|
النظرة الأطفالية في المجتمع الكرزازي:(تعبير عن الوجود و مواقف من الحياة المحلية مع جانب من بعض قصورها)1/2
عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .
الحوار المتمدن-العدد: 3452 - 2011 / 8 / 10 - 09:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مقدمة: بما أن السوسيولوجيا هي تخصص علمي يهدف إلى الفهم الكيفية التي تعمل وتؤطر الحياة المجتمعية،فقد ذأب هذا المبحث على دراسة المجتمع في كليته وبنيويته،لا في جزئيته،والإقتصار على حاشية من حواشيه،فعلى العكس من ذلك تماما،أخدت السوسيولوجيا على عاتقها نقد الجزئيات والتصميم على الكليات،ونقد التعميمات مقابل الخوض في الأعماق،وعدم الإقتصار على الأقوال ،دون معرفة الأفعال ،وحتى الأقوال عمدت السوسيولوجيا على عدم الإستماع إليها وتقبلها بسطحية،بل حثت على تحليل الترابطات الموجودة داخلها لفهم مضمونها والإتجاه الذي تسير عليه.ولهذا ارتباطا بهذه النقطة،وارتباطا بالسمة التي تتسم بها السوسيولوجيا(علم الإجتماع)،باعتبارها علم الجميع،أردنا فتح عوالم منسية،بتعبير أدق، أردنا فتح عوالم جعلت منسية داخل المجتمع الكرزازي،باعتباره مجتمعا أبيسيا- ذكوريا-أبويا يستمد سلطته من الآباء والأجداد،فبواسطتها تحتكر البنيات المادية والإيديولوجية. إن هذه العوالم ،،،هي العوالم الأطفالية،التي بدورها تنتج تصورات،وانطباعات عن واقعها وفق منظورها الخاص،انطباعات تحوي في طياتها مجموعة من الإنشغالات والقضايا الماضية والحاضرية والمستقبلية،سواء تعلقت بالأسرة،أو علاقة الإنسان بالإنسان،أوعلاقته بالمحيط،أوعلاقة الطفل بالمدرسة،أوعلاقة الطفل بالحيوانات في الحقول.......،وما ينبغي الإشارة إليه،فهذه الدراسة البسيطة والمتواضعة تهدف إلى النقد المؤسسات الباتريركية-الأبوية التي تعمل على احتكار الواقع والإيديولوجيا والتصورات والأجساد......،,هذا النقد سيكون مباشرا وغير مباشر،فالنقد المباشر سيتمحورحول ما نستخلصه من تصورات الطفل نحو واقعه،والنقد اللامباشر سيكون ضمنيا،ويتمثل في هذه المقالة بالذات،باعتبارها مقالة تحاول ما أمكن عكس السوسيولوجيا التي تفتح مجالها لجميع الأصوات قصد معرفة انطباعاتها وتصوراتها وتجاربها ،ثم العمل على فهمها ونقدها،وتشكيل نظرة حولها،وهذه النظرة هي نظرة الأطفال بالذات،ولهذا الغرض،ونظرا للأعداد الغفيرة من الأطفال الذي التقيناهم،حاولنا الإقتصار على أربعة أطفال فقط،باعتبارهم أكثر تعبيرا عن النظرة الأطفالية وتصوراتها وموقفها من الواقع الذي يحيط بها،أما بالنسبة لجنس الأطفال،فقد عملنا على إدراج نوعين من الذكور،ونوعين من الإناث،لكي يكون التعبير الأطفالي تعبيرا معبرا وكاملا –تاما يأخد في حسبانه موقف عينة من المجتمع المحلي قائمة الذات في التعبير عن واقعها ،كما تعيشه،وكما تتصوره. جميلة،تبلغ من العمر 11 سنة،تقوم بالكثير من الأعمال المنزلية و الخارجية،فهي تكنس،وتطبخ،وتصبن،وتغسل الأواني،وتجمع الملاحف،وتكنس الحظيرة،وتجلب المياه من السواقي البعيدة على متن الحمار،وتراقب المنزل،وتهتم بإخوانها الصغار،وتجلب الماء من البئر،وترعى الأبقار والأغنام في مختلف الفصول والأوقات،كما تهتم بدروسها،وأوقات الدراسة........