|
جمال سليمان ..نجم محبوب بموجب المادة 8 من الدستور السوري
يعرب العيسى
الحوار المتمدن-العدد: 1025 - 2004 / 11 / 22 - 08:00
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
في السادس عشر من شباط عام 1987 استشهد شاب فلسطيني من يافا، كان عضواً في الجبهة الديمقراطية، رحل وهو يعتقد أنه مات فداءً لفلسطين وأننا سنكمل المسيرة وأن دمه لن يذهب هباءً، رحل دون أن يعرف أن سبعة عشر عاماً فقط ستكون كافية ليخرج رجل على شاشة التلفزيون ويصفعه بتهمة "إرهابي" و "قاتل مأجور"، كان هذا الشهيد سيتألم لو علم بذلك، لكنه سيتألم أكثر لو عرف اسم الرجل الذي يطلق عليه هذه الصفات، كان سيحزن كثيراً بسبب الاسم الذي حمله تسعة وعشرين عاماً، لأن هذا الشهيد كان اسمه جمال سليمان (لمن أراد الدقة: جمال حرب سليمان مواليد نابلس1958 استشهد في مخيم شاتيلا) ربما كان الشهيد جمال سليمان مغرراً به ومخدوعاً وهو أمر وارد الحدوث، لأن التفريق بين الإرهاب والمقاومة أمر بالغ الصعوبة وهو ـ بلا مبالغة ـ أصعب من تفريق الخيط الأبيض عن القلب الأسود، وكثيرون يمكن أن يقعوا في خلط كهذا. فالممثل السوري والسفير "حسن النوايا" الذي يحمل الاسم ذاته وقع في هذا الإشكال ووقع بياناً يطالب بدعم ونصرة الأسرى الفلسطينيين تحت اسم "رسالة من 637 شخصية عربية للأمين العام للأمم المتحدة"، دون أن يعرف أنه يمكن أن يكون بينهم إرهابيون، وبالضرورة بينهم إرهابيون حسب التصنيف الجديد (النيو لوك) الذي أطلقه جمال سليمان بنفسه، ووقع مرة أخرى في الإشكال ذاته حين ألقى في السابع من نيسان 2002(وللصدفة فالتاريخ يمثل ذكرى عزيزة على قلوبهم) كلمة في مهرجان تضامني أقيم تحت شعار: "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين" ولا أعرف حسب التصفيف الجديد للفنان النجم إن كان الفداء بالأرواح والدماء يدخل في خانة الإرهاب، وفي كلمته تلك التي ألقاها قبل علي عقلة عرسان ـ طيب الله ذكره ـ مباشرة حيا فيها كل المناضلين في سبيل فلسطين واستخدم مفردات من مستوى: (خيار المقاومة، القدس والمقدسات والاستقلال والهوية والعزة والشرف. صراع شامل لعناصر التاريخ والهوية والجغرافيا والوجود والحاضر والمستقبل) بعد 11 أيلول (اليوم الوحيد في التاريخ الذي لا يحتاج لسنة ينتمي إليها) لم يتغير العالم كما نردد جميعاً، ولكن تغير مفهومنا للتغيير، فعوضاً عن خطط جيوسياسية متقنة ومكلفة، تخرج كونداليزا رايس لتبربر بكلمتين عن القبضة القوية التي ستسحق الإرهاب أينما كان، مما يكفي ليستبدل جمال سليمان (على سبيل المثال) قاموس مفرداته كاملاً، ويستعيض عن جمله الباهتة التي اهترأت لكثرة استعمالها بمفردة سحرية واحدة: إرهابي. كلمة جميلة وذات وقع رنان وأثر مقنع، بدلاً من كل تلك الثرثرة عن "الصحفيين المأجورين أعداء النجاح، والصحفي التافه الذي يشتري قلماً بنصف ليرة ليتطاول به على القامات الوطنية، عديمو الثقافة، الجهلة" وبدلاً من "أغلقوا قسم النقد" يمكن القول: "إنه يخرج أصوليين والدليل لحية رفيق قوشحة شيخ الطريقة" عندها لن يبقى أساتذة في المعهد كي يستقيلوا احتجاجاً ولا طلاباً وخريجين كي يوقعوا بيانات الاستنكار، وبدلاً من ضرب طالب في المعهد لأنه نادى لزميله جمال بصوت مرتفع، يمكن القول "هذه شيفرة خاصة بعملية إرهابية" وعندها سنتلذذ جميعاً بنداءات الاستغاثة التي سيطلقها من غوانتانامو، وبدلاً من ممارسة النفوذ لاستبعاد ممثل من حجم فارس الحلو عن أي عمل يمكن إلصاق تهمة "تقديم خدمات معلوماتية لإرهابيين محتملين" ليس في هذه الاقتراحات أية مبالغة، فجمال سليمان في