|
اسفار في اسرار الوجود ج4 - ح4
عزيز الخزرجي
الحوار المتمدن-العدد: 3455 - 2011 / 8 / 13 - 12:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أسفارٌ في أسرار الوجود ج4 – ح4
ألجّمال و آلعلم
هل هناك تأثير و علاقة بين حقيقة ألجّمال و آلقوانين ألعلميّـة؟ و بين آلجمال و آلعلم من جهة و بين آلمنهج ألديني ألرّوحاني من آلجهة ألأخرى؟
توصلنا في حلقات سابقة إلى أنّ الأشياء ألكونية و في مقدمتها الأنسان .. كلّها مستندة في حقيقة وجودها و جمالها و إستمراريتها إلى الله سبحانه و تعالى, و يستحيل عقلاً إنفكاكها عنه تعالى, و لولا أنّه سبحانه يفيض عليها الوجود آناً بعد آن .. لما بقي شيئاً في آلكون, و في الوقت ذاته نجدها خاضعة لنظام ألسّببية ألكونية, و آلأسباب ألطبيعية ألتي جبلها الله عليها.
نستنتج من تلك آلمقدمة أنّ لجميع آلأشياء جهتان في الوجود؛
جهة إرتباطها و إستنادها بآلله تعالى, و قيامها به وجوديّاً, و فقرها إليه فقراً تامّاً, و هذه ألجهة غير قابلة للتّبدل و آلتغيير و لا تتلبس بآلتدرج, و لا تستغني عنه, فهي ملكه و بيده ملكوتها, و هذا ما نعبر عنه بآلوجود ألعيني (ألذاتي).
و آلجهة الثانية للمخلوقات؛ هي وجودها آلماديّ, ألمستند إلى آلأسباب ألطبيعية ألتي أوجدها الله تعالى, و هي آلجهة ألمنتسبة لنا, و ألتي تتأثر بآلزمان و آلمكان و آلحركة, بمعنى معرّضة للزوال و آلنقصان و آلتبدل.
و لذلك فأننا سنبحث موضوع الكميات(ألكوانتوم) لا كما بحثها "آينشتاين" و "بلانك" أو من عاصرهما بداية ألقرن ألماضي, من خلال بُعدٍ واحد(ألماديّ), لأن تجريد ألأشياء من آلبعد ألأوّل(ألباطني) و هو آلأساس كما فعلوا؛ سوف لن يُعطينا مفهوماً مُتكاملاً يُمكننا أن نتقدم من خلاله بقوة في مجال آلعلوم المختلفة لنبني حضارة سليمة يُسعد في ظلّها الأنسان, بل سيتعرض الوجود إلى أزمات و فساد و تخريب و ظلم, و السبب آلأساسي ألذي دفعنا لطرح هذه النظرية هو آلحفاظ على كينونة آلأشياء و جمال المخلوقات في آلوجود و آلحيلولة دون مسخها و إفسادها(1).
إنّ آلفصل بين حقيقة ألجمال و آلقوانيّن ألعلميّة و آلمنهج ألرّوحيّ .. ترجع بآلأساس إلى نظرة خاطئة في آلمنطلقات ألفكريّة لعلماء النهضة الأوربية و إلى يومنا هذا, حيث لا مجال لتفكيك تلك آلعلاقة ألمتكاملة, أو آلفصل بين تلك آلابعاد ألثلاثة ألتي تُكمّل أحدها آلأخر, لتشكل قاعدة الهرم ألذي تبنى عليه ألحضارة ألأنسانية ألسليمة.
كما لا يمكننا ألتخلص من آلتبعية و آلتخلف و آلأستعمار إلّأ من خلال حركة فكريّة أساسية شاملة و متكاملة, فكل ميدان من تلك الميادين له منهجه و آلياته آلخاصّة حين محاولة الكشف عن تفاصيله, لكن تلك ألأبعاد ألثلاثة يجب أن تبقى وحدة متكاملة حينما نبغي الأستفادة القصوى و آلمُثلى من آلأمكانات ألطبيعية أو الأنسانية ألمبدعة.
إن آلفصل بين ألبعد ألجمالي و البعد ألمعرفي و البعد الرّوحي الديني في وجود أي موجود يعتبر بنظري ظلماً و إجحافاً و تعسفاً وخيم النتائج على البشرية .. بل هو آلفساد بعينه, و على العلماء أن يعرفوا بأنّ آلتفريق بين آلمناهج لا يعني على آلأطلاق ألتّفريق بين تلك العلوم في حدّ ذاتها.
إنّ الفصل بين جمال ألأشياء و كنهها و غائيتها و بين ماديّتها في آلوجود تسبب عواقب وخيمة على حياة ألبشريّة, و لا يُمكن أن يتطور أيّ فكرٍ بآلأتجاه ألصحيح في ميدان ألعلوم حتىّ ألتجريبية ما لم يسبقها آلتأمل آلعميق و آلربط ألمنطقي مع جميع ألقرائن بموضوعة ألتجربة و آلشكل ألخارجي و آلّلون آلأمثل و آلكيفية ألمطلوبة, و هذه بآلدّرجة آلأولى تجربة روحانيّة عميقة أكثر منها تجربة ماديّة بحتة, حيث لا تتكلّل بآلنجاح ألكامل أي مسعىً علميّ مهما كان برنامجه محكماً إذا كان ينقصه ألبعد ألغائي و آلهدف آلأكبر من تحقيقه بإطارٍ جميلٍ و شكلٍ مناسبٍ!
إن فصل ألجمال أو آلبعد ألرّوحي ألعرفاني عن مسير ألعلم يشبه آلقول بعدم أهميّة مرحلة ألطفولة أو حتّى تشكيل النطفة في حياة ألانسان للدارسين في مجال ألبحث عن تطوّر ألحياة ألبشرية, أو إهمال ألسّنن ألأولية في دراسة تأريخ سقوط أو نجاح حضارة من آلحضارات ألبشريّة في حالة آلسعي لمعرفة حقيقة آلأمر كما هو!
فآلتفكير ألثلاثي شرط أساسي لنهضة حضارية ثقافية إنسانيّة شاملة و مستقلة, و لعلّ آلأرتباط ألرّوحي و آلجمالي من قبل ألأنسان كعاملين لخوض غمار ألعلم و آلكشف عن طبيعة ألحقائق من شأنها شدّ ألوجود ألأنساني أكثر و بقوّة نحو آلتقدم في آلمجالات ألعلمية إلى أقصى آلحدود, و لعلّ هذا السّبب هو آلذي جعل آلثوار في إيران أن يختصروا ألألف عام التي قطعتها نهضة أوربا في مسير آلعلم – رغم أحاديّتها - إلى ثلاثين عاماً أو أقل حيث حقّقت ألثورة الأسلامية فيها ما حقّقتها أوربا منذ شروع عصر ألنهضة و إلى يومنا هذا!
إنّ الفصل ألتعسفي ألّذي حَدَثَ بين آلعلم و آلروح و آلجمال .. كان بسبب ألنظرة ألمُتطرفة لعلماء ألنهضة في أوربا, و هي النظرة التي تولّدت عن ألفكر "ألأيجابي" ألمُستند إلى آلفلسفة "ألأيجابيّة" لـ "أوغست كانت" و آلتي دعا فيها آلعقل ألأنسانيّ للأعتماد كلّيّاً على آلنتائج ألمستخلصة من آلملاحظة و آلتجربة و آلأختبار ألذي ساد أوربا منذ القرن السادس عشر أو قبله, و قد كرّس "ديكارت" أيضاً ألفكر ألمادوي ألمبني على آلتجزئة و آلتقليص بدلاً من آلتوحيد و آلأحاطة بكلّ جوانب موضوع ألبحث .. أيّ إختزال ألجانب ألجمالي و آلروحي كحقائق ذاتية في كلّ شيئ في هذا آلوجود, لكن آلتشكيك في هذا آلأتجاه بَدَءَ مع آلنهضة آلعلمية الجديدة في بداية ألقرن ألماضي(العشرين) و آلتي صاحبتْ كشف قوانين ميكانيكيا ألكوانتوم(2).
و رغم كلّ آلأنجازات ألتي حقّقتها أوربا و آلغرب و آلتي ترتّبتْ على ذلك آلفكر ألمتطرف بعد ثورتها ضد آلكنيسة إبان آلقرون الوسطى, و فق حيّوية المناخ ألخلاق ألذي مهّد له و نتج عنهُ, و ساهم في تطويرِ ألعديدِ من آلنظريات و آلأفكار في ألمجال ألطبيعي و آلفيزيائي ألّذي يحكم ألكون .. إلّا أنّه كان قد أنتج في نفس ألوقت ألكثير من آلسلبيات و آلمظالم ألّتي سببتْ ألكثير من آلأذى و آلمحن على آلأنسانية و آلتي ندفع ثمنها آليوم على كلّ صعيد, و أمرّها إستغلال الأنسان و تعبيده لصالح طبقة ظالمة سيطرت أو كادت على جميع منابع القدرة و المال في العالم!
هذا بجانب مآسي ألحروب و آلفتن ألتي تشعلها بين فترة و أخرى, و آلقنابل ألذّريّة, و آلفضلات ألذّريّة, و تدمير ألبيئة و آلأرض و آلأنسان, حيث تفكّكت ألعلاقات ألأنسانية و زالت ألمحبة و آلصدق و آلأخلاص و آلوفاء, و أُستبدل بآلكذب و آلنفاق و آلدجل و موت ألضّمير و آلأحقاد و آلخيانة من أجل تأمين لقمة ألعيش ألذليلة ألتي يتحكم بمقدارها و طبيعتها طبقة ألمستغلين في العالم.
فقد بدى واضحاً أليوم أنّ جملة ألأشكاليات و آلمحن ألتي تعصف بآلواقع آلأنساني في العالم في الوقت الراهن كآلحروب الدولية و آلأقليمية و المحلية و السياسات الظالمة عبر دعم اليهود و إنشاء منظمات سرّية كآلقاعدة و التكفيريين السلفيين لذبح الناس و زعزعة الأمن و التلوث ألبيئي و آللامبالات بمصير البشرية و تفكك ألأجواء العائلية التي تعتبر مستقر و سكن الأنسان و منبع سعادته .. كل هذا بسبب ذلك آلفكر, لأن العلماء الغربيين ألأحادي الأتجاه فصلوا و ما زالوا يفصلون العلم عن الدين و الجمال و الرّوح, و ركزوا على ألأتجاه ألماديّ ألذي بنظرهم لا يرتبط بعالم الرّوح و آلحياة ألأنسانيّة.
إنّ أيّ جهد عقليّ و علميّ يفترض أنْ يكون بإتجاه فهم و تحليل و تسخير ألمادة أساساً لصالح البشرية و لتحقيق السعادة للأنسان, و بهدف تحسين حياته و معيشته اليومية, و ليس تخريبها, و تحسين المعاش ألأنساني هو عامل قويّ في تحسين الحياة ألروحيّة.
إنّ آلذي حدث بعد كلّ تلك آلدعايات و آلشعارات عن الثورة ألعلمية و آلفكرية بقيادة علماء الفكر "ألأيجابي" ألغربي وفق هذه الطريقة ألأحادية الصارمة و آللامبالية و – ألمقصودة من قبل أصحاب الشركات و البنوك ألكبرى في العالم – هو إنّهم أنتجوا فكراَ وجد نفسه يتقدّم ضدّ الهدف ألأول ألذي وضعوه لتحقيقه, منذ بدء ألنهضة الأوربية .. و هو؛ تحسين ألأوضاع ألحياتية للأنسان, و تحقيق ألرّفاهية و السعادة للمجتمع ألأنساني, و تحرير الأنسان من العبودية.
لقد بات من الصعب إيجاد ألحلول المناسبة للأزمات ألتي تعصف بآلأنسانية أليوم!
فآلرفاهية ألحقيقية أنتهتْ من صفحة ألحياة ألغربية, ففي كندا مثلاً و هي من أفضل الدول الغربية حسب تصنيفات هيئة الأمم ألمتحدة نرى إن عدد ألذين يعانون من آلدَّيْن 95% من آلمواطنين الكنديين و آلدائن هي آلبنوك و آلشركات ألكبرى! بمعنى أن 5% يُسيطرون على كلّ منابع ألمال و آلثروة و آلحياة ألأقتصادية, و بقية المواطنين هم تابعين و أسرى بأيدي تلك ىلطبقة ألظالمة!
أما آلسعادة فقد أصبحتْ في خبر كان, حيث لم يعد هناك إحترام للأنسان ألأب أو الأم أو الزوج و الزوجة و قدسية العائلة بل إنتهى معنى آلوفاء و آلأخلاص و الشرف تماماً!
هناك عدم توازن و تضارب في مسيرة الأنسان في الغرب, ففي الوقت الذي حقّقت الانظمة الغربية – أكرر ألأنظمة الغربية – بإستغلالها لطاقات الأمة و جهودها عبر هذا الفكر ذاته خطوات عملاقة في المعرفة العلمية في جميع المجالات, إلّا أن خلوّ هذه الطفرة ألعلميّة من البعد الرّوحي و الجمالي و الأخلاقي قد جعلها تُسقط في مأزق آلازمة ألأخلاقية و النفسية ألتي بدأت تجابه الأنسانية باكملها آليوم, حيث لم يخلو إختصاصاً من آلأختصاصات إلى الأستغلال و سوء الاستفادة من قبل أصحاب الشركات و آلبنوك!
فعلم الطب لم يخلو هو آلآخر من سوء ألأستغلال, حيث لا ينكر أحداً ما حقّقه من إنجازات علميّة في ضوء تلك آلنظرة ألأحادية ألجانب .. لكننا نرى إنزلاقهُ في متاهات سوق ألرّبح و آلخسارة, حيث نرى تأثر و خضوع مصانع آلأدوية و آلمضادات ألحيوية و التطعيمات ألضرورية لمواجهة ألأمراض ألفتاكة لسوق الطلب و آلعرض و لمن يدفع أكثر, و هذا معمول به حتى في الدول ألغربيّة ألوقائيّة, حيث نرى وجود ألتمايز عند معالجة الأمراض في الأشخاص ألأثرياء و الفقراء!
و كذا الفن حيث تأثّر كثيراً بإتجاهات أصحاب المصانع و الشركات العملاقة بحيث أقسِر الفنانين للخضوع إلى إمتهان ألفنون التي تخدم نتاجات الشركات في مجال آلألعاب ألكومبيوترية أو السينمائية كأفلام ألمازنجر و السوبرمان و البتمان, بحيث تصدر مجلات واسعة الأنتشار للترويج إلى تلك الافلام التي لا تخدم سوى طغيان روح التسلط و القتل و الحرب و الهجوم!
من هنا يمكننا آلقول بأن فصل الجمال و العرفان و الروح من آلعلم بسبب الفكر "ألأيجابي" قد أثّر كثيراً على ماهية الجمال و غايته في وجود الأنسان و الطبيعة, بسبب تعرضه للأستغلال المجحف من قبل الرأسماليين. أغلب ألنّاس يعتقدون بآلأشياء ألّتي يُمكن رؤيتها أو لمسها فقط, و آلقليل منهم ينتبه لجمال شكلها و علّة تكوينها (3) و أقل منهم من يُفكر بموجدها, و من النادر من ينتبه للعوالم و العلل و آلمدارات التي ترتبط بين جمال آلأشياء و كنهها .. بيد أنّ آلكثير من آلظواهر ألطبيعية و غير ألطبيعية كآلهواء و آلتيار ألكهربائي و آلضوء ألأبيض و قوة ألمغناطيس و الموجات اللامرئية التي تُرسل من آلعيون و من آلأزهار - لا نستطيع ليس فقط كشف و معرفة جمال دورها و قدرتها و طبيعتها بل حتى تجربتها بحواسنا لكونها محدودة و ضعيفة!
كما بيّنا في الحلقة السابقة حيث حواسنا غير قادرة على رؤية أي جسم يهتز خارج مدى آلذبذبة بين 390 – 750 نانو / متر, و كذلك سماع أصوات تتردد بين 20 هرتز و 20 كيلو هرتز, أو إستشعار آلأشياء الكثيرة عن طريق اللمس كوننا نعيش في عالم آلتذبذبات(ألأرتعاشات) ألغير محدودة و الله أعلم.
بمعنى أنّ عالم ألوجود ألمادّي إنّما وجد لكونه يمتلك درجات مختلفة من الأهتزازات, من هنا فأن جميع الخلايا و آلأشياء رغم كونها تبدو جامدة لكنها في حالة تذبذب دائم, و لو حاولت وضع آلأشياء التي تبدو بنظرك ساكنة تحت جهاز ميكرسكوب قوي فأنك ستشاهد أن خلايا و جزئيات تلك المادة في حالة حركة و إرتعاش, كذلك فأن خلايا أبداننا هي في حالة تحرك و إهتزاز دائم, بل آلموجات نفسها لها حركة خاصة بها.
إننا و كما وضّحنا سابقاً لا نستطيع أن نرى أو نشم أو نتلمس 99% من وجودنا, أو حتّى تصوّر شكلٍ مُعيّن له, ألكلمات لتوصيف تلك آلحالة عاجزة .. ذلك أنّ مفهوم وجودنا يتعاظم و يتوسع ليكون بحجم آلعالم و آلكائنات, و يمكننا فقط أن نطلق عليه ألفكر أو ألصور ألذهنية, ألتجسيم و آلأحساس!
حيث تختلف ألضوابط و آلأنظمة و آلقواعد و تتفاوت ألمقايس, وجودنا آلذي يحتوي على 99% من آلفكر محبوس في بدن لا يتجاوز حجمه من وجودنا 1% ! و نحن نصرف كلّ طاقتنا فقط في تلك الواحد بآلمئة, من خلال حواسنا ألماديّة كيف ننظر للعالم و آلوجود, و نجرّب ألظواهر ألّتي تحيط بنا.
كما إنّ مجموعة ألأمور ألتي جرّبناها في آلماضي أو آلحاضر أو آلتي نمرّ بها في آلمستقبل هي أموراً لا تخرج عن مدار ألفكر و قوّة ألأدراك, ألعامل ألّذي يربط بينكم و بين زوجاتكم و أبنائكم و أصدقائكم هو آلفكر, و إنّ صفاتاً كآلحرص و آلشوق و حبّ ألمال و آلبخل كلّها تدور في مدار ألفكر, حتّى عمليات آلأرتباط ألجنسي تدخل في مدار ألفكر, و آلأستحلام دليلنا على ذلك.
ألفكر و آلأدراك طاقّتان غير محدودتان و تدخلان في مدار ألأزل, ذاتنا - أيّ جوهرنا - كان موجوداً في هذا العالم حتى قبل أن يتجسد في أبداننا ألتي أقرّها الله تعالى كي تكون منازل مؤقتة له لمدة محدودة!
من آلطبيعي عند زوال ألجسم و تفسّخه بعد آلموت فأنّ آلفكر يستمر بآلبقاء, فآلعمر و آلسنيين تتعلّق صرفاً بحياتنا ألفيزيائية, و لا يُمكننا أن نحدّد للرّوح .. للفكر .. لله .. للأحساس .. عمراً أو حدّاً!
كلّ سبعة سنوات تتغيير خلايا أجسامنا, لهذا فأن جسمك الحالي لم يكن هو نفسه قبل سبعة سنوات, لهذا فأن أفكاركم خلال سنوات العمر تشغل أبداناً مختلفة, هيئة الأنسان تتغيير, يكبر و تعجز خلايا بدنه ثم يموت, أما الفكر و الذي منشأه الأبدية فأنه بعد زوال الجسم المادي يخلد في أبديته و يستمر بحياته.
ألفكر أسرع و أعظم شيئ في آلوجود .. حتى من آلكهرباء و آلضوء ألذي هو أقلّ سرعة من آلكهرباء, لكون ألفكر كما آلسرعات ألاخرى للأجسام عبارة عن إرتعاشات سريعة تنتظم ضمن معادلات و قوى معينة, فعالم ألوجود مخلوق من مادّة تحتوي على درجات مُختلفة من آلاهتزازات, لهذا جميع ألخلايا و آلأشياء على آلرغم من أنّها تبدو ثابتة و جامدة لكنّها في آلحقيقة في حالة إرتعاش دائم, إنّنا عند آلنظر أو لمس شيئ مُعيّن فأنّنا ندرك تأثيرات أمواج تلك المواد و تشعشعات آلأشياء من خلال ألحواس ألماديّة, هذه آلحقيقة ألعلمية تفيدنا كثيراً للنّظر إلى آلوجود نظرة مختلفة, تُحتم علينا آلبدء بآلأسفار من خلال تلك آلرؤية ألحقيقيّة, و إلاّ فأننا سنبقى محدودين و مُكلبلين في هذا العالم, خصوصاً لو علمنا بأنّ كلّ شيئ في هذا آلوجود في حالة تغيّير و عدم ثبات, و مسألة نظرتنا للوجود هي نظرة نسبيّة تتبع مدى وعينا و فهمنا و تصورنا لما يدور حولنا من أمورٍ و في آلوجود من قضايا ثابثة أو نسبيةّ.
طبيعة ألوجود تقتضي لئن تكون آلأشياء نسبيّة لكونها في حالة تغيير و تحول و تبدل دائم و لكل شيئ عمراً و آلله تعالى وحده هو الثابت ألمطلق, رغم إنني أستطيع القول بأنه حتى الله تعالى كل يوم في شأن .. في وضع مُختلف لكن نجهل كيفيته, أمّا أجسامنا ففي حالة تغيير مستمرّ كما هي حال المخلوقات ألأخرى, لحظة بعد أخرى, ألافكار و آلعقائد هي الآخرى تتبع تلك القاعدة ألوجودية .. فعندما تُفكّر في أمورٍ و وقائع كانت تؤذيك قبل سنوات؛ فأنك تتعجّب كيف إنّ تلك آلعقائد ألسطحية ألعادية ألبسيطة كانت تؤذيك بينما هي في آلحقيقة لم تكن تستحق كل ذلك, و بنفس ألترتيب ألمنطقي فأنّ آلأفكار ألحاليّة ألّتي قد تؤذيك .. فأنّها ستكون بعد خمس سنوات أو أكثر .. سطحيةً و عاديةً و لم تكن تستحقّ كلّ ذلك آلأهتمام و آلتأثير!
أتذكر جيّداً كيف إني كنت أرى صعوبة في فهم حيثيات موضوع آلقضاء و القدر حين كنتُ شاباً في العشرين من آلعمر!؟ حيث لم يكن بمقدوري ألأستيعاب ألكامل لمدى تدخل الأرادة ألألهية مع الأرادة الأنسانية في تقرير مصير الأحداث و الأشياء التي تصادف آلأنسان في آلحياة و في الوجود, هذا بجانب مقدار تأثيرات عوامل الأرادات الأخرى من بني النوع في نفس تلك آلأحداث و المصائر!؟ رغم تكرار مطالعاتي لتلك القضية ألتي يُفترض على كل إنسان فهمها بآلعمق و ليس في آلظاهر!
لكن بعد مرور سنوات .. عاودت قراءة ألموضوع فرأيتُ ما أسهل فهمها, بلا شك حين هذا آلوضع قد إزداد وعي و مستوى إدراكي, و آلطيف ألفكري ألجّديد الذي أضيف لمداركي, حيث إنّ آلتّجارب و آلفرص قد فتحتْ أمامي كلّ تلك آلآفاق ألرّحبة.
علينا أنْ ننظر للعالم ببصيرتنا:
لو تعاملنا مع آلوجود بآلعقل ألمجرّد فأننا سنُحدّد معرفتنا, و سوف لن نعرف ألكثير عن حقائق هذا آلوجود, سوى ما نعتقد به عن طريق بعض ألتجارب ألعلميّة ألمحدودة, و من هنا ظهر آلأختلاف بين آلعلماء حول طريقة ألتّفكير و آلتعامل مع آلفيزياء (ألكميّة) على سبيل ألمثال, و كما أشرنا في هامش ألحلقة ألسابقة!
أغلب ألنّاس يُصدّقون آلأشياء ألفيزيائية ألّتي يرونها بعيونهم, بيد أنّ آلكثير من آلظواهر ألطّبيعة كآلهواء و آلكهرباء و آلمغناطيس و آلقوى الجاذبية و حتّى أعماق المادة لا يُمكن إستشعارها عن طريق ألحواس ألماديّة و لا حتّى أقوى الأجهزة المختبرية و التكنولوجية, ما دمنا قد حصرنا أنفسنا داخل ألجسم ألماديّ فأنّ آلعالم ليس إلّا هذا الوجود ألمادي ألذي يُحيط بنا, و آلذي يؤلمني أننا سنصطدم مع هذا المستوى من آلتفكير بآلكثير من الخذلان و الخسارة و آلتخلف!
آراء آلعلماء في علاقة ألجمال بآلعلم
علينا أن نتحرّك خارج ألحدود ألفيزيائية و آلماديّة ألّتي تُحيط بنا لكي لا نخرج عن ألأهداف ألأنسانية للعلوم بسبب آلجهل و عدم آلأحاطة ألتامة و آلشاملة بكلّ ألقضايا ألعلمية , إنّه آلشعور و آلأدراك ألّذي لا ينتهي, و لو كانتْ لدينا بصيرة قوّية في آلحياة فأنّ أفكارنا ستتغيّر نحو آلكثير من آلمفاهيم و آلمشكلات و آلظواهر ألتي تواجهنا, و تجعلنا بآلتالي نسير في آلأتجاه الصحيح و آلأمثل لتحقيق ألسعادة و آلتكامل. يقول آلبرت آينشتاين: [ألأحساس ألعرفاني أساس ألأندفاع نحو آلتحقيقات ألعلمية].
و يقول "ماكس بلانك" في مقدمة كتابه"أين يتّجه ألعلم": [من أجل معرفة حقيقة عالم ألطبيعة .. لا يكفي ألمنطق ألجّاف ألمجرد, أو بحسب قول فرانسيس بيكون؛ "ألعين ألعلميّة ألمجرّدة لا تكفي لخوض غمار ألعلوم و كشفها .. بلْ لا بُدّ من إمتلاك ألأحساس ألأنساني لمعرفة ألأسرار ألّتي تختبئ خلف آلظواهر ألطبيعية ألخارجية ألتي إنشغل بها آلعلم دون آلنظر لبواطنها, من حيث أنّ آلظواهر تختزن في وجودها حقيقةٌ عميقة و أبدية لا بدّ لعلم ألفيزياء أخذها بنظر ألأعتبار].