،هذه هي بعض المعلومات حول هذه الفتاة التي قمنا بمعايشة بعض تصرفاتها وأفعالها،لكن ماذا عن نظرتها حول واقعها؟ إن أول كلمة أدلت بها جميلة،هي:"أنا فخورة بدواري"،وانطلاقا من هذه الجملة،نستخلص نقطتين:1-النطق بضمير"أنا" الذي يعبر عن الإحساس الفرداني النابع من التجربة الذاتية،فهذا الضمير هو ضمير "جديد" عن هذا المجتمع،وجديد عن الأجيال الماضية،فقد كان الضمير المسيطر هو"النحن"،مما يعني أن الفرد كان في الجماعة،ويعيش من أجل الجماعة،شكلا ومضمونا،فكرا وواقعا،جسدا وعقلا،من هذا المنطلق يتضح مدى الإنكسار والتصدع الذي طال ويطال البنية الكرزازية،والتي تتمثل في بزوغ النزوع الفردي في أوساط الأجيال الصاعدة،والتي ستحصل على قمة البنية الكرزازية في المستقبل .2-"الفخر"،ونعني بها الإعتزاز بالذات والجماعة،وهنا هذه الفتاة "تعتز بدوارها،فإذا كان الإعتزاز في الماضي يلغي الذات من أجل الجماعة،فإن هذه الفتاة باعتبارها فاعلة اجتماعية داخل البنية الكرزازية،تأخد الذات كمنطلق من أجل"الفخر" بالدوار،وهو"فخر" نابع من تفاعل واحتكاك وتجربة بين الذات والواقع.وتزكي الفتاة ما قلناه بالتعبير التالي:" إنه دوار يضمني أنا وعائلتي وجميع الناس"،من جديد تؤكد الفتاة على إبراز ضمير" أنا"،لكنها تذهب أبعد من ذلك وتعطي لذاتها موقعا مركزيا ومنطلقا نحو واقع أبعد،فالذات هي الاولى التي يضمها الدوار،فالعائلة،فالناس،وبالتالي هي تقلب النظرة الباتريركية المهيمنة التي تدعي أن الناس (الجماعة) أو القبيلة هي الأصل،هي الوجود الأول الذي شكل وبلور الأفراد،ولهذا يمكن أن نقول أن هذه النظرة قلبت النظرة المهيمنة وأخدت تجربة الذات كموقع منفصل ومركزي عن النظرة المسيطرة .بعد هذا تنطلق الفتاة للحديث عن المدرسة،والملاحظ أنها بقية وفية لمنهجها الذي يأخد الذات كمنطلق للحديث ،وذلك عبر ترديد ضمير"أنا"،وتعبر عن هذا بالقول التالي:"أذهب إلى المدرسة كل يوم،وتعلمت منها عدة أشياء"،بمعنى الإنضباط النابع من أجل احترام الوقت،واحترام الوقت لا يمكن إلا أن يكون نابعا من قناعة ذاتية،وهنا لانريد أن نقول أن هذه القناعة نابعة من ذات منعزلة، ومفصولة عن المجتمع،ولكن كل مانريد أن نقوله أن هذه القناعة تدل على خلخلة وحلحلة باتت تهز البنية الكرزازية،سواء تعلق الأمر بالتغيير القادم من الخارج أي من البنيات الإجتماعية الأخرى،وهذا الكلام يزكيه قول هذه الفتاة:"تعلمت منها أشياء كثيرة"،وتقصد هنا المدرسة التي هي مؤسسة إيديولوجية تعمل على تنميط المعرفة وفق منظورها،ولايمكن أن نعرف المنطق الذي يحرك المدرسة ،إلا بعد ربطها بسياقها المديني الذي يجسد البعد الفرداني –الذاتوي المنافي للبعد الجماعي- المجموعي الذي كان يسود البنية الكرزازية من قبل ،غير أن الفتاة لم تذكر وسائل الإعلام،ومن الممكن أن أسرتها لا تتوفرعلى إذاعة أوتلفزة أو وسائل الإعلام بصفة عامة،فهذه الأخيرة لعبت دورا كبيرا في تغيير البنية الكرزازية خارجيا وداخليا،فعلى المستوى الخارجي،فهي أتت بمعارف ومعطيات وحلول وأنماط في كيفية الإسناد والإدراك والفهم،أما على المستوى الداخلي،فهي ساهمت في تعميق التناقضات الداخلية ،على مستوى علاقة المرأة بالرجل ،وعلاقة الأب بالإبن...