كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1029 - 2004 / 11 / 26 - 09:29
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
من تتبع تصريحات القوى السياسية العراقية المختلفة والصحافة العراقية وصفحات الإنترنيت وقنوات التلفزة الفضائية العربية والكردية خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة لتبين له دون أدنى ريب وجود اتجاهين سياسيين متباينين, وهما:
1. تيار وطني وديمقراطي واسع يضم الغالبية العظمى من الأحزاب والقوى السياسية التي ناضلت بعناد وإصرار وقدمت الكثير من التضحيات ضد النظام الاستبدادي الصدّامي. وهذه الأحزاب والقوى السياسية تعبر من الناحية العملية والمجازيةً عن مصالح الغالبية العظمى من الشعب, وهي تجمع في صفوفها العرب والكرد والتركمان والآشوريين والكلدان, كما تلتقي فيه مجموعة أساسية من الأحزاب العلمانية والإسلامية السياسية المعتدلة. وقد تنادت هذه الأحزاب والقوى السياسية, بناء على ضغط الواقع وحاجة الجماهير الشعبية الواسعة, إلى إقامة جبهة سياسية عريضة يمكن أن تتفق على قواسم مشتركة لا غنى عنها لمواجهة الواقع القائم. وحققت الخطوة الأولى والمهمة على هذا الطريق المعقد وغير السهل حين التقت مجموعة كبيرة وأساسية من الأحزاب الوطنية والديمقراطية في منتجع دوكان في كردستان العراق لتتحاور في ما بينها حول البحث في إمكانية إقامة تحالف سياسي لخوض معركة الانتخابات القادمة بقائمة موحدة. ولم يكن هناك من سياسي واقعي كان يرى إمكانية الوصول إلى اتفاق سريع بين الأحزاب والقوى الكثيرة التي حضرت الاجتماعات وحل العقد الكثيرة التي تواجه الوضع القائم دفعة واحدة ومنذ الاجتماع الأول. ويبدو لي, بأن حضور هذا العدد المهم من الأحزاب والقوى السياسية العراقية فيه ما يؤكد اعترافها بحساسية الوضع الذي يمر به العراق والتضحيات الجسيمة التي يقدمها الشعب العراقي يومياً بسبب تفاقم العمليات الإرهابية في أنحاء غير قليلة من العراق واحتمال انتقاله إلى مناطق أخرى, وأهمية تحقيق التعاون في ما بينها لمستقبل العراق المنشود. كان اللقاء بحد ذاته إنجازاً مهماً, إذ أن هذه الأحزاب والقوى قد التقت لتبحث بشكل غير مباشر مستقبل العراق الجديد من خلال اتفاقها على الثوابت ومن ثم الاتفاق على قائمة موحدة وفق المبادئ والأسس الواردة في بنود قانون إدارة الدولة المؤقت.
يبدو لي أيضاً بأن القواسم المشتركة التي تلتقي عندها الأحزاب والقوى السياسية العراقية في المرحلة الراهنة تتلخص في عدد مهم من المهمات التي يمكن بلورة أبرزها في النقاط التالية:
• إقامة دولة عراقية ديمقراطية فيدرالية وبرلمانية تعددية تستند إلى دستور ديمقراطي فيدرالي دائم يعتمد أسس المجتمع المدني ويستند إلى مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية وحل المشكلات الداخلية ومع الدول المجاورة بالطرق السلمية ووفق آليات ديمقراطية.
• الرفض الكامل للاستبداد والعنصرية, ومكافحة التمييز القومي والديني والطائفي والقبلي, وتحريم نشر العداوة والبغضاء بين الشعوب والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية ...الخ.
• رفض التمييز إزاء المرأة العراقية وتكريس مبدأ تمتعها بحقوقها المدنية كاملة غير منقوصة وممارستها.
• محاربة الإرهاب بكل قوة ورفض استخدام العنف لفرض هذا الفكر أو الرأي السياسي أو ذاك على المجتمع والاحتكام إلى الشعب في تولي الحكم من خلال ممارسة الحرية والديمقراطية والنزاهة والمصداقية عبر صناديق الاقتراع.
• تطبيع أوضاع المدن الكردية التي تعرضت لعمليات القهر العنصري والتي تجلت بإجراء تغييرات جدية في البنية القومية للسكان كالتعريب والتهجير القسري وإحلال مواطنين عرب محلهم, وبشكل خاص في مدينة ومحافظة كركوك. إذ أن تطبيع العلاقات في هذه المنطقة وغيرها هي ليست سوى إعادة الحق إلى أهله والأمور إلى نصابها, وهي عملية إنسانية عادلة وفي صالح الكرد والتركمان والعرب في آن واحد, إذ عندها يعود كل إنسان منهم إلى مسقط رأسه.
