|
ســـلـوك الـعــنـف في العلاقة بين الدولة والمجتمع
ساسي سفيان
الحوار المتمدن-العدد: 1025 - 2004 / 11 / 22 - 08:09
المحور:
حقوق الانسان
عندما نبحث في موضوع اجتماعي هام و الذي يتراوح أبعاده بين علوم إنسانية و اجتماعية مختلفة ابتداء من علم الاجتماع وصولا إلى علم الجريمة يصبح التساؤل التالي مشروعاً : إلى أي مدى يمكن أن نعطي هذا الموضوع حقه ، وهو لا يزال تأثيره إلى حد الآن في شتى المجالات اليومية والممارسات منذ ما يصل إلى الخمسة عشرة من السنوات الأخيرة ؟ كيف يمكننا أن نبحث في موضوع العنف وهو لا يزال حياً فينا ، وسيبقى ، ما دمنا نعيش في مجتمع تنعدم فيه ثقافة العنف و يفتقد إلى مقومات السلم الفعلية ؟ وإذا استطعنا الكلام في الموضوع وأعطيناه حقه ، فإلى مدى يمكن النجاح في طرح خباياه و توضيح أبعاد هذا المفهوم وما يرتبط به ، و الجزائريين جميعهم عشوا مع العنف بشتى أشكاله ، فكأنه أصبح فعلا اجتماعيا لكثرة ما اختلط بالسلوكيات الاجتماعية و الانفعالات النفسية الملازمة لحياة الفرد الجزائري ، أو لكثرة ما مارسته الأجهزة و الأنظمة لرده عن أفراد مجتمعاتها – فيما يعرف بالعنف المضاد - أو للمطالبة بما يراه الفرد حقاً له ، والعنف بهذا المعنى لا ينظر إليه على أنه فعل اجتماعي سلبي ، أو سلوك إيجابي ، بل يتناول على أنه واقعة اجتماعية ، تاريخية ينتجها فاعل فردي أو جماعي في سياق الصراع من أجل السيطرة على الآخر في غياب أي تنظيم للعلاقات من النوع الديمقراطي أو المساواة في الحقوق والواجبات . فالعنف من حيث المفهوم ، هو الإيذاء باليد واللسان ، بالفعل أو بالكلمة ، هو المندرج في الحقل التصادمي مع الآخر (1) . و العنف بهذا المعنى ، يفترض وجود الذات والآخر ، القائم بالفعل والمتلقي له . إلا أن العنف يمكن أن يتوجه من الذات وإليها . في هذه الحالة، العنف هو مشروع انتحار . و العنف في المجتمع ، من حيث هو ذات – على سبيل الرمز – هو مشروع انتصار أيضاً . هل يستبطن هذا الكلام دعوة إلى اللاعنف ؟ ربما . إلا أن العنف ، أيضاً هو مشروع حياة وحرية إذا مورس في مجتمع خاضع للاحتلال أو للطغيان . وهو في كل حال تجربة نفسية – اجتماعية من تجارب إيذاء الآخر ، تستمد عناصر وجودها من تغييرات المجتمع ومن واقعه الاجتماعي – التاريخي ومن ثقافته السياسية . وهو سلوك يقوم على أذية الآخر : إما بإنكاره كقيمة من قبل القائم بالسلوك العنف ، ويُفترض أنها قيمة إنسانية تستحق الاحترام والحياة ، وإما باستبعاده قسراً عن حلبة الصراع ، أو عن لعبة المشاركة ، وإما بتصفيته معنوياً ومادياً . سلوك العنف ، إذن إرادة صراعية . وفي مجال الفعل السياسي ، هو أداة من أدوات الصراع السياسي ، بل أداته الأخيرة المتاحة ، كما الكي آخر الدواء عند الأسلاف . وبهذه الإرادة الصراعية تستقوي الذات ذاتاً أخرى ، وتلجأ هذه الأخيرة للدفاع . عنف يقابله عنف مضاد . يتزايد مع تزايده . شعور لاغ للآخر من كلا الطرفين ، ومن الأطراف المرشحة للدخول إلى حلبة الصراع مع تزايد السلوك العنف والرد عليه ، مع هذا الفرق أو ذاك ، للمساعدة على إبقاء كل فريق في الموقع المقابل ، وللتعجيل بقيام مبادرات التسوية المترافقة طرداً مع حدة العنف الممارس ، ليتم التوافق في قمة هذا الصراع ، من أجل إعادة الوفاق والتوافق ، ليظهر الأمر وكأن الصراع والسلوك العنف فيه ما كان إلا لإثبات جدارة كل فريق في الوجود تجاه الآخر- لا لإلغائه – وليعترف هذا الآخر بهذه الجدارة ومن ثم بهذا الوجود . في هذا الحديث عن سلوك العنف كفعل اجتماعي لا ينطبق بالضرورة على مفهوم ن العنف السياسي .إذن فما هو العنف السياسي ؟ .
العنف السياسي : هو كافة الممارسات التي تتضمن استخداماً فعلياً للقوة ، أو تهديداً باستخدامها ، لتحقيق أهداف سياسية تتعلق بشكل نظام الحكم وتوجهاته الإيديولوجية ، أو بسياساته الاقتصادية والاجتماعية (2) . و العنف السياسي يمكن أن يكون موجهاً من النظام إلى المواطنين ، أو إلى جماعات وعناصر معينة ،و ذلك لعدة أسباب يمكن حصرها في محورين هامين تتمثل في : - ضمان استمرار النظام ، إضفاء نوع من القوة الداعمة لأسسه بتقليص دور القوى المعارضة والمناوئة له . وتكون ممارسة العنف هنا متناسقة ومتكاملة بين أجهزة الدولة كافة . وهو ما يسمى بالعنف الرسمي . كما يمكن لهذا العنف أن يمارس من الأفراد أو من فئات و مجموعات منظمة أو غير منظمة معينة منهم ضد النظام . العنف السياسي إذن ، يمارس على جبهتين اثنتين : العنف الرسمي : أي استخدام السلطة الحاكمة وسائل العنف المتاحة تجاه المجتمع أو بعض فئاته المعبرة عن مصالحها – أو التي تحاول أن تظهر وكأنها تعبر عن مصالح المجتمع ككل ، والعنف الشعبي أو غير الرسمي : أي استخدام القوى والتنظيمات السياسية ، أو الاجتماعية العنف إما تجاه بعضها بعضاً ، أو البعض منها تجاه الدولة . إذا كان العنف الممارس ضد الدولة المالكة لوسائل العنف الشرعية ، فإن المواجهة تكون على قدرة نظرة الدولة إلى ذاتها والى موقعها القيادي في المجتمع ، وإلى نوعية نظرتها إلى الخصم صاحب السلوك العنف . إلا أن السلوك العنف ضد الدولة يمكن أن يكون نتيجة فشلها في تحقيق الاستمرار عن طريق تدعيم أسس ومصادر شرعيتها ، وتطوير ذاتها ومؤسساتها وسياساتها لتتمكن من استيعاب القوى الجديدة الراغبة بالمشاركة في السلطة (3) . كما يمكن أن يكون رد فعل ضد فئة اجتماعية أو سياسية ترى في الدولة القائمة تجسيداً لمصالحها وتعبيراً عن نظرتها السياسية إلى بقية الأطراف السياسية والاجتماعية المتشكلة منه بنية المجتمع الأهلي المنقاد على هذه الصورة ومن قبل هذه الدولة . كما يمكن أن يكون سلوك العنف نتيجة توافق ضمني بين الدولة وبين من تعبر عن مصالحه من فئات المجتمع ، لضرب الفئة الاجتماعية أو السياسية التي يمكن أن يشكل وجودها تهديداً مباشراً للنظام وللقيمين عليه ، وخصوصاً إذا كان لا يزال يانعاً ووليد توافق هش بين ممثلين لفئات سياسية واجتماعية لا تطول بالضرورة فئات المجتمع كافة ، ولا تعبر عن مصالحه العليا ،.. ولا تأخذ المتغيرات السياسية والاجتماعية بعين الاعتبار . وفي هذه الحالة يصبح السلوك الرسمي العنف أداة لتثبيت النظام وتقويته بإضعاف الآخر ومحاولة القضاء عليه ، طالما أن هذا النظام يعبر عن مصالح ويحافظ على مكتسبات الفئات التي يهمها زوال المهددين بقدر ما يهمها البقاء في الحكم و النظام والمحافظة على المكتسبات والمصالح . هشاشة النظام وضعف الدولة - رغم امتلاكها لوسائل العنف ومشروعية استعمالها له بحجة الدفاع عن النظام والمحافظة على الأمن العام - ساهما في ممارسة العنف الرسمي بأعلى أشكاله . ذلك أن السلطات إذا أمعنا النظر في هذا الحدث ، نجد أنه كان نتيجة لعوامل عدة على مستوى الداخل ، داخل المجتمع الأهلي اللبناني ، إن كان بالنسبة للدولة ، أو لمؤسسات المجتمع الأهلي دينية كانت أو سياسية ، أو على المستوى الإقليمي والدولي لا شك أن بعض الممارسة العنفية للدولة ، وإن كانت باسم القانون أو فوقه ، أو باسم الحفاظ على المجتمع وعلى أعرافه وتقاليده وقيمه ، أو كانت ضد المجتمع ، وضد أعرافه وتقاليده وقيمه ، ليس لها ما يبررها في منطق صيرورة الدولة وتوجهها العام . ذلك أن الدولة ، وبعملها هذا ، تكون قد أسست ، ليس فقط للانفصال عن المجتمع ، بل لمنع أي تغيير في بنية المجتمع . وهذا التوجه جاء منسجماً مع المرتكزات والأسس التي قامت عليها الدولة ، ونتيجة حتمية لفعل النظام الذي لم ينجح ، كما سنرى ، لا في تأسيس نفسه ولا في تأسيس المجتمع الذي يقوده . اتفاق شفوي لا شك أن مسؤولية توجه المجتمع في هذا المسار تقع على عاتق الدولة برجالها وأجهزتها ومؤسساتها الناظمة لشؤونه . فالتوجه في المسار المؤدي إلى قيام المجتمع المدني بمؤسساته وسلوك المنتمين إليه ، وبتبادل المصالح والمنافع فيما بينهم بشكل عقلاني ، يحتم علة الدولة ترسيخ مفهوم الإرادة وبلورته وكذلك مفهوم المصلحة . وهذا يعني أن على الدولة بلورة مفهوم المصلحة المشتركة التي يمكن أن تجمع بين كافة المواطنين ، والتأكيد بالنظرية والممارسة على أنها وحدها القادرة على جمع الشمل الوطني والمتجاوزة لكافة أنواع المصالح الضيقة من عائلية وطائفية ودينية وإقليمية . وكذلك عليها العمل على تنمية الإرادة المشتركة في الحياة الواحدة وشحذها الدائم بالفكر والممارسة لتتقدم وتعلو على أي إرادة أخرى . عندما تنتهج الدولة هذا التوجه ، تجد نفسها في موقع بناء المؤسسات الداعمة والعاملة على ترسيخه في كافة المجالات التربوية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية . فيكون المجتمع المدني بذلك نتيجة الفعل الواعي لنظام الحكم فيها . من الطبيعي القول أن الدولة لا تتجه هذا الاتجاه ولا تبدأ العمل فيه بمعزل عن مؤسسات المجتمع الأهلي . كما أنه من الطبيعي أن تتضارب مواقف هذه المؤسسات وتتقاطع مصالحها . إلا أن هذا التضارب وهذا التقاطع يبقيان ضمن الحدود المشروعة والمكفولة في باب حرية الفكر والمعتقد ، فلا يتم تجاوز حدود المصلحة والإرادة في الحياة الواحدة . وإذا لم يكن ثمة حدود ن فإنهما – أي التضارب والتقاطع – يصلان إلى بنية المجتمع والدولة معاً . بإزاء هذا الوضع ، تجد الدولة نفسها ملزمة بإيجاد نظام تربوي – تعليمي جديد يزرع حب الولاء للوطن ، ويكفل توحيد نظرة اللبنانيين إلى تاريخ بلادهم . ولا يتم ذلك إلا من خلال درس مفاصل هذا التاريخ لأخذ العبر من السلبيات وبلورة الإيجابيات ووعيها ليتشكل لنا وعي تاريخي نورث عبره إلى الأجيال القادمة بإيجابية تطغى على السلبية . تصل هذه الأهمية أيضاً إلى المؤسسات التي تشكل حقل التفاعل بين الدولة والمجتمع . وهي التي تنضوي جميعاً تحت لواء الإدارة . وعليها تقع مسؤولية تثبيت ركائز المجتمع المدني من خلال العلاقة بين الموظف والمواطن ، ومن خلال نظرة الموظف إلى وظيفته وبالتالي إلى إدارته والمراقب منها بعد اختياره وإعداده وتدريبه ومكافأته ، أو معاقبته ، أو إلى صاحب المعاملة أو الخدمة ونظرة هذا إليه . ولا يتحقق ذلك إلا باتباع المنهج الإداري السليم الذي تقتضيه الأصول المتبعة في المجتمعات المدنية ، هو إبقاء الموظف ، بمعزل عن أية ضغوط ، متحرراً من أي سلطة غير سلطة الإدارة التي ينتسب إليها ، والمتحررة بدورها من سلطة السياسة وسطوة السياسيين ، لينمو بنموها المجتمع المدني و يترسخ . ويبقى أن المجتمع المدني هو نتيجة التفاعل والتنسيق بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع . وذلك أن النصوص وحدها لا تلغي ما يمكن أن يكون موجوداً في النفوس . والاتفاقيات المكتوبة لا تصنع أوطاناً . فالمجتمع ، كما قال سعاده ، معرفة ، والمعرفة قوة ، والقوة هنا ما هي إلا الإرادة القوية المتسلحة بالمعرفة ، والوعي ، القادرة على نقل المجتمع من حالته الأهلية إلى حالته المدنية والأزمنة الصعبة تتطلب القادة من الرجال .
الهوامش و المراجع (1) خليل أحمد خليل ، سوسيولوجيا العنف ، الفكر العربي المعاصر عدد 27/28 ، خريف 1983 ، ص19 . (2) حسنين توفيق إبراهيم ، ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1992 ، بيروت ، ص52 . (3) المرجع السابق ص50 .
الباحث ساسي سفيان
البريد الإلكتروني : [email protected]
#ساسي_سفيان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولـةفي ظل الــقــرن الحـــادي و الـعــشــريــن
-
العـولــمـــة
-
عملية نشر المعرفة العلمية
-
الشـبـــاب العربي وتكنولوجيا المعلوماتية
-
العمل الثقافي بالجزائر
-
دور الـمـــراكــز الـثـقـــافــيــة الــعـــربـيـــــة
-
نـشــر المـعـرفـة الـعـلـمـيـة فـي أوسـاط الشـبـاب
-
ظهور وانتشار المعرفة العلمية في ظل القرن الحادي و العشرون
-
الـحـــاجــات والـمـتـطـلـبــات المـعـرفـيــة
-
دور المركز الثقافي في نشر المعرفة العلمية بين الشباب
-
منظومة المعرفة البشرية والعقل الكوني
-
الثقافة و المعرفة في ضل القرن الحادي و العشرين
-
الـساحة الـثقــــافية العربيــــــــة
-
الـتـنـمـيــة الـثـقـافـيــة والـمـسـتـقـبــل
المزيد.....
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
-
كيف -أفلت- الأسد من المحكمة الجنائية الدولية؟
-
حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يوقف الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيرا
...
-
بعد مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت.. سيناتور جمهوري يوجه تحذي
...
-
قادة من العالم يؤيدون قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الا
...
-
معظم الدول تؤيد قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الاحتلال
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|