أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود فنون - المصنع الثوري في السجون















المزيد.....


المصنع الثوري في السجون


محمود فنون

الحوار المتمدن-العدد: 3445 - 2011 / 8 / 2 - 14:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ان ارادة الثورة ارادة خلاقة, ويستطيع الثوري ان يحول الكثير من الموجودات العادية الى امكانيات ومقدرات ثورية ويستخدمها بشكل ثوري ,كما انه يستطيع خلق عالما خاصا موازيا ومتداخلا مع الظروف القاسية المحيطة, ومن مركباتها ذاتها,وينمو ويتفاعل داخلها مختلفا معها وعنها ويستمر في النمو والارتقاء حتى يصبح حقيقيا ويحمل توجهات نقيضة لها .
هكذا بدأت الحالة في السجون ومنذ البداية .
فالسجون تاريخيا حالة قمع واضطهاد ,وحبس لطاقات المناضلين في صدورهم, وقطع سياق ممارساتهم الكفاحية ,وعزلهم بوصفهم طلائع ,عن جماهيرهم,وحتى عن اعتزازهم البسيط بانتمائهم الكفاحي المتميزفي الحالة الجماهيرية .
والعدو يستطيع ان يفعل ذلك بالمناضلين ويستطيع عزلهم عن جماهيرهم والتحقيق معهم وقطعهم عن عالمهم بل وحشرهم في عالم السجون البغيض لاي فترات زمنية يريد ,بغية حماية ظلمه واضطهاده ومصالحه واحتلاله.
فاستراتيجية العدو اذن واضحة بل انها لا تتوقف عند حدود التقييد والمنع وانما تتعداها الى خلق مؤثرات تنعكس على انسانية الانسان, واهدافه وطموحه وحلمه, وتنعكس عليه نفسيا وجسديا .ويؤمن كل الظروف اللازمة لتحقيق هذه الغايات ,بما فيها الحرمانات التي لا حصر لها.
ونسجل هنا مسألة هامة يجب الانتباه لها :فالعدو الذي يدير السجون له قيادة سياسية واحدة تضع الخطط والسياسات وتمتلك الكادرات والامكانيات لتحقيقها .فالامر ليس مجرد احتجاز في مكان ,ان هذا المكان هو جزء من فاعلية ونشاط سياسي هادف يتم في هذا المكان الملائم ,كما ان هذا العدو يمتلك خبرة الاستعمار الاوروبي ومدرب على يديه ,بل ان الكثيرين من كادراته في البداية كانت تعمل وقبل 1948 في مؤسسات الاستعمار الانجليزي والفرنسي وفي اماكن عدة.ان العدو اذن مؤهل مهنيا ويستطيع ان يشتغل سجان .
هذا الجزء الاول من اللوحة .فما حال الجزء الثاني ؟ما حال الانسان الفلسطيني الذي احتشد في السجون بالمئات والآلاف,وعلى حين غرة .كيف واجه مصيره ؟.
ونسجل هنا مسألة أخرى هامة :ان غالبية الذين التحقوا بالعمل الفدائي الفلسطيني في بداية الاحتلال هم من الطبقات الشعبية, ولم يكونوا في أغلبيتهم قد تلقوا تأهيلا يذكر.وفي بداية الاحتلال كانت الممارسة الرئيسية ضد الاحتلال تعتمد على المقاومة شبه العسكرية ,حيث كان المقاومون ينتظمون في شبكات شبه عسكرية بسيطة(فدائيين),ومتسللين عبر حدود الوطن ,وكل من ساعد وكل من شاهد وكل من اعتقد العدو انه قام بأي دور ,ويتم اصطياد معظم هذه الشبكات ومن حولهم وبأعداد تصل الى العشرات, ويتراكم العدد الى المئات فيودعوا في السجون, وهم غير مزودين بزاد السجن. وذلك في مقابل من ذكرنا انهم مؤهلين مهنيا ومزودين بالخبرة والتوجيه النسبيين بمقاييس ذلك الوقت ,وبقيادة تدير الامر وتتابع تفاصيله في اقبية التحقيق وفي مراكز التوقيف والسجون .
