أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الربيع العربي واستنساخ التجارب!















المزيد.....

الربيع العربي واستنساخ التجارب!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3449 - 2011 / 8 / 6 - 11:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لا ثورة تشبه أخرى ولا شعب يشبه شعباً آخر، وإن كان هناك مشتركات بين الشعوب والمجتمعات، لكن لكل منها خصوصيتها، التي لا بدّ من أخذها بنظر الاعتبار عند الحديث عن تطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ولعل هذه المسألة تكاد تكون مطروحة على نحو شديد فيما يتعلق بالربيع العربي والانتفاضات الشعبية، وإذا كان ثمة تأثيرات وتفاعلات وانعكاسات بين التجارب المختلفة، لا سيما الكبير منها وخصوصاً الناجح فيها، إلا أن لكل تجربة نكهة خاصة ومذاقا مختلفا، بحكم التطور التاريخي واصطفافات القوى والطبقات الاجتماعية والدينية والإثنية وتنوّع الفعاليات والأنشطة السياسية والفكرية، ناهيكم عن المشكلات المتراكمة.
يمكن القول إن الجامع للتطورات الشعبية وأسبابها يتلخّص في شح الحريات وهدر الكرامة الإنسانية لأنظمة استبدادية، ناهيكم عن استشراء الفساد المالي والإداري. إنها باختصار اختلال وسوء علاقة الحاكم بالمحكوم، حيث تغيب أية فسحة للمحكومين لاختيار الحاكم واستبداله على نحو دوري، حر ونزيه، الأمر الذي جعل الأنظمة تترهل وتشيخ وتفقد أية حيوية أو فاعلية سياسية أو اجتماعية، مما راكم الشعور بالاستلاب والغبن وفقدان الحقوق، بل والتجاوز على أبسطها.
إن عملية تقليد أو تكرار نموذج ما ستكون تشويهاً للنموذج أولاً، مثلما هي زرع بذرة في بيئة غير صالحة ليس بإمكانها النمو وإن حصل لحين، فلعل المستقبل يكون محفوفاً بالمخاطر، وقد يضيع معه الزمن والجهد والموارد دون طائل أو جدوى تذكر.
حاولت الثورات الاشتراكية السير في هدى الثورة الروسية الاكتوبرية، وقامت باستنساخ التجربة، لكنها وصلت بعد حين إلى طريق مسدود، مثلما كانت التجربة الأصل تعاني من تحديات ومشكلات انعكست على التجارب الفرعية الأخرى، كما حاولت بلدان ما أطلقنا عليه "التحرر الوطني" إعادة استنساخ أو تقليد التجارب الاشتراكية، لكنها هي الأخرى انهارت، لا سيما عندما انهار النموذج الأصل، الأمر الذي لا بدّ من أخذه في الاعتبار، وحاولت بعض البلدان العربية تقليد نموذج الثورة المصرية الناصرية وتجربتها السياسية، لكنها في واقع الحال كانت عبارة عن تشويهات لتجربة لها خصوصيتها ولها مشكلاتها وتحدياتها، وإذا كانت لم تفقس بيضة التجارب الأولى، فما بالك بالتجارب اللاحقة الصغيرة.
لكن قراءة التجارب العالمية والعربية واستلهام دروسها وعبرها أمر ضروري لتحصين التجارب الخاصة دون انغلاق، مثلما هو دون تقليد أعمى أو استنساخ مشوه، والأمر يتطلب عقدا جديدا لكل مجتمع بين القوى والفعاليات المؤثرة، لتنظيم علاقة الحاكم بالمحكوم، ومن جهة أخرى لوضع قواعد قيمية قد يكون بعضها ما فوق دستوري، وقد يندرج بعضها في الدستور يتم فيه تأكيد واحترام القيم والقواعد دون لبس أو غموض، وهي قواعد لا يمكن استبدالها أو اللعب بها، باسم الأغلبية أو المظلومية أو قرارات البرلمان أو غير ذلك، لأن أي إخلال بها سيمس النظام الديمقراطي ومحتواه ويؤثر في سير عمله ومستقبله، ولهذا تضع بعض الدساتير مواد جامدة لا يمكن تغييرها أو استبدالها بسهولة إلا ضمن ضوابط معقدة وفترات زمنية قد تطول وتوافقات تكاد تقترب من الإجماع أحياناً، لكيلا تلجأ إحدى القوى إلى العبث بالدستور أو استخدامه لتحقيق أغراضها الأيديولوجية أو توجهها الفكري أو الديني أو الطائفي أو الفئوي.
وبقدر احترام الخصوصيات والتمسك بها، فالأمر يحتاج إلى الاطلاع على التجارب ودراستها، ولعل شباب وقوى الربيع العربي، في حاجة إلى مثل هذه التجارب، لاستكمال تصوراتهم حول العقد الاجتماعي الجديد في كل مجتمع، ناهيكم عن طبيعة التغيير والتحوّل الديمقراطي المنشود.
اطلعت أخيرا على تجربة مهمة، كنت قد عشت بعض فصولها، وأعني بذلك التجربة التشيكية، فيوم حصل الانعطاف باتجاه التحوّل الديمقراطي كنت في براغ وقد احتشدت الجماهير المحتقنة على مدى عقود من الزمان، لترفع أبسط الشعارات وأكثرها عمقاً في الوقت نفسه: نريد حواراً، نطالب بالتعددية، نريد حرية، وكانت هذه الشعارات كافية لتطلق العنان لقوى وجماهير ظلّت صامتة لسنوات طويلة لتتحرك وتنزل إلى الميدان ويضطر معها الحاكم إلى الرضوخ.
الكتاب الذي اطلعت عليه بعنوان "التجربة التشيكية" في التحوّل الديمقراطي" أعادني إلى عقدين ونيف من الزمان، حيث كان من المؤمل أن تنتقل انتفاضات أوروبا الشرقية إلى دول جنوب البحر المتوسط، لكنه للأسف لم يحصل ذلك بسبب المصالح الدولية ووجود إسرائيل والنفط اللذين كانا ولا يزالان العنصر الأكثر إثارة في معادلات التغيير، لا سيما في ظل التداخلات الخارجية ومحاولات القوى المتنفذة في العلاقات الدولية، استثمار ذلك لصالحها بعد أن فوجئت بما حصل في تونس ومصر، وخصوصاً سرعة انهيار النظامين.
ضم الكتاب آراء خبراء ومسؤولين تشيك سابقين، شرحوا كيفية الانتقال الديمقراطي والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وإعادة تشكيل الحياة السياسية التعددية وذات التنوّع الثقافي واعتبار صندوق الاقتراع هو الحكم، وهو فيصل الشرعية الدستورية، وتوضّح التجربة التنازلات المتبادلة التي قدّمتها القوى السياسية بعضها للبعض الآخر للتوصل إلى توافقات وإجراء انتخابات حرة وتهيئة المستلزمات للتحوّل الديمقراطي، ثم حصل الانفصال المخملي بين التشيك والسلوفاك في الأول من كانون الثاني (يناير) 1993. ويشرح الكتاب النجاحات والإخفاقات في الميدان الاقتصادي، لا سيما الخصخصة، ونشوء مظاهر جديدة للفساد بعد انهيار النظام الشمولي السابق، لكن وجود مساءلة وشفافية حدّ منه على نحو كبير. كما يعرض الكتاب تجربة التعامل مع النخب السياسية الحاكمة سابقاً وكيفية تمتعها بحقوقها دون عزل أو إلغاء أو إقصاء، بما فيها إعادة بعض ممتلكاتها إليها، على الرغم من تجريم بعض رموز النظام السابق وتأكيد عدم قانونيته ولا شرعيته، لكن ذلك لم يمنع من وجود ممثلين عن الحزب الشيوعي السابق في البرلمان، لا سيما وقد تم انتخابهم.
ويعرض الكتاب مقارنة بين التجربة التشيكية والألمانية (الديمقراطية) في ملاحقة المرتكبين وفي سياسة ما يطلق عليه "العدل العقابي" على ارتكابات الماضي ويشير إلى أن أول وأهم تغيير بدأ من الدستور التشيكي حين تم إلغاء الفقرة الخاصة بالدور القيادي للحزب الشيوعي في المجتمع، وذلك حين صوّت البرلمان المنتخب على حذفها، وكانت نحو عشرة موضوعات قد تم استبدالها في الدستور التشيكي تمهيداً لأول انتخابات عام 1990، ولعل هذه التغييرات كانت ضرورية لوضع لبنات عقد اجتماعي جديد، وقد تمت على نحو تدرّجي تمهيداً لوضع قوانين ديمقراطية بدلاً عنها، خصوصاً ما يتعلق بحرية التعبير وحق التنظيم والحق في المشاركة.
إن دراسة التجارب العربية والعالمية والاطلاع على نقاط قوتها ونقاط ضعفها أمر ضروري لأية تجربة سياسية جديدة، لكن ذلك لا يعني استنساخ التجربة أو تقليدها، بل الاستفادة من الخبرة العامة المتراكمة بمراعاة الخصوصية والتطور التاريخي لكل بلد في إطار القيم والمثل والمشترك الإنساني، سواءً كانت هذه التجربة عربية أو أجنبية.


