|
الدولة ليست فكرة مجردة ولا جهازا فوق المجتمع
زكرياء الفاضل
الحوار المتمدن-العدد: 3455 - 2011 / 8 / 13 - 00:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
عندما تستمع أو تقرأ لبعض الخصوم الطبقيين وهم يعرضون أفكارهم حول علاقة الدولة بالمواطنين تنتصب بين عينيك لوحة زيتية من الفن التجريدي، حيث توصلك أفكارهم إلى خلاصة ألوانها متداخلة بشكل عشوائي ومفتقرة للتناسق. فهم، في فكرة غير واضحة المعالم ومجهولة المنطلق، يعتبرون الدولة فكرة مجردة وجهاز فوق المجتمع، المواطن بداخلها يتمتع بواجبات نحوها دون حقوق تذكر. كما أن مفهوم "المواطن" عندهم لا يشمل إلا الفئات الشعبية الشاسعة أي الطبقة المسحوقة، بينما أثرياء المجتمع والمقربين من النظام فهم أشراف بمعنى أسياد المجتمع ولهم جميع الحقوق ولا واجبات لهم. أ لا يذكرنا هذا بفكر الفلاسفة اليونانيين القدامى حيث حديثهم عن الديمقراطية كان حكرا فقط على الأسياد (الأحرار) ولايشمل طبقة العبيد لكونهم، حسب فكر ذاك المجتمع القديم، ليسوا من فصيلة بني البشر بل هم مجرد رقيق يباعون ويشترون كبضاعة. فالشعب إذا طبقة عبيد في منظور طبقة الأشراف أو الأسياد، لذلك لا غرابة في أن تقابل هذه الطبقة انتفاضات الربيع العربي بالمدفعية والدبابات والطيران الحربي، إذ هي لا ترى فيها إلا تمرد العبيد على أسيادهم. لن أستغرب إن استحضرت الطبقة الحاكمة شطر البيت الشعري القائل: إن أكرمت اللئيم تمرد. ولو أن الحقيقة كامنة في لآمة الطبقة الحاكمة التي تمردت على الشعب بعدما أكرمها ، هذا الأخير، وسلمها مهمة قيادة المجتمع، إذ تفويض السلطة، من الشعب للحاكم، هو تكليف وليس تشريف. إن الدولة، حسب مفهومنا الشعبي، هي إطار قانوني لتنظيم وتسيير أمور المجتمع بشكل حضاري وديمقراطي، السيد فيه هو الشعب في غالبيته الساحقة وليس فئة لا تشكل سوى 10% منه. ونظرتنا هذه غير نابعة من المفهوم الإقطاعي للدولة، إذ الإقطاعية هي مرحلة عبرت منها البشرية وتجاوزتها إلى ما يسمى اليوم بالدولة الديمقراطية (ونقصد هنا سلطة الشعب وليس المفهوم البرجوازي الغربي). وحتى لا نكون تجريديين كخصومنا الطبقيين، فإننا سنسرد تجربة الاتحاد السوفياتي من الجانب العملي الذي عشناه على أرض الواقع وليس في فضاءات الكتب التنظيرية. كانت الدولة في الاتحاد السوفياتي تعتبر ملكا للشعب والحاكم فيها خدّاما له، بغض النظر عن الأخطاء والسلبيات التي كانت تصادفنا هنا أو هناك. فالحزب الحاكم آنذاك كان يعمل على خدمة المجتمع، رغم تسرب عناصر تصحيحية وشوفينية وانتهازية إلى قيادته لكون هؤلاء كانوا رهنة إديولوجية الحزب وفكره. فهم لم يستطيعوا هدم أول بناء شعبي في تاريخ البشرية إلا بعد عقود وبحيلة خبيثة تحت شعار "إعادة البناء". فما هي معالم السلطة الشعبية بهذه الدولة العظيمة التي سقطت ضحية لمؤامرات خارجية بتنسيق مع تجار الوطنية المحليين؟ أولا العمل: كان حق المواطن في الشغل فرض عين في الدستور السوفياتي، حيث الدولة مجبرة على تشغيل كل مواطن قادر على الإنتاج عضليا أو فكريا. ولم يكن الشغل حق للمواطن فقط بل واجبا عليه، إن لم يقعده عنه داء أو إعاقة بدنية أو عقلية. كنا نرى كيف يقاد بعض المواطنين للتحقيق بسبب بطالتهم الطوعية من دون أسباب منطقية تشفع لهم أمام واجبهم الوطني (في حين في مجتمعاتنا نراهم يقودون شبابنا للسجن لأنه يطالب بالشغل)، إذ كان قانون "من أين لك هذا؟" فاعلا وسائرا في المجتمع السوفياتي وعلى الجميع من دون استثناء. بالطبع هذا القانون كان له جانب سلبي يتمثل في إلزام أية مؤسسة عند طردها لمستخدم ما، لأسباب أخلاقية (نعم أخلاقية، لأن الأخلاق كانت عامل مهم لتقييم الشخص في ذاك المجتمع) أو لعدم كفاءته، بإرجاعه إلى العمل في حالة عدم تمكنه من إيجاد عمل آخر يعيش منه خلال ثلاثة أشهر. والأهم من هذا هو أن الشرطة كانت مكلفة بمساعدة المواطنين على إيجاد عمل يقتاتون منه، ولم تكن، أي الشرطة، جهاز قمع كما هو الشأن في مجتمعاتنا. ثانيا السكن: السكن