس امتدادا للمشرق العربي .وأن التاريخ الأمازيغي تشكل منذ 5000 سنة ق م ،لذلك فانه لايبدأ من تاريخ تأسيس الدولة الادريسية بالمغرب. كما أن التأسيس للحظارة الأمازيغية كان من خلال حكم الأمازيغ نفسهم بنفسهم في فترات مهمة من التاريخ القديم. وتبعا لذلك فقد تشكل وعي بالذات تمظهر في جل أنماط التفكير والابداع ، في الثقافة وأنماط السلوك . وعبر الحقب الزمنية المديدة جرب الأمازيغ كل أشكال المقاومة والاندماج ، فاحتكت الأمازيغية بالاستعمار القديم ( الفينيقيين ، الرومان ،الوندال ...) كما احتكت بالكولونيال الحديث الفرنسي والاسباني. ومع هذا كله لم تصبح امتدادا فكريا أو حظاريا لأي وافد.
ولذلك فان أي تصور للقضية الأمازيغية راهنا انما ينهض من خلال منطلقات فكرية وتاريخية أهمها:
1ـ أن المغرب ليس امتدادا للمشرق العربي.
2ـ أن اللغة والثقافة الأمازيغية تأسستا في بلاد تامازغا .
3ـ اعادة كتابة التاريخ الوطني الحقيقي ينطلق من تاريخية الأمازيغ في شمال أفريقيا.
4ـ أن الفهم الصحيح للهوية هو الفهم الذي ينصف المكونات التاريخية لهذه الهوية.
وهذه المنطلقات بقدرما توحد الحركة الأمازيغية على صعيد المفهوم ، بقدرما تجعل منها نوعا من التداخل بين السياسي والثقافي من جهة ، وبين الحقوقي والتنموي من جهة ثانية ، وبين الوطني والجهوي من جهة ثالثة. مما يجعل أي تقسيم على هذه الأسس تقسيما تعسفيا. ولغرض اجرائي فقط يمكن تصور شقين أساسيين من حيث الأهداف والوسائل المتبناة.

أ ـ الحركة الثقاقية :
وهي مجموع الجمعيات وأشكال التنسيق بينها ، التي اشتغلت على المكون الأمازيغي . يرى البعض أنها انطلقت منذ تأسيس أول جمعية تعنى بالتراث الأمازيغي سنة 67 ( جمعية البحث والتبادل الثقافي) .في حين يذهب البعض الى اعتبار كل أشكال المقاومة الأمازيغية عبر العصور التاريخية شكلا من أشكال الحركة الأمازيغية . وتتوحد مجمل الجمعيات على النضال من أجل اعادة الا عتبار للأمازيغية لغة وثقافة وهوية عبر مطالب تنطلق من وحدة المكون الى تأسيس شبكة طويلة ومتداخلة من المطالب المصاحبة. تمس مجمل أوجه الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية في أحيان كثيرة.
وقد شهدت الحركة الثقاقية لحظة في سيرورتها أسست من خلالها لوحدة المطلب الأمازيعي ذلك ما عبر عنه ميثاق أكادير( 1991) بمطالب خاصة بالدسترة والتعليم والاعلام ، ولو أن ديباجة الميثاق كانت أكثر جرأة في نتاول الأمازيغية .اذ عبرت عن الأسس المادية لتهميش اللغة والثقافة والهوية.في حين اكتفت الأجوبة عن هذة الديباجة بالبنى الفوقية.
ومع تنامي أشكال التنظيم و التنسيق تنامت فروع كثيرة من المطالب ، عبرت بالفعل عن فضاعة التهميش الذي تعرضت له الأمازيغية.وجد كل ذلك تفريغا له في مطلب عام " ادراج الأمازيغية في كل مناحي الحياة بالمغرب " من التعليم والاعلام فالعدل والدستوروالثقافة ..الخ .
