أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أبراهيم عودة النمر - من أي حزن.. أبدأ.. حيث ترحل الأنغام..؟















المزيد.....


من أي حزن.. أبدأ.. حيث ترحل الأنغام..؟


أبراهيم عودة النمر

الحوار المتمدن-العدد: 3439 - 2011 / 7 / 27 - 19:18
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


(حينما تشعر انك لا تنتمي إلى مكانك.. تفضل الانتحار..
وحينما يكون الأمر أشبه بالموت.. يكون الاختيار..للحياة.)
فرجينا وولف
ذلك هو شيء من فلسفة (فلسفة فرجينا وولف) الكاتبة الانكليزية والحائزة على نوبل الأدب.. حيث ابتعدت عن الوطن، ودونما تهجير، وفي الغربة كرهت كل الأشياء، بما في ذلك المدينة التي عاشت فيها، ثم عادت يشدها الشوق والحنين للمروج الانكليزية الخضراء، والى النهر الذي عشقته منذ طفولتها.. لتنتحر فيه!!
منذ سنين.. حين بدأ الحزن.. وراحت الأنغام ترحل.. هجرت الكتابة والوطن.. بعد أن ُهجرت كل العقول وفطاحل الإبداع والفقراء والطيور المسالمة.. أرض وسماء وطن الحياة..!
وقد أصبح السيف أصدق أنباء من الكتب، وأرغمت على ترك أحلامي التي لا تشيخ أبدا.. لزمن قاس وصعب.. ولليل لئيم..
وبدأت طريق طويلة من حزن عراقي صرف.. فتركت كل الأشياء..بما فيها أعز وأجمل وأحلى الحبيبات.. بدفئها وهمسها وشعرها الطويل.. لليل عبثت به الأقدار.. تركت (بغداد) بعد أن اجتاحتها قراصنة موت ودم، ووطأتها أقدام همجية لرعاة بقر وعجم وعرب جنسية.. حتى استبيح فيها كل الأشياء.. الكاتب والقارئ والإنسان، حيثما كان على خارطة الدم الجديدة.
قطعا.. لم يكن سيف (حبيب بن آوس الطائي) المعروف باسم (أبي تمام) الشاعر الفيلسوف أصدق أنباء إلا في مجال انتزاع الحق من المغتصب بقوة السيف.. أما أن يكون السيف مستبدا ومسلطا على رقاب أبرياء وعزل.. فهو سيف أعمى لا يعرف الحق ولا العدل ولا الرحمة..؟
في سنين هجرتي للوطن.. أيقظ الحزن كل آلامي وأوجاعي، بعد أن نجوت من موت مجنون وارعن أجتاح كل شوارع الحياة وأزقتها، ودخل غرف نومنا.. حينها شعرت بالوحدة والوحشة.. وكأن كل الأشياء من حولي راحت تفترسني.. بما فيها المكان والزمان والليل والظلام والخوف الذي كان أشدها لعنة كما يصفه (شكسبير)، ورحت أرقب كيف تسقط الحياة دفعة واحدة، على يد مجانين ومتطفلين ورعاع.. حيث اغتالوا بقاماتهم العمياء.. كل فكر وكل أبداع.. وحاولوا أن يفرغوا الحياة من معناها ومن محتواها الأزلي.. واستمالوها إلى نهر من دم أبرياء..فخضبوا به خشبة مسرح الوجود والأمل..!
حينها شعرت بغربة المكان والزمان.. رغم وجودي في الوطن.. فاخترت المنافي هربا ليس من الموت ولكن من صناعه..!
وأنا في الغربة.. سواء كنت في الوطن، أو خارج حدوده.. شدني الشوق للكتابة.. فهي سلاحي الوحيد والكتابة هي لغة راقية، واللغة هي العقل كما يصفها (هامان).
وآمنت من أن الفكر الإنساني حيثما وجد.. فهو المنتصر دائما على من أراد أن يقوض الحياة.. وعلى من أراد أن يزرع الموت في حدائق الحياة والإنسان.. وكان لزما علي أن أكتب، وسأكرر ما كتبه شاعر الحب والحياة والوطن، (نزار قباني):
(سأكتب للصغار.. للذين ولدوا، وللذين سيولدون.. سأكتب للصغار حكاية الأرض التي ضيعها الكبار) وعند عودتي للكتابة.. حاولت أن أحلق في عالم الكلمة التي تلتصق جذريا بالإنسان.. فهو رأس مال الحياة.. تلك الكلمة التي أصابها العطب حصيلة المغريات، وحاولت بدأ أن أبحر في بحر الوجع الممتد بلا حدود على مساحة كل الوطن.. حيث أغتصب في وضح النهار.. وبات يباع في مزاد القهر على يد حنديري ودهالقة ممن تعاطوا السياسة حديثا.. وممن تعمموا بعد الاحتلال..!
