|
هل انبثقت التعددية السياسية في العراق؟
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3447 - 2011 / 8 / 4 - 16:24
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بعد التغيير الفوري المفاجيء و بالطريقة التي شاهدناها للنظام السياسي العراقي، وكما هو المعلوم ان الفاعل الرئيسي هو القوى الخارجية و دون تخصيب ارضية مناسبة لما جرى، و من دون انتقال البلد من الحال التي كان فيه من الدكتاتورية البغيضة المسيطرة على كافة اركان الدولة و في ظل سيطرة الحزب الاوحد الذي لم يكن يتحرك الا كدمى بيد الشخص الاوحد الى حالة تحضيرية وسطية متنقلة، و انتقل الى واقع جديد و كأنه ُاسقط من مكان مرتفع و شكل هذا صدمة قوية له و ربما ادى ذلك الى رضوض و كسور عدة في بنيته اكثر مما كانت عليه من قبل . ان ما تمخضت عنه التعددية السياسية لم تكن بناءا على التغيير الاجتماعي الثقافي الاقتصادي المواكب لها ، و في جو معلوم الوعي العام للشعب و الذي يشكل القاعدة الاساسية لترسيخ التعددية السياسية دون ان تفرز سلبيات على الاصعدة المختلفة و منها السياسية بشكل خاص. و هذا ما احدث تخبطا لا يمكن ان نعتبر الانتقالة فيه حقيقيا، و لم ينتج ما يدفع الحال الى تجانس الوضع و تقبل الاختلافات في حال تجسيد التعددية المنشودة، و في الوضع السياسي العام الذي نعيشه اليوم يتوضح لدينا بنى المجتمع و السياسة المتبعة و ما يلائم الحال. التعددية السياسية كمفهوم واسع النطاق و مختلف الشكل، و لكن يجب ان يكون الجوهر واحدا اينما كانت، قد نتلمس جزءا من ملامحها الظاهرية و ليس باكمل وجه كما هو المعلوم وهي منبثقة حسب المراحل الطبيعية التي من المفروض ان تمر فيها للوصول الى ما يمكن ان نتاكد به الولوج بمرحلة يمكن ان نسميها متسمة بالتعددية السياسية الحقيقية، و لكن ما نراه بداية مرحلة التعددية السياسية في العراق و ان لم يكن الاساس هشا من الاصل كما نعتقد . يمكن ان نوضح هنا، ان للتعددية السياسية ارتباطات وثيقة او يجب ان تكون مرادفة بمجموعة من المفاهيم التي لا يمكن انعتاقها عنها و هم معا يفرضون تجسيد نفسهم في الارضية التي توفرت لهم و في ظل توفير الحد الادنى من المستلزمات الضرورية لترسيخ هذه المفاهيم من كافة النواحي السياسية الاجتماعية الثقافية الاقتصادية، و ما يخص بنيان الشعب و ثقافته العامة و مستوى وعيه ايضا . من المفاهيم التي لا يمكن ان ندعي وجود التعددية السياسية من دون وجوده مترسخا في الواقع المراد فيه تثبيت و تجسيد التعددية هو الديموقراطية الحقيقية و تطبيقها السليم و ليس الشكلي و في ظل الحرية و الامن و الاستقرار الدائم، و لتلكم المفاهيم تاثيرات متبادلة على البعض و من ثم على السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية و ما يتعلق باستقلاليتها ايضا، بوجود الممارسة الجيدة لتداول السلطة . يجب ان لا ننسى ان التعددية السياسية و من ضمنها الحزبية هي ناتج طبيعي عن الاختلافات المتعددة في البنية الاجتماعية التي تنبثق منها الاحزاب و التيارات و التكتلات المختلفة و هي تنعكس الظروف الموجودة على الارض في اية منطقة يمكن اختبار الواقع فيه استنادا على مقياس التعددية السياسية فيها. و يجب ان تكون التعددية السياسية مترسخة على قاعدة وجود الاختلاف الاجتماعي المتوازن و في ساحة تضمن التجانس و التكامل لمكونات الشعب في جميع انحاء البلاد دون اجتزاء او تقاطع او انبثاقها في منطقة دون اخرى، اي الاختلاف المتعدد للبنية