لقد واكب وباضطراد أكبر نمو المطالب الأمازيغية تطورفي أشكال التنظيم ، لم يستطع مع ذلك توحيد الحركة في اطار محرك ذو صبغة وطنية شاملة.ومرد ذلك الى اتساع رقعة انتشار الأمازيغية في جغرافية واسعة تمتلك سمات مميزة بذاتها على خلاف حركة العروش بالجزائر. كما تمتلك أيضا غنى داخليا من التنوع الذاتي في اللهجات المكونة للأمازيغية . وغنى من خلال الاختلافات في الطرح والتناول. على أن الزعاماتية الفجة والانفتاح على أجندة المخزن المسؤول الوحيد والأوحد على تهميش الأمازيغية جعل منها شتاتا بقدرما تلتئم في اطارتنسيقي ما ، بقدرما تنفصل أجزاءا يصعب توحيدها من جديد. أفرز تنسيق 91 مجلسا وطنيا بأكادير، وميثاق مطالب . لكن الصراع احتدم حول الصيغ والأشكال بين من يتبنى العمل الثقافي تحت يافطة الجمعيات ومن دعا الى الشكل السياسي المباشر على طريق الأكراد وان كان بين التجربتين بون شاسع في الوضع العام. واتجاه ثالث وفق بين العمل السياسي والثقافي في ضيبغة " العمل بجناحين " الاتجاه الأخير الذي سرعان ما حرك جناحه الحزبي على حساب الجناح الثقافي ( تجربة تا ما ينوت والحزب الفيدرالي ).
ورغم كل هذه التعقيدات استطاعت الحركة الثقافية الأمازيغية أن تنتظم في أشكال متنوعة أهمها :
ـ الجمعيات المحلية / التنسيقيات الجهوية / التنسيقيات والشبكات الوطنية /المنتديات الأمازيغية / الكونفدراليات / الحركة الثقافية الأمازيغية بالخارج /فعاليات أمازيغية أكاديمية / دوائر أمازيغية وسط الأحزاب / تنظيم شبيبي في طور التأسيس / مؤتمر عالمي أمازيغي (برأسين).
ب ـ الحركة السياسية الأمازيغية

بحجة أن المطلب الأمازيغي أثقل من أداة العمل ، وخاصة مطلب تغيير الدستور لصالح الأمازيغية انبرى الكثير من أمازيغيي الحركة الثقافية الى طرح الشكل السياسي الحزبي المباشر كجواب عملي على اغفال الدوائر المسؤلة لمطالب الأمازيغيين. ليجد هذا أولى الصيغ في " الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي ) الذي تأسس في 31 يوليو 2005 علىقاعدة نفس مطالب الحركة الثقاقية: انصاف المناطق الأمازيغية المهمشة واصلاح التعليم واعادة الاعتبار للتاريخ الأمازيغي واعادة الأراضي المنزوعة ودسترة الأمازيغية ...الخ. كما شهدت الساحة الأمازيغية عمليتين تحضيرتين جديدتين الأولى حول جمعية تاماينوت ( الحزب الديمقراطي الفديرالي ) والثانية أقرب الى " أزطا ".
تبدو الاشكالات التي ستنطرح بانتقال النضال الأمازيغي الى الاستراتيجية الجديدة : أعمق من الأجوبة نفسها التي سيقدمها للوضع الأمازيغي الراهن بالمغرب .اذ تنتقل بؤرة التركيز من المطلب الأمازيغي نفسه الى الاشكالات التي سيطرحها التنظيم الداخلي للحزب والهياكل والأرضيات المذهبية وكل ما يقفز الى واجهة الاهتمام بمجرد تأسيس حزب سياسي أمازيغي .بل طرح سؤال التكتيكات السياسية من خلال التحضير لثلاث تجارب سيياسية في مرحلة متقاربة ماذا تمثل هذه الامكانية ؟.وما موقع وحدة المطلب الأمازيغي فيها ؟ مع العلم أن بوادر الاختلافات تلوح في الأفق . بدءا من ردود فعل الحركات الأمازيغية الديمقراطية حول أشكال التواصل التي دخلت فيها بعض الأحزاب مع اسرائيل . والموقف المتعارض حول المعهد الأمازيغي . ومن الاستقلالية : استقلالية الموقف السياسي الأمازيغي عن المخزن وعن التكتل الطبقي السائد . أضف الى ذلك أن التنظيمات السياسية لم تتأسس على حوار وطني جاد وشامل بخصوص الأمازيغية .اذ لم يسبق أن التأمت كل التعبيرات الأمازيغية باختلاف تنظيماتها في اطار شكل من أشكال الحوار الوطني الأمازيغي لصياغة موقف سياسي من القضايا المطروحة كما يستوجب المنطق السياسي . وكما هو معمول به في القضايا والتجارب المماثلة في العالم. واذ تتأسس التجربة السياسية الأمازيغية حديثا على قاعدة كاريزمية الفعاليات الأمازيغية وحول دائرة جمعيات ثقافية يبقى تناسل الأحزاب أمرا واردا أكثر فأكثر. الشيئ الذي سيؤثر على وحدة القضية ووحدة الصراع من أجلها كما جرى ويجري راهنا بالكونكريس الأمازيغي ذاته.