رحت أبحث عن وطني الحقيقي.. فوجدته تائها في خضم نزاعات اللاخجل.. ووجدته: في وجوه الملايين المتشردة، حيث بدأت قوافلهم بالنزوح نحو مجهول، تحت جنح ليل لئيم..
وجدته.. في عيون الملايين من الأطفال اليتامى والحيارى، وفي دموع أرامل وثكالى..
وجدته.. خارطة مرسومة، بلا أبعاد، فوق جباه من توسدوا أرصفة الغربة والمنافي والضياع..
وجدته.. في حدقات عيون ذابلة وناعسة، أضناها السهر, وأعياها التعب، لشباب وكفاءات وشهادات ملوا طرق أبواب كل الوزارات التي لا تنتمي إليهم.. فاستسلموا لليأس، ومنهم من فضل الانتحار..
وجدتك.. هناك بعيدا في المجاهيل، وفي غابات مظلمة، وجزر موحشة، وفي قوارب موت محطمة ألواحها..
ووجدته.. في محيط الدم، وفي خليج القهر، حيث يرقص الرجال من الخليجيين، يهزون الأرداف بقوة.. ويتمايلون على أنغام موسيقى أغاني نانسي عجرم ونجوى كرم وغيرهن، وأطفال العراق تتناثر أشلائهم الغضة في بغداد وغيرها من مدن الدم مع شظايا الانفجاريات..
وجدته.. في بيوت صفيح وعلب كارتون تطفوا فوق مستنقعات الموت.. لعوائل متعفنة لا يسترها إلا الشرف، ولا يسد جوعها إلا الكبرياء.. فكرهت المكان والزمان، وكرهتك أيها الوطن المهزوم...
ووجدته.. كقائد مكسور في ساحة حرب.. حينما اجتاحته وحوش كاسرة، وذئاب مفترسه، وكلاب سائبة..
وجدته.. في كتل كونكريتية خرساء، حجبت الرؤيا عن الحياة، ومزقت أوصال الشوارع والحارات..
ووجدته.. في مقبرة الغرباء.. حيث يرقد المبدعون من شعراء وأدباء وفنانين وقادة، هاجروا أو هُجروا وماتوا هناك وقد قتلهم الظمأ لمرآك أيها الوطن..
وجدته.. حيث التيه الذي تحدثت عنه الشاعرة المغتربة (لميعة عباس عمارة):
لو أنبأني العراف.. إني سألاقيك في هذا التيه.. لم أبك لشيء في الدنيا.. وجمعت دموعي كل الدمع.. ليوم قد تهجرني فيه
ووجدته.. في صبيحة أحد الأيام.. في ملامح طفل صغير، لم يتجاوز الرابعة من العمر.. دفعته الحاجة، لينبش في أكوام نفايات عفنة.. بحثا عن شيء يسد جوعه.. وهو إبن وطن البترول..!
وجدته.. في عيون وملامح وتجاعيد الكثير من المتقاعدين، يقفون على أبواب المصارف، في حر الصيف أو قسوة الشتاء، في العراء.. كأنهم متسولون.. تقرأ الحيرة والانكسار والقلق.. في وجوههم بعد أن خذلهم الزمن.. يستلمون (ملاليم) كما يقول الإخوة المصريون..أما الملايين والمليارات فهي من استحقاق أصحاب النفوذ والسيطرة من مناضلين وثوار..!
وجدته.. في شوارع كل المدن، منسيا، منفيا، مهجورا.. لم تلامس تلك الشوارع.. يد إنسان وحينما جبت شوارع بغداد الأزل.. لم أر سوى نفايا ومزابل وحواجز وأسلاك وجدران عالية، وحراس مخترقون، ودوائر مهجورة، وحكومة وزرائها غائبون، ودولة بلا قيادة، وفوضى بلا قانون، ويبقى الوطن.. هو الوطن.. هو المكان والزمان والهوية والتاريخ.. هو الملاذ لعشاق الحياة وللطيور من عصافير وحمائم ونوارس.. إلا أنه مستباح.. وحينما يستباح الوطن يفقد شيئا من هويته، وحينما يستباح إنسانيته.. يفقد ما في داخله من انتماء.. وما عليه إلا الاختيار الأصعب.. الهجرة نحو منافي الغربة..
وللتاريخ.. لم يكن قرار الموت والحياة والتهجير والسطو على ممتلكات، وإشاعة الخوف والذعر صادرا من قاضي أو مسؤول أمن، أنما كان القرار ارتجاليا بيد حفنه ممن تعاطوا السياسة حديثا وهم ليسوا بسياسيين.. وحفنه أخرى ممن تعمموا بعد الاحتلال.. فانفجرت شهيتهم للفتوى..!! وكان الثمن باهظا لعوائل ضاقت بها السبل، وتحجرت الدموع في عيون صغارها حتى تكاد تسعر من أن نبضات الحياة قد توقفت في جسد الوطن الممتد، وفي الزمن، والمروءات، وكل سجايا العرب.. واتسعت لهم مدن الحياة.. في سوريا والأردن ومصر وغيرها.. وكأن أهلها بحق أكثر مروءة ونخوة وشهامة من حنديري آخر زمن في الوطن..!
وبتلك المهاترات اللاخلاقية.. خسرنا كل شيء، حتى توقفت عجلة الحياة.. وتعطلت عملية الآلة في المعمل والمصنع..حتى أصبح الوطن كسيحا لا حول له ولا قوة..ليكون لقمة سائغة للذئاب المفترسة..! الكل في عراق ما بعد التغيير مطلوبون.. لمن ولماذا.. لا أحد يعرف سوى الفقهاء..؟! وبقي الآخرون الأقوياء.. يتزاحمون، ويتدافعون، ويتقاتلون من أجل المناصب والمكاسب والغنائم.. حتى تسلل أصحاب شهادات (مريدي) إلى أمانة مجلس الوزراء، وأصبح التعيين بيد الملالي وخطباء الجوامع وبقي أصحاب الشهادات الحقة.. يتسكعون في الشوارع.. بلا أمل، بلا عمل، بلا حياة..!!
الآخرون تنعموا بالسلطة وبالجاه وبالنفوذ وبالامتيازات حتى وصل عدد حماية واحد منهم أكثر من 800 حرس وأكثر من سبعين سيارة لتقل الحماية..
الآخرون.. يعيشون الحلم في الرخاء.. وفي قصور وفلل عالية، إيفادات، إمتيازات، رواتب خيالية بفضل مهندس الأعمار (صولاغ).
الآخرون.. بطونهم متخمة، جيوبهم متخمة، أما أولادهم يتعلمون ويدرسون في كبريات المدارس والجامعات في العالم الأوربي والغربي.. وعوائلهم عليها السلام، فهي محروسة بأذن الله، تجوب منتجعات العالم.. بعيدة كل البعد.. عن المتفجرات والمفرقعات وكاتمات الموت واللاصقات والتي تبعثها لنا الجارة العزيزة جدا جدا (إيران) وعلى شكل هدايا للشعب العراقي وبلا مقابل..!!
وتبقى الحياة.. للفقراء، والذين يهبونها قيمتها الإنسانية، بتعففهم وترفعهم عن كل ما هو مشبوه.. تماما عكس الذين تربعوا على كراسي السلطة.. وأوهمونا بأكبر دولاب هواء.. وبشتلات من الإمارات، وبمترو بغداد المزعوم وبالمدارس الحديدية ل(خضير الخزاعي) الشامخة وسط الاحياء ودفعت من أجلها مئات الملايين من الدولارات (فدوه لعيون إيران) حتى كرم عليها (الخزاعي) بترقيته من وزير فاشل إلى نائب رئيس جمهورية.. ويظل الفقراء ينامون وأضلعهم على الأحزان مطوية.. ينتظرون إلى الله، عسى أن تهب الرياح، لتمزق الحجب والحدود والظلام، وتغسل دموع الصباحات بندى فجر جديد...



#أبراهيم_عودة_النمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- استعانوا بطائرات هليكوبتر.. كاميرا تُظهر إنقاذ مئات المتزلجي ...
- عبدالملك الحوثي: لن نتوقف عن مهاجمة إسرائيل مهما كانت الضغوط ...
- ضابط شرطة يطلق النار على كلب عائلة ويقتله.. وخلل فني في كامي ...
- تحطمت فور ارتطامها بالأرض واشتعلت.. كيف نجا بعض ركاب الطائرة ...
- إعلام حوثي: إسرائيل قصفت مواقع في صنعاء والحديدة.. ولا تعليق ...
- رويترز عن مصادر: نظام الدفاع الجوي الروسي هو الذي أسقط الطائ ...
- إعلام عبري يكشف تفاصيل جديدة عن تفجيرات إسرائيل لـ-بيجرات- ح ...
- نائب أوكراني: زيلينسكي فقد ثقة الشعب والقوات في بلاده
- مقتل العشرات ونجاة آخرين إثر تحطم طائرة ركاب في كازاخستان
- قوات -أحمد- الروسية: الجيش الأوكراني يتحصن عند أطراف مقاطعة ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أبراهيم عودة النمر - من أي حزن.. أبدأ.. حيث ترحل الأنغام..؟