لقد كانت طاقات الشعب قبل الاحتلال محجوزة تحت الحكم الأردني الذي كان يمنع كل انتظام وكل استعداد للمقاومة قدر طاقته, وبحزم وبقتل, واعتقال للمناضلين وللحركة الشعبية ,ويحظر الأحزاب ويلاحقها.
كما أن الفصائل الفلسطينية التي برزت في ذلك الوقت وهي الشعبية وفتح كفدائيين,لم تؤهل كادراتها الجديدة بما يكفي لاحتمالات السجن مع أن الفدائيين حكما كانوا مستعدين للتضحية بارواحهم وقد اقبلوا على العمل الفدائي بالآلاف من الطبقات الشعبية, حاملة معها تخلفها كما ذكر جورج حبش في حينه .فماذا كان نصيب السجون إذن؟
هي حفنة من الشباب الطلائعيين الذين مثلوا استمرار العمل التنظيمي من اصل احزاب الحركة الشعبية من القوميين العرب الذين استمروا مع الجبهة الشعبية ومن الشيوعيين والبعثيين والقوميين الذين آمنوا بالكفاح المسلح والتحقوا بفتح .
لا بد أن نسجل لهؤلاء فضل البداية ,والتي استمرت بنجاح على أيديهم ,وساعدهم من تتلمذ عليهم وحمل رايتهم وتشرب أفكارهم وتمثلها وأبدع عليها .وبالمناسبة كان هؤلاء متعلمين ,وكان والقليل منهم يحمل شهادة جامعية أويحملون زادا من الثقافة,أولديهم ما يقدموه بالاضافة الى خبرة السجون.
اذن كان بين فيض المعتقلين الكثيف من فتح والجبهة الشعبية وقوات التحرير الشعبية,و قلة منهم تملكت درجة من الخبرة في السجون الاردنية والسجون العربية ,ومسلحة في ذات الوقت بثقافة وطنية وتؤمن بالمستقبل وحتمية التغيير لاحقا وتؤسس له.
لقد فعل هؤلاء فعلهم بقدر ما امتلكوا من الصفات الطليعية بمعناها الواسع وبمقدار ما امتلكوا من احترام ودراية وقدرة فائقة على التعامل مع الآخرين وسوسهم.وتعاملوا مع السجون على انها قاعدة اعداد واسعة بما فيها هذه الالوف من ابناء شعبنا.
وعلينا ان نلحظ الفرق بين معتقلين متجمعين عشوائيا وبين اسرى الحرب من الجيوش .
فاسرى الحرب ينظمهم الضبط والربط العسكريين, وطاعة الادنى للاعلى ووجود الرتب العسكرية المميزة للافراد والقائدة حكما مما يساعد على انتظامهم فورا ويسهل قيادتهم مهما كان عددهم.
ان هذا كله لم يكن متوفرا في السجون مما جعل مهمة هؤلاء الطلائعيين صعبة ومستحيلة, .يضاف الى ذلك ان الطبقات الشعبية بمقدار ما هي اصيلة ومستعدة للعطاء, فانها غير معتادة على الانتظام, بفعل استمرارية الحياة الفلاحية والتي تميل للخضوع للنمط العشائري والفردية , اكثر من الانضباط للجماعية التنظيمية المتعارف عليها للعمل السياسي والضروري جدا في حالنا هذا. فالعمل التنظيمي اطارا للتربية والتثقيف والتنظيم والادارة والمهمات المحددة, كاطار للعمل السيلسي المنظم, بديلا عن النخوة والفزعة .واذا ما تذكرنا ان العدو لا يهيء الظروف بل يصعبها .فما ان يلحظ بروز كادر حتى يتخذ ضده الاجراءات بالعزل والزنازين والنقل ,ويمارس كل ما من شأنه تفسيخ اللحمة الآخذة في التكون .
