|
إلى المدافعين عن العلمانية
مصطفى حداد
الحوار المتمدن-العدد: 3451 - 2011 / 8 / 9 - 09:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
إلى المدافعين عن العلمانية
لسنوات عديدة ظل الصراع مفتوحا حول العلمانية، ما بين التيارات اليسارية التقدمية من جهة، وما بين التيارات الظلامية والرجعية المتخلفة، من جهة أخرى.. وسيبقى هذا الصراع متأججا لسنوات وأجيال، ما دامت الأوضاع القائمة لم يتغير فيها شيئا.. والحال أن تحقيق العلمانية يتطلب تغييرا جوهريا في بنية النظام السياسية والاقتصادية.. ويرتبط أشد الارتباط بطبيعة السلطة السياسية الجديدة، وبمدى جذريتها وتقدميتها، خدمة لهذه القضية وقضايا أخرى في مجال الحرية والديمقراطية والمساوات..الخ خلال المؤتمر الأخير للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، اشتدٌ الصراع بين المكونات اليسارية العاملة في هذا الإطار والمجال، حول قضايا سياسية وفكرية عديدة.. من بينها العلمانية وكيفية تصريف الموقف منها والمطالبة بها من داخل إطار جمعوي يتميٌز "بحقوقيته" أو "حقوق ـ إنسانيته" الخاصة. فتح الصراع واتخذ طابعه الشرس ضد الطرف المهيمن الذي يعتبر نفسه استمرارية لمنظمة "إلى الأمام" التي تبنٌت نوعا من الماركسية اللينينية بداية السبعينات..، واختلطت حينها تهم التطرف اليساري ـ و"النهج الديمقراطي" بريء منها ـ بتهم العلمانية ومساندة البوليساريو والدفاع عن المثليين..الخ وإلى جانب الأطراف المؤججة للصراع داخل "الهيئة"، والتي قادها حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وهو حزب انشق عن الاتحاد الاشتراكي بداية الثمانينات، معرٌفا نفسه كاستمرارية لليسار الاتحادي المعروف بخط الشهداء المهدي، عمر، دهكون..الخ إلى جانب هذا الحزب وأطراف يسارية أخرى.. انخرطت كل الأبواق والأصوات اليمينية والظلامية في حملة مسعورة ضد هذا المبدأ ومن يعتنقه ويدافع عنه. بعض المتتبعين لأنشطة الجمعية، صحافيين ومنخرطين "مستقلين"، أفادوا بكون قضية الصراع داخل المؤتمر الأخير، ليست سوى قضية كراسي وهيمنة من أجل التوجيه، ولا علاقة لها بالمبادئ والمواقف.. هذا الادعاء، وإن يبدو ظاهريا كحقيقة، فهو ليس سوى جزء من الحقيقة التي لا نريد أن تضيع منا، فنحن كذلك من دعاة العلمانية والدفاع عن حرية العقيدة والدين والتدين.. لكن بطرق ووسائل أخرى وهذا ما دفع بنا للإدلاء بهذه الملاحظات. ما اجتذبنا لهذا النقاش هو واقعة نهاية الأسبوع الفارط، والتي ارتبطت بمحاولة من نشطاء حركة 20 فبراير في بعض المدن، تنظيم عملية إفطار جماعي في بعض الساحات العمومية، عوض التظاهر والمطالبة بتحسين أوضاع الطبقات الشعبية المقهورة بالغلاء والتهميش والحرمان..الخ فحركة 20 فبراير المغربية، حركة يقودها بما لا يدع مجالا للشك اليمين الرجعي الظلامي المتمثل في "جماعة العدل والإحسان"، وحين نقول اليمين فليس لكونها جماعة متدينة تدعي دفاعها عن الإسلام والقرآن والسنة النبوية..الخ بل لكونها حركة تشترك مع اليمين، منذ أن سمي باليمين، في مواقفه من الحريات، أساسا حرية الفكر والعقيدة، ومن المساوات بين المرأة والرجل.. تدعم العنصرية والاستبداد، تناهض الاستبداد القائم لتغييره باستبداد آخر وفق مشروعها القروسطي.. تعادي حقوق الأقليات وتناهض الحقوق الثقافية واللغوية للأمازيغيين، وحقوق الصحراويين من أجل تقرير مصيرهم..الخ وتدافع باستماتة عن الرأسمالية واقتصاد السوق بما هو دفاع عن الاستغلال وتقديس للمِلكية الفردية. انخرط اليسار بجل مكوناته، الإصلاحية والثورية، العلنية والسرية، المعتدلة والمتطرفة..