كما أنّ كلام "أليكسيس كارل" ألّذي تفرّد بآلحصول على جائزة نوبل مرّتين بآلتوالي في كتابه"آخر دعاء" إشارة بآلعمق إلى أهميّة ألجمال و طغيانه في آلوجود و دوره آلأعجازي في توطين قلب ألأنسان و دفعه نحو عمل ألخير و ألتّعمق في آلظواهر ألطبيعية؛ حيث يقول: [علينا بعد هذا .. أن نعرف جمال ألعلم و جمال أنفسنا و نستمع إلى كلام "باسكال" و "ديكارت"].
كما إنّ آخر كلام لـ "ماكس بلاك" كانَ: [مكتوبٌ على رأس باب معبد ألعلم؛ "إنّ آلذي يُريد أن يبحر في آلعلوم لا بُد أن يكون مع آلأيمان]!
و يؤكد ألمعلم ألفيلسوف شريعتي تلك آلمقولات ببيان أفصح و أقوم: [إنّني أوصي جميع أصدقائي و طلّابي بأنهم في آلوقت الذي يجب أن يكون كلّ همّهم هو إرتقاء مجتمعنا و وطننا, علينا في الوقت نفسه أن نتخذ رسالة العلم و آلمعرفة كما وضّحها لنا "بيكون" عبر تأكيده على أهميّة تقوية آلأحساس ألعرفاني في وجود ألأنسان](4). و هذه الأمر لا يتحقق في آلعراق و في وطننا آلأسلامي .. رغم تطلع أبناءه ألمخلصين و سعيهم, ما لم يبدؤا برسم آلأسس ألعلمية و التكنولوجية من آلجذور بما في ذلك ألقوانين ألأدارية و الدستورية و القضائية بما يتناسب و حركة الأنسان ألعلمية و يضمن حقوق آلجميع تحت نظام عادل غير طبقاتي يتساوى تحت ظله ألجميع, و لا أعتقد بأن هناك نظاماً إنسانياً عادلاً يضمن تلك الحدود و الحقوق غير النظام ألأسلامي!؟
إننا لو لم نُحارب ألأوهام و الفساد الديني و الاجتماعي و العشائري ألذي طغى على مجتمعنا فأنّ المخلصين ألذين يحملون راية العلم و المعرفة سوف لن يتمكنوا من تقديم كلّ خدماتهم لسعادة و تقدم المجتمع, و آلبعض من المخلصين ألذين درسوا في آلغرب و يسعون للّحاق بآلتطور ألعلمي و التكنولوجي للأرتقاء إلى مستوى الدول المتقدمة تكنولوجياً .. عليهم في الوقت ألذي يواجهون الخرافات و التقاليد البالية .. عليهم أن يسعوا بنفس القدر لتخليص العلم و التكنولوجيا من "ألأسكولاستيك"(5) بنوعيه ألقديم و آلجديد!
ألقديم .. ينحصر داخل ألتجربة ألأوربيّة عبر توجهات ألكنيسة حين كانت هي الجهة ألمخولة لتحديد ألعلم و ألمعرفة ألبشرية, و ذلك عبر إجازتها للمسائل و العلوم ألتي تراها مناسبة حسب مقايسها للناس, و كما أشرنا في مباحث مفصّلة سابقة(6) فأنّها لم تكن تؤمن بآلكثير – إنْ لم نقل كلّ - ألظواهر العلمية, و من هنا حاربتْ ألعلم و آلعلماء و قتلتهم إبان ألقرون ألوسطى.
أمّا "ألاسكولاستيك ألجديد" .. فأنها ليست كما تصورها آلمثقفين و آلكوادر ألعلمية على آلغرب .. من كونها هي آلحلّ بإعتبارها فتحتْ ألآفاق بلا حدود أمام حقيقة ألبحث ألعلمي لخدمة الناس! بل آلحقيقة ألتي غابتْ عن المثقفين هي أن الغرب حصرتْ ألبحوث و آلتحقيقات ألعلمية بإتّجاه ألأنتاج ألأكثر للأستهلاك ألسّريع ألمنظم, لمنفعة ألطبقة ألرأسمالية, و ذلك بتحميل ألناس و إجبارهم على آلاستفادة من تلك آلمنتوجات ألصناعية و التكنولوجية ألتي تتغيير على الدوام موسمياً طبقاً لبرنامج و نوع الأنتاج و حاجة آلسوق, ليكون المستهلك مُجْبراً على شراء آلأجهزة ألخدمية و المنزلية و النقلية و حتى اللباس لمواكبة حركة التكنولوجيا و التغييرات التي يطرؤنها بإنتظام على آلية و أنظمة و عمل تلك الأجهزة و مستوياتها.
إن تلك آلسياسة ألأنتاجية من أجل ألربح ألسريع جعلت إنسان العصر لا يُفكر على آلدّوام سوى من خلال ذلك آلمنحى ليصرف كلّ وقته و تفكيره في كيفية موازنة ألأوضاع و آلأنساجام ألقسري مع تلك آلتبدلات و كيفيّة ضبط ألميزانية ألشهرية من قبل عامة الناس, كي لا ينتهي رصيده و إعتباره آلمادي .. و آلذي بإنتهائها سيواجه ألمزيد من آلذلة و آلسقوط و آلعبودية على أيدي أصحاب البنوك و الشركات الكبرى التي تسير أمور الاقتصاد في آلبلاد ألديمقراطية!
هذا الوضع ألمُعقّد .. ولّدتْ حالة عبودية ألأنسان للأنسان بشكلٍ بات من آلصعب ألتّخلص منها في دنيا آلغرب و آلدول ألتابعة لها!
لقد تقنونتْ تلك آلعبودية رسميّاً بشكلٍ أمرّ و أقسى ممّا كان سائداً عبر عصور ألتأريخ ألماضية .. حتى إنّ آلنوابغ و آلعلماء يتمّ أليوم بيعهم و شرائهم كسلعة عبر آلتنسيق مع آلجامعات و آلمراكز ألعلمية ألتي يعملون فيها(7), حيث باتتْ تلك آلمراكز ألعلميّة بمصاف ممتلكات يتحكّم في برامجها و إتجاهها أصحاب ألشركات ألكبرى لتحديد مصير و قيمة ألعلماء و آلنوابغ ألذين يُبدعون و يكتشفون آلنظريات و آلحقائق حسب مرام أصحاب ألمصانع و آلشركات حصراً, بعيداً عن أي إعتبار فني و جمالي في جودة ألمصنوع و آثاره آلجانبية على إقتصاد و حياة و صحة الناس و طبيعة ألمحيط و آلبيئة ألتي نعيش فيها!
هل تتصوّر أخي آلباحث أن يُحقّق آلأنسان ألّذي يعيش في مثل تلك آلأجواء؛ ألسعادة و راحة ألبال و آلأمل بحياة آمنة, و هو يعيش القلق و آلأضطراب يوميّاً .. بل ساعة بعد أخرى بسبب آلهمّ و آلخوف من آلطرد و آلأخراج من آلعمل, ليصبح معها عاجزاً عن دفع فواتيره آلشهريّة و مصاريفه أليوميّة, هذا بغض ألنّظر عن ألوضع ألأجتماعي و آلرّوحي و آلمشاكل ألعائلية ألتي قلّما تجد ألأنسجام بين أعضاء بيت من بيوت ألغربييّن!؟
كيف يُمكن لمثل ذلك آلأنسان ألّذي يُولد مع آلشكوك و آلهواجس و آلتّردد و آلخوف و آلأنشغال ألدائم بهموم المعيشة أنْ يُفكّر بآلجّمال و آلفن و آلأخلاق و آلأدب و آلشرف و البعد ألغائي للوجود, بعد ما هيمنتْ عليه ظلم و إرهاب ألقوى آلأقتصادية ألظالمة في طريقة عيشه و حدود حرّيته؟ هذا بعد ما أصبح آلفن و آلمعرفة في خبر كان .. فلا أحد يشتري أللوحات ألتشكيلية فآلبوسترات و آلصور ألمطبعية تُطبع بآلملايين في مطابع أتوماتيكية و هي خالية من آلجمال و آلظل و آلألوان ألطبيعية , و لا أحد يُقيّم ألنّحت, حيث يتمّ صناعة ألمُجسّمات عبر أجهزة ألصّب ألأوتوماتيكية لوضعها في واجهات الحدائق و آلبيوت لتخويف ألناس ألحيوانات و آلطيور كي لا تهجم على حدائقهم و مزارعهم .. لا لأجل آلجمال و آلفن و راحة آلناس و آلمخلوقات, أي ألنظر للفن و إستخدامه من خلال البعد المادي فقط!
إن العلم و آلمعرفة ألحقيقيّة عند أفلاطون و آلأمام علي(ع) و جميع الفلاسفة ألكبار .. هي معرفة ألنفس بآلتأمل ألعقلي ألخالص لعالم ألمثل, و آلبدن ألماديّ يُعيق ألنفس عن ألمعرفة و آلعلم ألحقيقي و يشوشها, ذلك أنّ آلبدن مبدأ و أساس ألشّهوات, و لا بُدّ للنفس من آلتخلص من شهوات هذا آلبدن و أن تحلّ آلروابط ألتي تربطها به, لتتحرّر كي تبلغ معرفة ألمثال بعودتها إلى طبيعتها الحقّة, فآلنفس لا تعرف أبداً ما تعرف إلاّ حين تُفكر من تلقاء ذاتها خالصةً من كلّ تماسٍ بآلبدن, و تأتي ألأفلاطونية ألحديثة لتُركز على إشراقيّة ألمعرفة لدى آلنفس, و إن كانت تُقسم آلأدراك إلى ثلاث درجات:
ألأحساس: و هو درجة دُنيا من آلمعرفة, يقول عنه أفلوطين؛ إنّه كآلرّسول ألذي يأتي من آلعقل لأيقاظ ألنفس, و آلأحساس له قيمة من حيث كونه صورة للمعقول, و يُدرك ألصور كما هي مفصّلة بآلأستعانة بآلنظر, إلّا أنّه لا يرتقي بآلأحساس إلى درجة أليقين إو إلى درجة ألمصدر ألذي يجب أن تبدء منه آلمعرفة, فآلأنسان لا يستطيع أنْ يتعلق بآلمحسوس ما دام المحسوس مصدر التغيير و آلكثرة و التعدد. ألنّظر: و هو درجة أعلى من درجة ألأحساس, يُرتب من خلاله الأنسان بين آلتصورات من أجل آلبرهان, و هنا تبرز ثنائية قائمة بين آلذات ألعارفة(ألمُتيقنة) و آلموضوع ألمعروف, حيث إن كل معرفة تقوم على أساس إدراك الذات لوجود خارجي مقابلها, و من ثمّ لا ننظر إلى آلمعرفة على إنّها تحصيل أو كسب أو ملك, و إنما نحسبه فقط وجوداً أو إتّحاداً أو هوّيةً, حيث تعود آلنفس للتوحد بآلمطلق أو آلأتحاد بآلله, و في هذه ألحالة يضمحل كلّ شيئ من آلموجودات و تُفنى آلنفس بسبب ألوحدة ألمطلقة مع الله تعالى, و تُمحى آلآثار ألخارجية و تحصل ألوحدة و تصبح ألذات ألعارفة هي آلمسألة ألمعروفة, و آلمسألة هي آلذات و عندها تزول الفروقات بين آلعاقل و آلمعقول .. و آلمعقول و آلمحسوس ليتحقّق آلوجد(8).
و قد سار فلاسفة ألمسلمين أمثال ألملا صدرا و آلفيض ألكاشاني و آلسهروردي على هدي هذه ألفلسفة آلأشراقية, فوحّدوا بين فعل ألمعرفة و فعل ألأيجاد إلى آلفيض, كما ردّوا آلمعرفة إلى آلأشراق.
و لئن إتّجه آلفارابي و إبن سينا إتجاهاً أفلاطونياً مع شيئ من آلحداثة .. فأنّ "إبن رشد" إتّجه و إتّخذَ بصورة أكبر و بشكل كلّي ألمنهج آلأرسطوي في تفسير عملية ألخلق, و المعرفة, و توسع قليلاً في منهجه, و لعلهُ حلّ ما كان عند أرسطو مُعْضلاً.
لقد إتّجه أرسطو بآلنفس إتّجاهاً واقعياً بعيداً عن المثالية آلأفلاطونية و إهتمّ بدراسة الوظائف النفسية دراسةً تكاد تكون علمية, إذ عنى كثيراً بآلأحساسات ألمختلفة, و كيفية حدوثها بسبب وجود بعض المؤثرات الخارجية, كما بذل جهداً كبيراً لبيان طبيعة كلّ حس من الحواس الظاهرة و الباطنة, و ذهب إلى أنه لا وساطة بين الله و النفس, و أن النفس مسؤولة عن وحدة آلجسم و إتساق وظائفه, و بآلتالي لا وساطة بين العالم المحسوس و آلعالم المعقول, و العقل عنده قوّة صرفة يستطيع أن يتعقل الموضوع كما هو, لتتحقق الصورة المعقولة فيه, و هو ليس نوعاً من الحس, أي ليس قوّة جسمية, و إن كان يدرك الجسيمات, و هو يختلف عن آلحس, لأن الحس يُدرك الجزيئات بأعراضها, و آلعقل يُدرك الماهيات بإنعكاسه على الحس, و المعقولات موجودة بآلقوة في الصور ألمحسوسة سواءاً ألمجرّدات ألرياضيّة أو ألكيفيات ألجسمية.
و هذا يجعل عملية ألفهم أو آلعلم قائمة على كلّ من آلحس و آلعقل ألظاهر, و هذا إبراز لدور ألحواس في آلمعرفة, إذ أنه لا يمكن ألتعلم أو آلفهم من غير ألأحساس, فآلمحروم من آلحواس محروم من آلمعارف ألمتعلقة بها.
تفسير ألمعرفة عنده هو إخراج ما بآلقوة إلى ما بآلفعل, ذلك أنه لا بُد للعقل و هو بآلقوّة من شيئ, هو بآلفعل يستخلص المعقولات من الماديات, و يطبع بها آلعقل فيخرجه من آلقوة إلى الفعل, بمعنى يجب أن يكون في آلنفس تمييز يقابل ألتمييز ألعام بين آلمادة و بين آلعلة ألفاعلية ألتي تحدث ألصور في آلمادة, و في آلواقع نجد في آلنفس من جهة واحدة .. ألعقل ألمماثل للمادة من حيث أنه يُصيّر جميع ألمعقولات, و من جهة أخرى العقل ألمماثل للعلة ألفاعلية, لأنه يحدثها جميعاً, و هو بآلأضافة إلى آلمعقول كآلضوء إلى الألوان بآلقوّة في الظلمة إلى ألوان بآلفعل.
يقول بعضهم ان قانون عدم اجتماع النقيضين قد يبدو بديهيا ولكن اذا عرضت كلامك على عالم فيزياء حديثة فلن يوافقك على ذلك وسيقول ان قوانين الكوانتوم تقول بأن الجزيء ممكن ان يكون في مكانين في الوقت نفسه او على الاقل لا نستطيع ان نتحقق ونثبت مكان وجوده. بالطبع قوانين نيوتن في آلحتمية تظلّ مطبقة على نطاق العالم ألمرئي و لكنها تفقد قيمتها في عالم آلجزيئات.
الجواب: محور السؤال المطروح: هل غيّر العلم في قوانين ألمنطق ألفطرية؟ هذه القضية معقدة و من لا يستوعب الامور الفلسفية فباستطاعته ان يتجاهلها .. بل من آلأفضل برأي تجاهل بعض القوانين العلمية الحديثة: مثل قانون "ألنسبية" و قانون "ميكانيك الكوانتوم":
النسبية: اكتشف آينشتاين انّ الزمن ليس مفهوما مطلقا بل هو نسبي يتوقف على سرعة الشيء المتحرك و اثبت هذا الامر في عدة تجارب مخبرية منها ان تضاعف مدة حياة بعض الجزيئات اذا اطلقت بسرعة قريبة من سرعة الضوء. وقد اعطى مثالا وهميا ليقرب لنا هذه الحقيقة الى الاذهان في مسألة التوأم الشهيرة فقال : لو وجد توأمان بقي احدهما على الارض في حين سافر الثاني بسرعة قريبة من سرعة الضوء الى الفضاء ثم عاد الى الارض فسيجد الاخ الذي بقي على الارض نفسه اكبر بكثير من الذي سافر في الفضاء ذلك لأن الزمن يتباطأ مع زيادة السرعة. طبعا هذا الامر نظري لأن الانسان لا يستطيع ان يصل الى سرعة قريبة من سرعة الضوء.
ميكانيك الكوانتوم: اكتشف العلماء في القرن الماضي(1900م) ان الضوء يتصرف كموجة بينما يتصرف الالكترون كجزيء ولكن العلم الحديث اكتشف بأن الضوء ممكن ان يتصرف كجزيء في بعض الاحيان وان الالكترون ممكن ان يتصرف كموجة. وما يثير الاستغراب بأننا لا تستطيع ان تعرف حقيقة وماهية الالكترون او الضوء فهو يغير تصرفه حسب الطريقة التي تنظر بها اليه. واية تجربة مخبرية لقياس واختبار الضوء او الالكترونات ستغير من طبيعتها الاصلية المجهولة لتجعلها تتصرف تحت اطار أحد هذين الاتجاهين.
و من هنا يصح بأن العلماء خرجوا بنظرية بأن الالكترون و الضوء هما موجة و جزيء في الوقت نفسه او باننا على الاقل لا نستطيع ان نعرف ماهيتهما الاصلية بدون ان نغيرها. و بالمثل تتحدث هذه النظرية؛ انك لا تستطيع ان تحدد سرعة الجزيء و موقعه في نفس الوقت, فإذا حدّدت موقعه اثرت على سرعته فإصبحت مجهولة و اذا قمت بالعكس يصبح موقعه مجهولا.
و آلمثير في هذه ألنظرية بأن آلعلم أثبتَ؛ أنّ هذا الغموض لا يمكن حلّه مهما تطورت آلات القياس و آلتكنولوجيا لأن هناك قانونا رياضيا يحكم هذا آلعجز و هو قانون "هايزنبرغ".
موقف ألإيمان من آلنسبية:
هل تشكل ألنّظرية ألنّسبية حجّة للألحاد ضد آلأيمان بالله؟
ألجواب: هو آلعكس تماما, حيث إنّ احدى آلقضايا ألّتي كانت تُحيّر عقول ألفلاسفة هي قضية زمن ألترك فحسب قولهم: [لو لم يكن ألعالم أزليّا فمعناه أنّ الله إنتظر زمنا لا متناهيا حتّى خلق الكون و هذا مستحيل], و هنا ردّ عليهم علماء الدين :[قبل خلق الكون لم يكن هناك زمان فليس آلزمان مطلقا إنّما هو خاصية للذات المتغيرة, كما ان الله عز وجل لا يتغير و لا يتبدل فلا يحتاج للزمن و لا يحكمه الزمن. فقضيتكم خاسرة من الأتجاهين] و بقي هذا الكلام مطموراً في دفاتر ألتاريخ حتى جاء "آينشتاين" و أثبت هذا الأمر علميّا و ليس منطقيا فقط.
موقف الأيمان من ميكانيك الكوانتوم:
هل ينفي ميكانيك "ألكوانتوم" وجود قانون ألسببيّة أو عدم جواز إجتماع ألنّقيضين؟
ألجواب: من آلمستحيل أن يأتي قانون علمي و ينقض هذه ألامور ألمعروفة بالفطرة لأنّ كلّ ألتفكير ألبشري قائم عليها, فمن ينفي قانون ألسّببية؛ معناه أنه تخلّى عن ألمنطق و معناه أنه يُحرم عليه إستعمال كلمة "إذن" أو "لذلك" و يحرم عليه أن يقول أي "إستنتاج" أو أن يخلص الى أي نتيجة أو يبرهن أي شيء و معناه؛ أنه غرق في السفسطة. و آلرّد على آلسفسطة من أبسط ما يكون كما يقول ألمفتي الجسر - مفتي طرابلس لبنان- في كتاب "قصة الايمان" طالما ان آلمعرفة عندكم مستحيلة فكيف عرفتم إنّها مستحيلة؟؟؟ و كيف عرفتم إن القضايا الأولية غير مبرهنة؟ أ ليست هذه ألأمور من آلمعارف؟
و غاية ما في الأمر إن ما قد يبدو لنا متناقضا في بعض ألأحيان, لا يكون كذلك لأن هناك معرفة أساسية غابت عن اذهاننا .. تستطيع أن تحول الأمر الى ثلاث إحتمالات بدلاً من إثنين. و إليكم عدد من آلأمثلة:
يقول الله عز وجل : [إنّه من يأت ربّه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا], و في هذا القول شبهة تناقض! و لكن التناقض يُرفع حينما نعلم ان المقصود من قوله تعالى : [انه لا يموت] فيرتاح و في الوقت نفسه؛ حياته عذاب دائم لدرجة انه لا يستحق ان يقال عن حياته التعيسة حياة, مثال آخر؛ لنعتبر ان شخصا ما أتى و قال: "ان هذا الحصان ابيض و اسود" فإن عرّفناه جاداً أدركنا انه من الممكن ان يكون الحصان رماديا أو من الممكن ان يكون أبيضا و مبقعا بالاسود..." مثال ثالث : لنفترض بأن كائنات معينة لا تستوعب فكرة الزمن و جاء واحد منهم فأخبر صديقه بأن فلانا حيّ ثم جاء بعد ساعة و اخبره بأن فلانا ميت, فإن كان هؤلاء القوم يفكرون منطقياً .. سيكتشفون ان الحل الوحيد للخروج من التناقض هو اضافة بُعدٍ جديدٍ الى عالمهم و هو عامل الزمن.
و هذا تماماً ما تقوله نظرية (ألكوانتوم), فتفترض بُعداّ جديداً يكون فيه آلأحتمال ألآخر قائما و آلمراقب (أي البشر) لا يرى إلّا واحدا من هذين الأحتمالين فقط!
لذلك فأنّ العلم يقول: [أن الشيء ممكن أن يكون الشيء و نقيضه في الوقت نفسه], أو [أننا لا نستطيع أن نجزم بحقيقة الشيئ], بالمقابل إن العلم لم يقل بأنّ الشيء ممكن أن يكون هو و نقيضه في نفس آلوقت فقط, بل زاد بُعداً غير معروف لنا و له على القضية لحلّ هذا الاشكال, و هذا العامل ألأضافي لا نستطيع أن ندرك كنهه, لأنه خارج من قدرة البشر .. على الاقل في الوقت الحاضر.
إننا لا نعرف ما سيكون عليه آلأمر في آلمستقبل, لأنّ عجزنا عن فكّ كنه و أسرار ألأشياء عجز مبدئي مُبرهن عليه رياضيّاً! فنحن لا نستطيع أن ندرك ماهيّة ألأشياء بدون ألتدخل فيها, فهي تحتوي على سرّ منعنا الله من الوصول اليه لأنها من أمره ألذي اختص بعلمه وحده و لأن علم الانسان قليل لا يمكن ان يحيط بكل علم الله مصداقا لقوله تعالى: [ ... و يسألونك عن ألرّوح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً], و قوله تعالى: [ بيده ملكوت كل شيئ].