صحيفة الاقتصادية السعودية ، العدد رقم 6507، الجمعة 5/7/2011



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القوى المخلوعة والمحافظة تهدد الثورة .. وحذار من التصدع!
- في نظرية التفكيك العراقية!
- سياسيون بلا سياسة في العراق!
- الربيع العربي والهواجس المراوغة
- الشباب وفن الانتفاضة: خريف الآيديولوجيا وربيع السياسة!
- شروط أوباما الفلسطينية
- إقليم السنّة العراقي: التباس التاريخ
- ديناميكية مغربية
- حين تصبح العدالة ميداناً للصراع الدولي!
- منهج ماركس لا يزال صحيحاً لكنه لا يصلح لنا الآن
- الربيع العربي وحرية التعبير
- التسامح والرمز
- هل تتقطّع خيوط واشنطن في بغداد؟ التعويضات ومعسكر أشرف
- ثلاثة ألغام أمريكية جديدة في العراق
- عبد الكريم الأزري: المشكلة والاستعصاء في التاريخ العراقي
- السلام يُصنع في العقول
- كوبا الحلم الغامض- كتاب جديد
- فقه التجديد والاجتهاد في النص الديني
- الشاعر أحمد الصافي.. التمرّد والاغتراب والوفاء للشعر
- قانون التغيير وتغيير القانون


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الربيع العربي واستنساخ التجارب!