محيي المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 3446 - 2011 / 8 / 3 - 11:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ندرك جميعا, ضعف العراق - في الوقت الراهن - كبلد قادر على البقاء قويا والرد على خصومه , في منطقة تعج بالمشاكل والاطماع الاقليمية والدولية التي تترصده , وندرك تماما , عمق وتأصّل الخلاف بين القوى السياسية الحاكمة في العراق, والتي مزقته وبددت ثرواته ووضعت مصيره على كف عفريت وجعلته عاجزا حتى عن الرد على دولة صغيرة مثل الكويت امعنت بايذائه . وندرك ايضا طبيعة العقيدة الدينية السياسية الغربية التي تسببت باحتلاله من قبل الامريكان, ولمل تزل تقف وراء الاحداث , وندرك ايضا عجز الشعب العراقي وانعدام قدرته على تجاوز الاختلافات والخلافات بين مكوناته , وصعوبة تجاوز الازمة التي يمرّ بها البلد . ندرك كل هذا, ولكن الذي لا ندركه ابدا - الا بعد فوات الاوان - هو, اننا " اذا بقينا على هذه الحال" نبقى رهينة لمقايضات سياسية دولية , قد نُدفع وبلدنا " مجتمعين او متفرقين " في لحظة ما الى جهة ما, "اقليمية او دولية" . نحن في العراق نمرُّ بظروف صعبة جدا وتواجهنا مخاطر كبيرة ومدمرة, قد تبدو للبعض بانها صغيرة ولا تشكل خطرا على مصير البلاد, ولكنها في الحقيقة كبيرة جدا وكارثية .
فالكويت " مثلا" لديها مسمار جحا الامريكي , الذي لن يسمح لنا ولو للحظة واحدة بالهدوء والعمل على بناء بلدنا . فقد جعلت امريكا من الكويت مصاص دماء لا يشبع من دماء العراقيين, بعد حرب الخليج الثانية . وقد تكون البصرة ثمنا نهائيا للكويت في آخر المطاف, بدل ان تستعيد البصرة الكويت . قد يحدث هذا بعد ان يُنحر العراق بشكل نهائي , وتقسّم اوصاله على اخوة اسرائيل من العرب والكرد والترك والايرانيين , وفق مخطط انثريولوجي يُدعى بنبوءة او خرافة - المخلص ومعركة هرمجدون –
انّ حال العراق المثيرة للشفقة هذه الايام , هي, ان الدماء العراقية الغزيرة التي امتصتها وتمتصها الكويت منذ مطلع التسعينات قد اثارت شهية وأسالت لُعاب دول عديدة كان ابرزها ايران المنفتحة شهيتها اصلا على الدماء العراقية . وقد اعلنت ايران قبل ايام امام العالم مطالبتها بتعويضات من العراق عن حرب الخليج الاولى . مثلها مثل الكويت . تعويضات عن تلك الحرب التي دفع العراق فيها ملايين الارواح ومليارات الدولارات . دفاعا عن الكويت واخواتها العربيات المتغنوجات بين احضان امريكا واسرائل وبريطانيا . دفع العراق كل ذلك الثمن من اجل الدول العربية عامة ودول الخليج خاصة, التي سال من اجلهنّ لعاب الثورة الاسلامية الايرانية في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي . ايران مثلها مثل الكويت شهيتها مفتوحة على اللحم والدم العراقي . ولكنها اخطر بكثير من الكويت لان الاخيرة ليست دولة بل - تايوان العراق – خلقها الغربيون لاغراض ستراتيجية, من اجل التحكم بالمنطقة . بينما ايران دولة وحضارة وتاريخ , ولكي لا ننسى فان بعض الساسة العراقيين طالبوا بالتعويضات لايران قبل ان تطالب الاخيرة بها لنفسها .