و آلرّوح كما يقول ألعلماء سرّ وضعه الله في مخلوقاته كي تعمل حسب مشيئته نحو آلخير و آلمعروف, و في آلقرآن ألكريم دلائل عدة على إنّ الله يَعرفُ ما لم يكن كيف كان سيكون لو كان, فقد وسع علمه كلّ شيء, و هذا هو آلخضر عليه و على نبينا السلام .. يعرف بوحي من الله أعماق آلمادة و مراتب آلزمن آلقادم و آلأماكن المستحدثة حين عرف إنّ الغلام لو كبر سيكفر و يعذب والديه, و ها هو الرّسول صلى الله عليه و سلم يقول :[ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن], فبعد كل هذا الكلام هل نرى (ألكوانتم) مُتناقضة مع وجود الله؟ أم بُرهان آخر على وجوده تعالى؟ إنه في نفس الوقت يثبت لنا أيضاً؛ أنّ معرفة ألأنسان قاصرة مهما تطوّرت وسائل ألعلم و إن الله وضع للأشياء حقائق لا تُدركها معارف ألبشر و إنّ في علمه أموراً أشمل ممّا كان و ممّا سيكون, فهو يعلم ما لو لم يكن كيف كان سيكون لو كان, و لا حول و لا قوّة إلّا بآلله ألعليّ ألعظيم. عزيز الخزرجي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ألسؤآل ألأساسي هنا هو: ما هو العلم ألحقيقي ألذي يؤدي إلى للأستقرار و السعادة و آلسلام؟ إن آلمظاهر الخلابة و العمارات الشاهقة للحضارة الغربية, و التقدم ألعلمي و آلتكنولوجي .. قد دعت البشرية و في مقدمتهم ألمثقفين إلى تصور أنّ العلم يستطيع ألتغلب على آلغرائز و آلسيطرة عليها, فيقدر على سوق العالم نحو الفضيلة, إنهم غافلون على أن العلم بلا إيمان بجمال الوجود و مصدر ديمومته يشبه العقل و آلضمير في مواجهة ألسيل ألجارف للغرائز, فأنّ آلعقل أو آلضمير ينسجب من الميدان أمام ضراوة ألغرائز و قوتها و يُنسي دور ألتوجيه ألعقلاني للسلوك عند ذاك. إن آلأهواء و آلشهوات تتسبب في إحراق بناء العلم و آلعقل, كما يقول ذلك آلأمام علي(ع):[قد أحرقتْ ألشهوات عقله, و أماتتْ قلبهُ, و أولهتْ عليها نفسه]. ما أكثر ألمثقفين و ذوي آلدراسات ألعليا, ألذين لا يملكون أنفسهم تجاه آلغرائز!؟ و كم من الذين قطعوا أشواطاً في نيل العلوم, و إطّلعوا على مضار المشروبات ألكحولية و مفاسد القمار و التدخين و آلرشوة و ربما كتبوا مقالات في ذلك .. لكنهم في مقام العمل و آلتطبيق يرتكبون هذه الذنوب و آلمعاصي, لهذا فآلعلم وحده لا يفيد آلأنسان و لا يستطيع جرّ آلانسانية نحو آلسلام و الهدوء و آلأستقرار. يجب أن لا يغيب عن بالنا طبقاً للاحصائيات ألمنشورة عن الدول ألمتقدمة تكنولوجياً .. أنه يتزايد عدد ألجرائم و آلجنايات يوماً بعد يوم, فآلجرائم تأخذ فيها نسبة تصاعدية, حوادث القتل و السرقات و آلاختطاف و آلأغتيال و التفجيرات و آلنهب, نماذج شائعة نقرا عنها كل يوم في صحف الغرب, و احداث لندن عاصمة بريطانيا اكبر دليل على ذلك, حيث وصل الامر ما يشبه حرب فوضوية بين فئات الناس من جهة و بين الشرطة و الناس من جهة أخرى! لهذا لا بد لنا إذا أردنا نيل السعادة أن نُركز على دعامتين: ألأيمان بآلله و آلعمل الصالح, والعدالة في ظل الأيمان و آلعلم تستطيع أن تمد ظلالها ألوارفة على البشرية جمعاء. (2) إن قصة "الكوانتم" ستغير الكثير من مفاهيمنا التي اعتدنا آلتسليم بها, و ما هذه إلّا آلبداية! لطالما كانت طبيعة ألضوء واحدة من ألغاز ألطبيعة, حتى قدّم نيوتن نظرته للضوء؛ على أنه مؤلف من جسيمات, و بقيت هذه النظرة سائدة حتى بدايات ألقرن ألتاسع عشر حين بدأت ألأدلة ألتجريبية تشير إلى خطأ نظرة نيوتن و أن آلضوء هو عبارة عن موجات كهرطيسية و ليس جسيمات. ألكوانتوم قصة جديدة في الكون ستأخذ مداها في البشرية و الوجود مستقبلاً: في عام 1905 توصل أينشتاين إلى أن الضوء يخضع لفكرة الكوانتم التي طرحها بلانك، أي أن الضوء عبارة عن حزم من أجسام ضوئية سميت "فوتونات". كانت فكرة بلانك الأصلية هي أن الذرات تمتص الطاقة (الإشعاع) على شكل حزم ولكن لم يقل بلانك أن الإشعاع بحد ذاته يوجد على شكل حزم، إنما تمتصه الذرات فقط على شكل حزم, ما اقترحه آينشتاين هو أن الإشعاع بحد ذاته عبارة عن حزم من الطاقة و ليس عبارة عن موجات مستمرة كما كان الأعتقاد السائد. أينشتاين.. و زلّة "بلانك": لمدة عشرين عاماً لم يصدق أحد فكرة آينشتاين، حتى "بلانك" نفسه صاحب ألفكرة ألأساسية في آلكوانتم لم يقتنع! أصرّ "بلانك" على أنّ إمتصاص ألطاقة فقط يتمّ على شكل حزم .. لا أن تكون هذه الحزم هي في صلب طبيعة الطاقة أو الإشعاع, لقد كان من الصعب على العلماء ترك الفيزياء التقليدية بهذه السهولة و لم يكونوا على استعداد للأستجابة لمثل هذه الثورة في مفهوم ألضوء و الطاقة. كيف توصل آينشتاين إلى هذه النتيجة؟ لقد لاحظ آينشتاين تناقضاً في طريقة إشتقاق "بلانك" لمعادلته رغم أن آلمعادلة أعطت نتائج متوافقة مع النتائج التجريبية. فقد حاول "بلانك" جاهداً أن يستنتج معادلته من أسس نظرية أوليّة, أيّ أنّ المعادلة كانت لديه و كان مقتنعاً بصحتها، و أرادَ إيجاد طريقة للوصول إليها بشكل نظري, و لكن في محاولته لأشتقاق المعادلة نظرياً .. أجبر "بلانك" معادلاته على الوصول إلى النتيجة التي كان يعلمها مسبقاً (معادلة ألجسم الأسود) ممّا أوقعه في تناقض خلال إشتقاقه. و قد أدرك "آينشتاين" خطأ "بلانك" و قام بتصحيحه. إعتمد "آينشتاين" في طريقته على علاقة فيزيائية تربط انتروبي (عشوائية) الغاز بحجمه. تقوم هذه العلاقة على أساس أنّ الغاز هو مجموعة ذرّات منفصلة .. و بطريقة مشابهة، قام "آينشتاين" بدراسة علاقة (انتروبي) إشعاع ألجسم ألأسود بآلحجم الذي يشغله الإشعاع، و كانت المفاجأة هي: {ألتوصل إلى علاقة تشبه تماماً علاقة انتروبي الغاز بحجمه! أي أن الإشعاع الكهرطيسي يتصرّف بشكل مشابه للغاز المكون من ذرّات أو جزيئات}, و كان هذا الأكتشاف مفاجئاً, لأن الاعتقاد ألذي كان سائداً آنذاك؛ هو أن الإشعاع (أو الطاقة) عبارة عن موجات و ليس عبارة عن جسيمات مادية. و لكن حسابات "آينشتاين" بيّنت أنّ الإشعاع يتصرّف كالغاز، و من هذا التشابه بين الغاز و الإشعاع استنتج "آينشتاين" أن الإشعاع يتكوّن من جسيمات, تماماً كالغاز ألمؤلف من جزيئات و ذرات ماديّة. خلال استماعهما للمحاضرة حول ألكوانتوم .. كتب Paul Ehrenfest ملاحظة صغيرة على ورقة و مرّرها لصديقه أينشتاين: [لا تضحك.. فهناك مكان خاص في عقاب ألتكفير عن الذنوب (يوم القيامة) لأساتذة نظرية الكوانتم حيث سيجبرون على الاستماع إلى محاضرات حول الفيزياء الكلاسيكية لمدة عشر ساعات يومياً!]. ردّ أينشتاين: [أنا أضحك فقط على سذاجتهم, من يدري من سيضحك أخيراً في النهاية؟] بالنسبة لـ (آينشتاين) لم يكن هذا أمراً مضحكاً و مزاجاً .. فنقطة آلخلاف هي في صلب ألحقيقة؛ و هي روح ألفيزياء ذاتها. لم يرق لـ (آينشتاين) ما كان يسمعه في تلك آلمحاضرة عن نظرية "ألكوانتم" .. فنظرية "ألكوانتم" شديدة ألغرابة و تُقلب ألفيزياء ألكلاسيكية رأساً على عقب و إنها تُناقض ما نشاهده في حياتنا آليومية, لهذا قد لا نجد غرابة إذاً علق "آينشتاين" على نظرية "ألكوانتم" بقوله: [كلما ازدادت نظرية الكوانتم نجاحاً كلما بدت أكثر سخافة]. هذه قصة جديدة من قصص ألكون و فتحاً كبيراً.. إنّها رحلة أشد صعوبة من رحلة ألبحث عن ميلاد ألكون؛ لأنها تبحث في عالم لا يمكن لمُعِدّاتنا ألتجريبية – مهما بلغت من آلدّقة و آلتعقيد – ألوصول إليه.. كما أنها قصّة جدال طويل بين إثنين من أعظم آلعلماء ألذين أنجبتهم ألبشرية. إنها قصة واحدة من أكثر النظريات العلمية نجاحاً في تاريخ ألعلم.. و أشد نظرياته غرابةً .. و رغم غرابتها الشديدة فهي المسؤولة عن كثير من آلتطور التكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم. إنها قصة جميلة و مثيرة.. و مليئة بالغرائب .. ربما أغرب ما فيها هو أن بعض رواد هذه النظرية أنفسهم تمنّوا لو لم تكن لهم يـد في كشفها! هذه هي قصة نظرية ألكوانتم أو (ألكم) Quantum Theory من بداية اكتشاف فكرة "ألكوانتم" مصادفة عام 1900، إلى الخلاف الحاد الذي ظهر في صفوف علماء ألكوانتم في تفسير معنى آلنظرية و تأثيرها في نظرتنا للعالم من حولنا و للكون بأكمله. 1900 ميلاد القرن .. و ميـلاد الكوانتم: هذا الشرط هو أن تقوم الأهتزازات (المتمثلة بالذّرات) بامتصاص الطاقة على شكل حــزم طاقيّة لا يمكن تقسيمها، أي حزم طاقيّة ذات قيم محددة مثل1 و2 و3 و4 ولا يمكن إمتصاص كمية طاقة تقع بين هذه القيم مثل 3.5. كانت النظرة السائدة حتى ذلك آلوقت هي أنّ الطاقة عبارة عن موجات طيف مستمرة غير متقطعة، أي أن الطاقة يمكن أن تتخذ أية قيمة ممكنة. و لكن الشرط الذي أتى به "بلانك" يعني أنه لا يمكن إمتصاص ألطاقة بأيّة قيمة عشوائية، بل يمكن إمتصاص قيم مُحدّدة فقط من آلطاقة على شكل حزم أو وحدات بحيث لا يمكن إمتصاص "نصف" حزمة, و يمكن تشبيه إمتصاص الطاقة على شكل حزم بموظف بنك يقوم بتقديم النقود من فئة 5 و10 و20 فقط و لا يمكنه تقديم قطع معدنية من فئة 1 أو أصغر من ذلك. توصل بلانك إلى علاقة تربط الطاقة التي تمتصها الذرات (الهزازات) مع تواتر اهتزازها – المعادلة الشهيرة: E = hv حيث أن E هي الطاقة و v تواتر ألأهتزاز, أمّا آلثابت h فهو ثابت بلانك. إذاً يتمّ إمتصاص ألطاقة على شكل حزم, إلّا أنّ هذه الحُزم صغيرة للغاية, لدرجة أنّنا لا نلاحظها في حياتنا أليومية فتبدو لنا آلطاقة و كأنها مستمرة بلا انقطاعات، و ذلك لأن قيمة ثابت بلانك صغيرة للغاية, مثلاً: لنتخيل أنني قمت برسم عددٍ كبير من آلنقاط ألمتقاربة جداً على شكل خط مستقيم. بما أن النقاط متقاربة جداً فإذا نظرنا إليها من بُعد تظهر و كأنها خط مستقيم، و لكن إذا اقتربنا منها و دقّقنا النظر نجد أن النقاط منفصلة و مستقلة رغم قربها الشديد من بعضها البعض, أيّ أن النقاط منفصلة فعلاً و لكنها تبدو مستمرة بلا إنقطاع على شكل خط مستقيم (مستمر) إذا نظرنا إليها من بعيد. سمىّ "بلانك" حزمة ألطاقة ألواحدة بـ (الكوانتم Quantum (جمع Quanta وفقاً لنظرية بلانك فلا يمكن للطاقة أن تمتص بقيمة أصغر من قيمة ثابت بلانك, أي أن قيمة حزم الطاقة تحددها قيمة ثابت بلانك, و بما أن هذا الثابت صغير للغاية فإن حزم الطاقة شديدة الصغر, بحيث لا نستطيع تمييز وجودها في حياتنا أليومية, فتبدو لنا الطاقة مستمرة، تماماً كما يبدو لنا خط ألنقاط ألسوداء ألمنفصلة خطاً مستقيماً (مستمراً) لأننا لا نستطيع تمييز الفواصل بين النقاط نظراً لصغر هذه الفواصل. عندما عرض بلانك نظريته في 14 ديسمبر 1900 في معهد الفيزياء في جامعة برلين لم يبد العلماء قلقاً من فكرة الكوانتم الغريبة هذه، فقد ظنوا أنها مجرد عثرة قد تكون نتيجة خطأ بسيط في الحسابات و يمكن التخلص منها بسهولة, ما أثار انتباههم فعلاً هو توافق المعادلة التي قدمها بلانك مع المعطيات التجريبية جميعها للجسم الأسود. قصة الوجود الافتراضية كما يرويها آلعلم: منذ فجر ألبشرية و إلى يوم ألناس هذا و آلإنسان يحلم بسبر أعماق ألكون بحثاً عن حقيقة و أسرار الوجود، فابتكر لذلك ما يلزم من أجهزة و مُعدّات، و صاغ النظريات و الفرضيات في جميع الميادين و المجالات، من بينها الرياضيات و الفيزياء.. الخ. مستعيناً باكتشافات و إنجازات علمية و تكنولوجية عظيمة ليتوصل إلى الأجوبة التي تؤرقه, و قد أفرزت البشرية علماء فطاحل و عباقرة في زمنهم ساهموا في تقديم أجوبة نسبية، من بينهم؛ "كوبرنيكوس" و "بلانك" و "لابلاس" و "جيوردانو برونو" و "غاليله" و "بوانكاريه" و "آلبتاني" و "آلخوارزمي" و غيرهم، و كان من بينهم و أشهرهم آنذاك "إسحق نيوتن" ألذي حسبَ مسارات ألقذائف و نظٌّر حول الحركة الكلية للكون, و خدم ميكانيك نيوتن الذي تحكم بالعلم ألبشرية لعدة قرون. و بعده جاء آينشتين Einsteinو قدّم نظريته ألنسبية الخاصة و العامة التي إخترقت أعماق الكون و المجرات و النجوم و قامت بدراسته اللامتناهي في الكبر، و نافستها في نفس الحقبة تقريباً نظرية ألكم أو الكوانتوم التي غاصت في مكونات الذرة و الجسيمات الأولية المكونة للمادة و تخصصت بدراسة اللامتناهي بالصغرمن الذرة و ما دون كـآلألكترونات، بروتونات، نيوترونات، كواركات، ميزونات، بوزونات، نوترويونات، الخ, و كل هذه الجهود العلمية تنشد التوصل إلى الحقيقة المطلقة لقوانين الطبيعة، فالعلم هو اليقين أو البرهان للأشياء الفيزيائية، لكننا لا نستطيع فصل الصفات الحقيقية للأشياء عن عمليات الرصد و القياس أو عمن يقوم بهذه العمليات ذاته لأنهما يؤثران على النتائج. أحد أعمدة نظرية الكم الكوانتا هو La physique Quantique Pohr Niels "نيلز بور" ألذي أرتاح لآرائه كثيراً .. حيث يقول:" لا يمكن وصف الكون في صورة واحدة واضحة مطلقاً، فالكون يدرك من خلال رؤى متكاملة تتوافق مع بعضها, لكنها تتناقض ظاهرياً في كثير من ألأحيان". هذا على مستوى الأجسام الكونية الهائلة، و نفس الشيء يمكن قوله عن الأشياء الذرية و ما دون الذرية، حيث يعلم الجميع أن للإلكترونات مسارات و مدارات فعلية حقيقية, لكن يتعذر رصدها لأن الإلكترون يمتلك زخماً وموقعاًمعيناً مختلفاً في كل مرة وإن هذين الأمرين، أي الزخم والموقع، تشوشهما عملية الرصد رغم وجود مواصفات فعلية للإلكترون غير أن تداخل الكم ـ الكوانتا Quointa ـ في أدوات القياس كان دائماً يحول دون تحديد تلك المواصفات بدقة. علماً بأن النظرية النسبية الخاصة تصر على حقيقة أن الطاقة والمادة لاتنفصلان، وأن يكون الشيء طاقة أو مادة فذلك يعتمد على شكل العلاقة بينهما وإنهما متعادلان و لايمكن إفناءهما أو خلقهما من العدم و إنما يمكن تحويل أحدهما للآخر وفق معادلة "آينشتاين" الشهيرة: [الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء]، و المعروف أن الكون مكون من مادة و طاقة في جانبه المادي الظاهر للعيان و القابل للدراسة و الرصد و القياس, و الحال أن نظرية الكوانتيك أو الكم كشفت عن كون إحتمالي غير يقيني متعدد ألأبعاد و أن عملية الرصد للأشياء الصغير و الكبيرة غير مستقلة عن الراصد و أثارت الكثير من الجدل و السجال الفلسفي و الميتافيزيقي و نشوء مبدأ الاحتمالات كما في قصة "قطة شرويدينجر" الشهيرة Erwin Schrôdinger. و برغم ذلك ما زالت جهود العلماء و مثابرتهم في حل المعضلات العلمية وصولا الى نظرية موحدة في تفسير الظواهر الطبيعية مستمرة, و هكذا برزت منذ سنوات حاجة ملحة لصياغة نظرية شاملة موحدة استناداً إلى حقيقة علمية تقول أن كل شيء في الطبيعة، بما في ذلك القوى الأربعة الأساسية المُسيّرة للكون، وهي الكهرومغناطيسية، و الجاذبية أو الثقالة، و القوة النووية الشديدة، و القوة النووية الضعيفة، هي في الأساس كم أو كوانتوم خاضع لقوانين ميكانيك الكم، و حيث أنها كلها نشأت عن قوة واحدة أصلية و هي ليست سوى تعبيرات مختلفة ومتنوعة عن تلك القوة. وكان آينشتين من بين الذين كرسوا حياتهم للتوصل إلى هذه النظرية التوحيدية التي تتطلب دمج نظريته النسبية الخاصة والعامة بنظرية الكم، ومازالت المساعي تبذل لإيجاد مثل هذه النظرية. وقد أجريت تجارب عديدة في معجلات الدقائق أومسرعات ومصادمات الجسيمات منذ عقود كثيرة وبفضلها تم اكتشاف الكم الذي يحمل القوة النووية الضعيفة. و تفترض نظرية الكواركات أن جميع الجسيمات أو الدقائق الأولية المختلفة مبنية من كينونات أساسية أكثر أصالة من الكواركات التي تتكون بدورها من كينونات غير مرئية وغير قابلة للرصد في الوقت الحاضر بسبب قصور أجهزة القياس المتوفر حالياً. ولقد نجح العلماء في رصد الكوارك وتوصلوا إلى أن هناك قوة غير اعتيادية مفترضة هي التي تمسك الكواركات و أطلقوا عليها تسمية " القوة الغروية Force Glue " وقد يكون لذلك علاقة بالقوة النووية الفائقة الشدة . و عند إجراء تجارب مختبرية مكثفة على الكواركات في جسيمة الميزون أدت تلك التجارب إلى إنفصال الكواركات القريبة من بعضها لكنها سرعان ما أدّت إلى توليد كواركات جديدة إتّحدت مع أخواتها المتحررات من جسيمة الميزون و كونت ميزون جديد آخر و إتضح إن انفلاق الميزون يؤدي إلى تشكيل ميزونات جديدة, انتقد العالم "ديفيد بوم" محاولات علماء نظرية (ألكم) للتوحيد الشامل لقوى آلكون قائلاً بخطأ إعتقادهم بأنّ نظرية ألدقائق أو الجسيمات النهائية أو الكوانتا ـ الكم ـ النهائي أو القوة النهائية هي الأصل و آلمنطلق للوجود, و كانوا قد افترضوا بالفعل أن الكون مكوّن من أجزاء و بهذه الفرضية افترضوا وجود جسيم أساسي لامتناهي في الصغر سيتم اكتشافه يوماً ما و الحال أنّ الكون مكوّن حسب إعتقاد "ديفيد بوم" من عدد من الأجزاء التي ستظل تنقسم على نفسها إلى ما لا نهاية بشكل يثير الحيرة, و أضاف عالم آخر هو "روبرت شيلدريك" أنه حتى لو نجح علماء الكم في اكتشاف القوة الأساسية في "معجل" أو "مسارع" جبار مثل ذلك الموجود حالياً في المحطة ألمشتركة على الحدود الفرنسية السويسرية و التابع لوكالة الفضاء الأوروبية CERN ، و اكتشفوا القوة الأساسية التي كانت مسئولة عن حدوث ألإنفجار العظيم ـ البيك بانك Big Bang ـ الذي ولّد الكون قبل 13.7 مليار سنة خلت، و هو عمر الكون المفترض، أو ربّما أكثر، بين 15 و 20 مليار سنة حسب تقديرات أخرى، فإنهم سيظلون يواجهون مشكلة أو معضلة عويصة, فبذرة القوة الأساسية ستكون بالضرورة هي القانون الأول في الطبيعة، و لكن أين كان هذا القانون الأول قبل الانفجار العظيم؟ و من أوجد هذا القانون؟ و هل هو حادث أم أزلي؟ لن تكون الإجابة حتماً على مثل هذه التساؤلات سوى إجابة ميتافيزيقية، حيث تقول الأطروحة الفلسفية أن قانون الطبيعة الأول .. أزلي و خالد أو أبدي و هو موجود حتى قبل وجود الطبيعة نفسها و مستقل عنها، أي هو موجود بمعزل عن الطبيعة قبل انبثاقها, و تمثلت المشكلة بالتعمق في ركيزتين أساسيتين الأولى تتعلق بفهم ألنظرية (النسبية) فهماً صحيحاً لأنها هي التي تمنحنا الإطار النظري في تفسير الكون بأبعاده الكبيرة "النجوم و المجرات.. الخ", و الثانية تتمثل في استيعاب نظرية (ميكانيكا الكم) التي تمنحنا الإطار النظري لفهم العالم في أجزائه الصغيرة "الجزيئات أو الجسيمات أو الدقائق والذرات ... الخ" ما جعل العلماء متيقنين تجريبيا من صحة التنبؤات التي بشرت بها هاتان النظريتان علما إن إحداهما تنفي الأخرى ظاهرياً و الحقيقة العلمية ترى في صدق إحداهما أو كليهما ما يعني أن الصياغة الحالية (النظرية النسبية العامة، و نظرية ميكانيكا الكم)؛ غير مريحة و هكذا فان النظريتين ألّلتين تشكلان أساس التقدم الهائل في الفيزياء، في القرن الواحد و العشرين غير متوافقتين، و على مدى أكثر من نصف قرن بقي التناقض مصدر قلق و عدم اطمئنان و ظل ماثلا أمام علماء الفيزياء. و في غمرة إكتشاف دقائق و جسيمات و كينونات جديدة، و حلّ معضلات تقنيّة بفضل نظرية الكم و التقدم التكنولوجي ألذي تحقّق في صنع أجهزة القياس و الاختبارات المتطورة، إتّضح أن هنالك عنصراً ما زال مفقوداً .. أنسانا آلشرط ألذي فرضته نظرية الكم نفسها و هي أننا لا و لن نتمكن أبداً، في حقبتنا الحضارية الحالية على الأقل .. من معرفة ما يجري بالفعل داخل مكونات ألذرة، و أن الكواركات و الغليونات، و كموم آخر ـ دوذرية ؛ ما دون الذرة ـ هي في واقع الأمر ليست سوى إرتباطات و تجريدات رياضية تتخلى عن مساراتها خلال التجارب المختبرية ألتي تجرى عليها و بآلتالي فإن معرفتنا ليست سوى نتاج لتخيلاتنا و افتراضاتنا ألرياضية. من بين العلماء المشهورين الذين تصدوا لتوحيد النظريات الكوزمولوجية ، العالم البريطاني "ستيفن هاوكينغ" S. Hawking و هو أكبر خبير و متخصص بالثقوب السوداء و صاحب أهم تصور كوني حديث، و الذي كرّس جهده وعلمه و عبقريته للربط بين النظرية النسبية و نظرية الكم .. لما يوجد بينهما من تداخل و مشتركات حسب إعتقاده. و قد إستند في أطروحته على فرضيتين أساسيتين؛ ألأولى: تستند إلى نظرية الكم، و الأخرى تستند إلى النظرية النسبية. الفرضية الأولى تتعلق بمبدأ " عدم الدقة " لهايزنبرغ، و الذي يقول أنه ليس بالإمكان معرفة جميع الخواص في نظام ما على وجه ألدقة، و حتى لو تمكنا من قياس خاصية ما فإن خاصية أخرى ستصبح غير دقيقة كما هو الحال في الغموض الذي يكتنف عملية قياس الطاقة والزمن. فلو قسنا الطاقة في نظام ما لفترة طويلة وعلى نحو كاف، قد نتمكن من معرفتها بوضوح، و لكن لو حاولنا قياس هذه الطاقة في فترات زمنية قصيرة و متقاربة فإنها ستصبح غير دقيقة و غير محدّدة. و الحال أن " عدم الدقة" هذا بالذات يقودنا إلى الاستنتاج التالي؛ و هو : أن الطاقة في أي نظام ليست ثابتة تماماً بل تتماوج حول "معدل" معيّن من لحظة إلى أخرى. و كلما تمّ الرصد خلال فواصل زمنية قصيرة .. أصغر فأصغر؛ تظهر الطاقة في