في عام 1970 قامت ادارة سجن بئر السبع بعزل كل من اعتقدت انه كادرا مؤثرا وذلك في قسم خاص وبعيد عن باقي الجسم العتقالي كي تحجز تأثيرهم,وفي سجن عسقلان ملأت الاكسات عزلا لمدد طويلة وكانت دائما تسعى لتفريغ سجن نابلس المركزي من الكادرات المتقدمة,وهكذا في كل السجون .
لقد ارتفعت راية النضال في السجون ومنذ البداية وبدون تأخير ومنذ عام 1967 ومن الضروري ان ننوه ونكرر بدور وطلائعية عدد من كوادر الحركة الوطنية الذين حملوا الراية وتمكنوا من ممارسة تأثيرهم وتوعيتهم وتعبأتهم وتوجيههم وقيادتهم للمعتقلين وان نذكر ان المعتقلين كانوا بحاجة ماسة لدور هؤلاء الطلائعي والطليعي.
وخلال فترة قصيرة تحولت السجون الى ما يشبه مقر من مقرات الحركة الفلسطينية ومركز تأهيل تنظيمي لكادراتها وأعضائها.ومؤسسة تثقيف وتوعية وتعبئة بالاضافة الى فرصة كبيرة لتلقي العلم والمعرفة وتعلم اللغات والفلسفة والاقتصاد .وقد امتد هذا الوضع لسنوات طويلة .ثم فتر هذا الدور بعد اتفاقيات اوسلو والمناخات التي تشكلت داخل السجون على اثرها .ولا زال له آثار طيبة وخاصة بعد موجة اعتقالات انتفاضة الاقصى فالوضع السياسي الهابط في فترة مفاوضات واشنطن واتفاقات اوسلو عكس نفسه بقوة على المعتقلين وتحولت اهتماماتهم ,ثم تنامى الوضع الوطني خلال انتفاضة الاقصى فتحسن الوضع في السجون قليلا.
ان البداية هي المحطة الاساس ,وتميزت بقسوة المعاملة وعزل المعتقلين عن بعضهم البعض والقطع بين الغرف بحيث لا يتأتى لسكان غرفة ان يتواصلوا مع سكان غرفة أخرى كما كان الحال في سجن بئر السبع طوال سنوات .وتميزت كذلك بقلة المصادر,والامكانيات اللازمة. ففي البداية بالكاد يتواجد قلم ,وكانت الاوراق التي تغلف الاطعمة هي ورق الكتابة الذي تكتب عليه الرسائل والموضوعات .
ان اول مهمة وابرز واهم مهمة هي التنظيم .ان دمج هذا الفيض من رواد السجن في بناء تنظيمي مثل المهمة المفتاحية لكل عمل السجون لاحقا.والعمل التنظيمي في السجون احتاج الى ما هو اكثر من خبرات وطاقات الكادر :لقد احتاج اولا الى الاعتراف بالقائمين على العمل ,وهؤلاء توجب عليهم بعد ذلك اقناع واستقطاب الافراد من ذات التنظيم, ولنقل عناصر الجبهة الشعبية .فهؤلاء لم يكن لديهم ادنى فكرة بأنهم سيواجهون في السجون كوادر ترى نفسها مسؤولة عنهم وتقوم بقيادتهم وضبطهم"وتوجه سلوكهم"..وتنظمهم.
لقد أخذت نسبة من الافراد بالانصياع شيئا فشيئا حيث أخذت البدايات تتجذر وتعطي اكلها وتشكل حافزا لطرفي العملية ومشجعا للذين لم ينتظموا, بعد ان لاحظوا المزايا المتحققة وبعد ان لاحظوا المثابرة والجهد المبذول والذي يستحق الاحترام, فانعكس ذلك احتراما وتوقيرا للطلائعيين الاوائل,وشكل تسهيلا اضافيا لمهمتهم الداخلية وعكس نفسه كقوة مثل على الفصائل الاخرى.