مثلا:أعطت للمرأة والإبن تعبئة إيديولوجية ومادية لمواجهة الرجل والأب ،والصراع من أجل وجودهما داخل المؤسسة الأسرية،فعلى طول التاريخ ظل الرجل يحتكر الترسانة الإيديولوجية والمادية لشرعنة هيمنته على الإبن والمرأة،شرعنة تبلور وعيه ووجوده وسيطرته من جهة،وأدلجته للأطراف الأخرى(الإبن، المرأة) من جهة ثانية . وبالعودة إلى ما قالته هذه الفتاة،فبعد أن تكلمت عن ذاتها،وإخلاصا لمنطق:ذات← عائلة←الناس،تتكلم عن أخيها الذي ينتمي إلى المرحلة الثانية ،والتي هي العائلة ،ثم تقول:"إنها تعني لي كل شيء(المدرسة)"،فكيف لا تنم عن شيء(المدرسة)،وهي أهم رهاناتها،رهان تزكيه البنية المجتمعية التي تعتبر المدرسة وسيلة للترقي الإجتماعي،وهي وسيلة للتخلص من الأشغال المنزلية والخارجية (لا من منظور الفتاة فحسب،بل من منظور الأهالي ككل)،وتحسين المستوى الإقتصادي والإجتماعي للذات والأسرة والناس،وهي وسيلة لمعرفة الذات ومعرفة العائلة والمجتمع ،غير أنها تكسر قاعدة مجتمعية،إذ تؤكد في هذه المداخلة على توفرها على"الكثير من الأصدقاء"،بمعنى لها علاقة بأصدقاء (ذكور) ،وهذا ضرب للبنية الإجتماعية من أساسها التي لا تعترف إلا بعلاقة (ذكر- ذكر) و(أنثى – أنثى)،وكل واحد داخل مجاله،فالعلاقة الأولى تكمن في المجال الخارجي،والثانية تكمن في المجال الداخلي-المنزلي،غير أن كلاما كهذا إن كان يدل على شيء،فهو يدل على الخلخلة التي طالت البنية الإجتماعية،غير أن هذه الخلخلة لم تقف عند هذا الحد،بل إن المدرسة لم تشمل الفصل بين الجنسين ،ولم تشمل التفاعل بين الفاعلين الكرزازيين لوحدهم ،فنظرا لأهدافها الوطنية ،ولإيديولوجيتها ،ولموقعها القريب من مجموعة من البنيات ،فإنها ضربت البنية الكرزازية في الصميم نتيجة تفاعل فاعليها مع فاعلي بنيات أخرى كانت عبر التاريخ في صراع إيديولوجي ومادي وجغرافي مع البنية الكرزازية. وفي ختام هذا التدخل تنتقل الفتاة للحديث عن الدوار والناس بصفة عامة ،وهنا يمكن أن نستنتج أنها كانت وفية لمنهجها الذي طبقته منذ البداية ،لكن هذا على مستوى المداخلة بشكل عام،ففي الفقرة الأولى تكلمت عن ذاتها ثم العائلة ثم الناس الذين يحيطون بها ،أما في الفقرة الثانية،الذات،ثم الذين يحيطون بها،ثم المدرسة،وهذا ما سيحصل في الفقرة الثالثة والأخيرة ،ستتكلم عن ذاتها ،وتقول"دواري يبدو جميلا"،إذن هنا الذات ،ثم الدوار وما يتوفر عليه من مرتفعات وغابات ،بالإضافة إلى اخضرار الأرض،وما تتوفر عليه الغابة من حيوانات برية،منها اللاحم والعاشب،ما يمكن قوله هو أن هذه الفتاة على اضطلاع بما يحيط بها ،غير أن هذا الإضطلاع لا يمكن أن يتحقق إلا بشرطية التماهي بين الذات والمحيط،بمعنى