الخ في حركة 20 فبراير بتلقائية وبدون شروط معلنة، وحاول بداية الأمر أن يفرض نفسه عبر تشكيله لهيئات الدعم والمساندة وعبر توفيره لمقرات الاجتماع، واستغلاله للمنابر الإعلامية، المكتوبة والمرئية، لإعلان المساندة لهذه الحركة.. لكن هذا الانخراط ظل هامشيا ومحتشما، تأبطه تيار "العدل والإحسان" بإحكام لحدٌ خنقه وخنق الحركة معه. وهذا ما كرٌسه هذا القرار الغريب قرار الإفطار الجماعي، الذي انتصب بثبات أمام شعار العلمانية الذي يطالب صراحة بفصل الدين عن الدولة وعن السياسة.. فحين يطالب العلمانيون بعدم استغلال الدين والتدين لمصالح التيارات السياسية بما فيها "تيار" الدولة والنظام القائم، فلا يحق لهم الآن باسم حركة 20 فبراير أو غيرها باستغلال المساجد، أو بتوظيف الطقوس الدينية من داخل التظاهرات الشعبية الخاصة بمطالب المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. بل إنها الانتهازية والنفاق المقيت بعينه، حين يصطدم المرء بيساريين معروفين بإلحادهم، ولهم الحق و الحرٌية الكاملة في ذلك، يقرؤون الفاتحة داخل التظاهرات والمسيرات، أو ينظمون الإفطار الجماعي، ليوم صوم لم يصوموه قط، في الساحات العمومية. كان حري باليساريين أن يدعوا للتظاهرات بعد العشاء لكي يجسدوا ذلك الاحترام اللازم للصائمين ولغير الصائمين.. ولقطع أي تأويل أو تجني مجاني في حق صاحب هذه الملاحظات، فنحن لا ندعو في هذه اللحظة الحرجة من نضالات شعبنا، لتأجيج النعرات بين من يصوم وبين من لا يصوم، أو بين من يعتنق الإسلام وبين من لا يومنون به كدين..الخ الأكيد هو أن الغالبية الساحقة من المغاربة يومنون بالدين الإسلامي بالرغم من أن غالبيتهم الساحقة غير متدينة أو غير مواظبة على جميع الطقوس الدينية، وبالنسبة لشهر رمضان فالمغاربة يجسدون لغيرهم من الشعوب الإسلامية، إسلامهم، وكأنهم يذكرون بهذا الارتباط وهذا الالتزام الديني الإسلامي. ما لم يجسده اليساريون في هذه اللحظة بالذات، هو علمانيتهم ومبدئيتهم، حين أبانوا عن تخلٌفهم الملفت للنظر، عمٌا راكمته التيارات العلمانية الليبرالية قديما في مجال الالتزام والمبدئية، وطأطئوا الرؤوس خانعين وخاضعين لجماعة "العدل والإحسان" الظلامية التي "تمَسْكنت حتى تمكٌنت"، ولغٌمت جميع الطرق المؤدية لحركة 20 فبراير، بمطبٌاتها وأفخاخها التي ظهرت في شكل شعارات وأناشيد، وخطابات، وتوجيهات من "السي عبد السلام"، وخرجات وتصريحات بقناة الجزيرة "المؤمنة" و"المناهضة لأعداء الإسلام"..الخ هذه ملاحظاتنا تجاه هذا الإجراء الذي يجب مراجعته فورا من حلفاءنا اليساريين، على أن تتخذ الحركة طابعها الاحتجاجي الاجتماعي، الاقتصادي والسياسي، ضد الغلاء والخوصصة، وضد التهميش والإقصاء، وضد الحرمان والاستغلال، وضد جميع أشكال الاستبداد، وما الاستبداد المَلكي الحالي سوى شكل منه.. ونحذر الرفاق اليساريين من أشكال الاستبداد الأكثر تخلفا وقروسطية من الاستبداد الحالي والتي تدافع عنها بقوة، قوى الظلام والإظلام. فإذا ساد الخلط بين الشعارات السياسية والدينية، فستكون قوى الحداثة، والتقدم، والتغيير، والتنوير، والديمقراطية، والحرية..الخ هي الخاسر الأكبر، وحذار من أن تتحول السياسة من وسيلة لأجل الوصول لهذه الأهداف النبيلة، إلى هدف في حدٌ ذاته.
مصطفى حداد 7 غشت 2011
#مصطفى_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتفاضة شعبية لعدة أشهر.. فهل من دروس؟
المزيد.....
-
لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف
...
-
أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
-
روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ
...
-
تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك
...
-
-العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
-
محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
-
زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و
...
-
في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا
...
-
النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
-
الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|