مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3447 - 2011 / 8 / 4 - 00:47
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
او بينيو روسو
تاريخ مختصر للبيينو روسو ( السنتان الحمراوان في إيطاليا ) و احتلال المصانع من قبل الجماهير في عام 1920 عندما قام نصف مليون عامل بإدارة مصانعهم بأنفسهم . تفاوضت النقابات الإصلاحية لإنهاء النزاع , فاتحة الطريق أمام الردة الرجعية الفاشية – أو ما يسمى بالبينيو نيرو ( السنتان السوداوان ) لعامي 1921 – 1922 .
بعد الحرب العالمية الأولى , مرت الطبقة العاملة في أوروبا بمرحلة كبرى من التحول نحو الراديكالية . ازدادت عضوية النقابات و زادت معها الإضرابات و المظاهرات و الانتفاضات . لم تكن إيطاليا استثناءا . كان عمالها غاضبين من الانهيار الذي تلا الحرب و كانت كفاحيتهم تتعاظم . يمكن أن نجد مثالا جيدا عن هذا في عملية احتلال المصانع في عام 1920 .
بدأ تطور النقابات الراديكالية في إيطاليا بعد الحرب مباشرة . في تورين , و عبر كل إيطاليا , كانت حركة الكوادر العمالية تنمو و كانت قاعدتها هي "الهيئات الداخلية" . قامت هذه الهيئات على أساس مجموعة الأشخاص في المصنع حيث كان هناك ممثل مفوض و قابل للاستدعاء في أي وقت عن كل 15 – 20 عامل . بعدها يقوم هؤلاء الممثلين في مصنع ما بانتخاب "هيئتهم الداخلية" التي كانوا قادرين على تغييرها في أي وقت . عرفت هذه الهئية الداخلية "بمجلس المصنع" .
في نوفمبر تشرين الثاني 1918 أصبحت هذه الهيئات قضية اهتمام على المستوى الوطني داخل الحركة النقابية و بحلول فبراير شباط 1919 كسبت ( فازت ) الفيدرالية الإيطالية لعمال المعادن عقدا يسمح لهذه الهيئات بالتواجد في المصانع . حاولوا بعدها تحويل هذه الهيئات إلى مجالس ذات وظيفة إدارية . في مايو أيار 1919 "أصبحت هذه المجالس القوة المسيطرة داخل صناعة التعدين و كانت النقابات مهددة بأن تصبح وحدات إدارية هامشية أو ثانوية" ( كارل ليفي , غرامشي و اللاسلطويون ) . رغم أن هذه التطورات جرت أساسا في تورين , فقد اجتاحت هذه الكفاحية إيطاليا مع استيلاء الفلاحين و العمال على المعامل و الأرض . في ليغويرا , بعد انهيار المفاوضات حول الأجور , احتل عمال التعدين و بناء السفن معاملهم و أداروها بأنفسهم لأربعة أيام .
في تلك الفترة نمت قوة الاتحاد السينديكالي الإيطالي إلى 800 ألف عضو و نما معه نفوذ الاتحاد اللاسلطوي ( الأناركي ) الإيطالي ( 20 ألف عضو , كانت جريدته اليومية أومانيتا نوفا أو الإنسانية الجديدة ) . قال الماركسي الويلزي غوين ويليامز بوضوح في كتابه النظام البروليتاري أن "اللاسلطويين ( الأناركيين ) و السينديكاليين كانوا المجموعة الثورية الأكثر اتساقا في اليسار .. أثر السينديكاليون في أفكار الطبقة العاملة الكفاحية الأمر الذي كان الاشتراكيون قد عجزوا عنه . كان اللاسلطويون أول من اقترح القيام باحتلال المصانع . كتب إيريكو مالاتسيتا الأناركي المعروف في الإنسانية الجديدة في مارس آذار 1920 "لم تعد الإضرابات العامة الاحتجاجية تزعج أحدا ... إننا نطرح فكرة احتلال المصانع .. لهذه الطريقة مستقبل بالتأكيد , لأنها تتماشى مع الأهداف النهائية للحركة العمالية" . في نفس الشهر أثناء الحملة السينديكالية لإقامة المجالس في ميلان دعت ( سكرتاريا الاتحاد السنيديكالي الإيطالي ) إلى احتلال المصانع من قبل الجماهير و سرعان ما تجاوب معها مفوضو مجالس المصانع .