كان أيضا حقا مشروعا لكل المواطنين، لذلك كانت الدولة تعمل على بناء عمارات سكنية وتسلمها للمواطنين مجانا كبر شأنهم أم صغر. وحجم الشقة كان يتعلق بعدد أفراد الأسرة، أما بالنسبة للعزاب فكانت الدولة تبني لهم شقة من غرفة واحدة (استوديو). بالطبع بالنسبة للمطبخ والمرافق (حمام ومرحاض) فكانت متوفرة في كل الشقق مع الماء الحار والبارد وأنبوب الغاز الطبيعي.. ثالثا العطلة السنوية: كما أن العمل حق واجب للمواطن فإن العطلة السنوية أيضا حق شرعي له يستريح فيها لاستعادة نشاطه وحيويته. لذلك كانت تعمل النقابات على توفير مخيمات للعمال والشغيلين بصفة عامة بأسعار تتحمل إدارة هذه النقابات من 10% إلى 50% من نفقاتها والباقي يدفعه العامل أو الموظف والشغيل. رابعا الأمومة: كانت الدولة تشجع على النسل قولا وفعلا، حيث كانت تعطي امتيازات مادية للأم تصل أحيانا إلى تحمل الدولة نفقة الأولاد بالكامل من ملبس وتموين ونقل (تمنح الأم التي أنجبت عشرة أولاد سيارة كبيرة تتسع لعدد أفراد الأسرة)، كما كانت تمنح مثل هذه الأم شقة أكبر بحيث لا يقل عدد الغرف بها عن خمس. خامسا التعليم: وكان حقا لجميع المواطنين، أو حتى الأجانب المقيمين بالاتحاد السوفياتي، وإجباري إلى غاية الثانوية العامة. وحتى نوضح الصورة، لمن قد يستعصي عليه فهم إجبارية التعليم، نقول بأن المدرسة لا يمكنها طرد أي تلميذ من الدراسة إلى غاية الصف الثامن (التعليم المدرسي بالاتحاد السوفياتي كان عشر سنوات). فإن غادر المدرسة في هذا المستوى، طوعا أو مجبرا، فإن التلميذ يدخل مدرسة التكوين المهني لإتمام الثانوية العامة بها. بعد هذه المرحلة تبقى الدراسة الجامعية خيار طوعي لكل حسب طموحاته وإمكانياته الفكرية. بالنسبة للتعليم الجامعي فإنه كان مثل التعليم المدرسي من حيث تسليم الكتب المنهجية للطلبة مجانا إلى آخر السنة الدراسية فيرجعونها للمكتبة بعد دورة الامتحانات. كما أن الطلبة كانوا يتقاضون منحة شهرية وأغلبيتهم العظمى كانت تحصل على الحي الجامعي بأسعار رمزية. وليس هذا هو المهم بل المهم هو مرحلة ما بعد التخرج، حيث المؤسسة التعليمية مجبرة بتوزيع الطلبة المتخرجين على جهات العمل. والطالب لا حق له في اختيار المدينة أو القرية كمكان لعمله إلا بعد خدمة سنتين أو ثلاث بالجهة الموجه إليها، لكن كانت هناك حالات استثنائية تتعلق بالطلبة المتزوجين في الدرجة الأولى. إذا الطالب لم يكن يشغل باله بالبحث عن العمل أثناء دراسته، كما هو الشأن عندنا، بل كان فكره، بكامله، منصب على تحصيل العلم. سادسا الصحة: كانت من أولويات الدولة اتجاه المواطن، لذلك كان التطبيب مجانيا بجميع فروعه واختصاصاته. سابعا الرياضة: هذا المجال مرتبط بصحة الشعب، لهذا كانت الدولة تفتح في المدن والقرى نوادي رياضة يمارس فيها الشباب، كل حسب ميولاته، الرياضة مجانا. هذه هي بعض مميزات دولة الشعب، باختصار شديد، في الاتحاد السوفياتي السابق، وقد ذكرناها هنا ليس حنينا إلى الماضي بل لنوضح مفهوم الدولة الديمقراطية التي يكون فيها الشعب هو الدولة والدولة هي الشعب.
#زكرياء_الفاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة عاشق
-
رسالة الشعب للقصر في يوم احتفاله
-
الفيزازي والاحتيال السياسي
-
البيعة في المغرب المعاصر تزوير لإرادة الشعب
-
ليس العيب في أن نخطأ بل العيب في أن نتمادى في خطئنا
-
إنما المنتصر من يفوز بالحرب لا من يربح معركة
-
النادل
-
لماذا نقاطع الاستفتاء أو يوم الجمعة يوم حاسم أم يوم انطلاقة
...
-
الشعبوية
-
شفق أم غروب؟
-
عادة حليمة إلى عادتها القديمة
-
اتحاد الملوك ضد الشعوب
-
حرية الصحافة بين الكر والفر والبلطجية تنشد ثورية القصر
-
قتل بن لادن
-
الكلمة المتقاطعة أركان
-
الزيارات الليبية للمغرب والسر الدفين
-
العفو الملكي
-
المغرب: خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الخلف
-
أساند أو لا أساند؟
-
لمن لم يفهم ما نريده
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|