• مكافحة الفساد المستشري في البلاد بكل أنواعه بما في ذلك الرشوة والمحسوبية والمنسوبية أو النظرة الحزبية الضيقة إلى الناس في مجال التعيين أو العمل ...الخ, إذ أن الجميع يعرف بأن منتسبي الأحزاب في العراق لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة جداً جداً من السكان, ولهذا لا بد من بذل الجهود من جانب الأحزاب السياسية لكسب تأييد الجماهير غير الحزبية الواسعة إلى جانب برامجها ومواقفها التي ترفض التمييز.
• العمل من أجل معالجة جادة وسريعة نسبياً للبطالة الواسعة التي تشمل نسبة عالية من القوى القادرة على العمل من النساء والرجال وتعجيل عملية إعادة إعمار العراق وعملية التنمية.
• إنهاء الاحتلال ورفض بقاء القوات الأجنبية في البلاد بعد الانتهاء من كسر شوكة الإرهاب الدموي الجاري الذي تمارسه القوى الإرهابية الداخلية وتطهير البلاد من الإرهابيين القادمين من وراء الحدود, وبعد أن تستقر الأوضاع وينتخب المجلس الوطني وتشكل الحكومة العراقية التي تتمتع بالشرعية الكاملة.
• التعجيل بعملية إعادة بناء الاقتصاد والإنسان العراقي اللذين خربتهما سياسات الدكتاتورية والحروب والمجاعات والحصار الاقتصادي الدولي من خلال الحصول على الدعم الدولي المتنوع وإلغاء كافة الديون التي بذمة العراق أو التعويضات التي يراد فرضها على الشعب العراقي.
• معالجة المشكلات القائمة مع الدول المجاورة, العربية وغير العربية, بالطرق الديمقراطية والسلمية والسعي الجاد لإقامة علاقات حسن جوار واحترام متبادل ومنفعة متبادلة ومتكافئة.
وباختصار شديد فإن القوى الوطنية والديمقراطية العراقية يفترض فيها أن تركز مهماتها الواردة في أعلاه في ثلاثة محاور لا بديل لها وهي: المحور السياسي والمحور الاجتماعي والمحور العسكري, إذ لا يمكن لأحدها أن يعالج المشكلات القائمة في العراق, بل يفترض وضعها في خطة واحدة منسقة بصورة هادفة وفعالة ومعبئة لأوساط الشعب المختلفة. هذه بعض القضايا التي يمكن أن تكون الأساس المادي لتحالف جبهوي واسع يخوض الانتخابات في قائمة موحدة, إذ لا يمكن أن ينفرد كل منها بمعالجة إشكاليات العراق, بل بتعاونها المتين والمسؤول.
المشكلة الأكثر تعقيداً من عملية الاتفاق على المهمات والتي تؤرق الجميع تكمن في عملية توزيع عقلاني للمقاعد النيابية بين القوى السياسية المتحالفة في حالة نجاحها في الانتخابات وفق تقديرات القوى. أرى جازماً بأن من الصائب والمفيد للجميع إبعاد المسألة الطائفية عن عملية توزيع المقاعد النيابية, إذ أنها ستلعب دوراً سلبياً على المدى المتوسط والمدى البعيد. أي أن تعتمد القوى السياسية العراقية المبدأ المدني لمثل هذا التوزيع للقوى. أملي أن توافق كل القوى السياسية العراقية, وخاصة قوى الإسلام السياسي الشيعية والسنية المعتدلة, على التخلي عن هذا المبدأ الذي إن ساد دمر, وأملي أن يثق الجميع بأن الوجهة المدنية في توزيع القوى دون اعتبار للطائفية وما يقال هنا عن أكثرية وأقلية في عدد المنتمين لهذه الطائفة أو تلك. إذ ليس كل الشيعة أو السنة أعضاء في الأحزاب السياسية الإسلامية المعتدلة, ولكن جميع العراقيات والعراقيين هم مواطنون عراقيون, سواء أكانوا من المسلمين أم المسيحيين أم الإيزيديين أم الصائبة المندائيين. إن هذه المشكلة ستأخذ وقتاً في الحوار, ولكن كلما انتهى المتحاورون منها بسرعة, ضمنوا القدرة على ولوج الانتخابات بقدرات أفضل وإمكانية أرفع على النجاح وكسب تأييد الشعب.
