|
مراوحة السياسة التكنولوجية العربية بين النقل والتبعية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 3452 - 2011 / 8 / 10 - 19:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اتجه اهتمام الدول العريقة عند حصولها على استقلالها السياسي بعد الحرب الكونية الثانية وطيلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي إلى مسالة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بغية اللحاق بركب الدول المتقدمة في هذا الميدان . وللإشارة تختلف السياسة الاقتصادية والاجتماعية العربية باختلاف الإمكانيات والموارد الطبيعية ، وباختلاف التوجهات الإيديولوجية للأنظمة السياسية الحاكمة ، كما إن هذا الاختلاف كان يؤثر في درجة تموقع الدول العربية في الصراع الدولي أيام الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي المنهار والصين الشعبية ( تجربة اليمن الجنوبي أيام حقبة سالم ربيع علي الماوي إلى عبد الفتاح إسماعيل الستاليني ،ثم الجزائر ، مصر عبد الناصر ، العراق وسورية..) وبين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ( تجربة المملكة العربية السعودية ، الأردن والمغرب ) . وقد أدت هذه الوضعية السياسية المتباينة إلى ظهور العديد من النماذج الاقتصادية المختلفة في الوطن العربي أدت الى العديد من الهزات الداخلية ( انتفاضات شعبية ، ثورات بلانكية وانقلابات عسكرية ) تسببت في العديد من الصراعات بين بعض الدول العربية بعضها ببعض ( الجزائر ليبيا المغرب ) ( السعودية مصر الناصرية ) ( الأردن العراق سورية ) ( ليبيا تونس ) الأمر الذي انعكس على الو لاءات العربية للقوى الدولية بسبب اختلاف المنظور الإيديولوجي للأنظمة ، وبسبب عدم الدمقرطة في اقتسام خيرات الوطن العربي بين جميع أبناءه بالعدل . لقد اتبعت دول الخليج العربي ( دول البتر ودولار ) بسبب روابطها المصلحية مع الغرب الرأسمالي خاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ، وبفعل توفر عائدات البترول ومشتقاته ووجود السيولة المالية بالعملة الصعبة ... سياسة اقتصادية تختلف عن السياسة الاقتصادية التي اتبعتها بعض الدول العربية الأخرى التي كانت ترتبط نوعا ما في علاقاتها الإستراتيجية بالاتحاد السوفيتي المنهار كمصر جمال عبد الناصر ، العرق ، سورية ، اليمن الجنوبي ، الجزائر وليبيا . الملاحظ إن هاذين النموذجين في التنمية الاقتصادية والاجتماعية كانا يختلفان جذريا عن نموذج التنمية الذي اتبعه المغرب منذ النصف الثاني من الخمسينات ، خاصة بعد وضع حد لمهام الحكومة التي ترأسها الأستاذ عبد الله إبراهيم رحمه الله ، وبفعل السياسة الرشيدة للمغفور له الحسن الثاني رحمه الله الذي دفع بالاقتصاد المغربي إلى التركيز على الفلاحة وسياسة السدود والصناعات التحويلية المتوسطة والاهتمام بالميدان ألغدائي التي تعني منه الجزائر اليوم. اذا كانت دول البتر ودولار التي حققت نموا اقتصاديا مهما بفعل عائدات البترول ، واقتصاد الريع بين العائلة الحاكمة خلال مرحلة معينة ، قد اصطدمت بحقيقة نوع التنمية المهتزة التي تعتمد على الغرب الرأسمالي في كل شيء ، وذلك بسبب الحقائق التي أظهرتها حرب الخليج الأولى والثانية والثالثة ، وبسبب النتائج التي تراكمت بعد تفجيرات الحادي عشر من شتنبر في الولايات المتحدة الأمريكية ( غزوة