وفي هذا السياق قام المعتقلون بدور تحريضي وتربوي من اجل حقوقهم وردا على فحش المعاملة اليومية التي يتلقاها المعتقلون بما فيها الضرب ورداءة الطعام والتحكم في كل صغيرة وكبيرة.وعددا من المطالب الحيوية البسيطة ,مثل تأمين الكتب والاوراق والاقلام وتحسين شروط النظافةا....وقد امكن اقناع المعتقلين بشن الاضرابات عن الطعام ,وتقديم الشكاوي للصليب الاحمر وتقديم الشكاوي للمسؤولين بواسطة المحامين وما شابه ,وكذلك الامتناع عن العمل في شباك التمويه للدبابات او ما يستشف انه للجيش. وخاضوا المعارك المتكررة ضد ادارة السجون ,وتحملوا نتائج التعسف الذي كانت تمارسه الادارة ردا على احتجاج المعتقلين.
في غضون ذلك ومصاحبة للعمل الجماعي برز الابطال والمتميزون الذين صمدوا في وجه آلة القمع ودفعوا اثمانا باهضة وتضحيات جسيمة .وكانت الادارة تعمد الى سحب كل موجودات المعتقلين وأشياؤهم وتمنع الراديو والجريدة ,وتقوم بحملة تنقلات داخلية وخارجية في محاولة منها لكسر ارادة المعتقلين .
ان هذه المعارك ,الصغيرة منها والكبيرة, قد شحذت همم المعتقلين وحسنت من انتظامهم وانضباطهم ’وشدشدت علاقاتهم الداخلية ,فما كانت هذه المعارك لتخاض لولا اقتناع المعتقلين وعلو نخوتهم وهمتهم وتزايد احساسهم بكرامتهم,وطاعتهم للمسؤولين الذين يقودونهم للتضحيات التي لا تعرف حدود ,وانهم على مستوى الامر .اما الكادرات الاولى فقد تنسكت ,فأغلب الوقت يقرأون ويكتبون ويحاضرون ويعالجون المشاكل والقضايا اليونية .انهم يعلمون ويتعلمون ويعلمون,وقليلا ما يتاح لهم الفرصة للتسلية والترويح بمفاهيم السجون في مرحلة البداية التي نتحدث عنها.
لقد جمعت بدايات الحركة الوطنية كما من الناس تمكن هذا الكم من ادارة شؤونه الداخلية ونظم علاقاته بادارة السجون بما يعتقدون انه يحقق مصالحهم ويحمي افرادهم من اهداف العدو ويمكنهم من اعادة تربية انفسهم بوصفهم مناضلين وطنيين.
وبعد ان نضجوا وفلحوا في مهمة بناء انفسهم كحركة وطنية في السجون تطلعوا على الفور لعالم خارج السجون .وهم منذ البداية قد لحظوا ان جهدهم الجماعي والذي حكما يتمخض عنه ارتقاء للكادرات سيصب في النهاية في مصلحة العمل الوطني في خارج السجون وخاصة بعد ان نضجت الرؤيا الانتقادية لطرائق العمل والتنظيم الموجودة .
موقف نقدي من التجربة التنظيمية
لقد تسلح المعتقلون برؤيا نقدية لقيادة الفصائل وطرائق قيادتها للداخل ونتائج عملها وأخذ المعتقلون يبدعون مما تعلموه ويبلورون فكرتهم عن طرائق العمل الثوري بكافة مركباته السياسية والتنظيمية والكفاحية والادارية وطرائق انتظام العلاقات الداخلية وعلاقة الداخل بالخارج .وقد تميزت الجبهة الشعبية بمثل هذا الطرح وساهمت مع غيرها في بلورة افكار تنتقد التجربة المحققة قبل ايلول ,وخاصة ان العمل الفدائي من الاردن قد توقف تقريبا بشكل نهائي,وتراجع العمل الفدائي عموما من الداخل ومن الخارج الى حدود دنيا. وبالتالي اخذت تبرز فكرة التنظيم السياسي بدلا من المجموعات والشبكات التي كانت تمثل توجه الخارج الاساسي.
