|
وماذا بعد سقوط حسني مبارك ومحاكمته؟
نهرو عبد الصبور طنطاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3447 - 2011 / 8 / 4 - 08:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الشعب المصري يخدع نفسه ويوهمها بأن الفساد قد سقط وأن الظلم قد سقط وأن الاستبداد قد سقط بسقوط الطاغية الأثيم "حسني مبارك" وعصابته المجرمة في 11 فبراير 2011م، والحقيقة المرة التي يتوارى منها المصريون وتلاحقهم أينما وجدوا أن "حسني مبارك" لم يسقط، إن "حسني مبارك" ليس مجرد حاكم عابر سبيل مر على دولة وهي خاوية على عروشها فحكمها حيناً من الدهر ثم تركها وانصرف، إن حسني مبارك هو منظومة فكرية وسياسية وعقدية وثقافية وأخلاقية منحطة فاسدة متأصلة ومتجذرة في نفوس المصريين وبادية في سلوكياتهم وفي تعاطيهم مع الواقع ومع الأشياء، حسني مبارك ليس هو ذلك الشخص المواطن المصري الذي ننظر إليه على أنه كان مجرد حاكم مستبد عابر حكم مصر لمدة ثلاثين عاما من عام 1981م إلى عام 2011م ثم سقط وراح وراح زمانه بلا رجعة، كلا، حسني مبارك ما هو إلا أحد ذراريكم، جزء منكم، قصاصة من ثوبكم، بعض دمكم، أقصوصة لكم، وإحدى أحجياتكم، حسني مبارك هو آية عليكم، وسلف لكم، حسني مبارك هو أنتم، وأنتم هو حسني مبارك.
إن ثورة 25 يناير قد أسقطت الصنم الأكبر حسني مبارك المتمثل في شخص رئيس المصريين، لكن الثورة لم ولن تسقط حسني مبارك داخل نفوس المصريين، ففي داخل كل مصري حسني مبارك، إن مثل حسني مبارك في فكره وفي تعاليمه وقيمه وسلوكياته وأخلاقياته كمثل فرعون موسى، وفرعون موسى لم يكن ذلك المواطن المصري الذي كان يحكم مصر في عهد موسى عليه السلام إنما هو أمثولة فكرية ونموذج لعقيدة سياسية ودليل على تعاليم موبوءة وثقافة منحطة ونشأة مزرية وتربة غير طيبة أنبتت نبتة غير صالحة، يخطئ من ظن أن حسني مبارك قد سقط، ويخطئ من ظن أن حسني مبارك هو ذلك الشخص المواطن المصري الذي حكم مصر حيناً من الدهر، حسني مبارك هو أنا وأنت وأنتما وأنتن وأنتم، حسني مبارك هو هذا وهذه وهاتان وهذان وهؤلاء وأولئك، حسني مبارك مازال متربعا على عرشه داخل رأس وقلب وفكر وثقافة وسلوك وأقوال وأفعال كل مواطن مصري.
إني لأعجب من الشعب المصري وخاصة من هذه الأصوات المرتفعة التي تعالت حناجرها الآن فجأة بعد سقوط مبارك، وأخذت تنهال على مبارك سبا وشتما وتشفيا وشماتة وسخرية واستهزاء، أين كانت هذه الأصوات طيلة ثلاثين عاما؟؟ وأين كانت انتقاداتهم ومعارضتهم لمبارك شخصيا حين كان في الحكم؟؟ هل كان واحدا منهم في أي حزب أو منظمة سياسية أو جريدة أو تنظيم أو جماعة دينية أو قناة تليفزيونية أو حتى من يجلس في بيته بين أسرته أن يجرؤ على التفوه بكلمة ضد مبارك حين كان رئيسا؟؟، وأين كانت عنترياتهم وبطولاتهم وثورتهم المتفجرة هذه قبل ثلاثين عاما؟؟، فعلى خلفية أني تم اعتقالي لثلاث سنوات من قبل أمن الدولة وكنت مسجل لديهم أنني مطلوب أمنيا وموضوع تحت المراقبة منذ عام 1990م وحتى قيام ثورة 25 يناير كنت أرى في كل تلك الفترة كثيرا من هؤلاء وأنا أعرفهم جيدا ويعرفونني جيدا من الإعلاميين والكتاب والصحفيين والسياسيين وكثير من الشباب أبطال السياسة الجدد والثوار الجدد كانوا قبل 25 يناير حين يقابلونني في إحدى المناسبات أو حين ألتقي أحدهم صدفة في إحدى الأماكن أو الطرقات كان الواحد منهم يخشى الوقوف معي أكثر من دقيقتين للسلام علي ثم ينصرفون على الفور خشية أن يلمحهم أحد مخبري أمن الدولة فيوشي بهم لدى الأمن أنه كان يقف مع نهرو طنطاوي، وبعضهم كان يصرح لي بذلك وكان يقول لي صراحة: (يا عم نهرو إنت الوقفة معاك تودي في داهية)، الآن وبعد سقوط مبارك وسقوط نظامه أصبح الشعب المصري كله برجاله ونسائه وشبابه وشاباته حتى وأطفاله أصبحوا جميعا قادة سياسيين وثوارا ومقاتلين ومعارضين لمبارك وعصابته، كيف؟ لا أدري. أم هي انتهازية: (لما تقع البقرة).