نيويورك )، حيث تبخرت الأحلام ، وانقضى العهد الذهبي ، وتحولت السعودية والكويت الى دول مدينة تؤدي الديون مع فوائدها إلى المؤسسات المالية الأجنبية ، وسقوط عظمة دبي بالإفلاس الذي أصابها ، وانعكاس هذا سلبيا على سياسة الخدمات الاجتماعية التي تقلصت الى حدود دنيا ، واثر ذلك مستقبلا في إفراز ظواهر اجتماعية قد يغذيها التطرف الديني نحو دفع المنطقة الى مزيد من التأزم السياسي والاجتماعي الذي أخد مظاهرا له في البحرين وعمان وبالمنطقة الشيعية بالمملكة العربية السعودية . وإذا كانت أنظمة برجوازية الدولة العربية التي أخذت في وقت من الأوقات بسياسة المخططات والاقتصاد الموجه مع الاعتماد على التصنيع ( الثقيل ) الذي يعتمد بالأساس على الاستيراد التكنولوجي من أوربة الشرقية والاتحاد السوفيتي المنهار ،،، قد فشلت في انجاز المشروعات العامة التي خططت لها منذ الخمسينات والستينات وطيلة السبعينات من القرن الماضي ، حيث لا تزال بعض أنظمة برجوازية الدولة التي لوحت ورفعت شعارات الثورة والتقدمية تعتمد الان على الغرب الرأسمالي في استيراد كل ما تحتاجه من قطع غيار لصناعاتها البترولية ومشتقاتها ، وتعتمد في تسيير منشآتها على الخبرات المتخصصة والنادرة الغربية ، وهذا المنحى ليس من تفسير آخر غير تأكيد تبعية هذه الدول ( الجزائر – ليبيا ) وارتباطها بالعالم الغربي الذي عادته سياسيا ، وهو ما يعني اعتماد هذه الدول على الغرب في استيراد الأغذية والأدوية ، وتركيب المنشآت هو دليل على إفلاس المشروع العام التي اتبعته الأنظمة التكنوكلونيالية في تحقيق التنمية ، وإفراغ مشروعها من أي مدلول إيديولوجي متصادم ، ومن ثم تحولها في النهاية الى أنظمة تعيش غريبة عن شعوبها التي سلطت عليها قمع أجهزتها الأمنية المختلة ، حتى يخلو لها الجو لتستمتع بالحكم وبتبذير الثروات الوطنية باسم التحضير للمواجهة الوهمية والاستعداد لرد عدوان خارجي وهمي ( إسرائيل ) ،،، فان المغرب ومنذ ستينات القرن الماضي نهج نموذجا اقتصاديا مختلفا عن النمطين الاقتصاديين العربيين السالفين الذكر . لقد ركز المغرب على السياسة الفلاحية وسياسة السدود مع التركيز على الصناعات التحويلية المتوسطة . وقد أعطى هذا النموذج نتائج ايجابية مقارنة مع النموذجين الأولين خاصة بخصوص الاكتفاء الذاتي من الغداء ومياه الشرب اللذان عانت منهما دول الخليج وأنظمة برجوازية الدولة التي كانت تعتمد في مصادر عيشها على الاستيراد من الدول الغربية . وعليه فباستثناء التجربة المغربية التي ركزت على الفلاحة والسدود والصناعات التحويلية ألما قبل الصناعة ، نجد إن النموذجين الأولين اعتمدا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على تكثيف عمليات نقل التكنولوجية الصناعية من الدول الصناعية المتقدمة ، معتقدين وبحسابات خاطئة إن الدول البترولية ودول أنظمة برجوازية الدولة تتمتع بميزة مهمة تتمثل في الفرصة المتاحة لها بفعل الإرشادات والدراسات الخارجية التي كانت ملغومة من أصلها ، وذلك كي تستفيد وبسرعة فائقة من تراكمات الدول المتقدمة في الميدان الصناعي والتكنولوجي ،،، وهذا كان يعني لذا بعض المنظرين الاقتصاديين العرب اختصار المسافة الزمنية للالتحاق بركب الدول المتقدمة ، ومن ثم اختصار وتوفير التكاليف الباهظة التي تكبدتها الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية واليابان في ميدان البحث العلمي ، قبل إن تصل الى ما وصلت اليه من قوة وازدهار. لقد بينت جميع هذه التجارب الاقتصادية الفاشلة في الدول العربية إن أسلوب نقل التكنولوجية الذي اعتمدته طيلة النصف الثاني من القرن الماضي لم يؤدي الى الرفاهية الاقتصادية والى الاستقلال الاقتصادي ، ومن ثم الى بناء القاعدة الاقتصادية والتكنولوجية الوطنية القادرة على مواجهة تحديات العصر ، ومواجهة الإشكالات الاقتصادية العالمية الذي طرحها نظام العولمة ،،، لكنه بالمقابل أدى إلى ازدياد مشكلات الازدواجية القطاعية ( عصري تقليدي ) ، والى البطالة والفوارق الاجتماعية والإقليمية وركود القطاعات التقليدية . ويجب إن نضيف إن أسلوب وسياسة نقل التكنولوجية هذا لم يؤدي الى رفع معدلات الإنتاج القومي والوطني على نحو يضيق الفجوة الإنمائية والمعيشية بين الدول العربية والدول المتقدمة ،، لكن هذه الفجوة زادت اتساعا بعد حرب الخليج الأولى والثانية والثالثة وبعد( غزوة) نيويورك ، وما نتج عنها من خراب وتدمير اقتصادي وعمراني ، وتحول العديد من دول البتر ودولار من نمط الاستهلاك الرفاهي الذي كان يسمح به اقتصاد الريع ، الى دول تمارس الحماية الاقتصادية ، وتمارس التقشف وتقنن الخدمات الاجتماعية ، وتعدم المساعدات التي كانت توجه إلى الدول العربية الفقيرة،، وقد عمق هذا الوضع استفحال الوضعية المديونية التي وجدت العديد من الدول العربية الغنية نفسها غارقة فيها . لقد انقسم الدارسون الاقتصاديون والسياسيون المهتمون بالشأن العام العربي وبمستقبله بخصوص تبرير ما صاحب السياسة الاقتصادية العربية من سلبيات وعوائق في ميدان النقل التكنولوجي الذي راهن عليه العرب لإحداث القفزة النوعية الصناعية الى فريقين : 1 ــ الفريق الأول من أساتذة الاقتصاد السياسي ألقى باللوم على الدول المتقدمة ، وعلى الشركات الدولية العملاقة المسيطرة على أسواق التكنولوجية ، ذلك لأنها مسئولة عما صاحب ويصاحب عمليات نقل التكنولوجية في حالات كثيرة من مظاهر التضليل والاستغلال . 2 ــ الفريق الثاني من أساتذة الاقتصاد السياسي ألقى باللوم وحمل المسئولية للدول العربية ، وذلك بسبب تقاعسها وعجزها عن تنمية قدراتها على اختيار واستخدام وتطوير وأقلمة التكنولوجية الحديثة المستوردة ، ولعجزها وتقاعسها عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية مستثمريها ومنظميها ومواطنيها من التضليل والاستغلال . لذا فان هذا الفريق يرى انه كي تتحدد المسئولية بشكل دقيق يتعين البحث في طبيعة الأنظمة العربية الحاكمة ، وعلاقاتها مع شعوبها وتموقعها في محيط الصراع الدولي ،،، لكن بغض النظر عن تفسيرات وحجم الطرفين ، فان تلك التفسيرات والأحكام والمواقف تبقى متأثرة بإرهاصات إيديولوجية تجعل من تحديد أسباب الأزمة مسالة سياسية أكثر منها اقتصادية بنيوية ، وهو ما يعني الحكم على الاختيارات . ولكي نقوم بتحديد أسباب إفلاس السياسات العربية في ميدان التصنيع والنقل التكنولوجي ، وهل إن أسباب هذا الإفلاس ترجع الى السياسات الاستغلالية والتضليلية للشركات العملاقة المسيطرة على أسواق التكنولوجية ، أم إنها ترجع إلى ضعف الموقف التفاوضي للدول العربية مع هذه الشركات ، وعدم قدرتها على استغلال وتشغيل قدراتها الوطنية في الاستفادة من التكنولوجية المنقولة ، يتعين أولا إن نفرق