لقد كانت الشعبية تملك فكرة التنظيم السياسي من البداية اكثر من غيرها ولكن الرؤيا كانت محصورة في وضعية تدعم العمل العسكري وليس بناء تنظيميا يؤسس لكل اشكال النضال ,لقد كان هاجس الضربات وهو امر مشروع يلقي بظلاله دوما على طرائق العمل والبناء, مما طرح ضرورة معالجة هذا الامر بشكل اكثر علمية وبالاستفادة من تجارب متعددة للشعوب المناضلة.
لقد درس المعتقلون تجربتهم الخاصة في العمل الوطني الفلسطيني, وكانوا قد راكموا كما هائلا من التجارب للافراد والمجموعات, وكيف بنيت وكيف ضربت ومسحت وانتقلت الى السجون, .واستغرق توصلهم الى الجرأة النقدية فترة ليست قصيرة واساسها انهم مستعدون للعودة للعمل النضالي في حال تحررهم,ولكن ليس بنفس الطريقة التي تؤدي الى هلاكهم,وكثيرون كانوا يتخيلون طرائق ذات قيمة فردية, ولكن جماع السجون, وما تركز فيها من وعي واحساس وطني عميق, قاد الى بناء افكار نظرية, تشتمل على معالجات لاشكاليات البناء والنضال تحت الاحتلال.مؤكدا مرة اخرى ان الاستعدادات الجماعية للتواصل الكفاحي داخل وخارج السجون مع ادراك عدم كفاية التجارب الاولى,بالاضافة الى النضج الانساني والثقافي والوطني للكادرات ,كل هذا قد ساهم في تشكل الموقف النقدي للحصيلة السابقة من الفشل, رغم ما فيها من بطولات وبعض التجارب المميزةالتي يمكن التطرق لها في مجال آخر.
لقد تكرس النقد للطرائق المتبعة ولبعض الافراد من الجبهة(في اطار الجبهة)ومن فتح (في اطار حركة فتح)ولكن بتفاوت بين الفصيلين حيث كان جزء من اعتقاد كادر فتح ينصب على ان فتح منظمة عسكرية...كذا
وقبل 1974 كانت الرؤيا السياسية للفصائل المتكونة في السجون متقاربة تقريبا ويوحدها شعار تحرير فلسطين من النهر الى البحر ثم برزت خلافات وتناقضات في المواقف السياسية.
ان التجربة التنظيمية قد ارتقت واعطت اكلها في داخل السجون ورفدت الساحة الخارجية بعشرات الكادرات المؤهلة نسبيا للعمل التنظيمي باشكاله المختلفة وانضوى في التجربة الغالبية الساحقة من المعتقلين وتقلص "المنفلشون" الى الحدود الدنيا ثم تم عام 1975 اخضاع جميع المعتقلين للبنى التنظيمية القائمة عبر تعميم مشترك صادر عن الجبهة الشعبية وفتح والقيادة العامة والديموقراطية وجبهة النضال الشعبي والصاعقة ,بحيث يكون كل سجين مضطرا لان يكون بمسؤولية التنظيم الذي اعتقل باسمه ويلتزم بقراراته العامة ويحاسب من خلاله.
لقد مثل هذا التعميم نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة في حياة المعتقلين .
الموقف من الاعترافات في التحقيق
لقد توقف المعتقلون بشكل او بآخر امام تجربتهم في التحقيق .ولان الكثيرين شرحوا تجربتهم في التحقيق وكيف تهاونوا امام المحقق ولان التحقيق ولان محطة التحقيق, مثلت عنصر الهدم الاكبر لتجربة الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل ,فقد كان لا بد من الوقوف أمامها .ان الكثير من التجارب البنائية الهامة في حياتنا في الارض المحتلة قد هدمها بناتها بانفسهم نتيجة سوء ادارتهم للامر ,وعدم صمودهم وكادراتهم في اقبية التحقيق.فكانوا يقدمون اعترافات تطال كامل التجربة فيتم مسحها وايداعها في السجون .
