لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)
الحوار المتمدن-العدد: 3458 - 2011 / 8 / 16 - 13:38
المحور:
حقوق الانسان
التربية على المواطنة وحقوق الإنسان، وإن كانت مجالا مستقلا من حيث المنهج والمضمون، وصناعة ذات مبادئ وأسس، فإنها تدمج بشكل مستمر ضمن وحدات المقرر الدراسي، وقلّ ما تبرمج كمادة مستقلة ينقطع لتدريسها أساتذة متخصصون. صحيح أن هذه الصناعة تدمج ضمن برامج مؤسسات التكوين بالمغرب، وتشكل مجال ممارسة أندية تحدث بالمؤسسات التعليمية لغاية التربية على المواطنة وحقوق الإنسان. وصحيح أن في بعض المقاطعات الإدارية الجهوية، والإقليمية، الأكاديميات والنيابات خلايا ومكاتب تنقطع للشأن الحقوقي. لكن التعاطي غير المباشر، في جميع الأحوال، وهذا الشأن قد يقلل من قيمة المجهودات المبذولة طيلة عقد من الزمان. ويمكن النظر إلى المسألة من زاوية أخرى، للاستنتاج أن لا عيب في الأسلوب، ولا قصور في الأداء، ما دامت كل المواد الدراسية التي تعالج القيم، وما أكثرها، تحوي فصولا تتقاطع وحقوق الإنسان، وما دام انتهاز كل الفرص لنشر ثقافة حقوق الإنسان ممكن. ومن جانب آخر فالشأن الحقوقي لا يليق به السجن في قفص الاختصاص والتخصص فهو شأن عام، يجب أن ينقطع له الجميع.
ولقد دأب المسؤولون على التربية على إشاعة حقوق الإنسان والنهوض بها في المدارس التعليمية ابتداء من السنة الدراسية 2000-2001، بنفس النهج الذي يتم فيه التعاطي مع مجالات التربية المماثلة، كالتربية السكان التي ظهرت بالمغرب في بحر سنة 1990، والتربية البيئية، والتربية الطرقية، والتربية على حقوق الإنسان، حسب اتفاقية 1994 بين وزارة التربية الوطنية ووزارة حقوق الإنسان، والتربية الجنسية التي بدا التفكير في شانها قائما. ومنذ ذلك الوقت، أضحت مبادئ حقوق الإنسان ومفاهيمها تدمج في منهاج المواد الدراسية، اللغة العربية، واللغة الفرنسية، والتربية الإسلامية، والفلسفة والفكر الإسلامي، والاجتماعيات. وبعد توقيع اتفاقية الشراكة بين وزارة التربية الوطنية والشباب سابقا، ووزارة حقوق الإنسان، يوم 15 فبراير 1999، من أجل تعزيز مبادئ حقوق الإنسان ومفاهيمها، في البرامج الدراسية، بدأت التربية على حقوق الإنسان تتخذ طابعا مؤسساتيا، لكن تفعيل مواد الاتفاقية استغرق بعض الوقت في المرحلة الإعدادية. ويعنينا أن السنة الدراسية 2000/2001 تعد نهاية مرحلة الإعداد، وبداية مرحلة التجريب، وخلالها اختيرت خمس أكاديميات للتربية والتكوين لاحتضان التجربة، مكناس تافيلالت، الدار البيضاء، سوس ماسة درعة، وجدة، تطوان. وبموازاة ذلك دأب المسؤولون، على الشأن التربوي، على مراجعة الكتاب المدرسي لإزالة بعض المضامين المنافية لحقوق الإنسان. ورغم ذلك، لا تزال فقرات كثيرة تبيح الميز بين الجنسين. ولقد صدرت الأدلة وبعض المراجع المفيدة في إعمال التربية على حقوق الإنسان، واستفاد بعض رجال التربية من التكوين، وصدرت بعض المذكرات التوجيهية المنظمة للتربية على المواطنة وحقوق الإنسان، والمذكرات التي تحث على الاحتفال ببعض المناسبات، كالمذكرة رقم 137/12 بتاريخ 25 أكتوبر 2002، حول الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، ونفس الموضوع حملته المذكرة رقم 144 بتاريخ 05 دجنبر 2002، وهناك مذكرة (137/10) تفعيل الأندية السينيمائية بالمؤسسات التعليمية، ومذكرة (02) (قولوا نعم من أجل الأطفال) بتاريخ 17/01/2002 بتاريخ 25/10/2002، ومذكرة برلمان الطفل، رقم 16، بتاريخ 01/03/2002. وابتداء من الموسم الدراسي 2004/ 2005 قطع تقييم التجربة أشواطا وأنشأ المسؤولون يستعدون لتعميمها على كل المدارس المغربية. ونسجل أن التجربة التي حملتها أندية التربية على المواطنة وحقوق الإنسان هي الرائدة في إشاعة ثقافة حقوق الإنسان والنهوض بها. وحسب النظام الداخلي المقترح للمؤسسات التعليمية، فإن للتلاميذ حقا في تكوين أندية ثقافية وفنية، وتنشيط الحياة المدرسية بالانخراط في مختلف الأندية.