بين المقصود بنقل التكنولوجية بمعناه البسيط المجرد، وبين ما تعانيه الأجهزة الإنمائية للدول العربية من عدم القدرة على استغلال التكنولوجيات المنقولة بكفاءة عالية نتيجة لانخفاض إمكانياتها الفنية ، وهذا ما نسميه بالتبعية الصناعية والتكنولوجية . عملية النقل التكنولوجي : اذا كنا قد اعترضنا على إطلاق مصطلح ( نقل التكنولوجية ) على الصفقات التجارية التي تتناول سلع رأسمالية ، او تنظم استعارة خبرات ومهارات أجنبية ، فذلك لان التكنولوجية ليست شيئا ماديا يسهل نقله او انه سهل النقل كما قد يتوهم البعض . كما إن الكفاءات المحلية لاستخدام التكنولوجية الحديثة تتطلب توافر العديد من المستلزمات ذات الطبيعة المتكاملة وغير القابلة للنقل بتاتا . وهذه تشمل الأطر والنظم والعوامل التنظيمية والبنيانية والأجهزة الإدارية والإشرافية والفنية والتخطيطية والتشريعية ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بالجهاز الإنتاجي وبالعمليات الإنتاجية . ومن أهم المستلزمات المؤسسية لاستخدام التكنولوجية الحديثة نذكر كمثال لا حصرا ، السياسات الإنتاجية والمالية ، تكوين وقدرات الأسواق المالية ، سياسة البحث العلمي وطاقات الأجهزة البحثية ،التشريعات المنظمة للملكية الصناعية وللمعاملات الخاصة باستيراد واستخدام التكنولوجية ، قدرة الأجهزة الحكومية على توجيه وتنظيم ومراقبة الأنشطة الإنتاجية وعلى حماية الاقتصاد القومي والوطني ، توافر الإطار التنظيمي الذي يسمح بتوثيق التعاون بين مختلف الجهات العلمية التي تقوم بالبحث العلمي والتطوير و الأجهزة الإنتاجية التي تتولى التطبيق ، ثم سياسات التعليم وأجهزة التدريب والتأهيل المهني ... لخ . إن هذه المستلزمات المؤسسية ترتبط بالبنية التي أنشأتها والوسط الذي ترعرعت فيه ، فهي بذلك بنت عقلية معينة لها تأثير ماضوي له علاقة بالتاريخ والفلسفة والبيئة المحلية ، وتكون ما نسميه الإطار الإيديولوجي لشعب او قومية او امة ، وهذا يعني استحالة نقل هذه المستلزمات الى بيئة أخرى لها خصوصيات مخالفة ومغايرة ، وهذه الحقيقة ينطبق عليها حكم الجسم الذي يرفض عضوا غريبا ودخيلا عليه . توجد الى جانب المستلزمات الإيديولوجية والمؤسسية اللازمة لبناء القاعدة التكنولوجية الوطنية ، مستلزمات أخرى لها علاقة متشابكة مع الأولى ، ويطلق أساتذة الاقتصاد السياسي والعلوم السياسية على هذه المستلزمات اسم " التكنولوجية غير الصلبة او اللينة " . وهذه تشمل الخبرات والمهارات العلمية اللازمة لاختيار وتركيب وصيانة وتشغيل وتطوير الآلات والمعدات الحديثة بكفاءة عالية ،وبكيفية مستمرة في ضوء الطاقات المخططة والمواصفات الفنية . ويدخل ضمن هذه التكنولوجية الخبرات القانونية والإدارية القادرة على تنظيم العلاقات التجارية الخاصة بالتكنولوجية ، هذا ولا يمكن إن نتصور وضعا تقوم فيه الدول المستوردة للتكنولوجية عند بداية إقامة قاعدتها التكنولوجية دون إن تعتمد على المهارات والخبرات الأجنبية للاستعانة بها في أعمال التركيب والإشراف والتدريب . ويلاحظ إن أسلوب استقدام واستعمال الخبراء الأجانب لا يقل شئنا عن المستلزمات الإيديولوجية الرئيسية التي يستحيل نقلها الى بلد آخر مستورد ، بسبب أنها لا تقبل الاستيراد . فبالنسبة للمشاكل التي تنجم عن استيراد الخبراء ، إنهم في حالات كثيرة ينافقون الدول التي استقدمتهم ، حيث يخدمون شركاتهم وشركائهم أكثر من خدمتهم للدول التي استعارتهم ، وذلك بسبب الأوامر والتوجيهات ، وبسبب استمرارية الشركات العملاقة في السيطرة على أسواق التكنولوجية واستحواذها على خيرات الدول التي تحلم ببعد تكنولوجي افضل . كذلك نلاحظ وفي أحيان كثيرة عدم تأقلم هؤلاء الخبراء مع الظروف البيئية والاجتماعية للدول التي تستضيفهم ، هذا ناهيك وفي أحيان كثيرة يلاحظ انخفاض قدرتهم الى جانب جهلهم اللغة الوطنية العربية وتقاليد وعادات الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها . يوجد عنصر ثالث يدخل في بناء القاعدة التكنولوجية الوطنية ، الى جانب كل المستلزمات الإيديولوجية والمؤسسية والتكنولوجية اللينة ، ويطلق بعض الاقتصاديين السياسيين على هذا العنصر الثالث اسم " التكنولوجية الصلبة " ، وهذه مجرد سلع صلبة رأسمالية تكون قابلة للنقل ، وتشمل غالبا الآلات والمعدات والأدوات وقطع الغيار ، ثم بعض السلع الوسيطة ونصف المصنعة التي تدخل في تكوين السلع النهائية . هذا ويجب التنبيه الى إن التكنولوجية الصلبة لا تقل خطورة عن المستلزمات الإيديولوجية والمستلزمات الفنية . فبالرغم من إن العملية تنظمها عقودا تجارية تشمل فقط نقل آلات ومعدات وقطع غيار من دولة متقدمة الى إحدى الدول العربية ، فإنها ليست بالبساطة التي قد يتخيلها البعض . إن هذه الآلات والمعدات تعكس عادة خصائص ومتطلبات وإمكانيات البيئة التي أنتجتها ، وهذا يعني إن نقلها الى بيئة أخرى ذات خصائص ومتطلبات وإمكانيات مختلفة يؤدي الى التقليل من كفاءتها ، وهذا يعني إن العمليات التي تقوم بها الدول العربية في ميدان ما يسمى بنقل التكنولوجية الحديثة تتطلب عمليات اختيار صعبة ، تعتمد على معايير مفاضلة عديدة منها الطاقة الإنتاجية ، الكثافة الرأسمالية ، إمكانية زيادة معدلات التشغيل ، صعوبة التشغيل والصيانة .. لخ وخير دليل على هذا ما يعانيه العراق (صدام) ، ليبيا ، إيران بخصوص الحصول على قطع الغيار اللازمة لإصلاح وتشغيل صناعتهم البترولية المتهالكة بسبب الحضر الدولي المفروض من مجلس الأمن . هذا ناهيك عن اعتماد جميع الدول العربية في مصدرها ألغدائي وفي المواد الأولية لصناعة الأدوية على الاستيراد من الخارج ، وهذا يجعل وفي ضوء التطورات التي يعرفها العالم العربي حاليا ( مصر ، ليبيا ، سورية ، اليمن ، تونس .. انفصال جنوب السودان وارتباط الجنوب لأجندة غربية إسرائيلية) الأمن الغذائي والمائي العربي في خطر . هذا ويمثل الرصيد المتوفر في اقتصاد ما من مختلف هذه المستلزمات المؤسسية والإيديولوجية والفنية والعينية والصلبة ، القاعدة الاقتصادية والتكنولوجية الوطنية لهذا الاقتصاد . لذا فان استحالة نقل المستلزمات المؤسسية ، وصعوبة نقل المستلزمات الفنية الى الدول العربية ، واقتصارها على نقل المستلزمات العينية يجعلنا نستخلص إن الدول العربية فشلت في سياسة نقل التكنولوجية ، وان ما تقوم به لا يعتبر حقيقة نقلا للتكنولوجية ، بل يعتبر نقلا لسلع رأسمالية مجردة بواسطة صفقات تجارية ملغومة ومظللة ، ومن ثم فان تسمية نقل إحدى او بعض مستلزمات استخدام التكنولوجية ( نقلا للتكنولوجية ) ليس إلا نوعا من التجاوز اللفظي أصبح شائعا في بعض الكتابات الاقتصادية العربية ، وقد بدا استخدامه بسبب عدم وجود إدراك حقيقي لطبيعة التكامل الوظيفي القوي