اليوم نحن امام جارين خطرين , الكويت – ومن وراءها - تريد تدمير العراق باية صورة , سواء بخنقه بحريا بميناء مبارك او بالتعويضات اللامتناهية او بالتخريب المباشر وغير المباشر من خلال تخريب الاقتصاد او دعم الجهات والميلشيات الساعية الى تمزيق البلاد . او من خلال استغلال القرارات السياسية الدولية الظالمة التي قيّدت العراق ابان حكم صدام . ويأتي مينائها بمثابة الرصاصة الاخيرة التي تريد اطلاقها على الاقتصاد العراقي . اما ايران فان الصراع معها ابدي منذ آلاف السنين ومن يقرأ التاريخ القديم والمتوسط والمعاصر يدرك جيدا ان الصراع صراع هيمنة ووجود وليس كما يصوره "العرب المرضى" بانه صراع طائفي . قد تبدو ايران لبعض الشيعة دولة اقل خطرا من غيرها ولكن الحقائق على الارض تؤكد غير ذلك . ومن يريد التأكد من هذه الحقائق ليذهب الى الجنوب العراقي – الشيعي - الذي اخترقت ايران وجوده البشري مخابراتيا . وقطعت ماء نهر الكارون عنه وافاضت عليه ماءها الآسن والمالح لتقتل الزرع والضرع وتدمر الاهوار . باختصار ايران تهدف الى تدمير البيئة العراقية باكملها – انسانا وحيوانا وزرعا , مناخا وارضا , ايران التي اخذت من صدام شط العرب العراقي بأمتياز واخذت منه حقول نفط ضخمة مثل حقول مجنون . واخذت ارضا وثروات اخرى , ايران هذه نجدها في الوسط قد فعلت الشيء نفسه الذي فعلته في الجنوب ويخبرنا عن هذا جفاف نهر الوند وبعض الروافد التي كانت تصب في العراق . كل هذه الاعتداءات والاضرار وقعت على ارض يسكنها شيعة , ما يعني ان ايران لا تحركها الطائفية مثل العرب الذين قتلوا العراق تشفيا وشفاء لغلهم الطائفي . ايران لا تهتم ابدا لابناء مذهبها الديني في العراق بل تمعن بايقاع اكبر الضرر فيهم . قد نجد لها ولتركيا عذرا في قصف الاراضي العراقية الحدودية في الشمال , لان المواثيق الدولية تحرم استخدام اراضي الدول في ايواء محاربين ضد دول اخرى . ولكننا لا نجد أي مبرر لما تفعله ايران والكويت وحتى تركيا في بقية الافعال التي اوقعت وتُوقع اكبر الضرر بالعراق .
امّا الغريب فاننا نجد الساسة العراقيين مع كل هذا الاذى الذي يلحقه الجيران بالعراق لم نلمس أي رد منهم , لا على ايران ولا على الكويت ولا على تركيا , طبعا لا اقصد هنا الرد العسكري لان العراق قد غادر بعيدا جدا عن هذا الخيار منذ التسعينيات. ولا اقصد الرد الصوتي والمهاترات السياسية والاعلامية . بل الرد السياسي والاقتصادي والدبلماسي . ايران والكويت وتركيا يغرقون الاسواق العراقية ببضاعهم التي وفر لها الساسة العراقيون سوقا ذهبية داخل البلاد , وكأنّ العالم لا يستطيع انتاج بضائع رديئة مثل بضائع الجيران . أمَا كان حريا بالساسة العراقيين ان يفتحوا السوق العراقية لدول اخرى بضائعها اجود من بضاعة الجيران ؟ اما كان حريا بهؤلاء الساسة العراقيين ان يستخدموا السوق العراقية ورقة في العملية السياسية من اجل كسب دول فاعلة ومؤثرة لتكون الى جانبهم في مقاومة اطماع الجيران, مقابل فتح السوق العراقية لبضائع هذه الدول الفاعلة والقوية , لتقف مع العراق لايقاف الجيران عن التمادي في ايقاع الضرر الاكبر بالعرق وتدميره !؟
مع كل هذا, انني ارى: ان الوقت لمّا يزل متاحا للعراق لان يوقف هجمة دول الجوارعليه ويرد كيدهم الى نحورهم . فميناء مبارك – اذا اصر الكويتين على انشائه ودعمتهم دول الخليج وامريكا والغرب دون حق ضد العراق – فان العراق بامكانه انشاء ميناء الفاو الكبير بمواجهة هذا الميناء , على ان لا يسمح العراقُ لاي بضاعة تخرج من ميناء مبارك بان تمر عبر الاراضي العراقية . وبهذه الحال سوف يكون الميناء الكويتي قد ولد ميتا او هو ديكور فقط ولا فائدة منه, لانه انشأ اصلا ليكون مركز بضائع تشحن الى دول اخرى من خلال الاراضي العراقية . الكويت لا تستطيع باي شكل من الاشكال ان تنتفع من الميناء او تضر العراق حتى مع عدم انشاء ميناء الفاو ولكن بشرط ان يتخذ العراق قرارا ستراتيجيا ابديا بمنع مرور بضائع هذا الميناء عبر الاراضي العراقية . وللعراق ايضا ان يدمر الشركات الكويتيه التي اتخذت من العراق سوقا لها من خلال مقاطعتها ومنع بضائعها دخول العراق واستبدالها يشركات عالمية افضل منها بضائعا . ولكن للاسف نحن نشهد اتفاقيات تجارية واستثمارية مع الشركات الكويتية حتى في مجال النفط والغاز, مع علم الساسة العراقيين ان هذه الشركات ما وجدت الا لتدمير العراق . وللعراق ايضا ان يعيد موضوعة تبعية الكويت للعراق الى الثوابت الوطنية . واذا كانت بعض الاتفاقيات السياسية الدولية تمنع ذلك فان السياسة لا قرار لها ولا بد ان يأتي يوم ويجد العراق فرصته لاستعادة الكويت . المهم ان تظل الكويت تحت بند عراقي يطالب باستعادتها للبلد الام العراق .
