|
رؤية في حال المنطقة العربية
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 3455 - 2011 / 8 / 13 - 15:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أيها السيدات والسادة الأفاضل ( لقد كتبت هذه الرؤية بناء على طلب جهات متقدمة في الإدارة الأميركية والبريطانية ) لكم كل التقدير والأحترام ، وأشكركم على هذه الثقة التي منحتموني أياها ، وسأحاول قدر الأمكان أن ألج صلب الموضوع السوري دون حرج ، دون أن أعتمد على عنصر الإرادة أو الرغبة ، كما أنني سأصرف النظر عن بعض الأطروحات الهامشية ، وكذلك بعض الآراء التي لاأعتبرها تنضوي تحت مفهوم التاريخي ، وكذلك بعض التصورات التي لاتتجاوز الأفق الشخصي ، ومن هنا تحديداُ أحبذ أن نذهب سوية إلى عمق الحدث السوري . وثم نعرج إلى عمق الأحداث في المنطقة العربية برمتها بما فيها ما يسمى بالنزاع العربي الأسرائيلي . فالمسألة أضحت الآن مكشوفة من الداخل السوري ، ومن الخارج العربي ، بكل معاييرها ، وبكل عوامل وجودها ، وبكل حيثيات تفاعلها . إذن لدينا مستويان ، أحدهما سوري بحت ، والآخر جمعي عام مشترك . والأثنان متداخلان ومتباعدان ، لكن الشيء الذي يفرض نفسه على المستويين ، وعلينا ، وعلى كل قوة تهتم بالشرق الأوسط ، أو لديها مصالح حيوية ، أو تعتبر الأهتمام به هو جزء من أهتمامها بالعالم ، وعلى الفئات والأثنيات والشعوب في المنطقة ، وعلى التيارات الحزبية والسياسية ، هو أعتقادنا أننا نحن ، والشرق الأوسط قد دخلنا في مرحلة تاريخية جديدة التي لم تعد تقبل على الأطلاق كافة مقومات ، وأفكار ، وسلوكيات المرحلة الحالية التي أعتبرها منذ الآن – سابقة - . فهذه المرحلة الجديدة الحالية لايستطيع أحد مهما كان ، ومهما أوتي من القوة أن يتجاوز مقتضياتها إلا بالرضوخ لها . وهنا يبرز السؤال الأكثر جوهراُ ، الأعظم أهمية ، والذي نجيب عليه دون طرحه ، وهو إن المنطقة كلها بحاجة إلى حل جذري شامل ، وإلا فإن الأشكاليات ستستمر وتدوم بفظاعتها وجسامة هولها . إن القوى الديمقراطية والعلمانية والمحبة للسلام والتي لاتملك أجندات مستترة ، أنتقلت من ضعف في المردود التاريخي ، إلى قوة مضمرة عظيمة في الظاهرة التاريخية ، وهي بحاجة ماسة إلى مرحلة من التماهي ، والتكوين ، والأئتلاف ، لكي تبرز كقوة أولى في صياغة هيكلية جديدة للمجتمع السوري ، ضمن قوانين العرف الدولي ، والذهنية المشتركة . وفيما يخص القوى الأسلامية المؤدلجة ، رغم أنها تبدو قوية جداُ ، ومتماسكة ، وكأنها البديل القادم المفترض ، إلا أن هذه المرحلة التاريخية قد جاوزت أسس ومقومات هذه القوى ، من الزاوية التاريخية المحضة ، ومن زاوية الوعي العام ، ناهيكم إن هذه القوى لاتملك أسباب المحتوى الديمقراطي الحديث ، هي تستطيع أن تحاكي – تصطنع – حالة الديمقراطية ، لكن لا من الناحية السياسية ، ولا من الناحية الأيديولوجية ، هي قادرة على أكمال هذا الدور ، رغم إن في طياتها الحالية نفحة إيجابية من تقبل الآخر ، لكنها لاتكفي على الأطلاق لأستلام هذا الدور . وبنفس الحيثيات ، ينبغي أن نتحاشى الذهاب ، في مرحلة ما بعد السلطة السورية الحالية ، إلى أستخدام مفهوم من هو البديل السياسي !! هذه ستكون كارثة في مستوى الديمقراطية ، وفي مستوى التحليل التاريخي ، والتعليل المعرفي ، وستكون ضارة جداُ ومؤذية في حق الثورة السورية نفسها . فلابديل سياسي على الأطلاق ، إنما البديل هو ومن موقع الضرورة التاريخية هو – لاسياسي – يغترف من محتوى السياسي ، لأنه ينبغي أن يكون – من الشعب - ومن مؤسسة مدنية تنشىء الآن من شرائح – الشعب – اللاسياسية . هذا من حيث المنطوق والتحليل ، ومن ناحية أخرى لإن – السياسي – قد أستهلك ، ونفدت مقومات ديمقراطيته تحديداُ . وبدرجة أقوى ، وأكثر صراخة ، فأن الأنظمة العقائدية