الاجتماعية هو المنتج و المولد الحقيقي للتعديية السياسية بشكل طبيعي . ما نعيشه في العراق اليوم لا يمكن اعتباره تعدد سياسي كما هو المعروف عنه من حيث الجوهر و الشكل و طريقة العمل، و كما نتاكد منه يوميا من الخروقات التي ترتكب ازاء هذا المفهوم و باسمه، و تمر هذه الخروقات مرور الكرام دون اي يلتفت اليها احد. من نتائج الانتخابات العديدة التي اجريت في العراق بعد سقوط الدكتاتورية نتيقن من عدم تجانس الشعب بل نلمس وجود عدة شعوب او تقسيم مناطقي و فئوي و كما اكده العديدون من قبل و تجذر هذا في البنيان الاساسي للمجتمع و لا يمكن انكاره مهما حاول البعض الاعتماد على الخيال او الايديولوجيا البعيدة عن الواقع الملموس، و الدليل القاطع هو حصول بعض الكتل و الاحزاب او التيارات على ما حصلت عليه من الاصوات في منطقة معينة دون اخرى بشكل مطلق الذي لا يوجد مثل هذه النتائج في اي مجتمع متجانس في العالم الديموقراطي، و هذا دليل قاطع على وجود المناطق الاجتماعية المختلفة و ليس الاختلاف الاجتماعي المتجانس في جميع المناطق، و الذي هو الاساس في ترسيخ التعددية السياسية. و ما موجود في العراق معتمد على العرق و المذهب الذي يحتكر الفكر العراقي ، و هذا عكس ما تتطلبه التعددية السياسية في جوهرها و انما هذه التعددية المناطقية ذات اللون و الجوهر الواحد المسيطر اعتمادا على ما يطلبه الواقع الاجتماعي و ما توارثناه من التاريخ . و لو كنا نجري تلك الانتخابات في مجتمع مختلف المكونات و متجانس لكان النتائج غير ما حصلنا عليه من وجود التاييد المطلق لجهة ما في منطقة معينة دون غيرها بل كنا نلمس التوازن النقريبي على الاقل. اي ، ان تكلمنا بشكل اكثر صراحة ما شاهدنا من حصول الاحزاب و التكتلات الشيعية من النتائج المطلقة في المناطق وهم الاكثرية فيها و هكذا للجهات السنية و الكوردية، يبين لنا التقسيم الواقعي من البنية التحتية و الفوقية للمناطق الثلاثة و ليس التعددية السياسية التي نعرفها . التعددية السياسية للمجتمع المتجانس لا يمكن ان يحصل فيه ما حصل في العراق من التقسيم الفوقي و التحي كما نراه ، ولو كانت ولادة التعددية السياسية طبيعية طبقا للاسس و المباديء العلمية التي يجب ان تتسم بها المنطقة و التي تستند عليها لما كنا على الحال التي نعيشها من استمرار الخلافات و تعقيد الازمات. الاختلاف في شكل و جوهر المكونات من حيث العادات و التقاليد و الاعتقادات و الذي انتج الواقع الجديد، لم يكن ضمن مساحة العراق الشاملة بل ضمن رقعة معينة و لكل منطقة صفاتها المتميزة مهما انكرنا ذلك، الاطياف المختلفة اتخذت مواقع و تيارات و احزاب سياسية مختلفة رائدا لها و هي خاصة بهم و مسيطرة على مناطقهم دون اخرى، فنرى الاسلام السياسي الشيعي حصلت على النتائج الانتخابية بشكل ساحق في المناطق الشيعية و الاحزاب و التكتلات الاخرى على نسبة لا ترى بالعين المجردة في تلك المناطق، و هكذا للاحزاب و التكتلات السنية او المحسوبة على السنة التي سيطرت على مناطقها الخاصة بها بشكل مطلق ايضا ، و لم تحصل كتلة غير الكوردية على رقم معين من الاصوات في اقليم كوردستان كي نفتخر بتجانس العراق مجتمعيا و سياسيا، و هذا تحصيل حاصل لما عاشه العراق خلال الحقبات الطويلة و سيطرت عليه السلطات المتعاقبة بالقوة الغاشمة و ليس من افرازات اليوم او الامس، و الاختلاف في النتائج الانتخابية يبين الاختلاف في البنية الاجتماعية، و نقلت بدورها ما تتسم بها الى الاحزاب التي