|
خارج الازمات.. البطاقه التموينيه، مشروع انتحار للشعب العراقي !!!
عدنان سلمان آل نصيري
الحوار المتمدن-العدد: 3438 - 2011 / 7 / 26 - 01:50
المحور:
الادارة و الاقتصاد
كل الامم الحيه منذ القديم استطاعت بناء مجدها وعزتها وكرامتها عندما كانت تنازع بقاءها بالحياة بين الامم الاخرى، لتجد لها عناوين بارزه في تاريخ الحضارات الانسانيه ، ولم تكن منجزاتها الحضاريه جاهزه مع جهوزية نِعَمْ الطبيعه التي انعمها الخالق على عباده . فمع مبدأ الموازنه فيها لما هو نافع وماهو ضار، سلك الانسان بعقله وقوته كل الوسائل والسبل لتطويعها مع حاجات حياته العصريه ،وبلوغ ارقى النتائج واسمى المكاسب فيها . الشعوب الحيه عبر الاف السنين لم تعرف نفسها للاخرين عن طريق افلام توثيقيه او دعائيه كما هو اليوم ، ولكن كلما اردنا استنطاق شهادة التاريخ فهو سيغنينا بمجرد عثورنا على حجاره صغيره تحمل نقشا بسيطا ًمحفورا ‘ حرفا ً ، او اسماً ،اوطلسما ‘ فانه قد يكفينا بالاشاره الى طريقه قدرة التحدي والصبر، لدى ذلك الانسان المغمور ‘ الذي عبر عن قدرته وموهبته المحدود، فبهذاالرمزا البسيط ،الذي صار بمثابة المفتاح الصغير لولوج اوسع الابواب لحضارات الامم والشعوب ‘ والتعرف على عظمة صروحها وكنوزها وكل تراثها المادي الفكري . اما اليوم فقد عكفت كل الدول المتقدمه على انتهاج التخطيط العلمي السليم بالتنميه والاقتصاد لخدمة شعوبها . ولم تقف مكتوفة الايدي بايجاد الحلول اللازمه لتلافي المشاكل وعبورالازمات، والسعي الدائم على مواكبة الحياة المتحركه ، وتبؤ المراتب المتميزه بالمنافسه بين الامم .معولةً على اولويات سياستها ، باهمية قيمة الانسان كوسيله وهدف ،من خلال نشاطاته وابداعاته في الخلق والتجديد ، لاجل خدمته واسعاده ورفاهيته. بظل تهيئة المناخات الملائمه والاسباب الواجبه للتحفيز، باستمرارالنشاطات و القدرات ، بعيدا عن التلكؤ والتباطؤ الذي يؤثر على مجمل النتائج المرجوه . فاول ماوضعت هذه الدول في اولويات فكرها المنهجي بالاقتصاد والتنميه ،شعارا ستراتيجيا ، تبدأه بالمواطن نفسه لتنتهي اليه، بكل مايحمل من ريع ومكاسب مشروعه بالتمتع بالحياة ، و مده الدائم بكل مايحتاج في بلورة طاقاته الخلاقه بالتواصل والتنافس .. مع السعي على ادامة ثقافة خاصه لتحصين المواطن لنفسه وكل مجتمعه من خلال تامين مبدأ التكافل الاجتماعي ، ولو سيكون بمردوده مـتـاخرا، فانه بالتالي جزءا لايتجزء من نتائج ثماره عند تأدية قسطا بسيطا من واجباته العامه بتأدية مستحقات ضرائبيه ترفد وتدعم قطاعات ومشاريع تنمويه خاصه بالخدمات المجتمعيه. وبمقارنه بسيطه مع طبيعة واقع بلداننا في هذا المجال ، لم نجد وجه قريب بالمقارنه مع ما يجري من سياسات ناهضه حولنا في دول العالم المتقدمه وعلى مستوى التنميه والاقتصاد ، ولم نجد جديه بالغه في معالجة المسائل العالقه، التي قد تنذر بمزيد من المشاكل والازمات، فبتراكماتها المستمره على مدى ابعد قد تصل الامور الى ما لانحسد عليه من غيرنا ، وسيكون تداركها