أن الفتاة،وبناءا على ما ذكرنا سالفا من مشاركتها في الأنشطة الداخلية والخارجية،وهذا ما ساعد على تحقيق شرطية التماهي بين الذات والمحيط. وبغض النظر عن التسلسل الموجود داخل كل فقرة،وما ميزها من انتقال مما هو أقرب إلى ماهو أبعد،وعن التسلسل الموجود في جميع الفقرات فيما بينها ،وعن التسلسل الموجود داخل النص كله،لابد من توجيه بعض الملاحظات لهذا التدخل ،ولابد من توجيه بعض النواقص التي تشوبه.إن ما يمكن استنتاجه من تدخل هذه الفتاة بصفة عامة ،"وإحساسها بالفخر" حول ما يدور في الدوار بصفة خاصة،ينم عن عدم الإستيعاب ،وعدم الفهم الجيد للشروط التاريخية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية للدوار،وعدم الفهم للظروف المحيطة بالمدرسة،وعدم الفهم للظروف البيئية التي تحيط بالدوار،وارتباطا بهذه الأشياء التي ذكرنا،بودنا أن نتساءل! ما هي شروط "الفخر" بوضعية الدوار ؟ أيكفي الإنتماء الذاتي و الأسري والعائلي حتى نفخر بوضعية الدوار؟ وماذا عن المدرسة في علاقتها بالمحيط الإجتماعي،وهل تعلم الفتاة من المدرسة هو تعلم بريئ ينم ويعكس الأوضاع الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية ..كما هي ؟ وماذا عن صداقتها بالأطفال الذين يدرسون معها؟ وبغض النظر عن وجهة النظر الأستاذية والرسمية والمقراراتية،ماهي وضعية المجال الطبيعي الكرزازي؟ ماهي علاقة الفاعل الكرزازي بالكائنات الحيوانية؟ وبعض استعراضنا لبعض الملاحظات حول هذا التدخل،يجوز لنا أن نطرح سؤالا،هل هذه الملاحظات كانت ضمن هذا التدخل؟ مايبدو واضحا أن هذه الملاحظات مغيبة تماما،ويبرز التدخل النظرة الأستاذية المجردة المسيطرة في الحقل المدرسي،لا في كيفية النظر إلى الواقع أو المدرسة أو جميع المجالات، لكن هل يمكن أن نجد هذه النظرة في التدخل الموالي؟ عبد الحق(14 سنة) يرعى الأغنام في حالات نادرة،ويجلب الماء من البئر والسقاية،ويصل متأخرا إلى المدرسة،لكن ماهي نظرته نحو واقعه؟ في مستهل مداخلته يصف الغابة بالجمال،وهذا الجمال نابع من توفرها على حيوانات وأشجار ،وما يثيره أيضا هو رعي الأغنام ،ويبدو أن هذه النظرة واقعية على اعتبار أن الواقع الكرزازي بصفة عامة،والغابة بصفة خاصة حافلة بالنشاط الرعوي،والذي يعتبر واحد من الأنشطة الرئيسية،وواحد من ركائزالإقتصاد المحلي،غير أن هذا الإقتصاد لا يقل خطورة على مستقبل الغابة حسب هذا الرأي حينما يقول:«هناك رعي جائر»،فرغم تراجع المواشي بشكل كبير في الآونة الأخيرة لم يمنع من قول هذا الكلام،لكن الشيء الذي لم ينتبه إليه هذا الرأي الأطفالي هو التدخلات الجائرة التي يقوم به الفاعل الكرزازي والفاعل الأجنبي في حق البيئة،من نفايات السيارات ،والحافلات،والشاحنات(التي تسببت في مرات عديدة في إحراق العديد من المحاصيل الزراعية-الحصيدات-الحقول-تلويث الأرض والجو-إحداث خلل بالبيئة..)،من اقتلاع الغابة وقتل الحيوانات البرية (نسف من الأساس الأشجاروالشجيرات الخضراء-الصيد العشوائي-إحداث خلل في التوازن البيئي..)