تنتمي الى تلك المناطق فقط، و هذا عكس ما يحصل في العالم اجمع الذي نجد حتى الاختلاف في الراي و الموقف و النتائج الانتخابي ضمن حي او حتى العائلة الواحدة و هم يعيشون متجانسين يقبلون بالراي و الراي الاخر متمتعين بالتعددية السياسية الطبيعية الحقيقية النابعة من انعكاسات التعددية الثقافية الاقتصادية الاجتماعية الموجودة على ارض الواقع المتجانس . استنادا على ما موجود من الخصائص و السمات الموجودة، فعلينا التعمق في الاسباب و بيان الحال و من ثم ايجاد النظام السياسي الملائم ، و على ما نحن فيه لا يمكن الاستناد على المركزية الا بالقوة الغاشمة التي لا يمكن ان يكون طبيعيا وكما جربنا لعقود، و من غير المعقول ان يستمر و لا يكون في مصلحة احد، فعليه يجب على الملمين التعمق في التقييم الصحيح ، و ما نعتقده ان اللامركزية التوافقية المستندة على الفدرالية الحقيقية يمكن ان تحل الاشكاليات الموجودة في البنية الاجتماعية السياسية الثقافية الموجودة في العراق على المدى البعيد ، و الاهم ان يفكر المسيطر على زمام الامور بشكل افضل و اوسع، و ليس من خلال مصلحته او المرحلة التي يعيش دون اي حساب لما يضمه لنا الغد. و به نتاكد من ان التعددية السياسية لم تنبثق في العراق بشكل طبيعي .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضرورة الاحتجاج امام سفارات الدول ذوات المواقف المصلحية ازاء
...
-
حقوق الانسان و موقف القوى العالمية ازاء ما يحصل في سوريا
-
تلحيم كوردستان بالعراق و ليس احتلالها !!
-
ما موقف امريكا من قصف ايران الدائم لاقليم كوردستان
-
هدر الفرص الموآتية في سوريا خط احمر
-
معا لارساء جوهر الكلمات الثلاث (الاعتذار، الشكر، التسامح)
-
هل يمكن تحقيق اهداف الشعب الكوردي استنادا على المباديء الاسا
...
-
هل بالامكان استئصال آفة الفساد في العراق
-
انحباس نهر الوند مع استمرار قصف ايران لاقليم كوردستان
-
اعتداءات ايران ستبرر تدخلات تركيا في اقليم كوردستان
-
يجب ان ينعقد مؤتمر المعارضة السورية في دولة محايدة
-
عدم احساس الفرد بانتمائاته في منطقة الشرق الاوسط
-
التعاون و التنسيق حاجة ملحة لنجاح انتفاضة الشعب السوري
-
هل تخرج الحكومة العراقية من عنق الزجاجة ؟
-
الركائز الاساسية لضمان التعايش العربي الكوردي السلمي
-
استمرار سوريا على عدم الاتعاض من الاخرين !!
-
اي نظام سياسي يلائم اقليم كوردستان
-
نتيجة الانتخابات ومصير الكورد في تركيا
-
انها بداية نهاية الاعلام الحكومي المركزي
-
الحرية الشخصية و التدخلات المختلفة فيها
المزيد.....
-
المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل
...
-
مفاوضات -كوب 29- للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة ت
...
-
إيران ـ -عيادة تجميل اجتماعية- لترهيب الرافضات لقواعد اللباس
...
-
-فص ملح وذاب-.. ازدياد ضحايا الاختفاء المفاجئ في العلاقات
-
موسكو تستنكر تجاهل -اليونيسكو- مقتل الصحفيين الروس والتضييق
...
-
وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في كييف ومقاطعة سومي
-
مباشر: قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في
...
-
كوب 29: اتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنويا لتمويل العمل ا
...
-
مئات آلاف الإسرائيليين بالملاجئ والاحتلال ينذر بلدات لبنانية
...
-
انفجارات في كييف وفرنسا تتخذ قرارا يستفز روسيا
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|