الشمولية – حزب البعث – قد أفلست تاريخياُ ، بل أن مدلولاتها أصبحت وكانت تناقض الشريعة الأساسية للتجربة البشرية ، وهي بالتالي سبب أصل الداء ، ومبعث الأزمات ، ولابد من التخلص منها كلياُ ، من هكذا نظم ومن هكذا حزب . وبنفس الدرجة ، وبكل صراحة ، لايمكن للولايات المتحدة الأميركية ، والدول الأوربية ( المملكة المتحدة ،الجمهورية الفرنسية ، ألمانيا الأتحادية ) أن تتعامل مع شعوب الشرق الأوسط بنفس الأسلوب القديم الماقبل الثورات ، وإن أستمرت فيه فهي لايمكن إلا أن تصطف في جهة الخاسر تاريخياُ . لإن الوقت قد حان أن يتم الحوار مع الشعوب وليس مع الأنظمة القمعية المستبدة ، ولذلك لامناص من إيجاد صيغة توافقية ، صريحة وواضحة تخدم وتحافظ على المصالح الحيوية لتلك البلدان ، وتضمن مبادىء الديمقراطية والحرية والعدالة الأجتماعية للشعوب . ولكي تكون الأمور واضحة أكثر ، نؤكد من إن المنطقة بحاجة إلى مفهوم جديد للأستقرار ، وبحاجة إلى أستقرار ذا ديمومة ، أستقرار يكفل النمو الأقتصادي ، والتطور الطبيعي للسوسيولوجيا ، وهذا لن يتحقق إلا إذا أصبح الشعب سيد نفسه ، محرك الديمقراطية ، مصدر السلطة السياسية . وهذا بدوره لن يتحقق إلا أصبحت شعوب المنطقة برمتها ( الشعوب العربية ، الشعب الكردي ، الشعب الأسرائيلي ، والآشوري ، والتركي ، والإيراني ، والأمازيغي ، والقبطي ) ، والفئات والطوائف المرتبطة بها ، صاحب القرارات السيادية ، وحصلت على فرصة أكيدة للحوار والتحاور فيما بينها . كما إن الشرط الموضوعي التاريخي ، وفق السمة السائدة ، يقتضي ، علاوة على محتوى الديمقراطية كضرورة تاريخية ، مفهوم السلم ( اللاحرب ، اللاعنف ) لكي يتمكن الرأسمال المالي أن ياخذ مداه في مسألة القروض الربوية البنكوية ، أنسجاماُ مع تطور – الحاجيات – وأزدياد عدد السكان ومفهوم الربح السريع وعلى المدى الطويل . وأما في حال اللاأستقرار ( العنف ) فإن هذا الرأسمال لايمكن أن يكون إلا أعرجاُ . وهذا لن يكون إذا كان القصد هو البحث عن الحلول الجزئية ، الترقيعية ، والمصالح الآنية ، والخطوات المستعجلة ، والصيغ التراضية ، فلابد إذاُ من حل شامل كامل جذري ينهي حال – الأغتراب – القسري ، ويتصالح الكل مع نفسه ، ويتصالح الكل مع الكل . وهذا يقتضي من جملة ما يقتضي ، أن تمنح الأولوية للأقتصاد والسوسيولوجيا ، وإن تتراجع السياسة إلى المركز الثاني . ولايمكننا أن نتحدث عن كل ذلك ، فيما إذا أستمرت أسرائيل والمنطقة العيش في حال العنف ، كما لايعقل أن تعيش أسرائيل طوال حياتها في حال حرب مع جيرانها ، وبغض النظر عن مفهوم الخطأ والصواب ، لذلك لابد تاريخياُ من أنهاء هذا النزاع ، سيما وإن المرحلة المقبلة بمحتواها الديمقراطي والرأسمال المالي ، لن تقبل بالحال المعاكسة . وبالتوازي ، ولكي ننتقل جميعاُ إلى مرحلة جديدة ، لامناص من حل القضية الفلسطينية ، مرة وإلى الأبد ، ولاينبغي التردد في ذلك ، لأنه لو حصل هذا التردد ، لبقيت معظم مشاكل المنطقة متأججة ، مشتعلة ، سيما من قبل إيران . لكن ، ومن الجانب المنطقي ، لامندوحة من إنهاء الدور الإيراني السلبي التام في كل المنطقة ، وينبغي أن ينحسر دورها كلياُ في العراق الذي أصبح مقاطعة إيرانية ، ناهيكم عن أستطالاتها المؤذية في سوريا ولبنان ومنطقة الخايج العربي . فإيران كحكومة والسلطة السورية الحالية هما سبب كل الكوارث في المنطقة ، السيارات المفخخة ، صناعة العصابات والجماعات السلفية ، الأغتيالات ، الصفقات الأجرامية ، شراء الذمم . فالمنطقة ، بدون الحكومة الإيرانية والسلطة السورية الحالية وحزب الله ، ستكون قابلة للولوج في محتوى الأستقرار التاريخي الذي، حتى الآن ، يشكو من عدم وجود ملاذ آمن يتظلل به . وقبل أن نذهب ونلج الخصوصية السورية وطرح حل كمقترح ، لابد من ذكر