، ورمي النفايات بالجداول المائية ومياه الصرف الصحي،وكذلك النفايات المنزلية التي ترميها الساكنة المحلية والبورجوازية المدينية نظرا لعدم إستفادتهما مناصفة مع ساكنة المدينة من الخدمات التي تقدمها مصالح البلدية (ينبغي الإشارة إلى المخاطر التي من الممكن أن تهدد صحة الساكنة المحلية من جراء هذه النفايات)،ثم نفايات المصانع التي باتت تلوث الهواء(مصنع الآجور- معمل تربية الدواجن). وإذا كانت هذه هي بعض التدخلات الجائرة،والتي لم تكن ضمن أجندات النظرة الأطفالية داخل المجتمع المحلي الكرزازي،فإن هذه النظرة تحمل في طياتها بعض الجوانب التي تعبر عن الواقع الفعلي للمجتمع الكرزازي،ومن هذه الجوانب:1-إقتلاع الغابة 2-غياب ثقافة بيئية 3- إرتفاع حاجات الناس(الفاعلين) وهذا الكلام يزكيه قول عبد الحق:«يعيش هناك سكان متعددون..»،بالفعل،فرغم الهجرة القروية صوب المدينة،فالساكنة الكرزازية : 1- تزايد عدد سكانها 2-تغيرت أنماط عيشها (شكل السكن – نمط التغذية"على مستوى الشكل والمضمون"- نمط الحاجيات- نمط الطلبات والأفكار والتصرفات والعلاقات والموارد)3- تزايد علاقتها بالخارج4-انحلال مفهوم الإكتفاء الذاتي المحلي بالمرة....5- تعقد نظام التبادلات(الزوجات-التغذية-الدراسة..). إضافة إلى هذه الأشياء التي ذكرنا،يشير المتدخل إلى ما يصطلح عليه ب"صخرة الحربيلي"،فهذه الجملة تضرب في الصميم النظرة الأستاذية التي تهرب بالتلاميذ عن واقعهم،فأغلبية التلاميذ الذين سألناهم عن هذا الإسم لا يعرفونه بالمرة،وبالتالي يظهر هنا مدى أهمية هذا التدخل الأطفالي لما يحمله من أهمية في إثارة هذا الإسم ،ف"صخرة الحربيلي" حسب الرواية الشفهية المحلية تعود نسبة إلى شخص كان يسكن فيها،ويحتمي بها من شر الغزاة والمهاجمين،ولا سيما القبائل الأخرى التي كانت تغزو الدوار،والغزاة الأجانب من المستعمرين،وتحكي الرواية الشفهية أن هذا الشخص مات،ودفن تحت الصخرة ،وسميت بإسمه،بالفعل ،ومن خلال زيارتنا لهذا المكان عثرنا على القبر موجودا بالقرب من صخرة صغيرة محادية للصخرة الأم،غير أن هذا القبر طاله التهشيم،وتتحدث إحدى الروايات أنه في يوم من أيام فصل الربيع لما يكبر الدوم،وتصبح الأرض هشة جاء بعض الرعاة بالمعاول للإقتلاع الدوم،وإذا بهم وجدوا قبرا في ذلك المكان،فسارعوا لإقتلاعه لمعرفة مدى صحة الحكاية المزعومة،والتي تتكلم عن ذلك الشخص،وسر وجوده في ذلك المكان،وهذه الروايات التي زعمت هذه الأقوال أكدت أن الشخص موجود بالفعل،وأن الرعاة حينما وجدوه ردوا رفاته إلى القبر،بيد أن هذه المعلومات التي أتى بها المتدخل ،والمعلومات التي حصلنا عليها ،والمعلومات الآتية من الرواية الشفهية تبقى نادرة ومحدودة في الإحاطة بهذه المزاعم وهذه الأسطورة لمعرفة خباياها كاملة،وتنوير كافة الرؤى. ينتقل المتدخل للحديث عن المدرسة،ويصف معلمها بأنه قبيح،ويتعامل بقسوة،وانطلاقا من الدراسات التي تناولت المؤسسة المدرسية،ومن تجربتنا الشخصية يتضح أن المؤسسة المدرسية مبنية على التراتب والهرمية،وأن العلاقة بين