من الواضح أن هذه الكفاحية العالية كانت ستستفز رد فعل قوية من السادة . شجبت منظمات السادة مجالس المصانع لتشجيعها "انعدام الانضباط" بين العمل و طلبت من الحكومة أن تتدخل . دعمت الدولة السادة الذين بدؤوا بتشديد القواعد الصناعية المعمول بها . نص العقد الذي كسبته الفيدرالية الإيطالية لعمال التعدين في 1919 عنى أن تمنع الهيئات الداخلية من العمل على أرض المصانع و أن تكون محصورة فقط خارج ساعات العمل . هكذا كان التوقف عن العمل للقيام بانتخابات ممثلي النقابات ( من بين أشياء أخرى ) يعتبر انتهاكا للعقد . أبقيت الحركة حية فقط من خلال عصيان الجماهير و استخدم السادة أنظمة عمل أكثر صرامة في المعامل ليحاربوا هذا العصيان الجماهيري .
لكن المواجهة الكبرى وقعت في أبريل نيسان . بعد طرد بعض المندوبين النقابيين من شركة فيات , اعتصم العمال مضربين . رد السادة بإغلاق المعمل الأمر الذي دعمته الحكومة بإرسال القوات العسكرية و بنصب مواقع للرشاشات خارج المصنع . بعد أسبوعين على الإضراب قرر العمال أن يستسلموا . رد أصحاب العمل بالطلب بأن يعاد فرض العقد مع الفيدرالية الإيطالية لعمال التعدين إلى جانب إعادة فرض هيمنة الإدارة . هدفت هذه المطالبات إلى تدمير نظام مجالس المصانع و رد عمال تورين بإضراب عام للدفاع عن هذا النظام . كان الإضراب متماسكا في تورين و انتشر إلى بيدمونت , و انضم إليه في ذروته 500 ألف عامل . دعا عمال تورين نقابة CGL و الحزب الاشتراكي للمساعدة في توسيع الإضراب على المستوى الوطني . لكن كلا من الحزب الاشتراكي و نقابة CGL رفضا هذا الطلب . النقابات التي كان للاسلطويين ( الأناركيين ) السينديكاليين نفوذا فيها "كانت أول من تحركت" ( ويليامز , النظام البروليتاري ) . رفض عمال السكك الحديدية في بيزا و فلورنسا نقل القوات العسكرية إلى تورين . بدأ عمال الموانئ و بقية الصناعات التي تخضع لنفوذ الفيدرالية الإيطالية لعمال التعدين , إضرابا تركز حوالي جنوا . لاحظ ويليامز أنه رغم "أن الحركة الاشتراكية بأكملها كانت قد تخلت عن عمال تورين" فإن المضربين في تورين "تلقوا دعما شعبيا واسعا من خلال الأفعال" .. قاد هذا الدعم اللاسلطويون ( الأناركيون ) السنيديكاليون مباشرة أو أنهم ألهموه بشكل غير مباشر . في تورين بالذات هدد الأناركيون السينيدكاليون بجعل غرامشي و شركاه خارج الحركة المجالسية .