لقد كانت المشكلة الاكبر في اتخاذ موقف نقدي جريء من تجربة التحقيق ,ان الكثير من قيادات السجون لم تكن قد مثلت تجربة بطولية على هذا الصعيد ولم تكن قيادات الفصائل في الخارج تولي هذا الامر اية اهمية .ويمكن القول ان هذا الموقف المائع ظل سائدا حتى اليوم وبسبب التجارب غير المحترمة للكثير من القيادات من الصف الاول ,واحدهم دخل السجون ووقدم كشفا تفصيليا بكل البنى التي يقودها وجلب وراءه حمولة عدة باصات ومع ذلك يظل مثل هؤلاء يتمتعون بالقاب القيادة وامتيازاتها دون مسائلة من أحد ويقولون لا يكلف الله نفسا الا وسعها وسمي باسم الله وضع كل شيء بين يدي المحقق. ان هؤلاء القادة استوجبوا المحاسبة قبل غيرهم ليكونوا عبرة للجميع.
لقد جمع كراس" فلسفة المواجهة وراء القضبان "كل ما يمكن ان يقال في هذا الامر والذي رفع شعار الاعتراف خيانة, وقد تبنته بعض الفصائل وخاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, ومثل قادتها اروع آيات الصمود في اقبية التحقيق واصبحوا في تلك الحقبة وما زالوا قدوة ومثلا يشار له بالبنان والنسبة الكبرى من كادراتها جرعت المحققين مرارة الهزيمة وخرجوا من الاقبية مرفوعي الرأس.
النظرة الى القيادة في الخارج
وبالرغم من النضج السياسي وامتلاك ملكة تحليل للواقع السياسي في حركته وبالرغم من اتساع فرص النقاش السياسي التي كانت تملا السجون وبالرغم من الآلام التي تجرعتها الحركة الوطنية الفلسطينية نتيجة ايلول وما تلاها ,فان الحركة الاسيرة ظلت تنظر لقياداتها في الخارج بقدسية وهذه حقيقة ,وهي حقيقة يصعب تفسيرها بغير الإيمانية الموروثة بالزعامة الحكيمة والمخلصة والتي لا يطالها النقد .لقد درجت انتقادات متبادلة في كثير من الأحيان من قبل فصائل تجاه قيادة تفصيل آخر ,ولكن ظل من الصعب توجيه النقد الذاتي وفي أحيان كثيرة كان الكادرات يتجنبون تشخيص القيادة بأسماء وإفراد ويكتفون باسم القيادة قالت والقيادة قررت ..
لقد عكس هذا الموقف النقدي الخجول نفسه لاحقا ,هذا الموقف الخجول الذي تجنب الأسئلة حول أسباب الخسارة في الأردن وعدم تقدم الثورة بالرغم من علو اسمها في لبنان ,وانتشار أسماء قادتها مع زيادة لهم في الاحترام والتبجيل وتعاظم منزلتهم عند الحكام العرب .لقد عكس هذا الموقف نفسه على كل المرات التي تشكلت فيها الجبهة الوطنية ولجنة التوجيه الوطني وفيما بعد القيادة الموحدة .
طوال الفترة التي كان فيها الحاج أمين الحسيني في الخارج بعد هروبه سنة 1937 وحتى عام 1948 لم تتشكل قيادة في الداخل تباشر العملية الوطنية وظل مركز القيادة في الداخل شاغرا لعدم الموثوقية بأي شخص أو هيئة تتسلم هذه المهمة في الداخل بغياب فضيلة الحاج أمين الحسيني .