وبقدرما يبقى الاختيار حرا في تبني الشكل والأداة ، بقدرما يبقى من باب الديمقراطية نفسها طرح اشكالات أخرى أكثر جدية من قبيل ضد من تتأسس الأحزاب الأمازيغية ؟ من هم حلفاؤها وأعداؤها ؟ ما هي منطلقاتها السياسية والاديولوجية ؟ وبالتالي ما هي شكل الدولة الوطنية و النظام السياسي الذي تسعى اليه.

مطالب الحركة الأمازيغية

أ ـ المطالب السياسية : دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية الى جانب العربية / اعتبار الأ عراف الأمازيغية كمصدرمن مصادر التشريع / فصل الدين عن الدولة وضمان حرية الاعتقاد / الحكم الذاتي للمناطق ذات الخصوصيات الأمازيغية / التنصيص على سمو المعاهدات الدولية ...
ب : المطالب الاجتماعية : الحق في السمعي البصري / ادراج الأمازيغية في التعليم والادارة /رفع التهميش الاجتماعي والاقتصادي عن الناطق المهمشة /سياسة تنموية تعتمد التمييز الاجابي للمناطق الأمازيغية المهمشة /
ليس من السهل تماما القبض على المطالب الأمازيغية فهي تتطور بوثيرة متسارعة . وتجد تعبيرات لها مختلفة من تنظيم الى تنظيم آخر .كما أنه لا نزعم هذا التقسيم بين السياسي والاجتماعي في المطلب الا لظرورة منهجية فقط . عدا هذا فان تداخل المطالب وسيرورتها / صيرورتها جعل من المطالب المذكورة سالفا عناوين مطلبية كبرى تتفرع عن كل واحد منها لائحة من المطالب الفرعية والتي تكاد تغطي كل مناحي الحياة في المغرب بما فيه الطابع المحلي والجهوي .
النهج الديمقراطي : مداخل تناول الأمازيغية.
ينطلق النهج الديمقراطي كحزب ذي مرجعية ماركسية من أساس فكري ونظري واضح بخصوص بناء الدولة الوطنية الديمقراطية. مفاده أن هذا البناء لا ينهض على قاعدة انتماء قومي أو ديني أو ما شابه ذلك ، وهو اذ يتبى وينحاز الى الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين بالمغرب انما لكونها الطبقة الحاسمة في الصراع الطبقي . من موقعها في عملية الانتاج . وليس لانتمائها القومي أو العرقي أو الديني . فهي اما طبقات مستغلة مباشرة في مواقع الانتاج من طرف الرأسمال والتكتل الطبقي ، واما هي طبقات لا تمتلك وسائل انتاج وتسعى الى امتلاكها في أفق تحقيق مجتمع خال من الاستغلال : المجتمع الاشتراكي الحقيقي.
لكنه ينظر أيضا الى مكونات الهوية الوطنية ( الأمازيغية والعربية والبعد المتوسطي والبعد الافريقي والأممي) بوعي متقدم يجعل مساعدة الجوانب المشرقة من هذه المكونات على الانبثاق والتحرر أمرا حاسما أيضا في تطوير الصراع الطبقي . اذ تمتلك هذه المكونات جوانب تاريخية ثقافية وهوياتية وأنماط من التنظيم والتظامن الداخلي ، اظافة الى تاريخ شامل من المقاومة والصمود، يجب الحفر فيها في أفق انبثاقها لتساهم في الصراع بين الأغنياء والفقراء في التاريخ الراهن.