اصعب في اللحاق بركب الامم والشعوب الاخرى التي سبقتنا بمسايرة الحياة العصريه الحديثه بكل ماتملك من مظاهر وامكانيات التطلع نحو الحياة الافضل. ففي دولنا ومنها العراق على وجه التحديد ، نجد هناك نشوء ثقافات شعبيه سلبيه على واقع التنميه والنهوض بالاقتصاد ، صارت تتكرس عبر الحقب السياسيه وتعاقب الاجيال ، كما في عملية محاربة و تكفير استحقاقات الضرائب والرسوم البسيطه التي ترفد ميزانية الخدمات والتكافل الاجتماعي وتعضد من تخصيصات التنميه ، وهذه الثقافات قد ساهمت فيها سلطات الدوله نفسها بشكل مباشر أوغير مباشر عبر الحقبات والاجيال المختلفه ، نتيجة فساد بعض الذمم وافتقادها لامانة مسؤلية الجبايه، وغياب الرؤيه السياسيه والاداريه في التخطيط والمعالجه ، وطبيعة الحماقات السياسيه التي جرّت كل البلد نحو مزيد من الازمات المتعاقبه . * كل السلطات السابقه التي كانت مهدده بنتائج فشلها وانهيار زعاماتها وعروشها .لجأت الى وسائل علاجات سريعه بتخدير الجماهير وعلى حساب نتائج غير محسوبة العواقب للمستقبل . ولجأت الى بدائل الخطط الاقتصاديه المبنيه على اساس ترقيعي للخدمات وتوفير الحاجات الاستهلاكيه ، وعلى حساب تنفيذ الخطط الانتاجيه التنمويه ، وكأنهم يريدون بناء رمز مجد الدوله وحضارتها من خلال كسب الرضا والعواطف من خلال عملية النقش في معدة المواطن الذي يزول بمجرد التغوط في دورات المياه .. تستخدم البطاقه التموينيه كوسيله لتنفيذ خطة طوارئ عندما تمر الدوله بازمات الحروب ومظاهر العنف المسلح او انتشار الاوبئه أو احتمال حدوث المجاعات . او قد تتأثر باسباب طارئه اخرى تتعلق بسياسات اقليميه او عالميه . وقد خبر العراق مثل هذه التجربه القاسيه التي لم تستمر طويلا اثناء الحرب العالميه الثانيه في مطلع الاربعينات واحداث ثورة رشيد عالي الكيلاني في مايس 1941، وكل العراقيون من الجيل الاول يستذكرون هذا الحدث ، المعروف باسم (سنة التموين)المترادفه مع احداث (دكـًًَّة رشيد عالي) .. والتجربه الثانيه التي لازلنا نخوضها وهي نظام البطاقه التموينيه التي اعتمدت غداة الحصار الدولي على العراق الذي نتج عن قرار الأمم المتحدة رقم 661 الصادر يوم 6 أغسطس 1990 نتيجة الغزو العراقي للكويت، ونص على اقرار عقوبات اقتصادية خانقة على العراق لتجبر قيادتة آنذاك على الانسحاب الفوري من الكويت. وقد تلى هذا القرار برنامج النفط مقابل الغذاء هو برنامج الأمم المتحدة، الصادر بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 986، لعام 1995؛ المسمى برنامج النفط مقابل الغذاء Oil for Food Program.