لقاء مع تلفزيون المستقبل وردا على سؤال لزافين، حول جملة وردت في مقال لراشد عيسى نشرته السفير اللبنانية حول مستوى مسلسل الخيط الأبيض قال بالحرف الواحد: " هذا الصحفي قضى حياته في منظمة قتل مأجور، منظمة إرهابية، تؤمن بالقتل وسيلة للحوار، وانتقل، مع تغير هذا العالم، إلى الصحافي المعارض والناقد والمثقف الذي يستخدم القلم مثلما يستخدم المسدس" طبعاً لم يتضمن مقال السفير تهديداً بقتل أي ممثل رديء عامة أو جمال سليمان خاصة، بل هو مقال باهت مفرط في تهذيبه ومهادنته، يتحدث عن صورة النجم الأوحد في مسلسل أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه مغيظ لفرط رداءته، والنقد الذي وجهه المقال يشبه انتقاد رجل لعدم التزامه بالإشارة الحمراء، رغم أنه صاحب عذر قاهر، فالشرطة تلاحقه لأنه قتل أفراد أسرته للتو. وربما كان الاستشهاد بـأيمن زيدان كممثل قادر على تلوين أدائه هو ما أغاظ النجم الفتان، فأن تنتقد جمال سليمان وتمدح أيمن زيدان في مقال واحد يشبه أن تقول لشيعي: استحلفتك بيزيد أن تمسك هذه الأفعى. سياسياً كانت المفردات التي اختارها جمال سليمان، للتعليق على المقال ضربة معلم، فمنذ أشهر ووسائل الإعلام تتناوب أخباراً عن تعاون أمني بين سوريا والولايات المتحدة، وهو ما يعول عليه في حال إثباته في تخفيف الضغوط الأمريكية عن سورية، ويأتي هذا الاتهام في هذا الوقت بالذات مدروساً وذكياً، فالجرافات ترفع الساتر الترابي على حدود العراق وجمال سليمان نفسه يستخدم مفردات وتقييمات المخابرات الأمريكية. استخدم رئيس تحرير صحيفة جبهوية عبارة "يصلحون لتشكيل مجلس حكم ما" في وصفه للمشاركين مختلفي الاتجاهات في ندوة حول الوحدة الوطنية، وعلق أحد المتابعين: "هذا تقييم لا يصدر إلا عن علي كيماوي ما" وأسوق هذا المثال لأذكر بلقاء أجراه زاهي وهبي مع جمال سليمان، وسأله عن ثقافته فارجع ذلك لتربيته على القراءة حيث كان منذ المرحلة الإعدادية يقرأ بانتظام أعداد مجلة المناضل، ولمن لا يعرفها فهي النشرة "الفكرية" الداخلية لحزب البعث، وتحدث في نفس اللقاء عن فضل اتحاد شبيبة الثورة عليه كممثل. وهذه النشأة تجعل من الطبيعي اتهام الآخرين: بالعمالة قبل 11/9 وبالإرهاب بعده. كتب راشد عيسى ذات يوم في صحيفة السفير: "نحن في المخيمات ننجب الكثير من الأبناء لأننا نعرف أن أمامنا فاتورة باهظة من الدم، وكل فلسطيني يشعر أن عليه واجب سدادها" وذات يوم من فتوته المبكرة (16 عاماً) حمل نسخته من الفاتورة الباهظة، ومضى إلى المخيمات في لبنان، حيث كان مركز العمل الفدائي، وببساطة وعفوية مراهق قال لأول رجل التقاه هناك: أريد أن أحرر فلسطين.... تاجَر لصوص القضية براشد كما تاجروا بآلاف مثله وكما تاجروا بنا جميعاً، وبأوطاننا ومستقبلنا وهواء رئاتنا، تاجروا براشد وغرروا به وبوطنيته وطفولته كما يفعل لصوص أية قضية منذ بدء الخليقة، ولا يستثنى من ذلك قضية حرية الرأي ورسالة الفن السامية، ودور الدراما السورية في بناء غدنا "المشرق" وحاضرنا "المجيد". عاد راشد (وهو ما زال فتياً أيضاً) ليبحث عن خلاصه الذاتي (كما يقول أخوتنا الماركسيون على سبيل الشتيمة) ووجده في الكتب فانكب عليها ودرس النقد، وتفرغ للعمل الصحفي تماماً، كتب مقالات نقدية في المسرح والسينما والتلفزيون والأدب، كسب الكثير من الأعداء (يشرفني أن امتلك حتى نصفهم) وبعض الأصدقاء، رسخ نفسه كصحفي ثقافي مشاغب لا يوفر أحداً من سلاطة قلمه (سخر مني بقسوة في احد مقالاته في مجلة النقاد، ولا استطيع إخفاء إعجابي به)