حالة عدم ثبات و مزيد من التقلب تزداد شدته أكثر فأكثر، و يحدث التزايد و التناقص بصورة عشوائية و لكن بمعدل ذي قيمة ثابتة, و طالما تكون الطاقة "مكممة" دائماً فهذا يعني حتماً أن النظام يستحدث و يمتص كموم الطاقة بشكل دائمي و ثابت, و كما تنص معادلة آينشتين ؛ [الطاقة تساوي الكتلة في مربع سرعة الضوء] [ E=MC2]، فإن الكتلة و الطاقة تتحولان إلى بعضهما فيما يستحدث النظام أو يبيد أو يفني أزواجاً من الجسيمات وأضدادها Particules et Antiparticules، و حيث أن هذه الأزواج من الجسيمات خُلقت في جزء صغير جداً من الثانية قبل أن يعاد إمتصاصها فإنها لن ترصد أبداً على نحو مباشر من خلال التجربة و لذلك سميت بـ "الدقائق أو الجسيمات الإفتراضية"Particules Virtuelles . الفرضية الثانية تستند للنظرية النسبية, فقد ذكر آينشتاين في نظريته النسبية العامة أن المادة هي التي تسبب تحدّب " الزمكان" – ألزمان و المكان - و هذا التحدب تحسّه ألأجسام المجاورة كقوة جاذبة, و وفقاً لمعادلات آينشتاين لا يوجد سبب لا يحمل قطعة صغيرة جداً من مادة شديدة الكثافة بقدر كاف على تحدب "الزمكان"، و هذا يعني أن الأمر سينعكس على المادة ذاتها, و إن هذه الظاهرة التي حسبت رياضياً في باديء الأمر سماها ستيفن هاوكينغ بـ " الثقب ألأسود" فقوّة جذب هذا الثقب من الشدة و القوة بمكان بحيث يتعذر على أي شيء أن يفلت من مركزه و إن كل ما يدخل في هذا الثقب يقذف إلى "المجهول" بفعل قوة جاذبية هائلة لا يتسرب منها حتى الضوء،و هناك لكل ثقب أسود نقطة عرفت بـ "نقطة اللاعودة أو اللارجوع" و صيغتها العلمية هي "أفق الحدث" الذي يمكن تحديده حسابياً أو رياضياً بدقة متناهية, فعلى جانب واحد من أفق الحدث يمكن للجسيمات ألإفلات نظريّاً و لكن إنحرافاً جزئياً إلى الطرف ألآخر يؤدي بآلدقائق أو الجسيمات إلى الإختفاء إلى الأبد, ففي أعماق الثقوب السوداء تنسحق أية كتلة هائلة لتتحول إلى حجم متناهي الصغر, و كأنها ترجع إلى أصلها قبل حدوث الأنفجار العظيم, و الانفجار العظيم big-bang حدث عن كتلة ميكروسكوبية كما أشرنا, و إذا ما قورنت تلك الكتلة الأولية بحبة رمل لبدت حبة الرمل عظيمة الحجم، مثل هذه العوالم الدقيقة تحتاج إلى تطبيق كلا النظريتين"النسبية العامة و ميكانيكا الكم" في آن واحد, و من تناقضهما في التعامل مع الأشياء الكبرى والمختلفة عنها الصغرى، دفع العلماء إلى العمل على المقاربة بين آلصّرحيّن ألعظيمين بنظرية "الأوتار الفائقة ". إن هذه الاكتشافات و الحقائق العلمية عن أفق الحدث، و نقطة اللاعودة أو اللارجوع، و الثقب ألأسود، و أزواج الجسيمات و أضدادها، التي تستحدث و تنعدم أو تندثرأو تختفي بشكل دائم في خضم تقلبات طاقة (الكم) باتت معروفة من قبل جميع علماء الكزمولوجيا و الفيزياء النظرية، و لكن لم يجرأ أي منهم على جمعها مع بعضها, إلّا أنّ "ستيفن هاوكينغ" وحدهُ تساءل بجرأة: [ماذا يحدث لو خلق زوج افتراضي من جسيم و جسيم مضاد عند مستوى أفق الحدث؟], حسب نظرية (الكم) يتحرك الزوج الجسيمي للحظة واحدة منفصلاً ثم لا يلبث أن يتّحد ثانية ليكون كماً من الطاقة Energie Quointique أو "طاقة كوانتية", و لكن ماذا لو تجول واحد من هذه الدقائق أو الجسيمات الافتراضية خلال هذه العملية عبر أفق الحدث وفقاً لفيزياء الثقب السود التي صاغها "ستيفن هاوكينغ"؟ لن يتمكن هذا الجسيم العودة إلى العالم الخارجي و استحالة الارتباط بقرينه الجسيم المضاد و لن يتمكن من اكتشاف موقع رفيقه الجُسيم الآخر و لن يكون قادراً على تدمير نفسه. بعبارة أخرى. إذا عبر أحد الزوجين الإفتراضيين أفق الحدث فإن الزوج الآخر سيضطر للظهور كجسيم حقيقي . من هنا توصل هاوكينغ، اعتماداً على مبدأي النسبية و آلكم إلى أن العمليات الكمية أو آلكوانتية و تحدّب الزمكان الذي تفترضه النسبية العامة مرتبطين ببعضها بشدّة، و إن الحاجة باتت ماسة لتوحيدهما في نظرية واحدة خاصة بعد أن اثبت وجود الثقوب السوداء عملياً بعد أن اكتشفها نظرياً و رياضياً. عندما طبق الفيزيائيون وعلماء الكوزمولوجيا نظرية الكم على المكان الخالي، اكتشفوا أن هناك كمية صغيرة جداً من الطاقة في أي حيز كان من المكان و إن حسابات هذه الطاقة الصغيرة قد كشفت عن حقيقتين مذهلتين: الأولى؛ يصبح فيها المكان ، و بالنتيجة الزمن أيضاً، عند هذا المستوى الأدنى من الطاقة غير قابلين للتعريف. و الثانية، إن كمية الطاقة في سنتمتر مكعب واحد من المكان الخالي، أعظم بكثير من المجموع الكلي للطاقة في كل المادة التي يحتويها الكون الظاهر و المعروف لدينا. و هذا يدل على أن المكان الخالي ليس بخال البتة.. إنه مليء ، بل هو بحر هائل من الطاقة، و فوق قمته تبدو المادة التي نعرفها و آلتي تشهد تهيجاً " كميّاً كوانتياً " صغيراً شبيهاً بالموجة و أقرب ما يكون إلى " نبضة "ضئيلة, و جدير بالذكر أن بعض العلماء يعتقدون أن هذا البحر اللانهائي من الطاقة هو مجرد وهمٌ ناشيء عن خطأ في الصيغ الحسابية لنظرية ألكم، في حين يظن البعض ألآخر أنها موجود و سماها الطاقة الداكنة أو المعتمة أو السوداء كما توجد نظير لها المادة الداكنة أو المعتمة أو السوداء. الكون كائن حي ينظم نفسه مثل الجسد الذي يرمم نفسه أثناء تطوره, وفق نظرية التنظيم الذاتي للكون و بالتالي بعض العلماء يقولون أن الكون يتمدّد و يتوسع في الوقت الحاضر و منذ لحظة الإنفجار العظيم الأولى(ألبك بنك)، و ذلك نتيجة لقوة نووية بدائية و أن هذا الكون سيستمر في تمدّده إلى الأبد إلّا إذا حدثت قوة جاذبية هائلة تظهر و تبدأ في إعادة تجميعه مع بعضه ثانية في ما يسمى بعملية الإنكماش العظيم و هو بعكس ألانفجار ألعظيم . أي أن الكون متناسق و منسجم مع نفسه في نشاطه فهو يتمدّد و يمكن أن يتقلص مثل قلب ينبض . و قد يكون الكون في تمدّده مستمراً إلى ما لانهاية و بدون حافات أو حدود أو آفاق و كان التساؤل الذي يدور، هل للكون نهاية؟ نظرية الأوتار حل توفيقي أم مخرج علمي؟ و بغية إنهاء التناقض القائم، و تبعا لنظرية الأوتار الفائقة، فان التزاوج بين قوانين الأشياء اللامتناهية في الكبر و تلك اللامتناهية في الصغر لم يعد مرضيا فحسب .. بل بات حتميّا, و محاولة البحث عن نظرية موجودة في الفيزياء تتشابك فيها قوى و مكونات ألطبيعة المادية بنسيج نظري واحد، و تمتلك نظرية ألأوتار قابلية على إظهار أنّ كلّ ألأحداث العجيبة ألتي تجري في الكون بداية من الرقص العشوائي للكوراكات أو " الجسيمات تحت الذريّة " الى آلنظام ألدقيق و آلتقليدي للمجرّات و المنظومات الفلكية، ..إبتداءاً من منظومة مكونة من نجمين تدور احدهما حول الأخر .. إلى دورات المجرات ألكبرى في آلسماء، فإنّ هذه الملامح تستدعي تغيير مفاهيمنا عن المكان و الزمان و المادة تغيّراً جذريّا علما أن تناقض النسبية و ميكانيكا الكم ليس الوحيد في سلسلة التناقضات المحورية خلال القرنين المنصرمين, و قد أدى حلّ كلّ تناقض فيهما إلى مراجعة شاملة لمفهومنا عن الكون، و كما هو معلوم فان معظمنا يتعامل مع الكون ذي الثلاثة أبعاد الفراغية بينما الأمر غير ذلك وفقا لنظرية الأوتار التي ترى أن للعالم أبعاداً أكثر ممّا ترصده العين المجردة و يبلغ عددها أحد عشر بعداً، و هي مظفورة في نسيج الكون المطوي، و اعتبارها فكرة مركزية عن طبيعة المكان و الزمان. و الفكرة الأساسية لنظرية الأوتار تتلخص بأن جميع ألمواد ما هي إلّا مُجرّد نُقطٍ تتكوّن من أنشوطه أحادية ألبعد و كل جسيمة فيها مؤلفة من فتيل يتذبذب و يهتز و يتراقص مثل حلقة مطاطية متناهية النحافة يطلق عليها الوتر - بدءاً من قطعة عادية من المادة مثل تفاحة، ثم يكرر تكبير بنيتها لنكشف عن مكوناتها بمقاييس متزايدة في الصغر، و تضيف نظرية الأوتار طبقة ميكروسكوبية جديدة لأنشوطة متذبذبة إلى ما كان معروفا مسبقا في التسلسل من ذرات إلى بروتونات ونيوترونات والكترونات وكواركات، و يمكن للأوتار أن تكون ذو نهايتان حرتان في الحركة تدعى”الأوتار المفتوحة“ بالإضافة إلى العروات أو ”الأوتار المغلقة“ و التركيز سيكون في معظم ألأحيان على الأوتار المغلقة، و رغم عدم الوضوح في الإحلال البسيط لمفهوم الجسيمة - النقطة في مكونات المادة بواسطة الأوتار إلى أن تنتهي معضلة عدم التوافق بين ميكانيكا الكم و النسبية العامة، تمكنت نظرية الأوتار من حل العقدة المركزية و المستعصية في الفيزياء النظرية المعاصرة و هو انجاز هائل، و واحد من أسباب الإثارة التي أحدثتها نظرية الأوتار، لقد أدى ظهورها إلى سلسلة من الفتوحات التي شهدها عالم الفيزياء خلال العقد الأخير ما يبشر إننا أصبحنا على قاب قوسين أو ادني من الوصول إلى نظرية المجال الواحد و بتشكيل رياضيّ واسع قد يُوحّد كل قوى الكون المعروفة. الطب الكوانتي أو الطب الكمي: و هي طريقة روسية حديثة تستخدم ألليزر النبضي في عمليات الكشف عن الأمراض و علاجها. و يعتمد الطب الكوانتي الكميات القليلة من الأشعة الكهرومغناطيسية بهدف التشخيص و العلاج و الوقاية من الأمراض، و تقوية البنية الجسدية عند المرضى عن طريق تقوية جهاز المناعة. و في لقاء بالدكتور عبد الله أبو بكر اختصاصي الجراحة النسائية و التنظيرية و معز عباس اساني المتخصص في العلاج بالضغط الإبري (النقطي) في دبي. فقد قدمّا توضيحات حول تقنية ألطب "ألكوانتي" ألذي إبتكره آلروس و طوّره الألمان، يقول الدكتور عبد الله أبو بكر: [إن العلاج الكوانتي يعتمد على إستخدام أشعة كهرومغناطيسية خالية من آلعوامل ألبيئية الملوثة، بهدف إعادة بناء و تنظيم المجال الكهرومغناطيسي الإدراكي عند المريض، وإكسابه مناعة ضد الأمراض و حالة صحية جيدة، إذ أن التأثيرات الكهرومغناطيسية المستخدمة في العلاج هي إيقاعية (توافقية) أي تقع على توافق رنيني مع العمليات الإدراكية الُقدرية للكائنات الحية]. و تشير الأبحاث الحديثة إلى التأثيرات الإيجابية للعلاج الكوانتي و التي تسمح باستخدام هذه الطريقة في العلاج في كافة مجالات الطب: علم أمراض القلب و أمراض الرئة و أمراض الجراحة العظمية و طب الأسنان و علم التجميل و أمراض النساء و المسالك البولية و المعدة و الأمعاء و أمراض البشرة و الأمراض العصبية، و الوزمية و الإشعاعية و أمراض الأوعية و الجهاز الحركي و المتعلقة بحصى المسالك البولية والربو الشعبي و داء الثعلبة و الصلع و انحباس البول و العقم و غير ذلك من الأمراض الصعبة على التداوي و الشفاء و بنسبة نجاح عالية تتجاوز الـ80% . فوائد علاجية: و أشار الدكتور عبد الله إلى أن العلاج يعمل ضد الالتهابات برفع المناعة ضد الأمراض و نسبة اللمفاويات في الجسم، و يعمل على إعادة بناء الخلايا و السيطرة على الكوليسترول بالدم، و يزيل الألم الموضعي، و ينظم الدورة الشهرية و يؤثر على الأورام و الوزمات، و له أيضا تأثيرات علاجية في المفاصل و كل العوامل المذكورة أعلاه و تثر مجتمعةً مع بعضها البعض بشكل فعال و ممتاز في مجالات العلاج الكوانتي من أجل تأمين الوسائط الوقائية الهرمونية. و يستخدم العلاج الكوانتي تأثير ألأشعة ذات القدرة القليلة أي الأشعة الكهرومغناطيسية غير الضارة و المؤثرة إيجابياً على العمليات الحيوية لخلايا الجسم اعتمادا على البحوث العلمية الطويلة. و تمّ في ضوء ذلك اختيار الأشكال الأكثر نفعاً من الأشعة المعالجة و هي الضوء الأحمر النبضي و الأشعة المليمترية (الموجات الدقيقة) و الأمواج المغناطيسية و الأشعة الليزرية و الأشعة تحت الحمراء. الضوء الأحمر النبضي: على الرغم من أن الضوء الأحمر يخترق الأعماق القليلة فقط فهو يعمل على تأثيرات موافقة ومناسبة لتخفيف شدة العوامل المرضية وخاصة في الأماكن التي تتواجد فيها الأنسجة ذات الروابط الضعيفة. وما عدا ذلك يساعد الضوء الأحمر في تحديد ومراقبة العلاج ويعمل بصورة مفيدة على التأثيرات النفسية. الأمواج الدقيقة: تستخدم أشعة الطيف ذات المجال الواسع في أجهزة الطب العلاجي ذات الأمواج الدقيقة، وتقع هذه الأشعة ضمن المجال من 40 إلى 120 ميغاهرتز وتتمتع بقدرة عالية. وتعمل هذه الموجات على إصلاح الخلل في المجال المغناطيسي الكهربائي الإدراكي عند المريض. وهي تؤثر على المناعة ضد الأمراض وتخلص المريض من الألم وتنشط الشفاء من الالتهابات والاضطرابات وتعمل على تبديل الأنسجة وتحسين الدورة الدموية عند الكائن الحي. المجال المغناطيسي: يعمل على تشكيل طاقة كامنة لحماية الجسم من كافة التأثيرات الضارة التي يمكن أن يسببها الوسط الخارجي المحيط. فالمجال المغناطيسي يساعد على الحفاظ على الجزئيات المشحونة للنسيج الخلوي بحالة متأنية نشطة، وهو ما يسمح برفع القدرة على مستوى الجزئيات والخلايا. التأثيرات السريرية: جوال الألم و تحسين ورفع مستوى الطاقة الكامنة و تحسين تغير النسيج و التأثير على الأمراض و الوذمات و إزالتها. أشعة الليزر: تتغلغل في الأنسجة حتى عمق من عشر حتى خمسة عشر سنتيمترات و تعمل على تنشيط كل من الدورة الدموية و التبادل الغذائي للأغشية الخلوية و العوامل الهرمونية المسؤولة عن فرز الهرمونات اللازمة و الضرورية للجسم. التأثيرات السريرية: تنشط عملية تركيب البروتينات وتنشط وتكثر الأنزيمات وترفع معالجة وتحضير الـ ءشذ وتحسن دوران الدم من الشعيرات الدموية للمفاصل والمناطق المتحركة وتعمل على التخلص من الالتهابات وترفع تركيب الكولوجين وتولد الأنسجة وتنشطها و تعالج الأورام و الوذمات و تؤثر ضد الآلام و تخفض مستوى الكوليسترول في الدم وتنشط العوامل المتخصصة و غير المتخصصة بمناعة الجسم وتؤثر بشكل كبير على عملية الأكسدة وتخفض مستويات التسمم الخليوية. الأشعة فوق الحمراء: تتمتع هذه الأشعة بخاصية تغلغل أقل بين الأنسجة و بمجال أوسع من الطيف مما يؤدي إلى تنشيط الهرمونات اللازمة لنشاط الجملة العصبية المركزية و آلجملة ألعصبية الأنباتية. ألتأثيرات ألسريرية: إحماء أنسجة الطبقات ألسطحية و التأثير على الوصفات المتوضعة في الجلد مع رفع منطقة التحسس الألمي و تنشيط الدورة الدموية الشعرية و وقاية و علاج اضطراب التوزع الدهني و تنشيط و تقوية الخلايا الجلدية و تدعيم الأشعة الليزرية في اختراقها للنسيج. الطب البديل: و تابع الدكتور عبد الله في اللقاء قائلا: [في عيادتنا قسم للعلاج البديل و العلاج الطبيعي، و الطب البديل عادة ينقسم إلى أقسام عدّة منها المعالجة بالأعشاب أو المعالجة بالإبر الصينية أو المعالجة بالضغط وعادة ما يتمّ ذلك عن طريق العلاج الكوانتي (Quantum) أو التشخيص النقطي، و يستفيد التشخيص النقطي من نقاط استشعارية أو استكشافية وهبها الله عز وجل للإنسان على سطح الجلد أو باليد أو بالأذن أو بالقدم، و هذه النقاط نقاط سطحية أوجدها الله تعالى كي تعطينا مضمون الأجهزة، و طبيعة ألأجهزة الكامنة داخل الجسم و التي لا يمكن أن نصلها بالطبع]. فآلتشخيص ألنقطي، ألذي يعتمد على مبدأ الكوانتم، هو عبارة عن جهاز تشخيص موصول بكمبيوتر من خلاله يمكن قياس الوحدات الكهربائية الموجودة في تلك النقاط. وهذه موصولة مع أجهزة في الجسم وبواسطتها يمكن أن نحدد طبيعة عمل الجسم ولدى الجهاز فعالية عالية وطبيعية ويمكن استخدام كل الفحوص القياسية على الجهاز ودمجها للتعرف على حالة الجسم. وفي إطار الفحص يمكن معرفة ما إذا كانت هناك حالة مرضية ما أو استعداد بدني للمرض. ويمكن أن يكون هناك تنكس أيضا أو مرض غير قابل للشفاء وبالتالي يقوم الجهاز بتقديم جداول تشخيصية. ويوفر لنا الجهاز جدول معالجة. ويجمع الكوانتو ما بين الموجات الكهرومغناطيسية والأشعة فوق الحمراء والليزر والضوء الأحمر النبضي لتشكيل نبضة بسيطة جدا تعادل الرابطة ما بين الكربون والنيتروجين في الخلية وبذلك يعطي طاقة للخلية، حتى تقوم بعملية استقلاب نشطة وبالتالي زيادة الفعالية. وبالطبع فهناك نقاط محددة يستطع الجهاز أن يؤثر عليها فيقوم بتحريض الأجهزة الداخلية في الجسم على النشاط. ويعمل الجهاز على زيادة التروية الدموية ويضاعف الأنزيمات والاستقلاب في الخلايا ونشاطها. ويحفز الخلايا للعودة إلى وضعها الطبيعي وكما هو معروف فإن الجهاز يشخص ويعالج أيضا. ويقوم الجهاز بتقوية جهاز المناعة في الجسم حتى يتغلب على المرض وهناك أمور كثيرة مبشرة وتبين دراسات أن قوة الإيمان والثقة العالية بالنفس تعمل على إطلاق مدخرات الطاقة في الجسم و هو ما يؤدي إلى التغلب على الحالة المرضية حتى و إن كانت حالة سرطانية. جهاز الكوانت: ينتشر في أنحاء العالم أليوم أكثر من عشرة آلاف مركز تستخدم هذا آلجهاز، و لقد كان الجهاز من أسرار ألاتحاد السوفييتي، لكن أحد العلماء الألمان نجح في تطويره بمشاركة نحو 50 مؤسسة علمية رفيعة في ألمانيا, و ينتج الجهاز حاليا في ألمانيا و يعد شيئا جديدا في عالم استخدام الطاقة لأغراض شفائية، و لا يتجاوز عمر الجهاز 15 عاما. جهاز التشخيص: يمكن أن يشخص ألطبيب ألمرض عن طريقين؛ فإما يتم تشخيص المرض عن طريق وصف المريض لمعاناته و عندئذ يتوجه الطبيب لعلاج المرض. أو يذهب المريض إلى العيادة للكشف عن حالته المرضية و استطلاع إمكانية وجود حالات مرضية أخرى عن طريق نقاط محددة موجودة على الجلد, يمكن إستخدام ألجهاز في آلكشف عن أمراض نسائية و في التجميل و في فحص معاناة البشرة، و هكذا فإنه يدخل في كلّ مناحي الكشف الطبي. كيف طورتم معرفتكم بالجهاز؟ - لقد قمت بدراسة آلية ألجهاز و آلتدريب عليه لمدة عامين. و لاشك أنّ لأوربا الشرقية أهميّة خاصة في استخدام الطاقة في آلعلاج حتى بات العلاج ألبديل منتشراً انتشاراً كبيرا في بلدان أوروبا الشرقية. و على سبيل المثال فقد استخدمت أجهزة الاستخبارات السوفيتية الـ (كي جي بي) أشخاصا يتمتعون بقدرات خارقة للتواصل مع آخرين خلال الحرب الباردة. ما هي الأمراض التي نجحتم في علاجها خلال مسيرة عملكم على الجهاز؟ - لقد تحسنت حالة أشخاص تم علاجهم بواسطة الجهاز وكانوا يشكون من الضعف الجنسي والعنة وآلام الظهر، آلام البطن، المفاصل والسكري. كما استفاد من تقنية الجهاز العلاجية مرضى مصابون بمشكلات عصبية والآم مزمنة كما يعانون من مشكلات في البروستاتا منها التضخم والاحتقان. ولكن يصعب علاج الحالات المرضية المتنكسة مثل الإصابات السرطانية، فنحن لا نقوم بعلاجها لأنها تحتاج إلى علاجات خاصة. و أشير هنا إلى علاجي – و الكلام للدكتور عبد الله - لحالات مزمنة في البروستاتا، و قد استجاب المرضى للعلاج، كما وجد أشخاص يعانون من الضعف الجنسي أنفسهم بعد أربعة أيام من العلاج أنه أصبحت لديهم قدرة على آلانتصاب و القيام بالواجب ألزوجي على خير ما يرام, كما عالجت أيضا نساء يشكين من ضعف في التبييض و من الأورام ألليفية و ضعف بطانة ألرحم و آلإسقاطات المتكررة و الاضطرابات المناعية و مشكلات عنق الرحم. القلب و الشرايين: يعمل الجهاز على زيادة التروية الدموية مما يؤدي إلى زيادة نشاط الدورة الدموية وينجم عن ذلك زيادة وصول الأكسجين إلى الأماكن البعيدة في الجسم. وهو ما يؤدي إلى تحسين الوضع الصحي. هل هناك أية اختلاطات للجهاز؟ - ليس للجهاز أي اختلاطات ولا يتسبب في ظهور أية أعراض جانبية. لأنه لا يتفاعل مع أي شيء بل انه يتفاعل مع الطاقة الموجودة في الجسم، وهي طاقة تتناغم مع طاقة الليزر أو طاقة الأشعة تحت الحمراء. أمراض الحساسية: يكشف ألجهاز أمراض ألحساسية و يعالجها، و خاصة ألاحتقانات ألتي يعالجها كلها بشكل جيّد جدّا. بالأصل عندما نعطي هذه الأشعة نقوم بزيادة قوة المناعة و قدرة ألجسم على مواجهة المرض و إفراز مجموعة من آلأنزيمات و العوامل الاستقلابية، و هذه مهمة في تعزيز الدفاع عن الجسم. و نقوم بتخفيف إحتقانات ألجيوب الأنفية و يؤدي العلاج إلى إطلاق كميات كبيرة من الهيستامين، و كما قلت فهو يقوم بالتنشيط و هو يعني بالنسبة لنا طبخة، فإذا توفرت النار نَضَجَ آلطعام و إذا لم تتوفر لا يحدث أيّ تغيير، نفس ألشيء هنا إذا لم تتوفر ألطاقة فإنّ آلخلية لن تعمل أو تنشط، و نرى ورق الشجر لا ينمو أو يكبر إلاّ بأشعة الشمس. العلاج بالتدليك: نحن لا نستخدم أدوية بل نحفز ألمرض حتى يتمكن ألجسم من شفاء نفسه بنفسه و نعالج أصل المشكلة و لا نُسَكّنْ المرض. و أجرت مجلة "الصحة أولا" لقاءاً منفصلاً مع معز عباس أساني خبير ألعلاج بالضغط الإبري (النقطي) و قال من واقع خبرته "نعالج من خلال الطب غير التقليدي أو ما يسمى بالطب البديل و الرفليكسولوجي و من خلال التدليك المتخصص". هناك بعض المرضى لا يستطيعون تحريك عضلاتهم و ليس مفاصلهم فقط و يشعرون بحرقة في اليد أو القدم أو يعانون من زيادة في الوزن, و أنا في الواقع متخصص بـ "أكيوبريشر" و تلقيت تعليمي و تدريبي في جامعة بيترسبورغ في روسيا على مدى 4 سنوات و نصف السنة، و قد ركزت خلال دراستي على هذا النوع من العلاج و تلقيت الكثير من المعرفة العلاجية عن طريق خبرتي. ما هي الأمراض التي قمتم بعلاجها و تم شفاؤها؟ - يعتقد البعض أن العلاج بالضغط هو لتخفيف الألم فقط. فقد يأتي أشخاص يعانون من ألم في الكلية أو الكبد أو مشاكل في القلب، أو يعانون من الأرق أو من التلعثم أو من التهابات معوية ومن مشكلات ذات أنماط مختلفة. و نقوم هنا بعلاج الوباء الكبدي سي، خاصة لدى قسم العلاج بالأدوية الصينية. نقوم باستخدام جهاز الكوانتوم للتعرف على الطاقة الجسمية, و نستطيع عبر هذا الجهاز المتطور التعرف على طالة الطاقة وحالة كل عضو في الجسم وكل نسيج، ويمكنه أيضا أن يفحص القولون ويتم الفحص من 22 زاوية وهكذا خلال ساعة أو أقل نقوم بفحص كل شيء ومن المفيد جدا القيام بتلك الفحوصات لأنك ستصل إلى شيء قد لا يتبين في الفحوصات العادية. و قد يصاب الإنسان بمرض فلا يشعر بأي لم أو إزعاج، و لكن الجهاز يستطيع الكشف عن أية حالة مرضية دون أن يشعر المريض بأي ألم, و على ذلك يمكن علاج الحالة المرضية قبل تفاقمها, إن أي شيء يمكنك كشفه قبل تفاقمه يمكنك علاجه أو إيجاد علاج له, حيث يقوم الجهاز بتشخيص الحالات المرضية و تنشيط خلايا الجسم, و عند ذلك ننتقل إلى العلاج المركب باستخدام جهاز متطور. و نحن في واقع الأمر نتعامل مع كل أجزاء الجسم من قمة الرأس حتى أسفل القدمين. و أحيانا يأتي أناس مصابون بالوباء الكبدي (سي). ففي الشهر الماضي حضر مريض مصاب بالوباء الكبدي (سي) و تمّ خفض عدد وحدات الفيروس إلى أدنى درجة و تعافى المريض إلى حدّ كبير, و تمّ إستئصال المرض بعد شهرين نهائياً. و نستطيع التعرف على مدى تقدم الحالة الصحية للمريض عن طريق إجراء تحليلات في أحد المختبرات. ألإصابات ألرّياضية: يمكن توفير علاجات من نوع خاص للرياضيين، حيث نستطيع رفع كفاءتهم الرياضية عن طريق تنشيط العضلات و سيلاحظ الرياضي أن أداءها أصبح أفضل. و من خلال الجهاز يمكننا التعرف على القدرة العضلية للرياضي و تنميتها نحو المزيد من المرونة و القوة. فرط ألنشاط: بعض الطلبة خاصة في المراحل الابتدائية يعانون من النشاط المفرط. يمكن زيادة ثقة هؤلاء بأنفسهم عن طريق الضغط على بعض النقاط على الرسغ للتخلص من تلك الحالة التي تؤدي في معظم الأحيان إلى عرقلة الحصة الدراسية و التسبب في مشاكل بينه و بين المدرس أو الطلبة الآخرين. و يتم العلاج هنا عن طريق الضغط على بعض النقاط على الرسغ في اليد، و بعد العلاج سيكتشف أهل الطالب قبل الأستاذ في المدرسة نسبة التحول الهائلة في سلوكه. و ينسحب ألأمر ذاته على الأشخاص الذين اعتادوا على كيل الإهانات للآخرين، و أيضا يتمّ العلاج عن طريق الضغط على نقاط على الرسغ مختلفة أيضا و سيتحول الشخص المشاكس إلى شخص هادئ يحترم الآخرين و يعاملهم بلطف. هناك نوع من الناس يعانون من مشكلات في القلب، و يؤدي ذلك إلى تحفيزهم على الغضب وصب الأهانات على الآخرين. و يمكن أن يكون هذا الشخص يافعا أو كبيرا في السن، لا فرق .. كما يستفيد من هذا العلاج الأشخاص الذين فقدوا عزيزاً لهم بسبب الموت أو يعانون من حساسية عاطفية مفرطة تدفعهم إلى البكاء بين الحين والآخر. و هناك أشخاص يضحكون كثيرا و يثيرون صخبا حتى في الأماكن العامة، أي أنهم يعانون من مشكلة الضحك لأقل فكرة. فهناك نقطتان إذا ما تم الضغط عليهما فإن الميل نحو الضغط الصاخب يتراجع. و نفس الشيء نقوم بعلاج الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب و نوبات الخوف. كما أن مثل هذا العلاج يمنح القوة لباقي أعضاء الجسم. و الحقيقة فإن رد الفعل يبدأ فورا بعد اللمس و الضغط. ألضعف ألجنسي: يزورنا في العيادة مرضى يعانون من الضعف الجنسي و العنة و الوهن.و غالبا ما يحدث الضعف الجنسي عندما ينهمك الإنسان في هموم الحياة الضاغطة التي تستنفذ تفكيره و قواه البدنية. فارتفاع الأسعار والإيجارات و رسوم المدارس و الكهرباء و المواصلات و أمور كثيرة تثقل كاهل رب الأسرة تجعله يصاب بوهن و تضعف استجابته الجنسية. لقد عالجنا حالات وهن وضعف أسفرت عن تحقيق تقدم كبير ويحدث ذلك عندما يقوم الجهاز بتنشيط الدورة الدموية في كل أنحاء الجسم و يستهدف على نحو خاص أعضاء التكاثر التي يضعف وصول الدم إليها. ويعرف أن أي عضو يضعف وصول الدم إليه يصاب بالوهن و لكن إذا انقطع عنه الدم يصاب بالغرغرينا و من ثم يتم بتره. و يحدث ذلك في قدمي بعض الناس المصابين بالسكري. فالمريض يعاني هنا من سوء وصول الدم إلى القدمين بسبب التهاب الأعصاب. و تحدث أيضا متاعب في القلب بسبب إنهاكه بالاضطرابات النفسية و الإنهاك ألبدني وعدم منح ألقلب قسطا من آلراحة. ضعف الذاكرة ليست الذاكرة هي الحالة الوحيدة التي تدل على ضعف الوظيفة الدماغية أو تضاؤل نشاط الدماغ، ويتوفر على الجسم بعض النقاط التي إن تم تنشيطها فإن القلب والدماغ ينشطان معا. فكل مريض يأتي إلينا، ويعاني من مشكلات في الذاكرة، نقوم بإرشاده كيف يضغط على نقاط معينة في الجسم لتنشيط الذاكرة ويمكن لجهاز الكوانتم أن يفيدنا جدا في مثل هذا العلاج. كيف يقوم جهاز الكوانتم بالعمل؟ - لكل جسم هالة تحيط به، وهي هالة كهرومغناطيسية، وقد استخدمت إحدى تقنيات التصوير المتطورة لتصوير هذه الهالة التي تكشف أحيانا عن مؤشرات دقيقة تشير إلى وجود إصابات مرضية في الجسم حتى إذا كانت تلك الإصابات في الطفولة أو في العقد العشرين من العمر أو في سن متقدمة. ويمكن لتلك الصور الملتقطة أن تبين مكان الإصابة حتى لو كان أثرها غير موجود الآن, و يمكن للكثيرين أن يروا هذه الهالة المحيطة بالجسم. ويقوم الجهاز أيضا بقراءة الكثير من أوضاع الجسم عن طريق قراءة مواقع محددة على القدمين واليدين ويمكن أن يبلغنا الكثير عن جهاز المناعة. ويمكن وصل الجهاز بالأصابع، على سبيل المثال، فيبلغنا بوضع القلب أو الكبد أو الكليتين أو العينين. والواقع فإن الجهاز متطور للغاية و يفي بالغرض التشخيصي و العلاجي. كما تعاون العالم في عملية التطوير مع المؤسسة الروسية لأبحاث الفضاء وبعد سنوات عدة من العمل المضني تم تطوير تلك الآلة القادرة على كشف كل ما هو سليم وجيد في الجسم وما هو سيء وضار. هل يمكن أن يرتكب الجهاز أية أخطاء؟ - الأخطاء مقتصرة على المستخدم، و لا توجد له أيّة سلبيات أو حتى هامش خطأ. إمكانية إجتماع النقيضين: يقول بعضهم انّ قانون عدم اجتماع النقيضين قد يبدو بديهيا و لكن اذا عرضت كلامك على عالم فيزياء حديثة فلن يوافقك على ذلك و سيقول ان قوانين الكوانتوم تقول بأنّ الجزيء ممكن أنْ يكون في مكانين في الوقت نفسه أو على آلأقل لا نستطيع أن نتحقّق و نثبت مكان وجوده. بالطبع قوانين نيوتن في آلحتمية تظل مطبقة على نطاق ألعالم المرئي و لكنها تفقد قيمتها في عالم ألجزيئات. ألجواب: محور ألسؤال ألمطروح: هل غيّر العلم في قوانين المنطق الفطرية؟ هذه القضية معقدة ومن لا يستوعب الامور الفلسفية فباستطاعته ان يتجاهلها .. بل من آلأفضل تجاهل بعض القوانين العلمية الحديثة: مثل قانون النسبية و قانون ميكانيك الكوانتوم: النسبية: اكتشف اينشتاين ان الزمن ليس مفهوما مطلقا بل هو نسبي يتوقف على سرعة الشيء المتحرك واثبت هذا الامر في عدة تجارب مخبرية منها ان تضاعف مدة حياة بعض الجزيئات اذا اطلقت بسرعة قريبة من سرعة الضوء. وقد اعطى مثالا وهميا ليقرب لنا هذه الحقيقة الى الاذهان في مسألة التوأم الشهيرة فقال : لو وجد توأمان بقي احدهما على الارض في حين سافر الثاني بسرعة قريبة من سرعة الضوء الى الفضاء ثم عاد الى الارض فسيجد الاخ الذي بقي على الارض نفسه اكبر بكثير من الذي سافر في الفضاء ذلك لأن الزمن يتباطأ مع زيادة السرعة. طبعا هذا الامر نظري لأن الانسان لا يستطيع ان يصل الى سرعة قريبة من سرعة الضوء. ميكانيك الكوانتوم: إكتشف آلعلماء في آلقرن ألماضي إنّ آلضوء يتصرف كموجة بينما يتصرف ألالكترون كجزيء و لكنّ آلعلم ألحديث إكتشف بأنّ الضوء ممكن أن يتصرف كجزيء في بعض ألأحيان و إن آلألكترون مُمكن أنْ يتصرّف كموجة, و ما يثير ألأستغراب بأننا لا نستطيع ان نعرف حقيقة و ماهيّة ألالكترون أو آلضوء فهو يُغير تصرفه حسب ألطريقة ألتي تنظر بها إليه. و أيّة تجربة مختبرية لقياس و إختبار ألضوء أو ألالكترونات ستُغيّر من طبيعتها آلأصلية ألمجهولة لتجعلها تتصرّف تحت إطار أحد هذين ألاتجاهين. و من هنا يصح ألقول بأن العلماء خرجوا بنظريّة بأن آلألكترون و آلضوء هما موجة و جزيء في آلوقت نفسه أو بأننا على آلأقل لا نستطيع أن نعرف ماهيتهما آلأصلية بدون أن نغيرها. و بالمثل تتحدث هذه النظرية إنّك لا تستطيع أن تُحدد سرعة ألجزيء و موقعه في نفس الوقت فإذا حدّدت موقعه أثّرت على سرعته فأصبحت مجهولة و اذا قمت بالعكس يصبح موقعه مجهولاً. و آلمُثير في هذه ألنّظرية بأنّ آلعلم أثبت أن هذا آلغموض لا يُمكن حلّه مهما تطورت آلات ألقياس لأن هناك قانونا رياضيّاً يحكم هذا آلعجز و هو قانون "هايزنبرغ". و كما في قصة ألتوأم يُقرّب ألعلماء هذه ألنظرية الى الاذهان بطرحهم قضية "قطة شرودنغر" ألتي تكون ميتة و حيّة في نفس الوقت, و يقولون لنفترض أنّ هناك علبة مغلقة بداخلها ذرة لها احتمال خمسون بالمائة كي تفنى و ينتج عن فنائها إطلاق ألكترون قادر على تشغيل جهاز يكسر زجاجة من آلسم القاتل. حسب مبادىء ألكوانتوم فإنّنا لا نستطيع أنْ نعرف نتائج ألتجربة دون أنْ نؤثّر عليها فأيّ وسيلة لمراقبة الجزيئات ستغير من تصرفها و بالتالي فإنّ قانون ألأحتمال ألمفروض على آلذرة سيعمم على القطة في داخل العلبة بحيث تصبح حياتها نفسها إحتماليا أيضا, فهي اذاً حيّة و ميتة في نفس ألوقت. موقف الإيمان من النسبية: هل تشكل ألنظرية النسبية حجّة للإلحاد ضد الأيمان بالله؟ على العكس تماما فإن احدى القضايا التي كانت تحير عقول الفلاسفة هي قضية زمن الترك فحسب قولهم "لو لم يكن العالم ازليا فمعناه ان الله انتظر زمنا لا متناهيا حتى خلق الكون وهذا مستحيل" وهنا رد عليهم علماء الدين "قبل خلق الكون لم يكن هناك زمان فليس الزمان مطلقا انما هو خاصية للذات المتغيرة. كما ان الله عز وجل لا يتغير ولا يتبدل فلا يحتاج للزمن ولا يحكمه الزمن. فقضيتكم خاسرة من الاتجاهين" وبقي هذا الكلام مطمورا في دفاتر التاريخ حتى جاء انشتاين واثبت هذا الامر علميا وليس منطقيا فقط. موقف الايمان من ميكانيك الكوانتوم: هل ينفي ميكانيك الكوانتوم وجود قانون السببية او عدم جواز اجتماع النقيضين؟ من المستحيل ان يأتي قانون علمي و ينقض هذه الامور المعروفة بالفطرة لأن كل التفكير البشري قائم عليها, فمن ينفي قانون السببية.. معناه إنه تخلى عن المنطق .. إنّه يحرم عليه إستعمال كلمة "إذن" أو "لذلك" و يحرم عليه أن يقول أي"إستنتاج" أو ان يخلص إلى أي نتيجة او يُبرهن أي شيء, و معناه؛ إنه غرق في السفسطة, و آلرّد على آلسفسطة من أبسط ما يكون كما يقول ألمفتي ألجسر - مفتي طرابلس لبنان - في كتاب قصة ألأيمان؛ طالما إنّ المعرفة عندكم مستحيلة فكيف عرفتم انها مستحيلة؟ و كيف عرفتم إنّ القضايا آلأوليّة غير مُبرهنة؟ أ ليستْ هذه الأمور من آلمعارف؟ و غاية ما في الأمر ان ما قد يبدو لنا متناقضا في بعض الأحيان لا يكون كذلك لأن هناك معرفة أساسية غابتْ عن اذهاننا تستطيع أن تحول الأمر الى ثلاث إحتمالات بدلاً من إثنين, و هاكم عدد من الأمثلة: يقول الله عز وجل : [إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا], و في هذا القول شبهة تناقض و لكن التناقض يرفع حينما نعلم ان المقصود من قوله تعالى [انه لا يموت] فيرتاح, و في الوقت نفسه حياته عذاب دائم لدرجة إنّهُ لا يستحق أنْ يقال عن حياته ألتعيسة حياة! مثال آخر؛ لنعتبر إن شخصاً ما أتى و قال: "ان هذا الحصان ابيض و اسود", فإن عرفناه جاداً أدركنا إنه من آلممكن ان يكون الحصان رماديا او من الممكن ان يكون ابيضا ومبقعا بالاسود..." مثال ثالث : لنفترض بأن كائنات معينة لا تستوعب فكرة الزمن وجاء واحد منهم فأخبر صديقه بأن فلانا حي ثم جاء بعد ساعة واخبره بأن فلانا ميت. فإن كان هؤلاء القوم يفكرون بمنطق سيكتشفون ان الحل الوحيد للخروج من التناقض هو اضافة بعد جديد الى عالمهم وهو عامل الزمن. وهذا تماما ما تقوله نظرية الكوانتوم فتفترض بعدا جديدا يكون فيه الاحتمال الآخر قائما والمراقب (أي البشر) لا يرى الا واحدا من هذين الاحتمالين فقط! لذلك يقول العلم: "بأنّ آلشي ممكن أنْ يكون آلشيء و نقيضه في الوقت نفسه", أو بأننا "لا نستطيع أنْ نجزم بحقيقة الشيء كما هو". بآلمقابل .. ألعلم لم يقل بأنّ الشيء ممكن أن يكون هو و نقيضه في نفس الوقت, و إنّما زاد بعداً غير معروف لنا و له على القضية لحل هذا الاشكال و آلتداخل, و هذا العامل ألأضافي لا نستطيع ان ندرك كنهه و حقيقته لا آلآن و لا في آلمستقبل, لأن قصر عقولنا عجز عن فك كنه الأشياء .. عجزاً مبدئياً مُبرهن عليه رياضياً, فنحن لا نستطيع أن ندرك ماهية ألاشياء و حقيقتها بدون التدخل فيها, فهي تحتوي على سرّ منعنا الله بذلك العجز من الوصول اليه لأنّها من أمره ألذي إختص بعلمه وحده, و لأن علم ألانسان قليل لا يمكن أن يحيط بكلّ عوالم علم الله, فهو مصداقٌ لقوله تعالى : [و يسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربي و ما أوتيتم من آلعلم إلّا قليلا]. و آلرّوح كما يقول العلماء؛ سرّ أودعه الله في مخلوقاته كي تعمل حسب مشيئته في طريق الخيير, و في القرآن الكريم دلائل عدّة على إنّ الله يعرف ما لم يكن كيف كان سيكون لو كان, فقد وسع علمه كلّ شيء و هذا هو الخضر عليه و على نبينا السلام يعرف بوحي من الله أنّ "الغلام" لو كبر سيكفر و يُعذّب والديه لذلك قتله, و ها هو آلرّسول صلى الله عليه و سلم يقول: [ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن]. فبعد كلّ هذا الكلام هل نرى حقائق "الكوانتم" تتناقض مع وجود الله؟ أم برهان آخر على عظمة وجوده تعالى؟ بل و يثبت لنا أيضاً أنّ معرفة الأنسان محدودة و قاصرة مهما تطوّرت وسائل آلعلم, و إنّ الله وضع في آلأشياء بآلأضافة إلى ما نراه في آلأبعاد ألفيزيائية .. حقائقَ و أسرارَ لا تُدركها معارف آلبشر, و لا تستطيع تحليلها و هضمها و كشف كيفية تعاملها و روابطها في الوجود, و إنّ لله في علمه أموراً و شؤوناً أشمل و أكمل ممّا كان و ممّا بدى لنا و ممّا سيكون, فهو يعلمُ ما لوْ لمْ يكُنْ كيفَ كانَ سيكون لوْ كانْ. أينشتاين و تجربة لينارد: إذاً؛ توصّل أينشتاين إلى أنّ آلإشعاع ألكهرطيسي بطبيعته هو عبارة عن وحدات من آلطاقة(فوتونات). لإقناع العلماء بفكرته الجديدة .. قام آينشتاين باستخدام فكرته هذه في تفسير ظاهرة كانت حتى ذلك الوقت غامضة و تحتاج إلى تفسير و تدعي بالأثر الكهرضوئي Photoelectric effect. في عام 1902 قام "فيليب لينارد" Philipp Linard بدراسة ظاهرة كان قد لاحظها قبله الألماني "هيرتز" Hertz. قام "لينارد" بوضع صفيحتين معدنيتين في جوّ مُفرّغ (خال من آلهواء) و قام بوصلهما ببطارية, قام بعد ذلك بتعريض ألصفيحتين لإشعاع كهرطيسي. لاحظ لينارد عندها مرور تيار كهربائي بين آلصفيحتين رغم أنهما منفصلتين, و يفصل بينهما جو مفرغ حتىّ من أيّ غاز. فسّر" لينارد" هذه الظاهرة بأنّ آلالكترونات في معدن ألصفيحة قد تلقّت كمية من الطاقة عن طريق (ألإشعاع) كافية لتحرر تلك آلألكترونات من ذرّات ألمعدن منطلقة بإتجاه الصفيحة ألثانية, و حركة ألألكترونات هذه شكّلتْ تياراً كهربائياً, إذاً فالتيار ألنّاتج هو نتيجة تحرّر ألألكترونات من الصفيحة ألأولى و تحرّكها نحو الصفيحة الأخرى. و لكن لاحظ" لينارد" أمراً لم يستطع تفسيره, وفقاً لقوانين ألفيزياء ألتي كانت معروفة و سائدة آنذاك, و هو إن زيادة شدة الإشعاع يُؤدي إلى تحرير نفس العدد من الالكترونات مع زيادة في طاقة كلّ ألكترون, أيّ أنّ زيادة شدّة ألإشعاع تكافئ زيادة ألطاقة ألمنبعثة بسبب زيادة طاقة ألألكترونات ألمحررة, إلا أن نتائج التجربة كانت عكس ذلك تماماً، فلقد أدت زيادة شدة الإشعاع إلى تحرير عدد أكبر من آلإلكترونات مع ثبات طاقة كلّ الكترون! ما آلسبب يا ترى؟ تفسير الظاهرة الكهرضوئية: بالنسبة لآينشتاين كان تفسير نتائج "لينارد" واضحاً و سهلاً في آلبداية, لأنّ التفسير ينحصر في كيفيّة ألتميّيز بين شدة الإشعاع و طاقته, وفقاً لمفهوم آينشتاين عن الإشعاع, فشدة ألإشعاع مرتبطة بعدد (الفوتونات), فكلما إزداد عدد ألفوتونات إزدادت شدة (ألإشعاع)، بينما طاقة ألإشعاع فهي مرتبطة بالطاقة التي يحملها الفوتون و التي بدورها ترتبط بتواتر الإشعاع (كلما زاد تواتر الإشعاع زادت طاقة الفوتونات). و الآن لنعد إلى تجربة "لينارد", إذا كان آلإشعاع مؤلفاً من جسيمات (فوتونات) فإنّ زيادة شدة ألإشعاع تعني زيادة عدد ألفوتونات الضوئية، ممّا يؤدي بالتالي إلى تحرير عدد أكبر من الألكترونات (لأن الفوتونات هي التي تقوم بتحرير الألكترونات من الصفيحة حين الأصطدام بها، فكلّما زاد عدد الفوتونات المصطدمة بالصفيحة ازداد عدد الالكترونات المحررة, كما أن طاقة ألألكترون الواحد لا تتغير عند زيادة شدة الإشعاع لأن زيادة شـدة الإشعاع تعني فقط زيادة عدد الفوتونات و بالتالي زيادة عدد الألكترونات ألمحررة، و لا تعني زيادة طاقـة هذه الفوتونات (و بالتالي لا تزيد طاقة الالكترونات الناتجة عن الاصطدام). أما طاقة الالكترونات فتزيد بزيادة طاقة الفوتونات المصطدمة بها من جانب آخر، و زيادة طاقة الفوتونات تعني زيادة تواتر الإشعاع (لا شدته) كما بيّنتُ أعلاه, و هذا يتوافق مع نتائج "لينارد" تماماً. كما بيّنتْ ألتّجارب أيضاً أنّه لكلّ معدن هناك حدّ أدنى للطاقة لا يمكن بدونه تحرير ألكترونات مهما زدنا شدة الإشعاع, و ذلك لأن زيادة شدة الإشعاع لا تزيد طاقته بل تزيد فقط عدد الفوتونات، فإذا كانت طاقة هذه الفوتونات أدنى من حدّ معيّن فلن تستطيع تحرير الإلكترونات من المعدن مهما كثر عدد هذه الفوتونات .. لزيادة طاقة ألإشعاع فعلينا زيادة تواتره لا شدته. انتصار بيّن لفكرة آينشتاين: إذاً.. هل الضوء (الإشعاع) هو عبارة عن جسيمات فقط؟ و ماذا عن التجارب التي أثبتت أن الضوء هو عبارة عن موجات؟ هل يعقل أن تكون كلّها خاطئة!؟ ألطبيعة المزدوجة للضوء: قام الاسكتلندي "جيمس ماكسويل" و هو من أبرز علماء الفيزياء في القرن التاسع عشر – بدراسة الضوء و تحديد خصائصه, بعد ذلك قام الكثير من العلماء مثل "هيرتز" بدراسة خصائص ألضوء و ساد الأعتقاد بأنّ الضوء عبارة عن موجات بدلاً من كونه مؤلفاً من جسيمات. من هنا كان من آلصعب على العلماء في بداية القرن ألعشرين تصديق فكرة "آينشتاين" ألقائلة بأنّ آلضوء مؤلف من جسيمات أو حزم ضوئية (فوتونات) لأن الأدلة ألتجريبية حينها كانت تشير إلى الطبيعة الموجيّة للإشعاع أو الضوء. و لكن كما رأينا فإنّ فكرة "آينشتاين" عن "الفوتونات" فكرة ناجحة و إستطاعت بسهولة تفسير ظاهرة كان آلعلماء قد عجزوا عن تفسيرها حتى ذلك الوقت. ألنقطة ألهامّة هنا هي؛ أنّ الضوء يظهر فعلاً على شكل موجة عندما نقوم بدراسته ضمن فترة زمنية محدّدة، و لكن حين ندرس ظاهرة امتصاص و إشعاع الضوء بشكل آني (أيّ في لحظة معيّنة و ليس خلال فترة زمنيّة) فلا بُدّ حينها من اعتبار الضوء مؤلفاً من جسيمات صغيرة تحمل طاقّة, بهذه الطريقة فقط يمكننا تفسير الظواهر التي يُبديها الضوء عند دراسته تجريبياً و التوفيق بين الطبيعتين الجسيمية و الموجية للضوء. إذاً؛ للضوء (أو الإشعاع) طبيعة مزدوجة - فهو يتصرّف كموجة أحياناً و كجسيمات (فوتونات) في أحيان أخرى. قد يكون من الصعب تخيل ذلك و التوفيق بين هاتين الطبيعتين، و لكن لا بد لنا أن نحاول الأعتياد على مثل هذه الأفكار الغريبة.. لأن العلم مليء بها! إن قصة "الكوانتم" ستغير الكثير من مفاهيمنا التي اعتدنا التسليم بها, و ما هذه إلا البداية. قذائف ألفا: من المعروف أن الذرة تتألف من 3 أنواع من الجسيمات: بروتون (موجب الشحنة) ونيوترون (بدون شحنة) والكترون (سالب الشحنة). يوجد البروتون والنيوترون في نواة الذرة في حين يدور الالكترون حول النواة في مدارات مخصصة. في بداية القرن العشرين لم تكن مكونات الذرة بهذا الوضوح. كان الانجليزي Joseph John Thomson قد اكتشف الالكترون، أما محتويات النواة فلم تكن معروفة بعد. لاحظ الفرنسي Henri Becquerel أن المركبات الحاوية على عنصر اليورانيوم تقوم بإصدار إشعاع معين. قام النيوزيلاندي Ernest Rutherford في جامعة كيمبردج بدراسة هذا الإشعاع وتوصل إلى وجود نوعين من الإشعاع سماهما: إشعاع ألفا alpha وإشعاع بيتا beta. وفي عام 1901 لاحظ رذرفورد أن العنصر الذي يقوم بالإشعاع يتحول إلى عنصر مختلف! تم التعرف على أشعة بيتا على أنها عبارة عن الكترونات ذات سرعة عالية (كان الالكترون قد اكتشف حديثاً). ولكن ما هي أشعة ألفا؟ اعتقد رذرفورد أن أشعة ألفا هي عبارة عن نواة ذرة الهيليوم (والحاوية على بروتونين ونيوترونين ولذلك فهي موجبة الشحنة، إلا أنه لم يتم اكتشاف البروتون والنيوترون في ذلك الوقت). بدأ رذرفورد بمحاولة البرهان على فكرته بمساعدة الألماني Hans Geiger. في تجاربه قام رذرفورد بإمرار أشعة ألفا عبر صفيحة رقيقة جداً من الذهب. بعد مرور الأشعة عبر الصفيحة فإنها تسقط على شاشة وتقوم بترك أثر يسمح بمعرفة مكان وقوع الإشعاع على الشاشة. والآن، ماذا يحدث لجسيم ألفا (موجب الشحنة) حين مروره عبر صفيحة الذهب؟ إذا اصطدم الجسيم بالكترون من الكترونات ذرات الصفيحة فإنه سينحرف في اتجاه معين وبزاوية معينة (وصغيرة). أما جسيمات ألفا التي لا تصطدم بأي الكترون فإنها تتابع مسيرها في مسار مستقيم. إذاً: توقع رذرفورد أن تتحرك أغلب جسيمات ألفا في مسارات مستقيمة وأن يغير عدد صغير من هذه الجسيمات مساره بزاوية ضئيلة نتيجة اصطدامها بالالكترونات. في واحدة من التجارب التي أجراها أحد طلبة رذرفورد في جامعة مانشستر تبين أن بعض جسيمات ألفا ترتد عند اصطدامها بالصفيحة نحو الخلف!! أصيب رذرفورد بالدهشة لدى سماعه لهذه النتيجة، فهي غير متوقعة إطلاقاً بل هي أشبه بالمستحيل. شبّه رذرفورد هذه النتيجة بإطلاق قذيفة مدفعية ضخمة على قطعة من "المحارم" لنجد أن القذيفة قد ارتدت عند اصطدامها بقطعة "المحارم"! ما الذي دفع جسيمات ألفا التي تحمل طاقة عالية للأرتداد؟ نموذج "رذرفورد" للذّرة: إعتقد "رذرفورد" أنّه لا بُدّ من وجود حقل كهربائي قوي في الذرة يكون مسؤولاً عن إرتداد جُسيمات ألفا. نتيجة للتجارب التي أجراها "رذرفورد" و طلابه، توصّل إلى نموذج جديدة للذّرة يمكن بواسطته تفسير النتائج التي حصل عليها و هي: تتكون الذرة من نواة موجبة الشحنة و صغيرة الحجم تدور حولها الالكترونات، كما أن المسافة بين النواة و الالكترونات شاسعة للغاية و ذلك لأن النواة صغيرة جدّاً (النواة أصغر من الذرة بمئة ألف مرة!). نظراً للمسافة الشاسعة جدّاً بين النواة و الالكترونات .. فإنّ أغلب جُسيمات "ألفا" تمرّ عبر آلذّرة دون آلأصطدام بأيّ شيء، وعدد قليل من الجسيمات يصطدم بألكترونات الذرة ممّا يُؤدي إلى انحراف بسيط في مسار ألجسيم، كما أنّ عدداً قليلاً من جسيمات "ألفا" (الموجبة الشحنة) تصطدم بنواة الذرة (الموجبة الشحنة أيضاً)، و نتيجة التنافر الشديد بين الشحنتين الموجبتين فإن جسيم "ألفا" يرتد عند إصطدامه بالنواة. لقد كانت النتائج التجريبية متوافقة تماماً مع نموذج رذرفورد الجديد للذرة.. لقد كان هذا النموذج ثورة في عالم الذرة.. ولكن مهلاً.. فتوجد مشكلة خطيرة في هذا النموذج، إن لم يتم حلها فسينتهي نموذج رذرفورد بالفشل الكامل. ما هي هذه المشكلة؟ لنتخيل أن الالكترونات (السالبة) تدور حول النواة (الموجبة)، في هذه الحالة يوجد تجاذب بين الالكترون (السالب) والنواة (الموجبة)، فلماذا إذاً لا يهوي الالكترون باتجاه النواة نتيجة هذا التجاذب؟ ما الذي يبقيه بعيداً عن النواة؟ الجواب هو أن الالكترون يملك طاقة تمنعه من الهوي باتجاه النواة، وهي طاقة دورانه. تخيل أنك تمسك كرة في يدك، ثم قم بمد يدك نحو الأمام وابدأ بالدوران حول نفسك بسرعة. إذا قمت بإفلات الكرة خلال دورانك فإنها ستتحرك مبتعدة عنك لأنها تملك طاقة دورانية تدفعها بعيداً عنك. إذاً: حين يدور الالكترون فإنه يملك طاقة حركية دورانية تبقيه بعيداً عن النواة رغم التجاذب بينهما. ولكن وفقاً لنظرية ماكسويل في الإشعاع فإذا تحرك جسيم مشحون كهربائياً فإنه يخسر طاقة على شكل إشعاع كهرطيسي. وبالتالي فإن الالكترون (السالب الشحنة) خلال حركته هذه سيخسر جزءاً من طاقته على شكل إشعاع كهرطيسي، أي أن جزءاً من طاقة دورانه ستتحول إلى طاقة كهرطيسية، مما يؤدي إلى انخفاض تلك الطاقة الدورانية التي تبقي الالكترون بعيداً عن النواة، مما يؤدي بالتالي إلى اقتراب الالكترون من النواة تدريجياً خلال دورانه، إلى أن يصل إلى النواة ذاتها، حينها تنهار الذرة بكاملها! المشكلة الآن: كيف نبقي الالكترون بعيداً عن النواة دون أن يهوي باتجاهها؟ هل سيهوي نموذج رذرفورد كما يهوي الالكترون في الذرة؟ أم هل سيأتي من ينقذ رذرفورد وذرته الجديدة؟ نجم من الدانمارك: في يوم عيد ميلادها الخامس والعشرين في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 1885 أنجبت إيلين طفلها الثاني: نيلز هينريك ديفد بور Niels Henrik David Bohr. ولد بور في الدنمارك في عائلة ثرية، حيث كان جده واحداً من أثرى أثرياء الدنمارك، وكان والده أستاذاً لامعاً لمادة الفيزيولوجيا في جامعة كوبنهاغن. نظراً لشهرة والده والمركز الاجتماعي المرموق لوالدته فقد كان من المعتاد أن تستقبل عائلة بور العديد من العلماء والكتاب والفنانين، ولقد ترك اختلاط نيلز بمثل هذه الشخصيات أثره العميق في شخصيته منذ صغره. درس بور الفيزياء في جامعة كوبنهاغن وحصل منها على الدكتوراه. كان بور يجد صعوبة كبيرة في الكتابة حتى أنه اعترف بكتابة ما يقارب 14 نسخة "مسودة" من أطروحة الدكتوراه قبل أن يكتب النسخة النهائية! لم يكن اهتمام بور حكراً على العلم فلقد كان هو وأخوه يحبان كرة القدم، حتى أن أخاه Harald كان لاعباً في منتخب الدنمارك وحاز على الميدالية الفضية في أولومبياد 1908 عندما خسرت الدنمارك المباراة النهائية أمام انجلترا. بعد حصوله على الدكتوراه شد بور رحاله إلى انجلترا ليعمل في جامعة كيمبردج والتي رآها كمركز الفيزياء في العالم حيث عمِل نيوتن وماكسويل وغيرهما من أشهر علماء الفيزياء. في انجلترا قام بور بزيارة أحد طلاب والده والذي أصبح حينها أستاذاً في مادة الفيزيولوجيا في جامعة مانشستر. تعرف بور هناك على رذرفورد وأعجب بشخصيته إعجاباً شديداً. كان رذرفورد محبوباً بين زملائه وطلابه، وكان يعمل على رأس مجموعة من الفيزيائيين، كان أحدهم Charles Galton Darwin حفيد تشارلز داروين صاحب نظرية التطور. تزوج بور عام 1912 وخلال قضائه شهر العسل مع زوجته في كيمبردج لم يتوقف عن كتابة أبحاثه (قمة الرومانسية العلمية!). كما أنه استعان بزوجته في كتابة بحث عن أشعة ألفا بحيث فام هو بالإملاء عليها وقامت هي بالكتابة وبتصحيح الأخطاء اللغوية التي وقع بها(بالانجليزية). درس بور نموذج رذرفورد للذرة وحاول جاهداً إيجاد حل لمشكلة عدم استقرار الالكترون في الذرة (كما شرحت سابقاً). كان بور مقتنعاً بنموذج رذرفورد للذرة إلا أنه كان مدركاً أنه يحتاج إلى تعديل، وأن هذا التعديل سيكون جذرياً وقد يخرج عن قوانين الفيزياء المعروفة آنذاك. بحث بور عن فكرة جديدة تسعفه، إلى أن وقع بين يديه بحث قام به الانجليزي John Nicholson من جامعة لندن. في هذا البحث، اعتبر نيكلسون أن حركية (momentum) الالكترون (جداء كتلته وسرعته) لا يمكن أن تتخذ إلا قيماً محددة فقط، خلافاً للاعتقاد السائد بأنها يمكن أن تتخذ أي قيمة مهما بلغت. هنا وجد بور ضالته التي ستعيد إحياء ذرة رذرفورد من جديد.. بور و آلألكترون.. و آلكوانتم ألسّحري: إستنتج بور من فكرة نيكلسون أن طـاقة الالكترون أيضاً لا يمكن أن تتخذ إلا قيماً محددة فقط، مثل 1 و2 و3 و4.. ولا يمكن أن تتخذ قيماً بين ذلك أي 1.5 و2.5 وهكذا.. إنها فكرة الكوانتم ذاتها، ولكن هذه المرة نجدها في الالكترون ذاته. كان بلانك قد اكتشف الكوانتم في امتصاص وإصدار الإشعاع، ثم اكتشف أينشتاين أن الإشعاع بحد ذاته يوجد على شكل كوانتم، والآن جاء بور بفكرة تجعل الالكترون خاضعاً للكوانتم أيضاً.. يبدو أن فكرة الكوانتم تستشري في الطبيعة! لتقريب الفكرة أكثر، تخيل شخصاً يريد الصعود على درجات سلّم. يمكن لهذا الشخص الوقوف على درجات السلم فقط ولكن لا يمكنه الوقوف بين هذه الدرجات! وكذلك الالكترون في الذرة يمكنه أن يشغل مستويات طاقة محددة ولا يمكن أن يوجد في أي مكان بين هذه المستويات. من أغرب ما في هذا النموذج الجديد أن الالكترون لا ينتقل من مستوى طاقة إلى آخر قفزاً بين المستويين، بل يختفي من الأول و يظهر في الآخر فجأة دون أن يوجد في أي مكان بينهما! إنه ليس سحراً.. إنها الطبيعة! قام بور بحساب طاقة الالكترون في كل مدار يمكن أن يشغله الالكترون في ذرة الهيدروجين. لذرة الهيدروجين الكترون واحد يشغل المدار الأول للذرة (الأقرب إلى النواة). إذا قدمنا لهذا الالكترون طاقة كافية فإنه سينتقل إلى المدار الثاني (الأبعد عن النواة). هذا المدار الثاني هو عبارة عن مستوى طاقي معين، وحتى يستطيع الالكترون الانتقال من المدار الأول إلى المدار الثاني لا بد من أن نقدم له طاقة تساوي تماما فرق الطاقة بين المستويين. إذا قدمنا للاكترون كمية من الطاقة أقل من ذلك بقليل فلن يمتصها الالكترون بل سيبقى في مداره. عندما يمتص الالكترون كمية من الطاقة وينتقل إلى مستوى طاقي أعلى تصبح الذرة في حالة غير مستقرة، لذلك فإن هذا الالكترون يقوم بإعادة تحرير الطاقة التي امتصها ليعود بالتالي إلى مداره الأصلي ولتستعيد الذرة استقرارها. تظهر عملية امتصاص الطاقة هذه في أطياف ألموجات ألكهرطيسية للنجوم. فالطيف ألكهرطيسي ألذي تصدره النجوم مؤلّف من عدد كبير من الموجات و التي تختلف عن بعضها في تواترها. إذا فحصنا الطيف الكهرطيسي لنجم ما؛ فإننا نجد خطوطاً سوداء عند بعض التواترات تدل على عدم وجود موجة كهرطيسية عند ذلك التواتر. السبب في غياب هذا التواتر من الطيف هو امتصاصه من قبل الكترونات ذرات معينة في النجم. بهذه الطريقة استطاع العلماء تحديد تركيب النجوم البعيدة عن طريق تحليل أطيافها. فكل خط أسود في الطيف يدل على انتقال الألكترون من مستوى إلى آخر في ذرة معيّنة. فيزياء أم هراء؟ إذاً: وفقاً لنموذج بور للذرة فإنّ آلألكترونات تدور في مداراتٍ مُخصّصة، كما أنه لا يُمكن للألكترون امتصاص كميّة طاقة تقل عن طاقة كوانتم واحد (حزمة واحدة من آلطاقة)، و عند امتصاص ألألكترون لكوانتم من الطاقة فإنّه ينتقل إلى مستوى طاقيّ أعلى، و هذا يُفسر الخطوط السوداء في طيف ذرات الهيدروجين.
نبوءة لافتة فقد ذكر بلانك عام 1908 أن لخطوط الطيف هذه (انظر إلى الشكل في المشاركة السابقة) علاقة بمفهوم الكوانتم، وذلك رغم محاولاته الجاهدة للتقليل من أهمية فكرة الكوانتم التي قام هو نفسه باكتشافها! في آذار 1913 قام "بور" بكتابة بحثه و إرساله إلى "رذرفورد" لأخذ رأيه - و حتى يستطيع إرساله للنشر في ذلك آلوقت كان من الضروري لأي باحث مستجد أنْ يقوم بإرسال بحثه إلى عالم مرموق قبل أن يستطيع نشره في أي مجلة علمية بريطانية - أعجب "رذرفورد" بفكرة "بور" إلا أنه وجد صعوبة كبيرة في تخيل إنتقال ألألكترون بهذا الشكل ألأشْبَهُ بالسّحر منه بالفيزياء. بعد إرسال بحثه إلى "رذرفورد" في مانشستر قدم "بور" بنفسه إلى مانشستر لقضاء عطلته و لمقابلة رذرفورد من جديد, كان لرذرفورد بعض ألتحفظ حول عدد من آلنقاط في البحث الذي أراد "بور" نشره، و إستمع إلى دفاع "بور" عن أفكاره بصبر دعاه بور بـ "الملائكي". قوبل نموذج "بور" للذرة بكثير من الشك و الانتقاد في الأوساط العلمية لمعارضته مفاهيم أساسية و مسلم بها في الفيزياء، حتى أن العالم الفيزيائي Paul Ehrenfest قال مشيراً إلى ما توصل إليه "بور": [إذا كانت هذه هي الطريقة للوصول إلى هدفك في الفيزياء فلا بد لي من ترك الفيزياء!]. ألزئبق ينقذ ذرّة بُور .. مؤقتاً: لم يدُم إنتقاد نموذج بُور طويلاً، ففي ربيع عام 1914 قام الألمانيان James Franck و Gustav Hertz بتجربة قذفت فيها ذرات الزئبق بإلكترونات تحمل كمية من الطاقة، ولاحظا أن الالكترونات قد خسرت طاقة مقدارها 4.9eV جراء اصطدامها بالذرات. هذه الطاقة انتقلت إلى الكترونات ذرات الزئبق (أي قامت الالكترونات بامتصاصها). كما لاحظا أنه إذا كانت طاقة هذه الالكترونات المقذوفة أقل من 4.9eV فلا شيء يحدث، أي أنها لا تخسر طاقتها حين تصطدم بالذرات، بمعنى آخر فإن الكترونات الزئبق لا تمتص هذه الطاقة إذا كانت أقل من حد معين هو 4.9. ولكن هذا تماماً ما تنبأ به بور! فالالكترون في الذرة يمكن أن يمتص قيمة محددة للطاقة تساوي الفرق بين مستوى طاقته ومستوى الطاقة الأعلى منه، ولا يمكنه امتصاص أي كمية طاقة أدنى من ذلك. لا بد أن هذا الانتصار من أجمل الانتصارات العلمية لفكرة شديدة الغرابة كهذه.. تخيل أن الالكترون يختفي من مداره وفي نفس اللحظة يظهر في مدار أخر دون أن ينتقل بينهما! و بذلك ظهرت الأدلة التجريبية مؤيدة لنموذج بور للذرة وبدأ العلماء بقبول هذا النموذج، حيث لعبت نتائج فرانك و هيرتز دوراً كبيراً في ذلك، و قبل ذلك فإن نموذج بور قد استطاع تفسير خطوط الطيف الخاصة بالهيدروجين كما سبق .. و لكن لدى تفحص طيف ذرات الهيدروجين جيداً تبيّن أنّ كل خط من تلك الخطوط منقسم إلى خطين اثنين، وليس خطاً واحداً! ولكن لماذا؟ إن كل خط هو هو نتيجة انتقال الكترون من سوية طاقية إلى أخرى، ولكن لماذا ينقسم هذا الخط إلى خطين متقاربين؟ لم يستطع بور تفسير هذا الانقسام باستخدام نموذجه للذرة.. يبدو أن هنالك خطأ ما في النموذج.. أو على الأقل فالنموذج يعاني من النقص إذ لا يستطيع تفسير انقسام خطوط الطيف. كان نموذج بور قد أنقذ نموذج رذرفورد من قبله، والآن فإن نموذج بور يحتاج إلى من ينقذه. إنقاذ بور.. بكوانتم جديد: وفقاً لنموذج بور فإن كل الكترون يوجد في مدار طاقي محدد، مما يفسر خطوط الطيف كما شرحت سابقاً. ولكن هذا النموذج لا يفسر انقسام خطوط الطيف، إذ يبدو أن كل مدار الكتروني هو في الحقيقة عبارة عن أكثر من مستوى واحد للطاقة مما يؤدي إلى ذلك الانقسام في خطوط الطيف. ولكن كيف؟ كان الألماني Arnold Sommerfeld أستاذاً لامعاً للفيزياء ألنظرية في جامعة ميونخ، و كأستاذ للفيزياء ألنظرية لا عجب أن يأتي بفكرة تنقذ ذرة بور من مأزقها. رأى "سامرفلد" أن المدار ألالكتروني ألواحد منقسم إلى عدد مُحدّد من مدارات صُغرى تختلف عن بعضها بشكل المدار، و بالتالي تملك طاقة مختلفة قليلاً عن بعضها البعض, وفقاً لبور فإن المدارات ألالكترونية دائرية ألشكل، إلّا أن سامرفلد لم يرَ من داعٍ لمثل هذا آلأفتراض، حيث إفترض أنّ آلألكترون يمكن أن يتّخذ مدارات من أشكال غير دائرية، و لكن عدد هذه آلأشكال ألممكنة في كلّ سوية طاقية هو عدد مُحدّد و يساوي رقم هذه السوية. مثلاً ألمدار الثاني للألكترون (n = 2) يمكن أن يسمح للالكترون بالدوران في مدارين ذي شكلين: مدار دائري و مدار قطعي. و آلمدار n = 3 يحوي على 3 مدارات: مدار دائري و مدار قطعي و مدار قطعي مختلف عن ألأول. هذا التقسيم لأشكال ألمدارات ألممكنة يسمح للألكترون بأن يشغل مستويات طاقة مختلفة في نفس ألمدار ألأساسي، ممّا يُؤدي إلى إنقسام خطوط ألطيف، فكل خط طيف حينها هو عبارة عن انتقال الالكترونات من مدار واحد و لكن بسويات طاقية مختلفة قليلاً (بسبب اختلاف أشكال المدارات الصغرى داخل المدار الأساسي) إلى مدار جديد. لتمييز هذه المدارات ذات الأشكال المختلفة ضمن المدار الأساسي الواحد أعطيت هذه الأشكال رقماً يدل عليها دعي k. لوصف الالكترون أصبح الآن لدينا رقمان: n و k. يدل n على المدار الخارجي للالكترون، في حين يدل k على شكل هذا المدار. في المدار الثالث (n = 3) يوجد لدينا ثلاثة مسارات للالكترون: k = 3 و k = 2 و1= k هذا آلتعديل في آلحقيقة هو تطبيق لفكرة ألكوانتم على شكل مدار ألالكترون. أيّ أنه لا يمكن لمدار ألألكترون أن يتخذ أي شكل كان، بل يمكن أن يتخذ أشكالاً محددة فقط، تماماً كما أن طاقة الالكترون لا تتخذ إلا قيماً محددة كما رأى بور من قبل.. نعم، إنها فكرة الكوانتم من جديد.. يبدو أنها في كل مكان! لقد أدى هذا التعديل الذي أدخله سامرفلد على نموذج بور إلى تفسير إنقسام خطوط الطيف... و لكن عدد كوانتي جديد في عائلة ألكوانتم: رغم نجاح ألتعديل ألذي أضافه سامرفلد على ذرّة بور إلّا أنّه لم ينجح في تفسير ظاهرة مُحيّرة كانت معروفة منذ عدة سنوات. في عام 1897 اكتشف العالم الهولندي Pieter Zeeman ظاهرة غريبة: لنفرض أن لدينا طيف كهرطيسي يحوي على خط مفرد من خطوط الطيف التي أشرت إليها سابقاً (الناتجة عن امتصاص الالكترونات للطاقة من الإشعاع الكهرطيسي). في الحالة العادية يكون هذا الخط مفرداً أي غير منقسم (ظاهرة الانقسام التي تحدثت عنها سابقاً لا تنطبق على جميع خطوط الطيف). لاحظ زيمان أنه إذا عرضنا الذرات إلى مجال مغناطيسي فإن هذا الخط المفرد يتحول إلى عدة خطوط، أي أنه ينقسم تحت تأثير المجال المغناطيسي الخارجي. الانقسام الذي كنت قد تحدثت عنه سابقاً سببه وجود مسارات ذات أشكال مختلفة ضمن المدار الواحد مما يؤدي إلى وجود سويتين من الطاقة ضمن المدار الواحد, و لكن في ظاهرة "زيمان" فإن خطّ ألطيف ألمفرد و الناتج عن مدار واحد له شكل واحد فقط يقوم بالأنقسام إذا عرضناه إلى مجال مغناطيسي، و عند إزالة ألمجال ألمغناطيسي يعود ألخط كما كان (مفرداً)! في عام 1916 وجد Sommerfeld تفسيراً لهذه ألظاهرة بإضافة تعديل جديد لنموذج الذرة. أدرك "سامرفلد" أن مدار ألالكترون يمكن أن يتّخذ عدّة إتجـاهات في الفراغ, حين تخضع ألذّرة لمجال مغناطيسي فإنّه يمكن للألكترون أنْ يدور في إتجاهات مختلفة و محدّدة مقارنة بإتجاه ألمجال ألمغناطيسي ألخارجي, لكلّ من هذه الأتجاهات طاقّة خاصّة به، ممّا يُؤدي إلى ظهور ألانقسامات في خطوط الطيف عند تعرّض الذّرة لمجال مغناطيسي. كانت هذه الفكرة نابعة من الحاجة لتفسير ظاهرة زيمان ولم يتم إثباتها تجريبياً إلا بعد خمس سنوات في عام 1921م. وبذلك يتميز كل الكترون بثلاثة أعداد كوانتية حتى الآن: العدد n يصف المدار الرئيسي للالكترون وفقاً لطاقته و بُعده عن النواة, العدد k و يصف شكل المدار ..العدد m و يصف اتجاه المدار, أي أن الالكترون لا يمكن أن يوجد إلا في سويات طاقية محدّدة (n)، و لا يمكن أن يتخذ مساره إلا أشكالاً محددة(k)، و لا يمكن أن يتخذ مداره إلا اتّجاهات محدّدة أيضاً (m).. إنها ذرة كَوانتية بإمتياز. أينشتاين و التفاحة.. في الحرب: لنعد قليلاً لأينشتاين .. كان الأعتقاد ألسّائد بين العلماء هو أنّ الذّرات تمتصّ الإشعاع الكهرطيسي على شكل حزمات (وحدات)، و لكن لم يقتنع أحد بفكرة آينشتاين؛ أن الإشعاع هو بحدّ ذاته حزمة (أي يوجد على شكل وحدات ذات طبيعة جسيمية أو فوتونات). استطاعت فكرة أينشتاين هذه تفسير بعض النتائج التجريبية كما ذكرت سابقاً ولكن لم يكن هناك دليل قوي يجبر العلماء على قبول فكرته عن وجود الفوتونات... إلى أن جاء أقوى الأدلة عن طريق عالم الفيزياء الأمريكي Arthur Compton عام 1922م. حيث أظهرت نتائج التجارب التي أجراها كومبتون على أشعة إكس (و هي من أنواع الأشعة الكهرطيسية) صحة نظرة أينشتاين للضوء على أنه مكون من وحدات (حزمات) و بشكل لا يدع مجالاً للشك. حين طرح آينشتاين فكرته .. لم ينتظر تصديق ألعلماء له بل إستمرّ في أبحاثه حتى خلال أعوام ألحرب ألعالمية ألأولى حين عانت أوروبا – و خاصة ألمانيا – من أعباء و ويلات الحرب, رغم صعوبة ألظروف في ألمانيا إستمرّ آينشتاين في إنتاجه ألعلمي و توصّل بمعادلاته إلى نتائج جديدة بخصوص ألإشعاع ألذي تمتصه و تصدره آلذّرات. حين تمتص ألذّرة كمية من آلإشعاع يؤدّي إلى انتقال ألألكترون إلى مدار طاقة أعلى، تقوم آلذّرة بعد ذلك بإعادة إصدار هذه الطاقة ليعود الإلكترون إلى مداره الأصلي, حاول أينشتاين حساب ألزّمن ألّلازم للذّرة حتى تقوم بإصدار ألإشعاع بعد امتصاصها له و كذلك آلأتجاه الذي يتخذه الإشعاع الصادر عنها .. إلّا أنّ معادلاته أظهرت أنّ آلزمن أللازم و اتجاه الإشعاع عشوائيان! أيّ أنّهما لا يتّبعان قاعدة مُعينة، و كأنّ آلذرة تقوم بالإشعاع حين يروق لها و في آلأتجاه الذي يروق لها! أقصى ما يمكننا معرفته هو إحتمــال أن تقوم الذرة بالإشعاع في لحظة معينة و في إتّجاه مُعين. لم يشعر آينشتاين بالأرتياح لهذه ألنتيجة, إذْ إنّها تلغي ألعلاقة ألمعتادة بين آلسبب وآلأثر و تدخل مفهوم ألأحتمال و آلصدفة في قلب ألذّرة. لتفهّم عدم إرتياح آينشتاين نأخذ هذا آلمثال؛ تخيّل أنك تمسك تفّاحة بيدكَ, ثم تفلت ألتفاحة لتتفاجأ بأنّها لم تقع على الأرض. وفقاً لتجاربنا اليومية فإن جاذبية ألأرض ستؤدي لا محالة إلى وقوع التفاحة بإتّجاه الأرض (الجاذبية هي السبب و الوقوع هو آلأثر). و لكن إذا تصرّفت ألتفاحة كما يتصرف الإلكترون في الذرة، فحين تفلتْ ألتفاحة من يدك فإنّها تبقى حائمة دون الوقوع على الأرض، و من ثم تهوي إلى الأرض في لحظة لا يمكن التنبؤ بها. أقصى ما يمكن التنبؤ به هو احتمال وقوعها في لحظة معينة. طبعا فإن احتمال وقوع التفاحة باتجاه الأرض احتمال كبير جداً و لكن يبقى هنالك احتمال أن تبقى التفاحة حائمة في الهواء لساعات قبل أن "تقرر" الوقوع على الأرض! هذا الاحتمال صغير للغاية و لكنه ليس معدوماً. هل وجدت صعوبة في إستيعاب هذا التصرف ألغريب للألكترون؟ لا تقلق فأنت لست الوحيد.. بل آينشتاين نفسه لم يرتح لهذه الفكرة حتى أنه قال: "لا يُمكنني أنْ أُصَـدّق .. بأنّ ألألكترون – حين يُعرّض للإشعاع – يختار بإرادته ألحُرة لحظة قفزه، ليس ذلك فحسب بل و آلاتجاه الذي سيقفز به, في هذه الحالة أفضّل أن أكونَ مُصَلّح أحذية بدلاً من أن أكون عالم فيزياء". ماذا كان موقف بور من هذه الفكرة الغريبة؟ لقد كان بور مقتنعاً بصحة النتيجة ألتي توصّل إليها أينشتاين و كانت هذه نقطة خلاف بين آلعملاقين, من الغريب أن أينشتاين نفسه لم يقتنع بما توصلت إليه معادلاته في حين اقتنع بور بها! و في نفس الوقت و رغم آلدّليل ألقاطع ألّذي قدّمه كومبتون – و الذي نال به جائزة نوبل – لإثبات فكرة آينشتاين أنّ الضوء (أو الإشعاع) يوجد على شكل فوتونات .. إلاّ أنّ "بور" لم يقتنع! لا بأس.. حتى لو لم يقتنع بور، فالنتيجة التي توصلنا إليها هي أن للإشعاع طبيعة موجية و طبيعة جسيمية كما شرحت سابقاً, كما أن ألألكترون يتصرّف بطريقة شديدة الغرابة حين يمتصّ طاقة, إذْ يقفز بين آلمستويات حين يحلو له! ما هو سرّ ألالكترون السحري؟ لنعد إلى ذرة "بور" و آلتي أنقذها وعدّلها سومرفيلد Sommerfeld. تدور ألالكترونات وفقاً لهذا النموذج في مدارات أو مستويات طاقّة محدّدة.. و لكن هذا لا يكفي، فالعالِم لا يكتفي بالملاحظة بل يسأل دوماً: لماذا؟ لماذا لا يمكن لطاقة ألالكترون أن تتخذ إلّا قيماً محدّدة؟ لماذا لا يمكن أن يوجد ألالكترون إلّا في مسارات معينة و لا يمكن أن يوجد بينها؟ أي لماذا لا ينتقل ألالكترون بين مستويين بالطريقة المعهودة لانتقال أي جسم بين نقطتين بالمرور في الفراغ الموجود بينهما؟ الالكترون لا يمر بين المستويين عند انتقاله بينهما، لأن مروره يعني أنه سيتخذ – ولو مؤقتاً – قيمة للطاقة بين قيمتي هذين المدارين، وهذا يناقض فكرة كمومية طاقة الالكترون (من جديد أذكّر بمثال موظف البنك الذي يستطيع تقديم نقود من فئات 10 و20 ولكن لا يملك قطعاً نقدية من فئة 1 وبالتالي لا يمكن أن ينتقل من 10 إلى 20 مروراً عبر الأرقام 11 و12 ...الخ بل فقط بإضافة 10 أخرى). لماذا يستحيل للاكترون أن يملك طاقة أقل من كوانتم واحد؟ لماذا يتصرف بهذه الغرابة؟ لقد تنقلنا في رحلتنا حتى آلآن بين ألمانيا و بريطانيا و الدنمارك و سويسرا .. محطتنا التالية في فرنسا.. أمير .. في الفيزياء: ولد الأمير Louis de Broglie عام 1892 في فرنسا لعائلة أرستقراطية, كان أحد أجداده قد تلقى لقب "أمير" من الملك لويس الخامس عشر، وبالتالي سرى هذا اللقب بين أحفاده أيضاً. عندما شب الامير لويس بدأ بدراسة التاريخ في جامعة باريس، إلا أنه سرعان ما أدرك أنه لم يخلق لدراسة التاريخ. كان أخوه الأكبر سناً يحب الفيزياء و قد قام بافتتاح مختبر للفيزياء، فبدأت عدوى آلفيزياء تنتقل إلى الأخ الأصغر, في عام 1913م حصل لويس على ما يعادل شهادة بكالوريوس في العلوم، لينتقل بعدها إلى خدمة ألجيش و التي أعاقت إهتماماته العلمية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1919. بعد تسريحه من الخدمة العسكرية إلتفت لويس إلى الفيزياء من جديد، وقام بنشر بحث تبنى فيه فرضية الطبيعة الثنائية للإشعاع والتي اعتبر فيها أينشتاين أن الإشعاع الكهرطيسي مؤلف من وحدات (فوتونات)، و ذلك حتى قبل أن ينشر "كومبتون" نتائج تجاربه التي أثبتت هذه الفرضية. لم يتوقف لويس عند ذلك.. فحين إقتنع بأنّ للموجات الكهرطيسية طبيعة جسيمية (إلى جانب الطبيعة الموجية) وجد أنه من البديهي أن يسأل نفسه ألسؤال ألمُعاكس: هل يمكن أن يكون للجسيمات طبيعة موجية؟ بالإجابة بـ "نعم" على هذا السؤال استطاع "لويس" تفسير أساس نموذج "بور" للذّرة، أيّ أنّه إستطاع آلإجابة على سؤالنا السابق: لماذا يوجد ألالكترون في مستويات طاقة محدّدة؟ كيف فسر آلأمير لويس ذلك؟ على موجة وتـر: في حين وجد العلماء صعوبة في تصديق فرضية أينشتاين بكمومية الضوء (أي بأن الإشعاع الكهرطيسي مؤلف من جسيمات)، شغل لويس نفسه بفكرة أشد غرابة من فكرة أينشتاين، وهي أن للمادة نفسها طبيعة موجية، أي أن الجسيمات التي تتألف منها المادة التي نراها حولنا تتصرف أيضاً كالموجات! الفكرة الأساسية هي أن الالكترون – والذي كان ينظر إليه على أنه جسيم حتى ذلك الوقت – ليس مجرد جسيم بل هو موجة أيضاً. من هنا استطاع لويس أن يفسر لماذا تتخذ الالكترونات سويات طاقة محددة في الذرة، فالالكترونات تشغل سويات الطاقة التي تتفق مع تواتر اهتزازها فقط. لنتذكر أنه لكل موجة تواتر وطول موجة وطاقة. أي أن كل تواتر يترافق بطاقة معينة. والآن، فإذا كان الالكترون عبارة عن موجة ذات تواتر ثابت فإن هذا التواتر يتفق مع مستوى طاقة محدد، أي أن الالكترون سيوجد في مدار محدد. ولكن لماذا كانت هذه المدارات التي يمكن أن يشغلها الالكترون محدودة؟ لتقريب الصورة يمكن تشبيه موجة ألألكترون بوتر آلة موسيقية، فحين تمسك الوتر من منتصفه و من ثم تفلته فإنه يهتز بشكل محدّد بحيث يشكل مجموعة من أنصاف ألموجات: نصف موجة، نصفان، ثلاثة أنصاف، و هكذا ... و لا يمكن للوتر أن يشكل جزءاً من نصف موجة، أي أن الحدّ ألأدنى لتشكل الموجات هو نصف موجة (وهذا يعادل كوانتم واحد لا يمكن تقسيمه إلى أصغر من ذلك كما أنه لا يمكن أن يهتز الوتر بأقل من نصف موجة). يعتمد عدد أنصاف الموجات المتشكلة في الوتر على كمية الطاقة التي قدمَت للوتر حين قمتَ برفعه عن وضعه الأصلي، وكذلك فالتواتر (أو عدد الموجات) الذي يتخذه ألألكترون يعتمد على طاقته. إذاً: طاقة الالكترون مترافقة مع موجة ذات تواتر محدد، كما أنه لا يمكن لهذه الموجات أن توجد إلا بأشكال أو بأطوال محددة كما في الوتر. أي أنه توجد حالات مسموحة للالكترون كما أنه توجد حالات مسموحة لاهتزاز الوتر. قام لويس بحساب هذه الحالات المسموحة للالكترون ليجد المفاجأة: إن الحالات المسموحة لمدارات الالكترون تتفق تماماً مع نموذج بور لمدارات الالكترون في الذرة! بذلك فسر لويس سبب اتخاذ الالكترونات لمدارات محددة. فالالكترون يوجد في المدار الذي تتفق طاقته مع تواتر اهتزاز موجة الالكترون. كانت هذه الفكرة الأساسية في أطروحة الدكتوراه التي قدمها لويس عام 1923. ولكن ما تحتاجه هذه الفرضية هي البرهان التجريبي. ما احتاجته الفرضية بالتحديد هو إثبات أن الالكترون يملك صفات خاصة بالموجات مثل انكسار الموجات وغيرها. شهادة ميلاد موجة الالكترون: في عام 1925 كان Clinton Davisson في نيويورك يقوم بتجارب لا علاقة لها بفرضية لويس عن طبيعة الالكترون الموجية، لا بل ربما لم يسمع أصلاً عن هذه الفرضية. في تجاربه قام "ديفيسون" بإطلاق شعاع من الالكترونات باتجاه معدن معين. في احدى تجاربه وقع حادث انفجرت فيه زجاجة هواء مسيّل (سائل) أدت إلى كسر الانبوب الحاوي على عينة المعدن التي أراد ديفيسون إشعاع الالكترونات عليها مما أدى إلى تشكل بعض الصدأ على عينة المعدن نتيجة التفاعل مع الهواء, قام "ديفيسون" بتنظيف عينة المعدن باستخدام الحرارة ليعيدها إلى الأنبوب حتى يكمل تجاربه. بعد هذه الحادثة لاحظ ديفيسون أن النتائج اختلفت عما كان قد حصل عليه سابقاً! ما لم يدركه "ديفيسون" أنه بتسخين المعدن (لتنظيفه) فقد أدى ذلك إلى تغير في بنية بلورات المعدن مما أدى إلى ظاهرة تدعى Diffraction حين مرور ألألكترونات عبر بلورات المعدن. في هذه الظاهرة، حين تصطدم موجة بحاجز فإنها تنتشر بعد مرورها من الحاجز بشكل محدد, و لكن كيف تحدث هذه الظاهرة الخاصة بالموجات للالكترون و هو مجرّد جُسيم؟ لم يفهم "ديفيسون" سبب تغير نتائجه نتيجة ذلك الحادث, لماذا تحدث هذه الظاهرة الخاصة بالموجات في حين أنه لم يستخدم موجات في تجاربه بل استخدم الكترونات؟ في ربيع عام 1926 سافر "ديفيسون" مع زوجته لقضاء إجازة في أوكسفورد، و هناك التقى ببعض علماء الفيزياء و أخبرهم عن تلك النتائج الغريبة التي حصل عليها، و دهش حين قال له بعضهم أن نتائجه تؤكد فكرة لأمير فرنسي إسمه لويس! إن ظاهرة diffraction ألّتي لاحظها "ديفيسون" عند استخدامه للألكترونات (و هي ظاهرة تحدث للموجات فقط) أكّدت أنّ ألألكترون يتصرّف كموجة، أي له طبيعة موجيّة.. لقد تحولت فرضية لويس المُجرّدة إلى حقيقة مثبتة بالتجربة.. هذه هي فرضية لويس و التي شرح بها سبب وجود ألالكترونات في ذرّة بور في مدارات محددة, فبما أن الالكترون هو موجة (إلى جانب كونه جسيماً) فإن لهذه الموجة تواترٌ معين (و كل تواتر يتناسب مع كمية طاقة محددة)، و بالتالي لا يمكن للالكترون إلّا أن يتّخذ مستوى طاقة محدّد يتناسب تماماً مع تواتره, ليس ذلك فحسب بل إن التواترات التي يمكن أن يتخذها الالكترون محدودة (تماماً كما أن الوتر في الشكل السابق لا يتخذ إلى أشكالاً محدودة: نصف موجة، نصفان، ثلاثة أنصاف... ولا يمكن أن يشكل ربع موجة مثلاً) وبالتالي فإن المستويات الطاقية التي يمكن أن يوجد فيها الالكترون أيضاً محدودة. عائلة تومسون.. تحت المجهر: في الوقت الذي كان يجري فيه ديفيسون تجاربه و يبحث عن تفسير للنتائج الغريبة التي حصل عليها صدفة، كان الانجليزي George Thomson يجري تجربة أخرى لإثبات الطبيعة الموجية للالكترون. نتيجة لهذه التجارب حصل ديفيسون وتومسون معاً على جائزة نوبل. من المدهش أن الطبيعة الثنائية للالكترون – كجسيم وكموجة – قد تم اكتشافها من قبل عالمين من نفس العائلة: اكتشف جوزيف تومسون الالكترون بطبيعته الجسيمية وحاز بذلك على جائزة نوبل عام 1906، ومن ثم اكتشف جورج تومسون الطبيعة الموجية للاكترون (اي قام بالبرهان عليها تجريبياً) و حصل بذلك على جائزة نوبل عام 1973م. لقد كان لاكتشاف الطبيعة الموجية للالكترون تطبيقاً عملياً هاماً وهو المجهر الالكتروني. يعمل المجهر الضوئي باستخدام موجات الأشعة الضوئية. ولكن هذه الموجات لا تستطيع "رؤية" الأجسام ذات الأبعاد الأصغر من نصف طول موجة الضوء المرئي، فحين تمر موجة الضوء المرئي بمثل هذا الجسم الصغير فإنها لن تشعر به لأن أبعاده أصغر من أبعاد الموجة ذاتها. أما موجة الالكترون فهي أصغر من موجات الضوء المرئي بما يزيد عن مئة ألف ضعف، مما يعني أن باستطاعة موجة الالكترون التقاط التفاصيل الدقيقة جداً لأن أبعاد هذه الموجة صغيرة للغاية مما يمكنها من التأثر بتفاصيل الأجسام الدقيقة والتي لا يمكن للموجات الضوئية أن تشعر بها إطلاقاً. و بذلك بدأت صناعة أول مجهر الكتروني عام 1935 في انجلترا. ظاهرة زيمان.. من جديد: والآن لدينا الصورة التالية للذرة. تتألف الذرة من نواة تحوي على بروتونات موجبة ونيوترونات معتدلة، ومحاطة بالكترونات سالبة تدور في مستويات طاقة محددة. هذه الالكترونات لها طبيعة موجية وتشغل مستويات الطاقة التي تتناسب مع تواترها. وبما أن التواتر يتخذ قيماً محددة فقط (كما شرحت سابقاً في مثال الوتر) فإن طاقة الالكترونات لا تتخذ إلا قيماً محددة أيضاً. أي لا يمكن للالكترون أن يوجد إلا في مدارات محددة ومسموحة، أما الفراغ بين المدارات فلا يسمح للاكترون أن يوجد فيه ولو حتى بشكل آني، وبالتالي فعند انتقال الالكترون من مدار إلى آخر فإنه لا يقفز بالمعنى المتعارف عليه بل يختفي في المدار الأول ليظهر في الثاني. ولكن رغم نجاح هذا النموذج إلى أنه يطرح بعض الأسئلة الهامة. أهم هذه الأسئلة هو التالي: إذا كان الالكترون عبارة عن موجة فما هي طبيعة هذه الموجة؟ من المعروف أن الموجة هي عبارة عن تغير منتظم في شيء معين. فالموجة الناتجة عن إسقاط حجر في بركة ماء هي عبارة عن تغير في مواضع جزيئات الماء، حيث أن جزيئات الماء في نقطة معينة ترتفع وتنخفض بشكل دوري منتظم، وهذا ما يشكل الموجة. ولكن ما هي موجة الالكترون؟ كيف يمكن فهمها؟ قبل الخوض في هذا السؤال، سأتعرض لمشكلة أخرى واجهت ذلك النموذج، والتي بحلها يصبح لدينا نموذج الذرة الذي نعرفه اليوم في المدارس والجامعات. كنت قد تحدثت عن ظاهرة زيمان في انقسام خطوط الطيف (بعنوان:إنقاذ بور.. بكوانتم جديد)، حيث وجد أن بعض خطوط الطيف منقسمة إلى خطوط أصغر، مما أدى إلى اقتراح أرنولد سامرفلد أن المدار الاساسي للالكترون منقسم بدوره إلى مدارات أصغر تختلف عن بعضها في الطاقة والشكل. (للتذكير فإن خط الطيف ناتج عن انتقال الكترون بين مستويين – انظر الشكل في موضوع (فيزياء أم هراء؟). مع تزايد المعطيات التجريبية تبين أن نموذج بور المعدل للذرة لا يستطيع تفسير انقسام بعض خطوط الطيف.. ما المشكلة؟؟ يبدو أن نموذج بور لا زال ناقصاً رغم كل التعديلات التي شهدها. يظهر على الساحة عالم ربما لم يكن بشهرة أينشتاين إلا أن بعض العلماء اعتبره أعظم من أينشتاين.. محطتنا التالية في النمسا. زفاف ألألكترونات في الذرة: ولد Wolfgang Pauli في فينا عام 1900 أي في نفس العام الذي اكتشف فيه ماكس بلانك فكرة الكوانتم. درس باولي الفيزياء على يد صديقنا آرنولد سامرفلد. عُرف باولي بنظرته النقدية لأي فكرة جديدة في الفيزياء وخاصة الأفكار الجديدة التي تعتمد على التخمين أكثر من اعتمادها على مبادئ نظرية أو تجريبية، حتى أنه دُعي أحياناً بـ "ضمير الفيزياء" نظراً لتمسكه الشديد بمبادئ في الفيزياء لا يتنازل عنها. ذات مرة قرأ باولي بحثاً منشوراً لم يعجبه فكان تعليقه: It’s not even wrong. حتى أينشتاين نفسه وأبحاثه العميقة لم تذهل باولي ذا الفكر الناقد، فقال مرة في قاعة المحاضرة – وهو لا يزال طالباً: إن ما قاله السيد أينشتاين ليس غبياً جداً. إلا أن شخصاً واحداً طالما كان عند باولي في مرتبة عالية بعيداً عن مثل هذه الانتقادات اللاذعة: أستاذه سامرفلد. كان لدى باولي فهم فطري للفيزياء، حتى أن فهمه العميق لمشاكل الفيزياء قد أعاق استغلاله لمواهبه الخلاقة فيها. ولكن لم يكن ذكاء باولي فطرياً فقط، بل كان نتيجة عمل شاق وساعات طويلة من الدراسة والبحث. في عام 1922 ذهب باولي إلى الدنمارك للعمل مع بور، وهناك بحث باولي في مشكلة ظاهرة زيمان التي لم تستطع ذرة بور تفسيرها. إلى أن سمع باولي عن بحث قام به Edmund Stoner في كيمبردج (وهو من طلاب رذرفورد). في هذا البحث بيّن ستونر أن عدد الالكترونات في مدار ما يساوي ضعف عدد السويات المسموحة في هذا المدار. كما نذكر فإن سامرفلد كان قد اضاف عددين كمومين لذرّة بور هما m, k. يصف k شكل المدار و يصف m إتّجاه ألمسار ألالكتروني في الفراغ, كلّ من هذه الأعداد تصف سويات طاقية داخل المدار الواحد، أي تصف السويات الطاقية المسموحة ضمن المدار, و لكن فكرة ستونر هي أن عدد الالكترونات الفعلي ضمن المدار هو ضعف عدد هذه السويات الطاقية المسموحة, ما أثار اهتمام باولي هو: لماذا الضعف تماماً؟ يبدو أننا بحاجة إلى عدد كمومي جديد. و بالفعل، اقترح باولي إضافة عدد كمّومي رابع إلى عائلة الأعداد الكمومية في الذرّة، يمكن لهذا العدد أن يتخذ قيمة من اصل قيمتين فقط، مما يعني أن كل سوية طاقية ضمن المدار تقسم إلى سويتين جديدتين. وبذلك فسر انقسام خطوط الطيف التي لم يستطع نموذج بور تفسيره رغم التعديل الذي أدخله سامرفلد. مع إدخال هذا العدد الجديد في الذرة أصبحت الصورة كما يلي: كل مدار أساسي (n) منقسم إلى سويات طاقة (k) ذات أشكال مختلفة، وكل من هذه السويات الداخلية يقسم بدوره إلى مدارات ثانوية (m) ذات اتجاهات مختلفة، وضمن كل مدار ثانوي (m) يوجد الكترونان متزاوجان لكل منهم رقم كوانتي مختلف وهو العدد الكوانتي الذي اضافه باولي ليفسر النتيجة التي توصل إليها ستونر. قادت فكرة العدد الكمومي الرابع باولي إلى واحد من أهم قوانين العلم وهو مبدأ Exclusion Principle والذي ينص على أنه يستحيل أن يوجد الكترونان في الذرة يملكان نفس الأرقام الكوانتية الأربعة. أي أنه لكل الكترون أربعة أرقام كوانتية يتميز بها عن غيره من الالكترونات، فحتى لو وجد الكترونان في نفس السوية الطاقية k وm فإنهما سيختلفان في العدد الكوانتي الرابع. ولكن بقي السؤال قائماً: لماذا لا يمكن لهذا العدد الجديد أن يتخذ سوى قيمتين فقط؟ بمعنى آخر: لماذا كان عدد الالكترونات في مدار ما يساوي ضعف عدد السويات الطاقية المسموحة للالكترون؟ ما هي حقيقة هذا العدد الكوانتي الجديد؟ اكتشاف مزدوج: في ذات العام الذي نشر فيه باولي بحثه أدرك طالبان هولنديان هما Samuel Goudsmit و George Uhlenbeck أن العدد الذي أضافه باولي هو عبارة عن خاصية للإلكترون دعيت spin (لف أو دوران). من البديهي أن الدوران يمكن أن يحدث من حيث المبدأ في أي اتجاه، إلا أن Uhlenbeck رأى أنه لا يمكن للالكترون الدوران إلا في أحد اتجاهين فقط (مع أو عكس عقارب الساعة). بمعنى آخر فإن الدوران هي خاصية كمومية (تتخذ قيماً محددة فقط). وفقاً لهذه النظرة فإن الالكترون الذي يدور بجهة عقارب الساعة يملك طاقة تختلف عن ذلك الذي يلف في الاتجاه المعاكس، وهذا بدوره يفسر انقسامات خطوط الطيف التي عجز نموذج بور عن تفسيرها. في البداية عارض بور هذه الفكرة لاعتقاده بوجود مشكلة فيها، إلا أنه فوجئ بأن أينشتاين قد سبقه إلى هذه المشكلة وقام بحلها. والغريب أن باولي نفسه – صاحب فكرة الرقم الكوانتي الرابع – لم يقتنع بهذه الفكرة. في الحقيقة فقد كانت فكرة الدوران هذه قد عرضت على باولي من قبل الشاب Ralph Kronig قبل ذلك بعام إلا أن باولي عارضها بشدة. عندما لاقت فكرة Uhlenbeck و Goudsmit قبولاً بين العلماء شعر Kronig بالاستياء الشديد لأنه كان قد اقترح الفكرة قبلهما إلا أنه لم ينشرها نظراً لمعارضة باولي وسخريته منها. رغم استيائه الشديد إلا أنه لم يرد أن يعلم Uhlenbeck و Goudsmit باكتشافه الفكرة قبلهما حتى لا يسلبهما فرحة اكتشافهما. بعد ذلك بعامين عمل Kronig مساعداً لباولي والذي شجعه على محاولة نقض ما يطرحه عليه من أفكار قائلاً: كلما قلتُ لك شيئاً فعليك نقض ما قلته بنقاش مفصل. والآن أصبح لدينا رقم يصف المدار الأساسي للالكترون، ورقم يصف شكل المسار الالكتروني، ورقم يصف اتجاه المسار، ورقم يصف جهة دوران الالكترون. إلهام علمي .. في أحضان جزيرة: كما رأينا فإن الأفكار العلمية قد تتالت في محاولة العلماء تفسير الظواهر التي يشاهدونها ، وكلما ازدادت المعطيات التجريبية تبين قصور النظريات الموجودة والحاجة إلى نظريات جديدة أو تعديلات هامة على النظريات الموجودة. وكما رأينا فقد قدم الكثير من العلماء مساهمات هامة يكمل بعضها بعضاً. ولكن المشاكل التي واجهت الفيزياء في ذلك الوقت قد أقنعت العلماء أنهم بحاجة إلى ثورة أساسية وجذرية في الفيزياء بدلاً من محاولات رأب الصدوع هنا وهناك. يبدو أن هناك شيئاً أساسياً في قلب الفيزياء لا زال غامضاً. نحن بحاجة إلى نظرية جديدة وأساسية في الكوانتم.. إننا بحاجة إلى ما دعي فيما بعد بميكانيك الكوانتم. في أيام الحيرة تلك وفي وسط الفوضى التي خلفتها الحرب العالمية الأولى في أوروبا لمع نجم فيزيائي ألماني شاب ربما كان القدر قد خبأه لينتشل نظرية الكوانتم من محنتها وليبقى اسمه إلى جانب أشهر الأسماء في عالم الفيزياء. ولد Werner Heisenberg بعد عام واحد من إعلان ولادة نظرية الكوانتم على يد ماكس بلانك، أي في ديسمبر 1901. كان والده قد أشعل فيه حب الرياضيات عن طريق ألغاز وألعاب رياضية في صغره، حتى أن هايزنبرغ طلب من والده وهو في الثانية عشر من العمر أن يجلب له كتب رياضيات من مكتبة الجامعة حيث كان والده بروفيسوراً في جامعة ميونخ. أراد هايزنبرغ دراسة الرياضيات في جامعة ميونخ، ورغم كل مهاراته وحبه للرياضيات إلا أنه لم ينجح في امتحان القبول. عندها تحول هايزنبرغ إلى دراسة الفيزياء وبدأ أبحاثه تحت إشراف آرنولد سامرفلد. أراد هايزنبرغ إيجاد طريقة جديدة للتعامل مع المعطيات التجريبية المتوفرة. كانت نقطة البداية لهايزنبرغ بالتخلي عن محاولة "تخيّل" الذرة والكتروناتها بأي طريقة والتركيز على المعطيات المتوفرة. ما قام به العلماء –بشكل عام – حتى ذلك الوقت هو محاولة التوفيق بين الفيزياء الكلاسيكية (إلكترونات في مدارات حول الذرة) وبين الطبيعة الكوانتية للالكترون. ولكن هايزنبرغ لم ير مبرراً لمحاولة التوفيق هذه ولم ير أي مانع من التخلص من النظرة التقليدية أو الكلاسيكية للذرة وبشكل نهائي. في حزيران/يونيو عام 1925 كان هايزنبرغ في حالة سيئة نفسياً وصحياً حيث كان يبحث في مشكلة قد استعصت عليه في الفيزياء الذرية، كما أنه أصيب بوعكة صحية شديدة. قرر هايزنبرغ أخذ إجازة نقاهة في جزيرة صغيرة في بحر الشمال. هناك وفي أحضان الطبيعة بدأ هايزنبرغ باستعادة عافيته وتفرغ للمشكلة التي طالما شغلته. قام هايزنبرغ بالتركيز فقط على ما لديه من معطيات تجريبية موثوقة حول خطوط الامتصاص الذري لذرة الهيدروجين، وبتسلسل تدريجي بدأت الأفكار تتوضح وبدا لهايزنبرغ أنه قد اقترب من الحل, (ألمشكلة) الأساسية كانت: لماذا توجد الالكترونات في مستويات طاقية كمومية معينة؟ في مساء ذات يوم بدأت الأفكار بالتبلور في ذهن هايزنبرغ وجلس يترجم أفكاره إلى معادلات رياضية. لم يستطع هايزنبرغ ترك القلم قبل الانتهاء من وضع معادلاته كاملة والتأكد من أنها لا تعارض أهم قوانين الفيزياء الأساسية (قانون انحفاظ الطاقة). وعند الساعة الثالثة فجراً توصل هايزنبرغ أخيراً إلى مراده وتأكد من أن معادلاته لا تناقض قانون انحفاظ الطاقة. كانت نشوة الاكتشاف لا توصف. في تلك الساعة من الليل خرج هايزنبرغ نحو الشاطئ وصعد صخرة عالية في البحر، وجلس هناك منتظراً شروق الشمس. الفكرة الأساسية التي أرشدت هايزنبرغ في بحثه هي أنه يجب أن يحصر تعامله مع المتحولات التي يمكن قياسها أو ملاحظتها في الذرة بشكل مباشر أو غير مباشر بعيداً عن أي أفكار مسبقة تتطلبها ضرورة التوفيق مع الفيزياء الكلاسيكية، مما أعطى نتائجه قاعدة صلبة. حين عاد هايزنبرغ إلى معادلاته في النهار، لاحظ أمراً غريباً .. عملية ضرب.. غير عاديّة: حين عاد هايزنبرغ إلى معادلاته لاحظ أمراً غريباً في آلمعادلات ألتي توصّل إليها, إن عملية ألضّرب التي نعرفها هي عملية تبادلية، أي أن ناتج ضرب 2 بـ3 يساوي ناتج ضرب 3 بـ2. و لكن معادلات هايزنبرغ تتطلب أن تكون عملية الضرب غير تبادلية! ما المشكلة هنا؟ عاد هايزنبرغ إلى مدينة غونينجن حيث يعمل و قدم نتائجه التي توصل إليها في الجزيرة إلى الفيزيائي ماكس بورن, حاول بورن جاهداً معرفة سر عملية الضرب الغامضة في حسابات هايزنبرغ، إلى أن توصل أخيراً إلى الجواب: إنها عملية ضرب المصفوفات الرياضية وهي مختلفة عن عملية الضرب العادية. في ذلك الوقت لم تكن المصفوفات شائعة بين العلماء والرياضيين، حتى أن هايزنبرغ نفسه لم يسمع من قبل بشيء اسمه مصفوفة! طلب بورن من من باولي أن يعمل معه لوضع أسس ميكانيك الكوانتم وفقاً لما توصل إليه هايزنبرغ إلا أن باولي رفض. لم يجد بورن بداً من الاستعانة بطالب شاب يدعى Pascual Jordan. وبالفعل كان بورن موفقاً في اختياره وعمل الثلاثة (بورن وهايزنبرغ وغوردون) لوضع أسس ميكانيك الكوانتم. ولكن كان بانتظار بورن مفاجأة ثقيلة: تلقى بورن في أحد الأيام بحثاً توصل أيضاً إلى مبادئ ميكانيك الكوانتم التي عمل بورن جاهداً مع غوردون وهايزنبرغ لكشفها. المؤلف هو باحث انجليزي من جامعة كيمبردج يدعى Paul Dirac. أرسل ديراك بحثه للنشر قبل أن ينتهي أولئك الثلاثة من كتابة بحثهم بتسعة أيام فقط! إذاً: لقد وضع هايزنبرغ أساساً رياضياً لميكانيك الكوانتم يعتمد على المصفوفات ألرياضية و دُعي بميكانيك ألمصفوفات. يمكن لهذه المصفوفات أن تنتج خطوط امتصاص ألطيف الملاحظ تجريبياً. و لكن لم تكن مصفوفات هايزنبرغ هي وحدها القادرة على وصف النتائج التجريبية، بل كانت هناك نظرية أخرى أكثر سهولة و خالية من المفاهيم الرياضية المجردة التي شابت نظرية هايزنبرغ. ما هي هذه النظرية؟ و من هو بطلنا هذه المرة؟ شرودينجر .. و موجة .. وعشيقة: اروين شرودينجر عالم فيزياء نمساوي ولد عام 1887 في فينا وحصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء وهو في الثالثة والعشرين من العمر. عرف عن شرودينجر علاقاته الغرامية مع العديد من النساء حتى بعد زواجه! قال عنه ماكس بورن بعد وفاته عام 1961: "لقد بدت حياته الخاصة غريبة بالنسبة للبرجوازيين مثلنا، ولكن هذا لا يهم، فلقد كان إنساناً محبوباً ولطيفاً وكريماً للغاية". لاحظ شرودينجر أن de Broglie وصف المادة على أنها ذات طبيعة جسيمية وموجية في نفس الوقت إلا أنه لم يقدم معادلة رياضية تصف هذه الطبيعة الموجية. فلكل موجة معادلة تصفها، ما هي المعادلة التي تصف موجات المادة؟ لقد قرر شرودينجر أن يجد هذه المعادلة. في عام 1925 قضى شرودينجر عطلة عيد الميلاد مع إحدى عشيقاته في منتجع في جبال الألب. هناك توصل شرودينجر إلى معادلة لوصف الموجة المرافقة للالكترون انطلاقاً من علاقة كان de Broglie قد وضعها وتربط بين طول موجة جسيم وحركيته (جداء السرعة والكتلة)، أي أنها تربط بين الطبيعتين الموجية والجسيمية. ولكن وفقاً لـ de Broglie فإن المدارات الالكترونية دائرية الشكل، أما معادلات شرودينجر فقد وصفت مدارات الالكترون على أنها ثلاثية الأبعاد. أضف إلى ذلك أن الطاقة التي يملكها الالكترون تنتج بسهولة عن حل معادلات شرودينجر، أي لا يتم إضافتها إلى المعادلات بشكل إجباري بل تنتج تلقائياً عن معادلاته. دعيت نظرية شرودينجر بميكانيك الموجات، ولاقت ترحيباً كبيراً من العلماء أكثر من نظرية هايزنبرغ ، فنظرية هايزنبرغ (ميكانيك المصفوفات) تعتمد على مفاهيم رياضية مجردة يصعب تخيلها، في حين اعتمدت نظرية شرودينجر على الموجة وعلى مفاهيم سهلة ومتعارف عليها. المشكلة الآن هي أنه لدينا نظريتان مختلفتان تماماً إلا أنهما تعطيان نفس النتائج! لا بد إذاً من وجود علاقة بين مصفوفات هايزنبرغ وموجات شرودينجر. بالفعل استطاع شرودينجر خلال شهور أن يجد الحلقة الضائعة التي تربط النظريتين. لقد وجد أن النظريتين متكافئتان رياضياً ولا غنى عن أي منهما، إذ أن نظرية ميكانيك الموجة تعطي وصفاً للطبيعة الموجية للمادة في حين تعطي نظرية هايزنبرغ (ميكانيك المصفوفات) وصفاً للطبيعة الجسيمية. كلا النظريتين أعطت نتائج متوافقة مع النتائج التجريبية، ولكن رغم هذا التوافق بين النظريتين، إلا أن كلاً منهما قد قدمت تفسيراً فيزيائياً مختلفاً عن الأخرى، فواحدة تصف الالكترون على أنه موجة والأخرى على أنه جسيم. كان شرودينجر قد قام باشتقاق معادلاته بهدف التخلص من الطبيعة الجسيمية للالكترون والاكتفاء بالطبيعة الموجية، وبذلك يتخلص من الحاجة إلى القفزات الكوانتية الغريبة للالكترون. ولكن هذا يناقض بعض النتائج التجريبية التي تثبت أن الالكترون ليس مجرد موجة بل هو جسيم أيضاً. الحل الذي قدمه شرودينجر هو أن الالكترون ليس في الحقيقة جسيماً ولكن يتصرف أحياناً وكأنه جسيم، وقام بتفسير ذلك بأنه حين تتداخل موجات الالكترون بشكل محدد يظهر الالكترون وكأنه جسيم. ولكن واجهت هذه النظرة الكثير من المشاكل. أما ماكس بورن فقد وجد تفسيراً عجيباً لما توصل إليه شرودينجر. المشكلة هنا هي في تفسير الموجة. حين نقول أن الالكترون عبارة عن موجة فما هي طبيعة هذه الموجة؟ هذا السؤال الأساسي هو ما يحتاج لإجابة فعلاً.. ما هي طبيعة الموجة التي تصفها معادلات شرودينجر؟ ألصدفة .. و آلفيزياء: إذا رميت قطعة حجر في بركة ماء ستلاحظ تشكل موجات صغيرة من الماء. هذه الموجات هي عبارة عن تغيرات منتظمة في مواضع جزيئات الماء بحيث ترتفع وتنخفض بشكل منتظم. إذا كان الالكترون عبارة عن موجة أو عن جسيم وموجة فما طبيعة هذه الموجة؟ أي ما هو الشيء الذي "يتموج" في هذه الحالة؟ لقد وضع شرودينجر معادلة الموجة التي تصف الالكترون ولكن لم ينجح في شرح ماهية هذه الموجة. إلا أن ماكس بورن قد وجد الجواب.. في الفيزياء التقليدية إذا عرفنا الوضع الحالي لمنظومة معينة والقوى المؤثرة فيها فإنه يمكننا تحديد وضع المنظومة في المستقبل بدقة تامة. فكرة ماكس بورن هي أنه إذا اصطدم الكترون بذرة فإنه يستحيل تحديد موقع الالكترون بعد الاصطدام. أقصى ما يمكن حسابه هو احتمـال وجود الالكترون في موقع معين. وبالتالي فإن تابع الموجة الذي أوجده شرودينجر لا يعطينا موقع الالكترون الفعلي في هذه اللحظة بل يعطينا مجرد احتمال وجود الالكترون في نقطة ما. هذه الاحتمالات ليست ناتجة عن قصور قدرتنا على معرفة موضع الالكترون بدقة، بل هي في صميم طبيعة الذرة! أي أن استحالة تحديد موضع الالكترون بدقة تامة لا يرجع سببها إلى ضعف المعدات التجريبية بل هي في صميم طبيعة الالكترون. بالمناسبة، لم تكن هذه المرة الأولى التي يدخل فيها مفهوم الاحتمال عالم الكوانتم، فقد كان أينشتاين قد أظهر من قبل أنه لا يمكننا التنبؤ باللحظة التي يقفز فيها الالكترون بين مدارين، كل ما يمكننا حسابه بدقة هو احتمال قيام الالكترون بالقفز في لحظة ما. لم يقتنع شرودينجر بتفسير بورن لطبيعة موجة الالكترون لأنه تفسير يدخل مفهوم الصدفة في قلب الفيزياء. في ذات الوقت كان الخلاف يحتدم بين شرودينجر وهايزنبرغ، وانقسم العلماء إلى معسكرين. للتذكير فإن شرودينجر شدد على أهمية الطبيعة الموجية للالكترون محاولاً التخلص من الطبيعة الجسيمية للالكترون وبالتالي التخلص من القفزات الكوانتية للالكترون الأشبه بالسحر حيث يختفي الالكترون في مدار ويظهر في مدار اخر، أما هايزنبرغ فرأى أن الطبيعة الجسيمية للالكترون أكثر أهمية . عمل هايزنبرغ مع بور في المعهد الذي أنشأه بور في كوبنهاجن وقضى الاثنان أوقاتاً طويلة في مناقشة ميكانيك الكوانتم وميكانيك الموجة. حاول بور المزج بين نظريتي هايزنبرغ وشرودينجر مع أنه لم يبد ارتياحاً كبيراً لنظرية هايزنبرغ (ميكانيك المصفوفات) وخاصة أن ميكانيك الموجة الذي اقترحه شرودينجر قد قدم صورة أسهل بكثير من تعقيدات المصفوفات الرياضية التي جاء بها هايزنبرغ. ما كان يبحث عنه بور هو طريقة للتوحيد بين النظريتين المتعارضتين. في بداية 1927 سئم بور التفكير في هذه المشكلة وقرر قضاء عطلة في النرويج، مما أفسح المجال لهايزنبرغ أن يقضي وقته وحيداً في كوبنهاجن وأن يفكر بتركيز أكبر, و هذا ما كان بحاجته. لحظات قبل الولادة: كانت طريقة هايزنبرغ في آلتفكير و آلبحث هي آلاعتماد على ما يمكن ملاحظته بالتجربة، أي أن آلنظرية ألعلمية تعتمد على ما يمكن ملاحظته بالتجربة، ألأمر الذي قد يبدو بديهياً, لقد كان هايزنبرغ يفكر لوحده بعد سفر بور لقضاء عطلته، و لحظات الوحدة هذه كثيراً ما تُولّد إلهاماً جديداً.. و لكن في حالتنا هذه فنحن أمام ولادة واحد من أهمّ القوانين في تاريخ العلم حتى الآن. لنعد قليلاً إلى الوراء.. إلى السنوات الأولى من القرن العشرين .. قام الاسكتلندي C.T.R Wilson بإجراء تجارب أدت إلى مشاهدة ما ظهر على أنه مسار الالكترونات. أجريت التجربة في حجرة أو أنبوبة زجاجية تحتوي على القليل من بخار الماء إضافة إلى مادة مشعة. حين تطلق المادة المشعة إلكترونات يتم تبريد بخار الماء و بالتالي تبدأ جزيئات بخار الماء بالتكثف و تتحول إلى قطرات ماء سائلة تتجمع حول الالكترونات. حين أجرى ويلسون التجربة لاحظ أن قطرات الماء ترسم مساراً معيناً داخل الحجرة الزجاجية، وبما أن قطرات الماء هذه تتجمع حول الالكترونات فإن هذا المسار الذي ترسمه ما هو إلا مسار الالكترونات في الحقيقة. والآن عودة إلى صديقنا هايزنبرغ.. ما أزعج هايزنبرغ هو أن مسارات الالكترونات في تلك التجربة تتعارض مع نظريته (ميكانيك المصفوفات). إنه مقتنع تماماً بصحة ميكانيك المصفوفات ولكن معادلاته تعارض الأدلة التجريبية بشكل صارخ. ما الحل؟ في ذلك المساء عاد هايزنبرغ بذاكرته إلى الوراء.. إلى حوار دار بينه وبين أينشتاين بعد محاضرة ألقاها هايزنبرغ بحضور أينشتاين في 28 ابريل 1926. كانت الفكرة الأساسية التي حاول أينشتاين إيصالها في ذلك الحوار هي أنه لا يمكن بناء نظرية علمية بناءاً على ما يمكن ملاحظته بالتجربة فقط (كما فعل هايزنبرغ)، بل العكس هو الصحيح فإن النظرية هي التي تحدد ما يمكن ملاحظته أو قياسه بالتجربة! ربما لم يدرك هايزنبرغ حينها ما عناه أينشتاين، ولكن الآن، في لحظة الإلهام هذه، أدرك هايزنبرغ ما عناه أينشتاين تماماً. كان الافتراض هو أن ما شاهده ويلسون في تجربته هو مسار الالكترونات فعلاً، ولكن ماذا لو كان ذلك ليس صحيحاً؟ ماذا لو كان ما نشاهده ليس حقاً مسار الالكترونات؟ ومن قال أنه يمكن الكشف عن مسار الالكترونات أصلاً؟ هل يمكننا حقاً الكشف عن مسار الالكترونات خلال حركتها في تلك التجربة؟ نحن بحاجة إلى نظرية تجيب عن هذا السؤال.. نظرية تحدد ما يمكن فعلاً قياسه في التجربة وما لا يمكن قياسه. الفكرة التي دارت في رأس هايزنبرغ هي أن نظرية الكوانتم لا تسمح لنا بمعرفة كل شيء عن الالكترون (سرعته، موقعه، طاقته، الخ) أي أنها تضع حدوداً لما يمكننا قياسه. ما يحتاجه هايزنبرغ هو نظرية لتحديد ما يمكننا بالفعل معرفته عن الالكترون. هرع هايزنبرغ إلى معادلاته من جديد بحثاً عن جواب يحدد ما يمكن وما لا يمكن معرفته عن الالكترون، ولم يطل به الأمر حتى توصل إلى مراده.. وكانت النتيجة واحداً من أهم أعمدة العلم الحديث.. فكرة ستزيد من سحر عالم الذرة.. وغرابته. ولادة فكرة .. و ولادة عالم جديد: في ذلك اليوم كان هايزنبرغ على موعد مع اكتشاف سيغير نظرتنا للعالم والكون إلى الأبد.. كان على موعد مع فكرة ستثير الكثير من الجدل والخلاف ليس بين العلماء فحسب بل بين الفلاسفة أيضاً وسيصل أثرها أيضاً إلى الأديان. توصل هايزنبرغ إلى ما عرف فيما بعد ب مبدأ اللاتعيين uncertainty principle ، والذي ينص باختصار على أنه يستحيل تحديد كل من سرعة الالكترون وموقعه في نفس الوقت وبدقة تامة. فإذا حددنا موقع الالكترون بدقة تامة وبدون ارتياب فإننا لن نستطيع تحديد سرعته بدقة تامة في نفس الوقت. حتى نقوم بإجراء أي قياس على الالكترون فلا بد لنا من التأثير بالالكترون بشكل أو بآخر، وهذا التأثير هو منبع الارتياب في القياس. ولكن كيف؟ من المعروف أنه لا يمكننا مشاهدة الالكترون بالمجهر الضوئي (بل لا يمكننا حتى الاقتراب من مشاهدة الذرة نفسها، ناهيك عن مكونات الذرة). السبب هو أن موجات الضوء المستخدمة في المجهر الضوئي ذات طول موجة كبير جداً مقارنة بالالكترون، مما يعني أن موجة الضوء حين تمر بالالكترون فإنها لن "تشعر" به نظراً لشدة صغره بالنسبة لها. الحل هو أن نستخدم موجات قصيرة جداً ذات أبعاد قريبة من أبعاد الالكترون وبالتالي يمكن أن تتأثر بالالكترون و"تشعر" به. و لكن إذا عدنا إلى مبادئ الموجات نجد أنه كلما صغر طول الموجة ازداد تواترها وبالتالي ازدادت طاقتها. هذا يعني أننا إذا أردنا استخدام موجات قصيرة جداً في دراسة الالكترون فإن طاقة هذه الموجات ستكون عالية جداً، مما يعني أن جزءاً هاماً من طاقة هذه الموجة سينتقل إلى الالكترون حين الاصطدام به مما يؤدي بالتالي إلى تغير في سرعة الالكترون. هذا يعني أننا لن نستطيع قياس السرعة الأصلية للالكترون، لأن محاولتنا لقياسها ستؤدي حتماً إلى تغيرها. سرعة ألأليكترون: إذاً .. لا يمكننا معرفة سرعة ألألكترون بدقة عالية, لأننا لو حاولنا ذلك باستخدام أشعة قصيرة الموجة فإن طاقة هذه الأشعة ستغير من سرعة الالكترون. في ذات الوقت لا يمكننا استخدام أشعة ذات طول موجة كبير (أي طاقة صغيرة) لأن الموجات الطويلة لا تستطيع تحديد موقع ألألكترون بدقة تامة. إذاً لا بد لنا من أن نضحي بأحد إثنين: معرفة موقع الألكترون بدقة متناهية أو معرفة سرعته بدقة متناهية. فإذا حاولنا قياس موقع الالكترون بدقة تامة سنضطر لاستخدام أشعة قصيرة، إلا أن الطاقة العالية للأشعة القصيرة ستؤثر بسرعة الالكترون و بالتالي لن نستطيع تحديد السرعة بدقة متناهية. وإذا حاولنا قياس سرعة الالكترون بدقة عالية باستخدام موجات ذات طاقة ضعيفة لا تؤثر كثيراً بالسرعة فإن طول الموجة الكبير لهذه الموجات سيعني أننا لن نستطيع تحديد موضع الالكترون بدقة متناهية! إن الفرق بين القيمة الحقيقية لسرعة الالكترون و القيمة ألتي نستطيع قياسها يدعى بالّلاتعيين uncertainty، و كذلك الفرق بين الموضع الحقيقي للالكترون و الموضع الذي نستطيع قياسه يدعى باللاتعيين في موقع الالكترون, العلاقة بين هذين المقدارين هي: Dp*Dq > h/2*pi Dp هو مقدار الارتياب أو اللاتعيين في موقع الالكترون، Dq هو مقدار اللاتعيين في سرعة الالكترون، h هو ثابت بلانك، وpi هو الثابت المعروف (3.14). وفقاً لهذه المعادلة فكلما انخفض مقدار الارتياب في قيمة سرعة الالكترون ازداد الارتياب في موضع الالكترون، والعكس صحيح. كما وجد هايزنبرغ أن مبدأ اللاتعيين هذا يعطي حلاً لكثير من الألغاز التي حيرت الفيزيائيين, مثلاً: العلاقة غير التبادلية في عملية الضرب في معادلات هايزنبرغ (ضرب المصفوفات) ما هي إلا نتيجة هذا اللاتعيين حيث أن جداء الموضع والسرعة (p*q) لا يساوي جداء السرعة والموضع (q*p)، أي أن قيمة الفرق (q*p-p*q) لا تساوي الصفر، بل تساوي قيمة صغيرة جداً إلا أنها ليست صفراً {بالتحديد فإنها تساوي [ih/(2*pi)] حيث أن i عدد صحيح لا يساوي الصفر}. لن ينحصر تأثير هذه ألفكرة في عالم ألفيزياء و آلكوانتم بل سيطال مفاهيم فلسفية عاشت مع آلإنسان منذ أن وجد. (3) بحثنا في حلقات سابقة ألعلل ألاربعة في وجود الأشياء, و هي: [ألصوريّة, ألماديّة, ألفاعليّة, ألغائية]. (4) شريعتي, علي(2009). خصوصيات ألقرون ألجديدة, مطبعة بجمان - طهران – ص302ط8. (5) "ألأسكولاستيك ألجديد"؛ نظامٌ يتحدد بموجبه مُجمل آلقوانين التي تكون عادة في منفعة الطبقة الراسمالية الأقتصادية لتأمين و زيادة أرباح أصحابها ألذين شكلوا منظمة عالمية بإسم"ألمنظمة آلأقتصادية ألعالمية". إننا إنْ لم نُجرّد ألعلم و آلمعرفة من ألـ "إسكولاستيك" في نظام دولنا ألأسلامية .. فأننا سوف نُوجه ضربة قاضية للغاية و الهدف من خلق الأنسان و الذي يتحدّد من خلال السعادة عبر نيل الكمال الأنساني ألذي إعتبرناه ألغاية في النظام الأسلامي, حيث ستتحقق ألكارثة ألكبرى ألتي أشار لها أئمتنا العظام(ع) حين أشاروا إلى إنتشار الظلم و إمتلاء الأرض به عند بيانهم لخصوصيات عصر ظهور المصلح الكبير ألأمام ألمهدي(عج) بقولهم: "يملأ آلأرض قسطاً و عدلاً بعد ما ملئتْ ظلماً و جوراً"! حيث إن سيطرة مجموعة لا تؤمن بآلأنسانية و حقوق البشر من خلال المنظمة الاقتصادية و التي ستدير – إن لم نفعل شيئاً – كل منابع القدرة و الأنتاج و الطبيعة لا سامح الله, ليصبح الناس عبيداً يستجدون على أعتابهم و اعتاب من يدعمهم و يسير أعمالهم بما فيهم الحكومات ألوضعية. هذا هو الفهم الواسع لمعنى حديث الظهور و ليس ذلك الفهم المحدود ألمتخلف ألذي ما زال مُدّعي "الطين" و ليس الدين يدعون له! و لذلك نُحذّر كل طلبة العلم و المدعين للعلم من محاولات آلأنظمة و الحكومات خصوصاً في بلادنا من مبدأ "ألسيكولاستيك" ألجديد, لكونه ستكون شيئاً فشيئاً مصدر ألدمار و آلخراب لجمال ألأنسان و الكون, من حيث أنه يُركّز على تعميق ألظواهر ألمادية ألتي تؤدي في النهاية إلى تسخير ألأنسان و تعبيده لتلك الفئة التي ستسيطر على العالم, حيث ستحذف كليّاً ألبعد ألحقيقي للأنسان في هذا الوجود و المتعلق بآلجمال و آلجلال و آلسعادة في آلدنيا قبل آلآخرة. (6) راجع كتاب:" مستقبلنا بين آلدين و آلديمقراطية", ألفصل ألثّالث؛ ألمفهوم ألدّيمقراطي في آلعصر ألحديث. (7) ألدولة الوحيدة ألتي لا تخضع للسياسات الرأسمالية ألأستكبارية آليوم هي إيران, لهذا نرى إن آلمخابرات العالمية و بآلتنسيق مع المخابرات الصهيونية أقدمت خلال العامين الماضيين على إغتيال آلعلماء ألأكاديميين ألكبار في إيران! حيث إغتالت تلك آلقوى آلظالمة ثلاثة من كبار علماء الذرة في غضون السنتين الماضيتين, بآلأضافة إلى إختطاف عالم آخر أثناء أداء مراسم الحج في السعودية. (8) عبرنا عن مسألة تحقق الوجد في وجود ألأنسان في بحوثٍ سابقة بآلفقر و الفناء, و هي آلمرحلة السابعة في سير السلوك نحو الله تعالى.
#عزيز_الخزرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأطلسي و السلفية يُمهدون للهجوم على سوريا لتحقيق البروتوكول
...
-
العدالة بين هوى السياسيين و آلمعايير الأنسانيّة
-
أسفار في أسرار الوجود ج4 - ح3
-
أسفار في أسرار الوجود ج4 - ح2
-
أسفار في أسرار الوجود ج4 - ح1
-
أسفار في أسرار الوجود ج3 - ح12 (ألأخيرة)
-
أسفار في أسرار الوجود ج3 - ح11
-
أسفار في أسرار الوجود ج3 - ح10
-
أسفار في أسرار الوجود ج3 - ح9
-
إغتيال ألفكر تعميمٌ للأرهاب
-
ألحضارة الأسلامية أكبر حضارة عرفتها البشرية
-
اسفار في اسرار الوجود ج3 - ح5
-
مستقبلنا بين الدين و الديمقراطية(7)
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|