وهو برنامج يسمح للعراق بتصدير جزء محدد من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، تحت إشراف الأمم المتحدة. وقد وقعت جميع سلطات الحكومات المتعاقبه بعد انهيار النظام السابق 2003 بنفس مطب الاستمرار بهذا النظام المدعوم ، وتفاقم الخطأ بالتقادم مع الزمن ، بالرغم من تحقيق المزيد من المكاسب القياسيه في رفع الحاله الاقتصاديه للفرد وتحسين مستوى الدخل ،وبنفس الوقت لم تبادر او تجرؤ اي منها بالفصل مع الحاله الطارئه التي اجازت العمل بمثل هذا النظام في البطاقه التموينيه، وعدم السعي في تحرير الخطط الجديده بالتنميه من قيود واستنزافات واقعيه تشكل تهديدا حقيقيا على تنمية الاقتصاد الذي اصبح ينهض من جديد نحو التعافي والتحدي بالمنافسه ، مما جعل المواطن يزداد اعتقادا بان سياسة استمرار دعم الاستهلاك لمفردات البطاقه التموينيه يعد مكسبا شرعيا خالدا ، وهوغير ابها بكل ما سيثقل كاهل مستقبل ميزانية الدوله ، وكل ما سيلحق من تبعات وارهاقات وتعطيلات في خطط التنميه الاقتصاديه والاجتماعيه . ومما يدعو للاسف عندما بقيت سياسه التنميه الاقتصاديه مستسلمه للامر الواقع بكل اشكاله وهي تدور في متاهات صعبه وتعاني مشاكل حقيقيه شاخصه بسبب تجدد ضغوط المطالبه بتوفير مواد البطاقه التموينيه لكل الشرائح والفئات بدون استثناء او اعادة تبويب دقيق ،وهذا اسفاف واضح لمستقبل حقوق الطبقات المحتاجه فعلا للدعم والتجهيز .وتعطيلا كاملا لكل مجالات انماء مؤسسات الرعايه الاجتماعيه وكل خطط المشاريع التنمويه العامه للبلد . وبتقادم الزمن اصبحت ثقافة التطفل بالاتكال على البطاقه التموينيه، مكرسه في عقول وبطون الناس اكثر من السابق ، مما يجعل اي سلطه متسلمه لمقاليد الامور ،تقف متحيره دائما، بل عاجزه امام مشكله حقيقيه كبرى. وتصبح بين مطرقة ثقافة مطاليب الدعم الحكومي واستنزاف خزينة الدوله، وبين سندان واقع تنفيذ اهداف خطط التنميه . ومثل هذه الثقافه المستهلِـكه( المتطفله)، ستبقى مستفحله ومعممه دائماً ‘ مادامت جميع القوى الممثله للشعب تحت سقف البرلمان ، هم بانفسهم داعمين لها بشكل مباشر او غير مباشر ، وحتى ولو كانوامنقسمين على أنفسهم بالرؤيه، فهم متفقين على الهدف، بالابقاء على مشروعية البطاقه التموينيه، فجل اهتمامهم منصبا على السفسفات السياسيه ومنافسات مصالحها ، بكل ماتحمل من مظاهر تراشقاتها وتقريعاتها ومزايداتها، غافلين او مستغفلين تناول هذا الجانب المعقد والخطير الذي سيلحق بنتائجه حتما كل الحكومات اللاحقه مهما كان جنسها او شكلها وبدون استثناء . ولم يجرء احدا منهم ان يضع بثقله في مناقشة هذه الورقه الخطيره بشكل جدي .وكأنهم جميعا في بحبوحة راحة البال والضمير ، محملين كل الاعباء والتبعات للفريق الاخر، كاحدى وسائل الضغط في نهج سياسة المعارضه. من اجل كسب نتائج سياسيه انيه وغبيه بارضاء عواطف اكبر عدد من الجماهير ،مستغلين طبيعة موقع سلطة الحكومه ، وهي بالصداره لاتجرأ لوحدها على التغيير ، مادامت تصد عنها وابل التهم . واية مبادره من قبلها في استبدال نظام البطاقه، سيلاقي حتماً بمعارضه شديده من الاطراف السياسيه الاخرى، وستستغل كعنصر اضافي بالاحراج والضغط والتسقيط المقابل . واما الطرف الثالث المتحفظ فأنه لايريد ان يقف بوجه الريح أويكون سببا محرجا للاطراف الاخرى او مهددا من غضبة واستنكار الجماهير الساخطه . * وهكذا سيكون الامر في ظل الثقافة الاستهلاكيه المناهضه للثقافه الانتاجيه