أخيرا تمكنت قيادة نقابة CGL من إنهاء الإضراب بشروط أصحاب العمل , أي حصر مجالس المندوبين خارج ساعات العمل . انتقد الأناركيون "ما اعتقدوا أنه معنى مزيفا للانضباط الذي كان يشد الاشتراكيون بقيادتهم الجبانة . و عارضوا هذا الانضباط الذي وضع في كل لحظة تحت "حسابات" , مخاوف و الخيانات المحتملة للقادة بانضباط عمال سيستري بونينتي الذين تضامنوا مع تورين , انضباط عمال السكك الحديدية الذين رفضوا نقل قوات الأمن إلى تورين و الأناركيون و أعضاء الاتحاد السنيديكالي الذين نسوا الاعتبارات الحزبية و التنظيمية ليضعوا أنفسهم بتصرف تورينسي" ( كارل ليفي , غرامشي و الأناركيون ) .
ردا على تخفيضات الأجور و إغلاق المصانع شهد شهر سبتمبر أيلول اعتصامات و إضرابات كبرى . في منتصف أغسطس آب دعا الاتحاد السنيديكالي إلى التعاون مع نقابة CGL لاحتلال المصانع قبل إغلاقها . رأى الاتحاد السنيديكالي أن القيام بالاحتلال هذا حيوي جدا لنضال العمال يجب الدفاع عنه بكل الوسائل الضرورية و دعا لدعم بقية الصناعات . انتشرت الإضرابات بسرعة إلى مصانع الهندسة , السكك الحديدية , و النقل عبر الطرق مع استيلاء الفلاحين على الأرض . بعد احتلال المصانع وضعها العمال تحت سيطرتهم و سرعان ما كان نصف مليون عامل مضرب ينتجون بأنفسهم لأنفسهم . استمرت المعامل المسيرة ( المدارة ) ذاتيا بدفع أجور العمال و كانت هناك دوريات مسلحة لحمايتها من الهجمات . أسست المعامل المدارة ذاتيا لتضامن مباشر حيث جمعت المنتجات و قسمت مع العمال الآخرين . كانت إيطاليا مشلولة , بينما نصف مليون عامل يحتلون مصانعهم و يرفعوا فوقها الأعلام الحمراء و السوداء . انتشرت الحركة عبر إيطاليا و كان مناضلو الاتحاد السنيديكالي في خط المواجهة الأول . رفض عمال السكك الحديدية مرة ثانية نقل القوات العسكرية , و احتل الفلاحون الأرض و بدأ العمال بالإضراب مخالفين أوامر النقابات الإصلاحية .
لكن بعد شهر تعرض العمال للخيانة مرة أخرى من الحزب الاشتراكي و نقابة CGL . لقد عارض هذان الحركة و وعدوا الدولة بعودة الأمور إلى "طبيعتها" في مقابل أن تصبح سيطرة العمال شرعية إلى جانب سلطة السادة . بالطبع لم تتحقق سيطرة العمال أبدا .
لأن العمال كانوا ما يزالوا يعتمدون على بيروقراطيي CGL للحصول على المعلومات عما يحدث في بقية المدن فإنهم لم يكونوا قادرين أن يتصرفوا كمستقلين أبدا . بالتالي استخدمت النقابات هذه القوة لتعزل المعامل عن بعضها البعض . رغم أن الأناركيين عارضوا العودة إلى العمل فإنهم كانوا أقلية ( أقلية كبرى لكنها ما تزال أقلية ) و من دون دعم نقابة CGL كانوا غير قادرين على توسيع الإضراب .
بعد أن غادر العمال المصانع , اعتقلت الحكومة الأعضاء البارزين في الاتحادين السينديكالي و الأناركي . تجاهل الاشتراكيون محاكمة الناشطين التحرريين التي استمرت حتى عام 1921 عندما بدأ الأناركيون , بما في ذلك مالاتيستا , إضرابا عن الطعام من داخل السجن .
مع تراجع كفاحية العمال لجا رأس المال الكبير إلى الحركة الفاشية لسحق الطبقة العاملة القوية , و قد تحقق له ذلك لكن ليس من دون أن يواجه مقاومة عنيفة .
نقلا عن http://libcom.org/history/articles/italy-factory-occupations-1920
ترجمة مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