مناع النبواني
الحوار المتمدن-العدد: 1029 - 2004 / 11 / 26 - 07:47
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أجمل ما في الحياة شعور الإنسان أنه يعيش في وطن حر كريم ينعم أبناؤه بالحرية / حرية الوطن وحرية المواطن / .
وأصعب شيء في الحياة عند الشعوب والمناطق المتخلفة – أقول : الشعوب والمناطق المتخلفة - لأن مثل هذه الكيانات لا تشكل أوطاناً بالمعنى السياسي والوطني للكلمة , فلا يسمى المكان وطناً إلاّ إذا كان حراً قوياً وطناً ومواطنين .
لذلك كان أصعب شيء في حياتهم هو المواطنة , أي أن يكون الإنسان فيها مواطناً .
أنا أرفض التسمية الشائعة – المواطن الصالح – فإما أن يكون المرء مواطناً أو لا يكون .
المواطن صالح بالضرورة وإلاّ فلا يستحق شرف هذه التسمية – مواطن - .
الوطن والديمقراطية مفهومان متلازمان لا ينفصلان , وضرورة حياتية دائمة , بحيث لا وطن دون ديمقراطية , كذلك المواطنة .
وحتى نستحق جميعاً شرف المواطنة , وحتى يصبح لدينا وطن يفخر بنا ونفخر به يجب علينا - أقول : يجب علينا لأني مؤمن بالوطن والمواطنة قولاً وعملاً – التحلي بصفات ومزايا وأولويات وطنية أهمها:
1- الإقلاع أولاً وفوراً , ومن ثم الابتعاد مستقبلاً عن القناعات والعادات الموروثة والتي تعيش في شعورنا ولا شعورنا والمتمثلة في العقلية الاتهامية بالتكفير أو التخوين لكل مخالف لنا بالرأي أو بالاعتقاد أو في القول أو العمل , قديماً وحديثاً , فسرعان ما نرميه بالكفر أو بالخيانة وبالتآمر وبالمروق إلى ما هنالك من الاتهامات المشينة التي لا يستعملها إلاّ من لا يدري ألف باء آداب العيش المشترك , فكيف أصول الوطن والمواطنة ؟. نحن نكفّر الآخر ونخوّنه ونرفضه مباشرة دون معرفة هذا الآخر عن كثب شخصياً أو فكرياً , حيث أصبحنا نحرق الكتاب قبل أن نقرأه , ولمجرد عنوانه , أو لمجرد السماع عنه من أي كان ولأي سبب كان . ألا يمكن أن يكون هذا الآخر على حق ونحن على باطل ؟ ألا يمكن أن يكون هذا الآخر يملك نصف الحقيقة ونحن لا نملك منها شيئاً ؟ . ألا يمكن أن يكون هذا الآخر مواطناً ونحن أشبه بالجاليات الأجنبية ؟ .
2- الاعتراف بالآخر أياً كان ومهما كان لمجرد أننا نعيش معاً في منطقة واحدة أو ضمن تجمع واحد , والاعتراف بحقه في الحياة كما نحن لنا الحق فيها من جميع جوانبها الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها .... . له ما لنا وعليه ما علينا .
3- أن نستبدل بلغة السلاح لغة الحوار فيما بيننا نحن أبناء المنطقة الواحدة أولاً , ثم فيما بيننا وبين الآخرين من المناطق والأوطان الأخرى ثانياً . أن ننبذ العنف والكراهية ونحاربها أنّى وجدت , فالجنة مأوى الأخيار والدعاة , وجهنم مأوى الأشرار والعصاة . أن نعمم ونمارس مفاهيم المحبة والتسامح والسلام , بدلاً من مفاهيم الكراهية والحقد والخصام .
4- أن نشعر ونؤمن نهائياً بأننا جميعاً نملك حصصاً متساوية في الوطن – حصة وطنية - . قد يملك أحدنا أكثر من الآخر كتباً أو أموالاً أو أبناءً أو غير ذلك , ولكن الحصة الوطنية بين جميع المواطنين محددة ثابتة , لا تزيد ولا تنقص بين مواطن وآخر . لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات .
5- أن نقوم بتأدية واجباتنا الوطنية طوعاً لا كرهاً وإيماناً بحق الوطن علينا وواجبنا نحوه , ابتداءً من عدم رمي الأوساخ في الشارع , وانتهاءً بدفع الضرائب كاملة دون رقيب أو حسيب , لا طمعاً في ثواب ولا خوفاً من عقاب .