نقطتين نكمل بهما حديثنا السابق . إن مسألة وجود جماعات سلفية ، وجماعات متشددة ومتطرفة ، فالتاريخ العربي منذ البداية وحتى الآن لم تخل منها ، لكنها أزدادت في العدد نتيجة عوامل عديدة جداُ ، من أهمها – وجود السلطة السورية الحالية – واللعب على مفهوم التناقضات . وسيتم لجم دورها وعددها إذا ما دخلنا مرحلة الديمقراطية الحقة . ومن جانب آخر ، من المستحسن هجر سياسة ما وراء الكواليس ، ومفهوم الجماعات الموالية . والأعتماد فقط على منطوق الوضوح والشفافية ، سيما مع القوى الشعبية والحقوقية والمدنية . وفيما يخص الأزمة السورية تحديداُ ، والعثور على مخرج حقيقي ، أقول : بما إن السلطة السورية لن تترك الحكم أبداُ إلا إذا تم مسك الأشخاص بقبضة اليد وهي مستعدة أن تقتل الملايين وتعتقل الشعب كله للبقاء على جغرافية مهجورة . وبما أن الشعب من جانبه لن يتنازل عن وجوده – الديمقراطية وأسقاط السلطة – حتى لو أدى ذلك إلى إبادته . وبما إن المرحلة الحالية لاترضى ابداٌ إلا بالتغيير الأكيد وهذا المتغير ينبغي أن يكون في السياسة ، وفي السوسيولوجيا ، وفي كل مسالك وجوانح الحياة . وبما أن التدخل البري العسكري من الصعوبة بمكان ، من جانب دول التحالف . وبما إن الدول العربية غير قادرة على إيجاد حل منفرد . وبما أن تركيا لاتستطيع أن تتحرك إلا ضمن غطاء شرعي أقليمي وأممي . وأعتقد إن المراهنة على أنقسام الجيش ، أو أنقسام السلطة ، أو عملية أنقلاب ، أو تدهور الحالة الأقتصادية ، وإزدياد حجم التظاهرات ، وربما الذهاب إلى مرحلة العصيان المدني ، قد لاتجدي نفعاُ مع هكذا سلطة ، رغم أهميتها الأكيدة ، لذلك أقترح أن يتم تأمين منطقة بأسم ملاذ آمن بقرار أممي و بأشراف دولي في المنطقة الحدودية السورية التركية ، وهذا الملاذ الآمن لابد منه وسيكون جداُ مفيداُ إذا ما أقترن بالعوامل السابقة ، إضافة إلى مسألة الضغوطات الأقتصادية والسياسية ضد كافة أشخاص السلطة السورية . بدون منطقة – الملاذ الآمن – لايمكن لهذه السلطة أن تتنحى وعلى الأطلاق . طبعاُ عندما نتحدث عن مفهوم الملاذ الآمن ، نتحدث عن كل تداعياتها وتبعياتها وشروطها ونتائجها ، وكذلك عن الأجراءات الموازية لها . لكي تكتمل هذه الرؤيا ، وهي لن تكتمل أبداُ ، لإن الوضع هو خاص وعام ومتحرك ومتجدد ، لابد من القول ، ولجملة أعتبارات في الذهنية العربية ، وفي السياسة ، وفي السلوك ، وحرصاُ على ضمان المستقبل المشترك ، وعلى الوحدة الوطنية ، والمصالح العليا والحيوية ، وعلى الخصوصية لكل مكونات الشعب السوري ، إذن لابد من مفهوم يتسع لكل ذلك ، وأعتقد إنه الحل الوحيد : الفدرالية ، الأتحاد الفدرالي . أشكركم شكراُ جزيلاُ مرة أخرى . الناقد والباحث هيبت بافي حلبجة
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مابين ... أدونيس وأبو شاور
-
أبو شاور .. وبئس البؤس البائس
-
رؤية نقدية في المحنة السورية
-
الثورة ... ونهاية السلطة السورية
-
عارف دليلة ... والإشكالية المعرفية
-
سكان مخيم أشرف ... مابين العراق وأيران
-
الثورة .. وقانون الأحزاب والعفو العام في سوريا
-
مبروك ل( الشيوعيين ) السوريين الخزي والعار
-
النداء الأخير إلى الأحزاب الكردية ( في سوريا )
-
أدونيس ... ومنطق البؤس
-
الثورة ... وإشكالية المثقف
-
رسالة إلى مؤتمرأنطاليا
-
الثورة ... ومفهوم الشباب ( الحالة السورية )
-
الثورة ... ومفهوم المصالحة الفلسطينية
-
الثورة .. ومفاهيم أولية مابعد الثورة
-
الثورة ... ومفهوم الدولة وممارساتها
-
الثورة ...ومضمون التغيير ( النظام لا السلطة )
-
الثورة ... رؤية أبستمولوجية ( النقطة البنيوية )
-
سوريا ... مابين الإنتفاضة والثورة البنيوية
-
الثورة ... ما بين الإدراك والتدارك
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|