وهذا لا يمكن قطعا الا اذا ساعدتها القوى الديمقراطية والتقدمية عموما على الا نوجاد والتعبير على ذاتها في كل مناحي الحياة بالمغرب.
لذلك طور النهج الديمقراطي الكثير من المواقف الجديرة بخصوص الأمازيغية ، وجعل لها الكثير من المداخل عبر حركية اشتغاله سواء داخل التنظيم نفسه أو داخل نضاليته في الاطارات الجماهيرية.
1 ـ يرى النهج الديمقراطي أن التاريخ الرسمي تاريخ غير ديمقراطي . فاعادة كتابته من أجل ابراز رغبة الكادحين في التحرر من الاستغلال وكذا ابراز مساهمة الطبقات الشعبية في هذا التحرر أمر ضروري.
2 ـ ان المغرب ليس امتدادا للمشرق العربي ، انه انصهار مكونات تاريخية امتدت منذ ظهور الانسان على هذه الأرض ( أمازيغية ومتوسطية وعربية وأفريقية وانسانية ) تجادلت ماديا وفكريا وكونت وحدة ثقافية وشعبية في مواجهة كل أنواع الاستغلال كيفما كانت قوميته ولغته .
3 ـ أن اللغة والثقافة تمظهرات للبنى المادية التي تجا دلت والبنى الفكرية. لهذا فتنمية الطاقات الخلاقة للغة والثقافة الأمازيغية يمر عبر الاعتراف بمكوناتها وحمولاتها الشعبية والتاريخية عبر دسترة اللغة الأمازيغية رسمية في دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا. وتجنيد الوسائل الوطنية لاعادة الاعتبار لها لما طالها من تهميش تاريخي.
4 ـ ان المسؤول عن تهميش الأمازيغية هو التكتل الطبقي السائد والذي انتزع الأراضي من أصحابها ابان الاستقلال الشكلي . واستولى عن طريق الكامبرادور الفلاحي عن كل البنيات المادية للبادية المغربية ( أراضي الجموع ، المراعي الجماعية ، المياه ، الغابات ، الثروات الباطنية والجوية والبحرية...) لذلك فتحديد المسؤول الحقيقي جزء من تحديد حلفاء الأمازيغ في النضال من أجل اللغة والثقافة والهوية .
5 ـ موقف النهج من الحركة الجماهيرية والمدنية عموما ، اذ يسعى بوضوح الى بناء أدوات الدفاع الذاتي للجماهير على قاعدة الديمقراطية والاستقلالية عن المخزن . وتدخل في هذا الورش كل الاطارات التي تسعف الكادحين في الدفاع عن حقوقهم الا قتصادية والاجتماعية والثقافية ، ودوره في الدفاع عن الأمازيغية وبناء الطارات الأمازيغية والمساهمة في تطوير أشكال النضال داخلها واضح.
6 ـ الدعوة الى بناء جبهة ضد العولمة المتوحشة موجهة الى كل الاطارات السياسية والمدنية والأمازيغية وغيرها . ومعلوم دور العولمة في الاستلا ب الثقافي وطمس هوية الشعوب ، والاجهاز على الثقافات الاقليمية والمحلية ( بما فيها الأمازيغية ) .
7 ـ الموقف التاريخي الذي عبرت عنه" الى الأمام" بخصوص القضية الأمازيغية في فترة عصيبة ثم الطرح المتقدم في ورقة الخصوصيات الاثنوثقافية بشأن الأمازيغية الذي جعل منه أول رأي سياسي يطرح الحكم الذاتي للمناطق الأمازيغية المتقاربة تاريخيا وثقافيا وجغرافيا . من أجل ابراز مكوناتها والمسا همة الى جانب الطبقة العاملة والفلا حين الفقراء وسائر الكادحين.

ذ. حبيب عزيزي
الخميسات
المغرب

#حبيب_عزيزي_الخميسات (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات