|
جيوش الصائمين وكتيبة المفطرين
علال البسيط
الحوار المتمدن-العدد: 3442 - 2011 / 7 / 30 - 22:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد تناول الناس منذ حين مسألة الافطار في رمضان عمدا، واشتد فيها اللجاج بينهم، ودارت المعركة بين جيوش من الصائمين وسرية من المفطرين، وخيل إلى بعضهم أن ترك الناس أحرارا إن شاءوا صاموا وإن شاءوا أفطروا سيفضي بالمغاربة الى ردة جماعية تنتهي بهم إلى الإنكار والجحود. يقع القوم من الاسلاميين ومؤيديهم من المسلمين التقليديين- الذين مردوا على مصادرة الآراء المخالفة للثقافة السائدة والإجهاز على أصوات المستنيرين من أبناء وطنهم- في العديد من التناقضات الدينية والاجتماعية والحقوقية، فهم يلعنون المفطرين ويكفرونهم بما اعينوا من الصفاقة والدعوى ولؤم الأدب والعجب، ويتجاهلون ما تنص عليه ادلوجتهم العقدية أن المرء لا يكفر اذا ترك الصيام معتقدا بوجوبه، لكنه يكفر اذا ترك الصلاة وإن كان معتقدا وجوبها!!.علما بأن الصلاة من أركان الإسلام ومن شعائره الأساسية، فلماذا يغضون الطرف عن تارك الصلاة ويكادون يزلقون المفطرين بألسنة حداد.. ؟! ألا ينادى للصلاة في بلادنا ومع ذلك ترى الناس لا يبرحون كراسيهم في المقاهي والبارات.. أم أن الناس مخيرون في الصلاة مجبورون على الصيام!! مالكم كيف تحكمون؟ إن للمرء الحق في الاختلاف عن الآخرين في عاداته وعقائده وطريقة عيشه، وليس من خير في بيئة تنتج لنا عقولا متطابقة نسخة من نسخة، ومواطنين متشبعين بذات المناهج والوسائل والتصورات لا يحيدون عنها ولا يجيدون غيرها، كمعلبات السردين تتشابه لونا وشكلا ورائحة..!! لقد كنا نظن أننا في دور انتقال وتحول جمعي نحو الديموقراطية وبناء الدولة المدنية على أساس الاندماج والتسامح وحرية الأفراد التامة في التفكير والبحث، والإعلان عما انتهوا إليه من آراء بعد البحث والتفكير الذي قد ينتهي بهم إلى الشك فيما كان الناس يرونه يقينا، أوجحود ما أجمع الناس على أنه حق لا شك فيه. لكن يتبدى جليا أن كثيرا من أبناء الوطن الذين ينادون بالتغيير والديموقراطية والدولة الحديثة لا يفقهون من ذلك إلا ما يفقهه برابرة المعاني القادمون من القرون الوسطى. فالديموقراطية عندهم هي السفينة التي توصلهم إلى سدة الحكم فحسب وبعد ذلك يحرقونها.. والتغيير عندهم هو ما كان لصالحهم دون غيرهم. أنا لم أر قط قوما أشد تقلبا وتناقضا من هؤلاء.. سفهاء مكرمون بحكم الدين، كالحكام سفهاء مكرمون بحكم السلطة والسياسة. أفحسب الاسلاميون وأنصارهم أن المغرب- الذي هو وطن لجميع المغاربة متدينين ولادينيين- جنتهم ومن خالف عن أمرهم فهم أبالسة يقال لهم ما قيل لإبليس : اخرج منها.. إن شعوب العالم اليوم تسابق بعضها نحو الحداثة والعلم وانسنة القيم والقوانين، بينما نحن نجاهد أنفسنا للبقاء على نفس النسق المتخلف الذي اعتدناه منذ آلاف السنين.. لماذا ترتعد فرائص الاسلاميين لمجرد سماعهم عن التسامح و التحديث والعقلانية، بينما يتراقصون طربا عند الخوض في التكفير والقصاص وإقامة الحدود والانتقام والجلد والتعزير..يكرهون الوجود من أجل أنفسهم ويكرهون أنفسهم من أجل الوجود..!! فبدلا أن نشيع في الناس جوا من الثقافة المتسامحة، ومنظومة من القيم الأخلاقية والعلمية التي تشجع الإبداع والتجديد، وتستجيب لمتطلبات الحقبة الراهنة، وتتبني المناهج الفلسفية الحديثة في البحث عن حقائق الأشياء، متجردين في سبيل ذلك من كل ما نعلمه من قبل، متخلصين من كل هذه الأغلال الثقيلة التي تأخذ بأيدينا وأرجلنا وعقولنا وتحول بيننا وبين الحركة العقلية الحرة والمستقلة- بدلا من ذلك فإننا نروج لثقافة أحادية عقيمة راكدة، تجتر ولا تنتج، تجرم ولا تناقش، تحفظ ولا تعي، تستوعب ولا تحلل.. وأنت لو صرفت دهرا في مطالعة مقالات الاسلاميين المعاصرين ومؤلفاتهم فلن تجد فيها تجديدا يسترعي النظر، أو براعة تستدعي التأمل، لكنهم في جملتهم يتهالكون على مؤلفات القدماء وأقوالهم فيلخصونها تلخيصا، ويعرضونها لك بعبارة عصرية ثم يحيطونها بهالة من القداسة الدينية. تراهم تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، فهم في الجمع اسلاميون لكن إذا خلا بعضهم إلى بعض اخذوا يصنفون ويقصبون!! فالسلفيون الذين كانوا يعرفون قديما بأصحاب الحديث والفرقة الناجية يكفرون الصوفية من أتباع ابن عربي صاحب الفصوص والحلاج وابن سبعين القائلين بوحدة الوجود..والصوفية يكفرون ابن تيمية مرجع السلفيين زاعمين أنه مجسم ويعتقد أن النبي رأى الله في صورة شاب أمرد..وقل نفس الشيء في باقي الفرق الاسلامية الثلاث والسبعين التي كلها في النار إلا واحدة!!..فابحث أنت أيها القارئ بعد عن الفرقة الناجية في هذا الخضم المتلاطم. ولا يفهمن أحد أنني أزدري الثقافة الاسلامية أو أزور عنها ازورارا، فإن فيها عيونا خصيبة من الأفكار، وأقطابا تتلألأ في أفق الحضارة والفلسفة الانسانية كابن رشد وابن سينا وابن طفيل والمعري... حتى ابن تيمية صاحب درء تعارض العقل والنقل وهو كتاب ناطق بما لصاحبه من اطلاع على أساسات المنطق وتمرس في الحجاج.. لكن إخواننا الاسلاميين لا يأخذون من القدماء إلا الحشو والتخليط، ويزيدون عليه بما يتحلون به من سوء الفهم و لؤم الغريزة أضعافا من الحشو والتخليط..فتكون النتيجة بين يديك في ما يسودونه ويطبعونه.
إن أهم ما نحتاجه في مجتمعاتنا العربية هو النقد والتقييم الذاتي، أن نطالع أنفسنا في مرآة الواقع لنرى الترهل الفكري والثقافي الذي نكابده، ونعي الوهم الكبير الذي نعيشه من أننا خير الشعوب والأمم..
#علال_البسيط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|