أما جميع أفراد من يسمون بالنخب المصرية من أدعياء المعارضة الحنجورية في عهد مبارك على اختلاف انتماءاتهم والذين يصدعون رؤوسنا الآن في الإعلام وعلى صفحات الجرائد وعلى صفحات الشبكة العنكبوتية بصياحهم وهتافهم ورفعهم لشعارات الديمقراطية والحرية والعدالة هم في الأصل صناعة فاسدة منتهية الصلاحية وغير صالحة للتواجد الآدمي في المشهد السياسي المصري، بل هم نسخ كربونية من حسني مبارك وحبيب العادلي وأحمد عز وجمال وعلاء مبارك وضباط مباحث أمن الدولة ورؤساء تحرير الصحف القومية الذين كانوا تابعين للجنة السياسات، بل سيكون هؤلاء أكثر طغيانا وفسادا في الأرض من مبارك وعصابته إذا وصلوا إلى السلطة، وليس من دلالة يقينية على ذلك أوضح من تجوال المرء بين مقالات الصحف المصرية القومية والخاصة وبين برامج التوك شو وبين المواقع والمنتديات والجروبات التابعة لمختلف التيارات الفكرية المصرية على الإنترنت، ثم لينظر كيف يختلفون بين بعضهم بعضا وبينهم وبين غيرهم؟ وبأي لغة يتحاورون؟ وإلى أي درك أخلاقي وسلوكي ولفظي انحط هؤلاء؟.
إن الشعوب التي تتعامل مع من يختلف معها في وجهة النظر وفي الرأي والفكر بهذه الطريقة الفجة اللاأخلاقية التي تنضح بها الصحف والإعلام والمواقع الإلكترونية لهي شعوب تعاني خللا كبيرا وفادحا في هويتها وشخصيتها وقيمها وأخلاقها، ولا يمكن أن ينتظر المرء منها خيرا على الإطلاق، حتى ولو ثارت الشعوب العربية مجتمعة اليوم وأسقطت كل الأنظمة العربية، فماذا لدى الشعوب العربية، وماذا لدى المعارضات العربية، وماذا لدى النخب العربية المثقفة، وماذا لدى التيارات الدينية وماذا لدى الشباب المصري الثائر من رصيد فكري أو رؤى علمية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو قانونية أو ثقافية أو تعليمية للنهوض بالأوطان العربية، وماذا لديهم من قيم إنسانية وأخلاقية أو برامج عملية أو بدائل حقيقية واقعية تملأ بها فراغ الأنظمة المستبدة الساقطة؟، لا شيء، والبعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير.
إن ما حدث ويحدث في مصر وفي بعض الدول العربية الآن هو بالفعل خطوات نحو التغيير، لكن، هل للأفضل أم للأسوأ؟، وبنظرة موضوعية فاحصة على حال الشعوب العربية وعلى رأسها وفي مقدمتها مصر، نرى أنها شعوب منقسمة مفتتة طائفية عنصرية ذليلة خانعة جاهلة متخلفة لا تعرف للأخلاق ولا للقيم معنى، ومعارضاتها كانت معارضة فاسدة مدجنة تتواطأ مع الأنظمة ضد الشعوب في مقابل بعض الامتيازات هنا أو هناك، ونخبها المثقفة كانت نخبا مرتزقة أنذال قليلة الوعي ضحلة الفكر وعديمة القيمة أو التأثير، منهم من كان يقتات على فضلات موائد الأنظمة الطاغية المستبدة، ومنهم الهاربون من أوطانهم يتحينون الفرصة لجني ما لم تزرعه أيديهم، ومنهم التيارات الدينية المغلقة والمنغلقة على ماض وفقه وفكر قد تولى لا تقوى على الفكاك منه، فيا ترى مَن مِن هؤلاء يصلح أن يقود المرحلة القادمة؟.
الشعوب العربية لا تدرك ولن تدرك ولا تريد أن تدرك أن الدول الغربية قبل أن تقيم الديمقراطية كنظام سياسي وقبل أن تكون الديمقراطية لديهم انتخابات حرة ونزيهة وقبل أن تكون تبادل سلطة أو استبدال أنظمة بأنظمة أو وجوه بوجوه أو أشخاص بآخرين قاموا أولا ببناء هذا النظام الديمقراطي على القيم الإنسانية والأخلاقية والحضارية الراقية. والأيام بيننا وسنرى هل ستخرج لنا الشعوب العربية بعد ثوراتها المشمش من أقفاص أورانجها؟؟؟؟.
نهرو طنطاوي كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر مصر_ أسيوط إيميل: [email protected]
#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المواقيت الصحيحة للإفطار والسحور
-
لا دية لأسر شهداء 25 يناير
-
النظام المديني وزوال الديمقراطية – الجزء الثاني
-
النظام المديني وزوال الديمقراطية – الجزء الأول
-
من أجل إنقاذ مصر
-
الدعاء في سجن (مزرعة طرة) مستجاب
-
ويل لمن تنكروا لفضل الرئيس مبارك عليهم
-
ثورة 25 يناير ثورة إسلامية بلا خوميني
-
حقيقة حياد الجيش وقراءة أخرى في المشهد المصري
-
العلاقة المشبوه بين البابا شنودة والرئيس مبارك
-
ثورة مصر: ثورة طاهرة في بيت دعارة
-
احذروا أيها المصريون: هؤلاء يتآمرون عليكم
-
شعوب تستلهم خلاصها من المنتحرين والمحروقين والغائبين
-
البطولة الزائفة للمنتحر التونسي (محمد بوعزيزي)
-
الطائفية الريفية والإجحاف بالمسيحيين
-
مسيحيو مصر ليسوا سواء
-
متى يعتذر المصري المسلم عن انتمائه للإسلام؟
-
الإعلام الخاص يحرض على الفتنة بازدرائه للمسلمين
-
أخطاء الرصد الإعلامي لتوجهات الناس تجاه الفتنة الطائفية
-
هرطقات طنطاوية على دفتر الفتنة (1)
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|