2. تيار سياسي عراقي شكل جزءاً من النظام الاستبدادي المخلوع أو اصطف إلى جانبه في فترات سابقة, وهو الآن يروج لمناهضة الوضع القائم في العراق ويدعو إلى مقاطعة الانتخابات ويدعم القوى الإرهابية العابثة بالوطن والمجتمع بدعوى محاربة الاحتلال واستخدام هذا الرداء للتستر على الطبيعة العدوانية لهذه القوى. وقد التحقت بهذه القوى العراقية مجموعات من قوى الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية التي ترتبط بقوى مماثلة لها في الخارج مثل تنظيم بن لادن والزرقاوي أو أنصار الإسلام السنة, الكرد منهم والعرب والتركمان, وكذلك بعض القوى القومية اليمينية الشوفينية المتطرفة.
ومن المحزن أن نشير إلى أن هناك قوى سياسية يسارية أو معتدلة ترى بأن ما يجري في العراق من عنف وقتل وتدمير هو من أعمال المقاومة ضد المحتلين وترفض الاعتراف بحق الشعب العراقي في اختيار أسلوب النضال الذي يراه مناسباً لإنهاء الاحتلال. وتحت واجهة مكافحة الاحتلال يتهمون القوى الوطنية والديمقراطية العراقية بالخيانة, ويعتبرون أنفسهم جزءاً من الوطنيين الأقحاح, من جهة, ويصطفون إلى جانب القوى اليمينية والإرهابية, شاءوا ذلك أم أبوا, علماً بأنهم في بياناتهم يدينون قوى الإرهاب. وعند الحديث مع القوى التي تدعي وجود مقاومة شعبية ضد الاحتلال لا تجد ما تدلنا عليه, إذ أن جميع القوى المسلحة متورطة بالعمليات الإرهابية الجارية في العراق, وكلها تصدر البيانات التي تشير إلى عمليات تستهدف الناس العراقيين, وهي المسؤولة عن الاختطافات الجارية أو تغييب الناس أو قطع رؤوسهم, ومنهم النساء أيضاً...الخ. إنهم باختصار أتباع النظام المخلوع وقوى إسلامية سياسية طائفية ووهابية متطرفة مع مجموعات من القوميين العرب الأكثر يمينية وشوفينية الذين لم يجدوا بأساً بتأييد ودعم نظام صدام حسين. إن مقاومة الاحتلال تستوجب الانتهاء من الإرهاب وإعادة الاستقرار للبلاد, وسنرى كيف سيجبر الشعب العراقي القوى الأجنبية على الخروج من العراق في حالة رفضها تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1546, وسيحظى مطلب الشعب عند ذاك بدعم وتضامن دوليين شاملين.
نأمل بأن اللجنة السياسية التي تشكلت لمتابعة الموضوعات التي بحثت في منتجع دوكان أن تبذل أقصى الجهود لبلورة الأفكار والآراء وطرح المقترحات العملية لإنجاز ما يفترض إنجازه خلال الأسابيع القادمة ليتسنى للقوى والأحزاب السياسية وضع قائمة مشتركة موحدة لخوض الانتخابات التشريعية ودعوة الناس إلى تأييدها والتصويت لمرشحي القائمة الوطنية والديمقراطية الموحدة.
إننا نأمل بأن تلعب القوى الديمقراطية الكردية, وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني, دوراً إيجابياً مهماً في هذا الصدد, إذ أن مثل هذا التحالف هو الضمانة لعراق ديمقراطي فيدرالي مزدهر تتمتع فيه كل القوميات بالحقوق والواجبات المتساوية وتحترم فيه كل الأديان والمذاهب والأفكار والآراء السياسية المختلفة.
ونأمل أن تنهض حركة شعبية واسعة في الداخل والخارج من أجل الدفع والضغط باتجاه إقامة هذا التحالف والقائمة الموحدة ومن اجل تذليل الصعاب التي تقف في طريق تحقيق الاتفاق المنشود. ومن الممكن أن تباشر القوى السياسية العراقية التي تنتمي إلى الأحزاب المشاركة في اجتماعات منتجع دوكان أن تعقد لقاءات لها في الداخل والخارج لبلورة أفكارها أيضاً ومساعدة القوى المتفاوضة للوصول إلى اتفاق حول القضايا المطروحة. إنها مهمة الجميع, وهي خطوة مهمة على طريق كسر الإرهاب وتوفير الأمن والاستقرار للشعب العراقي. إن الشعب العراقي الذي أنهكته عقود الدكتاتورية المريرة وتعذبه سنوات الإرهاب الجارية يتطلع إلى تعاون جميع القوى السياسية الوطنية والديمقراطية في العراق لإنهاء المحنة الراهنة ونحو مستقبل وضاء وإنساني للشعب كله.
برلين في 25/11/2004
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