كتب الزميل سلمان عز الدين في جريدة الثورة: "أدى الممثل جمال سليمان دورا رائعا في التغريبة الفلسطينية، المسلسل الذي يرى كثيرون انه واحد من أهم المسلسلات السورية إن لم يكن الأهم على الإطلاق، ولكن سليمان كعادته، لم يتح لنا فرصة كافية لمديحه" وأود بالمناسبة أن أصحح هذه العبارة لتصبح: "كان مسلسل التغريبة رائعاً لدرجة أنه حتى جمال سليمان نفسه أدى دوراً جيداً" فهذه مناسبة ليعرف جمال سليمان أن نسبة المفتونين بأدائه كممثل ليسوا 99.98 % لأن الحزب لم يضع لنا حتى الآن قائمة جبهة بذائقتنا الفنية، فهناك مشاهد واحد (على الأقل) يرى أربعين ممثلاً سورياً (على الأقل) أكثر إٌقناعاً وأوضح موهبة من جمال سليمان، فالممثل الذي يؤدي دور النجار والسجين والمهندس والفلاح مصراً أن يبدو أستاذاً جامعياً لا يمكن أن يكون ممثلاً جيداً، والفنان الذي يعتقد أن مهمة ضابط ارتباط بين الأجهزة الأمنية والحزبية وبين شركات الإنتاج هي إسهام في صناعة الدراما السورية لا يمكن أن يكون فناناً، وشخص تسيل دهون النفط على شفتيه، ويقطع آلاف الكيلومترات لأن فتات الأمير هناك يشكل وليمة هنا، لا يحق له استخدام مفردات صحفي مأجور وقبض خرجيته من المتنفذين، ولا يحق له اتهام أحد ولا رفع دعوى على مجلة نشرت وقائع الرحلة العجائبية لقبض الجعالة، ثم توقفت بعد عددين لانتهاء مدخرات مجموعة من الشباب المتحمسين واستنفاذ فرص الاستدانة الممكنة. في الوقت الذي يعتبر فيه جمال سليمان أن ورود ملاحظات نقدية على أدائه كممثل في أي مقال يكتبه صحفي هو استهداف ومؤامرة، لا تنبع إلا من جهات غامضة تشتري الذمم للإساءة للنجم المحبوب، وأن الصحفي الذي يكتب ليس سوى إرهابي، وفي أدنى الحالات مدفوع ومريض نفسياً، في ذات الوقت يصرح أنه في طور البحث عن جهة تمول مشروعا مسرحيا غنائيا ضخما يهدف من خلاله تقديم صورة "الإسلام المتنور" الذي يقوم على إعلاء قيم التسامح والثقافة والعلم وقبول الآخر، أكرر: " إعلاء قيم التسامح والثقافة والعلم وقبول الآخر" حين يتقاطع التصريحان خلال أسبوع واحد يصبح لكلام جمال سليمان لقب واحد: تشدق. يحضرني قول مأثور: احذروا شر بعثي خلع بدلة السفاري الصينية وغير تسريحة شعره. لا اعرف جمال سليمان شخصياً ولست مدفوعاً من أحد، ولم أشارك في عمليات إرهابية في حياتي ـ اللهم سوى بضع مقالات صحفية لا تخص الفن ـ ويسرني بصراحة إزعاج راشد عيسى، ولكن لدي خوف مؤرق من أن تتصادم لسبب ما مصالح جمال سليمان مع مصالح ياسر العظمة ذات يوم فنضطر للاقتناع بأنه يحمل لوثة الإرهاب في دمه لأن يوسف العظمة خرج لميسلون مدججاً بالسلاح لأنه ببساطة: كان إرهابياً. * المادة 8 من الدستور السوري تنص على أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع.
#يعرب_العيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ولا نتقن دور الضحية أيضاً؟
-
الاسلام متخرجاً من مدرسة أحمد عدوية
المزيد.....
-
أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل
...
-
في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري
...
-
ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
-
كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو
...
-
هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
-
خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته
...
-
عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي
...
-
الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
-
حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن
...
-
أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|