يمكن استحضار ثلاث مجالات لممارسة حقوق الإنسان، في الأندية المحدثة لهذه الغاية، أو في قاعات الدرس، أو في التسيير الإداري المؤسساتي، المجال المعرفي، المجال السلوكي القيمي، المجال التطبيقي لإغناء ممارسة حقوق الإنسان حقوق الإنسان.
فالمجال المعرفي ويقضي الإلمام بكل الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي جاءت على شكل إعلان، أو اتفاقية، أو بروتوكول، أو معاهدة، وهي صكوك تصنف إلى عامة وخاصة. تطلق على الصكوك العامة الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وهي على سبيل الحصر، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولين الملحقين به، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأما الصكوك الخاصة فهي صكوك موضوعاتية تخص فئة معينة، المرأة، الطفل، ذو الحاجات الخاصة، أو تخص موضوعا معينا كاتفاقية الأمم المتحدة من أجل منع جريمة إبادة الأجناس (1948)، وهناك صكوك تفرد لحالات خاصة كاتفاقية منظمة العمل الدولية حول وضع اللاجئين. لكن التعريف بهذه الصكوك ضعيف للغاية.
ويقضي الجانب المعرفي كذلك التزود بمجموعة من المفاهيم والمصطلحات الحقوقية (الإعلان، الاتفاقية، العهد، البروتوكول، الصكوك الملزمة وغير الملزمة) ، وأجيال حقوق الإنسان، وخاصيات حقوق الإنسان كالعالمية، وملازمتها الإنسان لأنها تولد معه، وعدم قابليتها للتجزئ. ويقضي كذلك ضبط مفهوم انتهاك حقوق الإنسان والآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان. ويستدعي إدراج فلسفة الحرية والحق والواجب ضمن المقررات الدراسية والتركيز عليها. فالحق مرتبط بالحرية كما أشار إليه كانط في كتابه (مذهب الحق)، والحرية مرتبطة بالالتزام، والواجب. ويبدو من المفيد كذلك تعريف القانون لتمييزه عن الحق وبيان أوجه الاختلاف بينهما.
المجال الثاني ويقضي اكتساب القيم عامة وقيم حقوق الإنسان خاصة كالكرامة والعدالة والمساواة والحرية والتسامح والتضامن...الخ.
المجال الثالث وهو مجال تطبيقي، ويقضي خلق وضعيات حقوقية لمعالجاتها بالنقاش، ومواقف سلوكية. ومن الممكن تكليف المتعلمين برصد حالات انتهاك حقوق الإنسان. وتنظيم حلقات لاستماع الضحايا والقيام بالاستجوابات وإعداد بطائق خاصة لهذه الغاية.
وعلى الرغم من المجهودات المبذولة والتقييم الإيجابي لما هو كائن، والتفكير في تطوير الآداء، لم تتحرر المدرسة المغربية من بعض القيود مما جعلها غير مؤهلة لتبليغ هذه الرسالة على الوجه المطلوب. وحسبنا أن أندية المواطنة والتربية على حقوق الإنسان تحدث، الغالب الأعم، لإرضاء نزوات لا علاقة لها بحقوق الإنسان. إنها تبدو، في مواقع كثيرة، فضاءات لتصريف إيديولوجيات ضيقة لثلة من المؤطرين. ولأن الإدارة التربوية تعتبر هذه المهمة عملا إضافيا يثقلها، فإنها غائبة، في الغالب، غير متتبعة لما يجري داخل الأندية. ومن المؤسسات التي تتحكم في أنديتها وتوجيهها ليقتصر عملها على الاحتفال ببعض المناسبات، واستحضارها دون الوقوف مليا عند مغزاها ومرجعها. ولم تنج التربية على المواطنة وحقوق الإنسان من الزيغ في قاعة الدرس. فرب مدرس اغتصب منصبه لتمرير خطاب سياسي أو شخصي، وذلك ما حذر منه ماكس فيبر في كتابه (العالم والسياسي). وتعد مادة التربية الإسلامية أكثر المواد اغتصابا وتوظيفا في ما لا يخدم التربية على حقوق الإنسان، ذلك أن بعض الأساتذة ولتعاطفهم مع الإسلام السياسي وانخراط بعضهم في جماعات معينة، يوظفون سلطة نقطة المراقبة لعقاب بعض التلاميذ على سلوكهم (تقدير المحجبات من التلميذات على غيرهن)، وهناك تلاميذ يهمشون في حجرة الدرس، لا لشيء سوى أن آباءهم يحملون فكرا مخالفا. ومن جانب آخر تدرس التربية الإسلامية، كم يفيدنا عنوان المادة، لتصريف موقف ديني واحد، الدين الرسمي لتشبث المغرب بمذهب الإمام مالك، وقل ما ما تنفتح المواد المقررة على الديانات الأخرى، أو على الأقل على المذاهب الأخرى، ولو داخل التيار السني. وحسبنا