الأستاذ والتلميذ هي علاقة هرمية-عمودية بين شخص يملك المعرفة وشخص لا يملك أي شيء،بين شخص هو كل شيء وشخص هو لا شيء،هذا من جهة،من جهة ثانية،تعتبر المؤسسة المدرسية أداة لتكريس التمايزات والفصلية داخل القسم وخارجه مثلا:( هذا فصل مجتهد،هذا فصل كسول)،( أنت مجتهد،أنت كسول)،وهذا من الممكن أن يولد في نفسية ما يسمى "بالكسول" الإتصاف بهذه الصفة بنوع من التأبيد،وبالتالي تخلق في داخله ميكانيزم المقاومة في وجه أي تغيير أو تبديل أوتحسين، إضافة إلى الإرهاب الفيزيقي والرمزي الذي يطال التلاميذ "الكسلاء"،و"غير الكسلاء" حيث يولد داخلهم تدجينا قائما على "الكريد"،والحفظ الحرفي على شاكلة النقل الحرفي الفوطوكوبي،وإضعافا لملكة النقد والفهم والإبداع والتجديد والتغيير ،ومن خلال الملاحظة العينية أن خاصية التأبيدية الأستاذية أثبتت فشلها نتيجة مجموعة من التغيرات طرأت على عدد من التلاميذ ممن انتقلوا إلى فصول أخرى،أو مدارس أخرى،فهناك من تحول إلى كسول،وهناك من تحول إلى مجتهد،وأعتقد أن هذا الجانب هو الذي ساهم في تبلور هذه النظرة لدى هذا المتدخل،غير أنه يذكر عواملا أخرى ساهمت في هذه النظرة كذلك،إنهم "الناس" الذين وصفهم "بالقساة"،ومن خلال الملاحظة العينية لهذا الطفل،وكذلك البحث عن انتمائه الإجتماعي،وجدنا أن والده مداع في السجن بتهمة قتل شخص،وحكم عليه بثلاثين سنة سجنا نافذا ،وهذا الطفل يتعرض للضرب والإهانة من طرف جيرانه،وأن الناس يمارسون عليه عنفهم الرمزي بقولهم "مسكين معندوش باه"،ناهيك عن هذا،نجد أن الطفل يواصل تعميمه لمفهوم "القسوة" حتى تصل إلى أطفال المدرسة الذين يحتك بهم يوميا وبشكل مباشر،وكذلك أطفال الجيران ،والكبارفي السن،فهم يهينونه ولا يمنحونه المكانة التي يستحق وسطهم، وكذلك حينما يذهب إلى الوادي أيام الصيف يغرقونه،ويختم حديثه بالقول "لاشيء في هذا العالم إلى الظلم"،ويمكن أن نفهم أن الحديث موجه إلى المجتمع الباتريريكي(الأبوي-الذكوري) الدي لا يعترف بالشخص إلا إذا كان يتوفر على أب وعائلة وأفراد يدافعون عنه حتى تكون لديه المكانة داخل هذا النوع من المجتمع،وإذا لم تتوفر هذه الشروط فمصير الفرد هو الظلم
#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دوارنا بين الماضي والحاضر٬ رصد لموارده الطبيعية والبشر
...
-
أرضي-حياتي
-
دراسة وصفية:الفضاء العام (الحديقة العمومية-نموذجا)-حديقة الح
...
-
عنفوان تحت الرماد
-
متى تنهض المرأة الكرزازية؟*
-
آيروستي
-
الإسلام و قيود التاريخ(1)
-
سقطت الكفاءة وانتصرت الإنتهازية والتملقية
-
مدينة خضراء التي قيل أنها مدينة خضراء؟!!!!
-
الثورة المنسية
-
أية تنشئة نريدها لمغرب اليوم؟
-
نقد الإنتخابات المحلية(1)
-
دور الجنس في تغيير الشروط الإجتماعية
-
قراءة في الإنتخابات المغربية
-
القانون في المجتمع المحلي!(1)
-
البذرة المسوسة
-
الروائح الكريهة تجوب الأطراف والسلطات المحلية تغط في السهاد
-
ملاحظات ماقبل الإستفتاء
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|