اما ايران فان مصالحها عبر الاراضي العراقية اكبر من الكويت لان ايران تريد تصدير غازها الى اهم اسواق دول العالم, ولا يمكنها ذلك الا من خلال الاراضي العراقية , ولكن للاسف الشديد رأينا العراق وقد وقّع قبل ايام اتفاقا يقضي بمرور الغاز الايراني الى اوروبا عبر الاراضي العراقية, وهذا القرار قرار مشبوه ويجب اعادة النظر فيه . وايران لديها مصالح شعبية حتمية داخل العراق كالحج الى الاماكن المقدسة في العراق . وهذه ورقة عراقية لابد لايران ان تدفع ثمنها للعراق مثل ثمن مرور الغاز . وايران تعادي امريكا والسعودية وبامكان العراق الاتفاق مع البلدين – امريكا والسعودية - لمواجهة ايران وتكبيها خسائر جسيمة . وايران لديها مشاكل مع الاكراد ولديها معارضة تتخذ من الاراضي العراقية مقرات لها , وهذه ورقة اخرى للضغط على ايران من اجل ان تعيد حقوق العراق الى اهله . وللعراق ورقة ضغط اخرى هي المنابر الدولية بخصوص تقاسم مياه الانهار والحدود , وللعراق ارضي تحتلها ايران وسكانها عرب عراقيون مثل الاحواز وبامكان العراق تحريك هذه القضية شعبيا داخل العرب ايرانيين وعالميا في المحافل والمحاكم الدولية . ولكي لا نتهم بالعمى علينا ان نشير الى ان لايران داخل العراق عملاء وشرائح شعبية عقائدية قد تحركها ايران ضد النظام في العراق . ولكن الذي يحمي العراق من هذ القوى نظامه الديمقراطي ودستوره الذي منح الحريات لكافة شرائح الشعب دون المساس بامن وسلامة البلاد , وهذا يمنح العراق قوة سياسية ودولية لمنع اعوان ايران من العبث بالعراق , بينما نظام ايران الديني ليس ديمقراطيا ما يسمح بقيام معارضة ضده كحقوق انسانية سياسية تسمح بها المواثيق الدولية .
ندرك مما سبق ذكره ان لدى العراق اوراقا كافية لكبح جماح دول الجوار . اوراق تعطل كل مشاريعهم التخربية والضارة بالعراق . اوراق اذا ما استخدمها العراق بذكاء وحنكة سياسية , سوف يجد ان دول الجوار قد اصبحت اكثر ايجابية وتعاونا في علاقتها معه . ولكن, كل هذا لم ولن يحصل مع التشرذم السياسي الحالي والمصالح الشخصية لرؤوساء الكتل السياسية والافق الضيق للفرقاء السياسيين . ونعدام وجود مؤسسات سياسية ترسم خارطة وطريقا واضحا للبلاد وتحدد الاولويات وتضع الخطط الستراتيجية والبرامج التنفيذية وفق معايير علمية وحسابات دقيقة ومدروسة .
#محيي_المسعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