6- أن نحافظ على المال العام ونحميه من أنفسنا ومن الآخرين , وأن نفضح وبجرأة تامة وعلنية , كل من يعتدي عليه , أياً كان ومهما كان .
7- أن نُعمِل العقل في كل شيء , ونرفع القدسية عن كل شيء , ونخضع كل شيء للنقاش والتفكير العلمي السليم , عملاً بقول شاعرنا وفيلسوفنا – أبوالعلاء المعري- :
كذب الظن لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء
وإقتداءً بشيخنا الجليل – محمد حسين فضل الله – عندما أعلن : (( لا شيء مقدس , كل شيء قابل للنقاش )) . وهذا يبعدنا تماماً عن التفكير الخرافي , وعن الانقياد الأعمى , وعن التعصب المؤذي , وعن التبعية لكل مضللٍ أو صاحب غاية دينية أو سياسية أو غير ذلك .
8- توطين العلم والمعرفة والتقانة , وعدم الاعتماد على الآخرين- فنحن نستورد كل شيء حتى الأطعمة . عندها نستطيع أن نصنع وننتج أرقى ما توصل إليه العقل البشري من آليات أو نظريات , ونستطيع أن نصنع وننتج الدرع الواقي الذي يحمينا , ولا يبقينا فريسة سهلة لكل مفترس من الداخل أو الخارج . عندها نتحول من أفواه مستهلكة إلى عقول منتجة ومصدرة .
9- والأهم هو توطين الحرية وسيادة الديمقراطية , حتى تصبح زادنا وزوادتنا في كل ما نقوله ونفعله صباح مساء – وخارج أوقات الدوام - فالحرية والديمقراطية تعني ما تعني , ومن استحقاقاتها وأولوياتها :
• - إطلاق الحريات العامة بأوسع معانيها ومجالاتها , فلا تحكمها سوى قاعدة : (( تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين )) . وقاعدة : (( كل شيء من أجل الوطن والمواطن )) . ومن هذه الحريات : حرية الرأي والكلمة ــــ حرية تشكيل الأحزاب الوطنية ـــ حرية الصحافة والإعلام الوطني ــــ تداول السلطة سلمياً وعن طريق الانتخاب الحر المباشر السري حصراً ـــ حرية العمل والاعتقاد والفكر والانتقال ـــ وغيرها كثير .
• - فصل الدين عن الدولة , والحيلولة دون سيطرة دين أو مذهب على آخر , سواء في المظهر, أو في أداء الشعائر الدينية , أو في ممارسة الطقوس والعبادات , بحيث لا يشعر أي مواطن ماذا يفعل غيره , أو كيف , وذلك عملاً بقول السيد المسيح : (( دعوا مال قيصر لقيصر , ومال الله لله )) . وعملاً بقول الرسول الكريم : (( أنتم أعلم بشؤون دنياكم )) .
• - ذوبان كافة الانتماءات الصغرى , دينية , سياسية , اقتصادية , اجتماعية , أو فردية , وانصهارها جميعاً في بوتقة الانتماء الأكبر الذي هو الوطن . لا أقصد بالذوبان والانصهار , التخلي عن الانتماء الأصغر ورفضه , فأنا من الذين يكرهون النسخ الكربونية . الذي أقصده هو : أن تكون انتماءاتنا جميعها أقنية وجداول تصب في المحيط – أي الوطن - .
أو كما يقول المثل الشعبي : (( كل الدروب تؤدي إلى المطحنة )) .فلنتسابق جميعاً لشق الطرق التي توصلنا بسلام إلى مطحنة الوطن .
10- الاعتراف بجميع القوميات والإثنيات داخل الوطن الواحد , من حيث اللغة والعادات والتقاليد , إذ يجب أن يتم تعليم لغة كل منهم في منطقته , إلى جانب اللغة العربية – لغة الوطن الرسمية .- كذلك حرية ممارسة العادات والتقاليد الخاصة بكل قومية أو إثنية .
11- إذا كانت الديمقراطية تعني , ويجب أن تعني حكم الأكثرية , أو تؤدي إلى ذلك , فالديمقراطية بالضرورة لا تعني تحكّم الأكثرية بالأقلية , وإنما تعني رعاية مصالح تلك الأقلية مهما كانت قليلة العدد أو كثيرته , والسعي لتقريب نقاط الخلاف أو الاختلاف , فلربنا كانت هذه الأقلية محقة فيما هي عليه , وقد تصبح أكثرية يوماً ما .
فلنفتح عيوننا للمستقبل , وللمستقبل دائماً .
المحامي مناع النبواني
23/11/2004
#مناع_النبواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