بين هذه المستلزمات الثلاث الإيديولوجية والفنية والعينية التي تقوم بالأساس على أسس حضارية وتاريخية وبيئية معينة ، الأمر الذي يجعل عملية الفصل بين هذه المستلزمات عملية خطيرة وغير مضمونة النتائج . ومن هنا تتحدد مسؤولية الدول العربية عن السلبيات والعوائق التي تصاحب ما يسمى تجاوزا عملية نقل التكنولوجية ، وعجزها في بناء قاعدة تكنولوجية وطنية متكاملة وقوية تضع هذه المستلزمات الثلاث الضرورية لاختيار وتشغيل وتطوير التكنولوجية المستوردة بكفاءة عالية . و يعتبر هذا العجز من أهم العوائق الأساسية التي تعترض الدول العربية في عملية الاستفادة من التكنولوجية المستوردة لتحقيق معدلات مرتفعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية . إن عجز الدول العربية وتقاعسها في مجال البناء المؤسسي ، وعجزها في قصورها في إيجاد سياسات ونظم وأجهزة تعليم وتدريب وتأهيل ، تكفل توفير القاعدة الوطنية العريضة من الخبرات والمهارات العلمية والعملية والإدارية اللازمة لتنفيذ خطط وبرامج التنمية مع ضمان استخدام أسلوب نقل التكنولوجية لخدمة المخططات والبرامج التي تدخل في التنمية تجعلنا نجزم بان ما يسمى بنقل التكنولوجية ليس مسئولا وحده وفي حد ذاته عن السلبيات التي ترافق تطبيقه في الدول العربية ، لكن تعود اغلب هذه السلبيات الأساسية لانعدام استخدام التكنولوجية المنقولة بكفاءة عالية ، وذلك بسبب غياب القاعدة الاقتصادية التكنولوجية الوطنية التي تضم رصيدا ملائما ومتكاملا من مختلف المستلزمات التكنولوجية . هذا ناهيك عن توجيه السياسة الإنمائية العربية نحو الاحتواء السياسي والتركيز على الجانب الأمني الضيق بسبب شعور الأنظمة السياسية العربية بالتهديد الشعبي والانقلابي ، وخاصة وان مصير مستقبل العالم العربي في مختلف المجالات من صناعة ، تكنولوجية ، تسلح ، ماء ، غذاء ، أدوية ، أصبح أكثر مما مضى مرهونا بالتبعية الممنهجة للدول الغربية تلك التبعية التي ستزداد مع ما يحصل من تحولات جيواستراتيجة بالمنطقة العربية ،وترسيخ أحادية القطب الموجه للعالم والذي تلعب فيه بعض العواصم ( واشنطن ، لندن ، باريس و إسرائيل ) دور الموجه والمحرك ، وهو ما سيجعل المستقبل العربي في خطر أكثر من أي وقت مضى بسبب الضعف والتشتت .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظام الاقتراع الأكثر ديمقراطية : هل هو نظام اللائحة أم الاقت
...
-
المجلس الدستوري يعلن رسميا موافقة المغاربة على الدستور
-
ثوار الإسلام السياسي
-
الجماعات الاسلاموية ودولة الحقوق والواجبات
-
القرار السياسي في المملكة المغربية
-
منظمة إلى الأمام الماركسية اللينينية
-
النظام السوري يتململ تحت الضغط
-
بين الملكية البرلمانية والملكية الدستورية المطلوب راس النظام
-
جماعة العدل والاحسان بين الانقلاب والثورة
-
الفرق بين الهبات (بتشديد الباء) او الانتفاضات وبين الثورة
-
كيف سيكون اللقاء التشاوري لحراك 20 فبراير؟
-
قرار انضمام المغرب الى مجلس التعاون الخليجي
-
شعبوي شعبي وشعوبي
-
سوق عكاظ
-
الديمقراطية العربية
-
اسامة بن لادن مشروع شهيد
-
خريف ثلاث اوراق مغربية
-
بدعة المجلس التأسيس لإعداد الدستور
-
تنفيذ الاحكام القضائية ( المادة الادارية )
-
مغالطة التاريخ ( الحركة الوطنية )
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|