الابداعيه .. وهكذا سنكون بظل حالة عدم وضع الحلول العلميه الديناميكيه وعدم المساهمه في دعم وتطبيق خطط التنميه الاقتصاديه . ففي حالة عدم توخي درء الهزال في البنيه الثقافيه الاجتماعيه والاقتصاديه ، ستكبوا فرس اية سلطه بمن عليها كل مره ، وستنحدر كل البلاد الى هاوية الازمات . فالحل الامثل لاية حكومه سواءأ الان او في المستقبل ، ان تتجرأ بقوه ،باستحداث الخطط البديله في التطبيق التنموي الاقتصادي والاجتماعي ، واستبدال نظام البطاقه التموينيه (المستهلِك لموارد خزينة الدوله) ، والمتطفل على حساب تنفيذ كل الخطط الانمائيه للاقتصاد والمجتمع . والقيام بتوظيف كل تخصيصات مشاريع التنميه بحريه تامه ، مع اعادة تنظير علمي و واقعي باحتساب معايير قياسيه على المرتبات والتخصيصات كما في نظام بدلات غلاء المعيشه ، ودعم كل الشرائح المستحقه في خطه دقيقه بالرعايه الاجتماعيه والتامين الصحي . للارامل والايتام وذوي الدخل المحدود وذوي الاحتياجات الخاصه وكذلك صرف الحد الادنى بالتخصيص المؤقت للعاطلين عن العمل لحين تاهيلهم وتشغيلهم ، مع وجوب التركيز على تفعيل التثقيف الواعي للمواطن، في عملية الربط بين ضمان حقوق المواطنه وتادية الواجبات المطلوبه بظل تنفيذ اقتصاد التنميه ، والتاكيد على دور الثقافة الضريبيه في الشارع ومدى اهميتها بالتكافل الاجتماعي ودعم الخدمات الاخرى وتاثيرها على سير نتائج الخطط التنمويه بالبلد . وبالتالي فان من البديهي والمنطق سيفهم الجميع بان فك الاشتباك بين حرية تنفيذ خطط التنميه وبين كل القيود والتبعات السلبيه الملحقه بها ب( مفردات البطاقه التموينيه) ، و بالمساهمه في بذل النشاط والسعي والمثابره في كل الاتجاهات بدلا من الانتظار بالطوابير الطويله وندب الحظوظ في رداءة نوعية السلع المستلمه من وكيل التوزيع ، وبدلا من الاستكانه داخل البيوت عادين ايام الاسبوع وكل الشهر كانتظارالبائسين لموا عيد توزيع الحصه التموينيه . يجب المساهمه بكل همه وتفاعل كل من موقعه متى اردنا استحقاق الحياة وبركتها، ومتى اردنا ان نكون من بين الشعوب الحيه ،التي تحمل بكل جداره ، وبكل كبرياء وشمم لقب شعب الذرى .
#عدنان_سلمان_آل_نصيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زيادة جديدة.. سعر الذهب منتصف تعاملات اليوم الخميس
-
-الدوما- يقر ميزانية روسيا للعام 2025 .. تعرف على حجمها وتوج
...
-
إسرائيل تعلن عن زيادة غير مسبوقة في تصدير الغاز إلى مصر
-
عقارات بعشرات ملايين الدولارات يمتلكها نيمار لاعب الهلال الس
...
-
الذهب يواصل الصعود على وقع الحرب الروسية الأوكرانية.. والدول
...
-
نيويورك تايمز: ثمة شخص واحد يحتاجه ترامب في إدارته
-
بعد فوز ترامب.. الاهتمام بـ-التأشيرات الذهبية- بين المواطنين
...
-
الأخضر اتجنن.. سعر الدولار اليوم الخميس 11-11-2024 في البنوك
...
-
عملة -البيتكوين- تبلغ ذروة جديدة
-
الذهب يواصل رحلة الصعود وسط التوترات الجيوسياسية
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|