أن ديانات التوحيد الأخرى، وإن استشهد بها أثناء تقديم مفهوم ديني وبنائه فإنما لانتقادها بما هي ضمن منظومة الشرك، مما يجعل تدريس مادة التربية الإسلامية، التي تسمى من قبل مادة الدين (وهذا هو الصواب)، أداة لتصريف موقف ديني واحد، في حال التزام الأستاذ بمضمون الدرس المقرر، أو تصريف الرأي الشخصي لكل أستاذ زائغ، أو موقف جماعات معينة، ومن حق الأستاذ الانتماء إليها، لكنه ليس من حقه انتهاز فرصة إلقاء الدرس لتمرير إيديولوجيتها. وإذا كان المغرب ملتزما بمذهب الإمام مالك على مستوى الفقه، ومتشبثا بالأشاعرة على مستوى علم الكلام، والتصوف السني كما رسمه الجنيد، فإن علم الكلام الأشعري قل ما يدرس ضمن مواد التربية الإسلامية، ولما لا يجب الانفتاح على الفكر الاعتزالي العقلاني، وأما التصوف المتفرع عن الجنيد والمنتظم في الطرق والزوايا، الشاذلية، التيجانية، القادرية، الدرقاوية.....فقلّ ما يلفت إليه الانتباه. وباختصار، تفتقر مادة التربية الإسلامية تدريسها إلى الموضوعية، مما يجعلها تمس في العمق حرية الاعتقاد، ما دامت الديانات الأخرى تصنف في خانات الشرك، والمذاهب الأخرى مسكوت عنها. فلا مجال أمام التلميذ، ولا ظروف ملائمة تمكنه من تأسيس موقف في العقيدة.
ولم تخل المواد الأخرى من الزيغ، أو على الأقل من إكراهات تحول دون تكوين شخصية التلميذ. وحسبنا أن المواضيع المدرجة ضمن مادة التاريخ، تاريخ المغرب خصوصا، تقر، بشكل ضمني أن أول دولة في المغرب، هي دولة الأدارسة، وما قبل حكم هذه الأسرة غامض، إن لم يتضح في وقائع تنسب للفنيقيين والقرطاجيين والرومان والوندال والبيزنطيين، وكل من دخل المغرب غازيا. إن مضامين التاريخ بالمدرسة المغربية غير منصفة للهوية الثقافية، أو على الأقل تمس بالحقوق الثقافية لفئة عريضة من الأمازيغ، بما هم السكان الأصليون، وبما هم أغلبية ثقافية. وأما دور الزوايا، إن شئنا ربط تاريخ المغرب بدينه، فطال ما لا تصنف كصانعة الحدث في مغرب القرنين الخامس عشر والسادس عشر خصوصا.
صحيح أن مصوغات التكوين في مجال حقوق الإنسان استحضرت الهوية الوطنية والحضارية المغربية، والانتماء الحضري الكوني، والتحولات التي عرفها المغرب مؤخرا، بإحداثه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وتطوير قوانينه، فضلا عن الاختيار الديموقراطي الذي نشأ يسلك طريقه، لكن ذلك غير كاف ما لم تستحضر تجربة المغرب في العدالة الانتقالية، وتدرج ضمن المقررات الدراسية خصوصا مادة التاريخ الراهن. وإذا كان الحديث عن تاريخ سنوات الرصاص التي عرفها المغرب ضمن التاريخ الراهن حاضرا لدى بعض أندية المواطنة والتربية على حقوق الإنسان، وهنا ننوه بتجربة ثلاثة أندية بمدينة خنيفرة التي انخرطت في تصوير فيلم حول ماض الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بخنيفرة، عرض في بحر سنة 2010، فإن الاهتمام بالتاريخ الراهن لا يزال ضعيفا في المدارس المغربية.
ومن جانب آخر لم تخل المؤسسات التعليمية من ممارسات غير حقوقية، من ذلك التمييز بين الجنسين كما سلفت إليه الإشارة، رغم إقدام بعض الجمعيات بمدينة الرشيدية على إنجاز مشروع التربية على المساواة بين الجنسين (جمعية أصدقاء التلميذ القروي). ونضيف أن المرأة لم تتمتع بحصتها من الإدارة التربوية، كما أنها تتعرض للاضطهاد، إن هي ناشطة حقوقية كما حدث بخنيفرة مؤخرا، وأن بعض الإداريين لا يزالون يستعملون العقاب البدني والعنف المادي تجاه التلاميذ، وينهجون أسلوب الاستبداد في التسيير الإداري.
وختاما، لئن كانت التجربة المغربية في مجال النهوض بثقافة حقوق الإنسان وإشاعتها في المدرسة المغربية قد قطعت أشواط مهمة فإن المدرسة المغربية لا تزال تفتقر إلى حرية الموقف مما يجعلها متعثرة في تبليغ رسالة التربية على حقوق الإنسان.
#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)
Ait_-elfakih_Lahcen#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