ومنذ بدأت تتشكل وتنضج الحركة الوطنية في الأرض المحتلة في النصف الثاني من السبعينات, رفعت شعار" القيادة في الخارج "ولا أحد بمستوى القيادة في الخارج.وهكذا ظلت القيادة خارج النقد وتعطلت بذلك أية إمكانيات إصلاح مبكرة .لقد برزت ظاهرة جديدةفي النصف الثاني من السبعينات في السجون ةهي دفاع كادرات فتح عن ابو عمار وقيادته الحكيمة بل وعن حكمة القيادة التي يتمتع بها والتي تفسر المواقف التي يتخذها والتي ليس لها تفسير عقلاني بالتحليل السياسي الذي يقوم به المعتقلون,و في ختام النقاشات كان احدهم يتقدم "ويقول هذه حكمة القيادة التي لا نعلمها ونحن نثق بهذه الحكمة"
خاتمة وليس نهاية
وفي الحقيقة لقد كبرت هذه الحركة وتصلب عودها في معمعان النضال والتضحيات واصابت واخطأت في هذا السياق ولكنها انضجت عناصر المعتقلين وحفظتهم من الضياع عبرة عملية صراعية مع العدو المدجج بالامكانيات والمقدرات والسياسات والتوجيهات وكل وسائل القمع ,فما ان وعي الفلسطيني المعتقل ذاته الوطنية حتى امتلك ارادته الجمعية والفردية وافشل بالاجمال مخطط الاسقاط الجماعي وقلص الى الحدود الدنيا امكانيات الاسقاط الفردي ووقف قبالة العدو ندا بند.
وفي ذات السياق تم بناء مئات الكادرات التي غادرت السجون مسلحة بخبرتها واعادت بناء الاوضاع في ساحة الداخل مجسدة بذلك ما توصلت اليه من رؤى وخبرات ,وبكفاءة انجزت تجربة الداخل المشهودة والتي استمرت في الارتقاء حتى بلغت الانتفاضة المجيدة عام 1987 وذلك عبر عملية كفاحية وبنائية متصلة جمعت حولها عشرات الآلاف من ابناء شعبنا في الداخل الفلسطيني.
لقد كانت ارادة المعتقلين ارادة ثورية خلاقة تعاملت مع واقعها المر بروح المستقبل وخلقت في السجون منذ اوساط السبعينات وحتى ما قبل اوسلو اوضاعا لا تزال مثار اعتزاز الثوريين من كل الفصائل,وكانت اوضاع البداية في السنوات الاولى في غايةالصعوبة وقد واجهتها الحركة الاسيرة باعجاز يعز على الوصف ولم تنكسر (ليس من السهل توصيف ما كان يحصل للفدائيين في اكسات عسقلان ,ومع ذلك واجهوا ادارة القمع وتفوقوا عليها وتقدموا الى الامام مرفوعي الرأس وربما نتعرض لبطولات السجون في مقالات أخرى)



#محمود_فنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانقسام سايكس بيكو جديدة
- تعليق على خبر على صفحة انصار الاسرى
- رسالة مفتوحة الى رئاسة المجلس المركزي الفلسطيني
- نحو حكومة توحد جزئين من الوطن حكومة توحد الوطن وليست حكومة و ...
- رسالة الى المعتقل احمد قطامش
- رد على رد ابو العز بخصوص مقالتي حماس المصالحة التنسيق الامني
- حماس.المصالحة.التنسيق الامني
- قراءة في انماط الاتصال الجديدة
- حجم الاستجابة لدعوة فلسطين
- خمسة حزيران يزحف نحونا
- هل يجوز زواج مختلفي الاديان محمود فنون
- الخامس من حزيران يزحف نحونا
- المصالحة الفلسطينية!ماذا تعني؟
- مسار الربيع العربي
- اليوم ذكرى الخامس عشر من ايار خطوتين الى الوراء خطوة الى الا ...
- اليوم ذكرى الخامس عشر من ايار خطوتان الى الوراء خطوة الى الا ...
- لوحة التناقضات العالمية واثرها على الثورة العربية
- الخامش عشر من ايار ذكرى مريرة
- وقفة امام الخامس عشر من ايار
- الورات قاطرات التاريخ


المزيد.....




- الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر ...
- هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
- الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو ...
- دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
- الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل ...
- عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية ...
- إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج ...
- ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر ...
- خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود فنون - المصنع الثوري في السجون